عندما فتحت لايلا عينيها، كان الخارج قد أضاء بالفعلروبينما كانت تنهض بتكاسل، فوجئت بدخول المركيزة هيميرد متجاوزة حاجز السرير فجأة، فارتجفت وجذبت الغطاء إليها وقد احمرّ وجهها من الفعل الذي قامت به بشكل انعكاسي.
قالت المركيزة:
“هل نمتِ جيدًا؟”
سألت المركيزة غير آبهة بارتباك لايلا شعرت لايلا أن السؤال غريب بعض الشيء؛ فلم يكن الأمر مجرد سؤال عن حالها، بل بدا وكأنها تريد التأكد مما كانت تعرفه مسبقًا، وهو أنها لم تستطع النوم جيدًا.
وإن كان هذا مقصدها فعلًا، فقد كانت على حق فلم تستطع ليلا أن تغفو طوال الليل، رغم محاولاتها إغماض عينيها وصرف أفكارها، لكن صورة جدة يوستار وهي تتلاشى ظلت تلاحقها.
كانت صرخات الجدة الممزقة للفضاء، وما صاحبها من كراهية، حادة لدرجة أن وقعها ما يزال عالقًا في ذاكرتها كما أن أصواتًا غريبة، صغيرة ومزعجة، مجهولة المصدر، لم تتوقف عن التسلل إلى مسامعها.
قالت لايلا بصدق:
“في الحقيقة، لم أنم جيدًا.”
ابتسمت المركيزة ابتسامة خفيفة كما لو أنها كانت تتوقع ذلك، وأشارت بيدها إلى الخدم كانت إحداهن ميل، والبقية أشخاص لم ترَهم بالأمس.
قالت:
“حين تتناولين وجبة دافئة ستتحسن حالتك استحمي وتجهزي، ثم تناولي طعامك، وبعد ذلك طُلب إحضارك.”
سألت لايلا :
“من طلب ذلك؟ وإلى أين سيأخذونني؟”
رمشت الماركيزة بعينيها كأنها تستغرب جهلها:
“الأمير قال ذلك لقد أمر بأن تقابلي جلالته ألم تكوني تعلمين؟”
أصدرت لايلا صوتًا خافتًا وهي تقول:
“بلى، أعلم.”
“جيد ربما لا تشتهين الطعام بعد ليلة بلا نوم، لكن عليك أن تأكلي جيدًا فلقاء جلالته لن يكون بالأمر السهل.”
كانت لايلا تتساءل عن مغزى كلامها، لكن الماركيزة غادرت متجاوزة حاجز السرير قبل أن تتمكن من سؤالها وبعد أن أُغلق الباب، أمرت ميل بقية الخدم بإحضار ماء للغسل وملابس للتبديل
تحركن بنشاط، واضطرت لايلا مجددًا لخوض التجربة الغريبة بأن تغسل إحداهن وجهها بدلًا عنها، وإن كان الأمر هذه المرة أكثر احتمالًا، إذ لم يفركن جسدها كما في الأمس.
سألت ميل:
“هل ترغبين بشاي قوي؟ أم تفضلين القهوة؟”
أدارت لايلا رأسها نحوها، وهي لم يسبق لها أن شربت القهوة قط، رغم أنها تعرف ما هي لم تتح لها فرصة لتذوقها من قبل.
قالت:
“أفضل القهوة.”
“حسنًا.”
لم تسألها ميل مرة أخرى، بل شرعت في تجهيز الإفطار وبدأت رائحة شهية تملأ الجو، مختلفة بوضوح عن رائحة الشاي.
جلست لايلا أمام الطاولة، تحدق بهدوء في السائل الأسود داخل الفنجان.
“هل هذه قهوة؟”
نظرت إليها ميل بدهشة:
“ألم تكوني تعلمين، آنستي؟”
“أعرف ما هي القهوة، لكن هذه أول مرة أتذوقها هل أشربها هكذا مباشرة؟”
ظهر على وجه ميل طيف ابتسامة، لكنها لم تكن سخرية، فاطمأنت لايلا.
قالت ميل:
“بعض الناس يشربونها كما هي، وبعضهم يضيفون السكر، وهناك من يفضلون إضافة الكثير من الكريمة جربيها، وإن أردتِ إضافة شيء فأخبِريني.”
ارتشفت لايلا رشفة صغيرة في البداية باغتها طعمها المرّ، لكن سرعان ما تلاشى أثره الحاد، وحل محله عبق لطيف ملأ فمها وحلقها وأنفها.
سألتها ميل:
“هل هي على مذاقك، آنستي؟”
ارتشفت لايلا رشفة أخرى وأومأت:
“لذيذة.”
“هذا جيد إذن، سننتظر بالخارج تناولي طعامك براحتك.”
خرج الخدم جميعًا، فعاد الهدوء إلى الغرفة وبينما كانت لايلا تتناول طبق البيض المنفوش، خطرت ببالها فكرة أنها عادت إلى منزل ريزيكوس، رغم أن المكان لا يحتوي على كرسي متهالك، ولا على أصوات الطيور التي كانت تحك مناقيرها على سقف خشبي، ولا رائحة الأعشاب المجففة.
كانت الماركيزة هيميرد تنتظر انتهاءها من الطعام، وما إن خرجت حتى أغلقت الكتاب الذي كانت تقرأه ونهضت.
لاحظت لايلا أنها أخفت الغلاف سريعًا تحت طرف فستانها يبدو أن كل شيء هنا مملوء بالأسرار.
قالت الماركيزة:
“هل نذهب؟”
اكتفت لايلا بالإيماء وتبعتها.
كان فستانها اليوم أكثر إزعاجًا من الأمس، محملًا بالجواهر والزينة التي خشيت أن تتلفها ولاحظت الماركيزة تباطؤ خطواتها، فالتفتت قليلًا وسألت:
“هل الفستان غير مريح؟”
قالت لايلا بصراحة:
“قليلًا.”
“تحمّليه حتى نهاية المقابلة بعدها، ربما يمنحك الأمير ملابس أكثر راحة.”
(يوستار؟) كان كلامًا غريبًا.
ثم قالت الماركيزة مجددًا:
“ألم تراودك أحلام غريبة الليلة الماضية؟”
أجابت:
“أظن ذلك، لكن لا أتذكر جيدًا في الحقيقة، لست متأكدة إن كان حلمًا أم واقعًا كان هناك… أصوات غريبة متواصلة.”
قالت الماركيزة بابتسامة ساخرة:
“كما توقعت.”
كانت نبرتها هذه المرة تحمل سخرية باردة مختلفة عن السابق، مما جعل لايلا تنظر إليها بارتباك وحذر.
قالت الماركيزة:
“هنا لا يستطيع أحد النوم بسلام لكن البقاء مستيقظًا لا يغير شيئًا لا أعلم إن كان الأمير سيبقيك في القصر طويلًا، لكن إن حدث ذلك، فمن الأفضل أن تفكري في وسيلة للتعامل مع الأمر.”
سألت لايلا:
“لا أفهم ما تقصدين. أي وسيلة تحديدًا؟”
هزت الماركيزة كتفيها قائلة:
“لا أعلم أليس من المفترض أنك تعرفين؟ فأنتِ ساحرة حقيقية أليس للساحرات تعاويذ أو طقوس خاصة يتوارثنها؟”
تعاويذ أو طقوس… أجل، بعض الساحرات يعرفنها، لكن الأغلب لا.
معظم الساحرات كن فقط أفضل من الناس العاديين في العثور على الأعشاب، ومعرفة أي مزيج يمنح النتيجة المطلوبة.
وإذا أرادت الساحرة عشبة ما، فإنها ستجدها حتى لو لم تعرف مكانها مسبقًا كما يمكنها صنع مستخلص دوائي حتى من دون معرفة وصفتها تقول أمها إن هذا إرث من ذكريات الأسلاف، لكن لايلا لم تكن تشعر بذلك.
بعد أن فكرت قليلًا، قالت:
“أستطيع صنع مستخلص يساعد على النوم العميق بسرعة.”
أومأت الماركيزة:
“فكرة جيدة، طالما يمكنك الاستيقاظ.”
“لا أقصد صنع سمّ، بل فقط مساعدة على النوم.”
تابعت الماركيزة السير حتى توقفت أمام باب ضخم يؤدي إلى قاعة العرش.
أومأت برأسها، فقام الحراس بفتح الباب المغلق بإحكام.
دخلت لايلا ك فرأت الأعمدة المصفوفة والموكيت الفاخر والعرش المرتفع لكن ما جذب بصرها حقًا كان العمل الفني المرسوم على السقف.
قالت:
“أين جلالته…؟”
أجابت الماركيزة:
“سيخرج قريبًا.”
انتظرت لايلا وهي متوترة، لكن الذي ظهر لم يكن الملك، بل يوستار.
كعادته، كان يربط شعره الطويل بإحكام في ذيل واحد، فتبدّت بوضوح ملامح خط فكه الأنيق، وأذناه، وعظام عنقه الممتدة بانسياب نحو كتفيه، مستأثرةً فجأةً بكامل مجال بصر لايلا
قال:
“لقد جئتِ إذن، لايلا وأنتِ أيضًا، أحسنتِ العمل يا ماركيزة.”
قالت الماركيزة:
“ليس ثمة ما يستحق أن يُقال له أحسنت في أمر كهذا إذن، سمو الأمير، سأذهب الآن.”
أومأ يوستار برأسه، فغادرت الماركيزة قاعة العرش على الفور وبقي الاثنان وحدهما، فنظر إليها وقد ارتسمت على ملامحهاالحيرة، وقال:
“تعالي من هنا.”
قالت ليلا:
“ألم يكن من المفترض أن أقابل جلالة الملك؟”
حين سمع صوتها الذي بدا عليه الارتباك بوضوح، ابتسم يوستار ابتسامة خفيفة لقد كانت، حين كانت في ريزيكوس، تعيش وحيدة لكنها كانت تملك شخصية مستقلة إلى حد ما.
غير أن مجيئها إلى هذا المكان الغريب جعلها تتعامل بحذر شديد وحساسية مفرطة مع كل صغيرة وكبيرة، وهو ما وجده مزعجًا قليلًا، وإن كان لطيفًا في الوقت ذاته وقد كان يعرف منذ لقائهما الأول أنها حذرة الطبع…
قال:
“صحيح، لكن جلالته في حجرته ، وليس هنا إن أخي يعاني من اعتلال في صحته.”
سألت:
“أتعني أنه مريض؟”
“بالضبط هيا، تفضلي بالدخول.”
فتح يوستار بابًا صغيرًا، وكان الممر المضاء بالمصابيح مع ذلك يلفه الظلام.
حاولت لايلا ألا تشعر بالخوف وهي تركز فقط على وقع خطواته خلفها، لكن أصواتًا تشبه الهمسات كانت تتواصل من داخل الجدران.
قالت:
“أسمع أصواتًا.”
“أصوات؟”
(على ما يبدو، هو لا يسمعها) فكرت لايلا.
قالت:
“من داخل الجدران.”
سأل:
“أهي أصوات أشباح؟”
“أظن ذلك بما أنها لا تُسمع لك، بل لي وحدي…”
مد يوستار ذراعه وفتح الباب الثاني، ولَمس طرف مرفق لايلا برفق.
قال:
“قلعة سييرو مكان عريق، وهذا يعني أيضًا أنه بيئة مثالية لانتشار الأشباح لكن لا تقلقي، فلن يتكرر ما حدث بالأمس كانت جدتي حالة خاصة.”
سألته:
“وهل سبق لك أن رأيت شبحًا آخر هنا… غير جدتك؟”
تحركت شفتا يوستار، الذي غطى الظلام نصف وجهه، قليلًا.
“من يدري؟”
لم تكن الإجابة كما رغبت، لكن لايلا لم تستطع طرح المزيد من الأسئلة.
وما إن فُتح الباب الأخير حتى باغتها عبق دواء نفاذ كان قويًّا لدرجة أن لايلا ، المعتادة على روائح الأعشاب والمستخلصات، شعرت بدوار لحظي.
لكنها سرعان ما أدركت أن الدوار ليس بسبب الرائحة، بل بسبب إحساس آخر لقد كان شعورًا لا لبس فيه بالنسبة لها، وإن لم يدم سوى لمح البصر، أن في هذه الغرفة شيئًا مشؤومًا…
شعرت وكأن أي خطوة خاطئة ستلقي بها في فخ مليء بشفرات حادة.
وكان هذا الإحساس يزداد كلما تقدمت داخل الغرفة، وبلغ ذروته عندما رأت ظلًا خافتًا خلف ستارة السرير كادت أن تتراجع، لكن يد يوستار أمسكت بذراعها برفق.
قال:
“قدّمي التحية.”
لكن لم يبدُ لها لمس يوستار مريحًا؛ فحتى الآن كان يلمسها فقط لحمايتها، أما هذه المرة فكان هناك إحساس آخر، شعرت معه أن هدفه ليس الحماية فقط، بل أيضًا منعها من المغادرة.
عندما وقفت لايلا أمام السرير، أزاح كبير الخدم الستارة المعلقة فوقه، كاشفًا عن رجل نحيل، هزيل من أثر المرض، وقد اسودّت بشرته الشيء الوحيد الذي بقي فيه بعض الحيوية كان عيناه اللامعتين.
قالت:
“أتمنى أن تكون بخير، جلالتك أنا… اسمي لايلا كريسلراد “
حدّق الرجل، الملك أود، طويلًا في شعرها الأسود وعينيها الحمراوين، ثم حرّك يده الواهنة مرتين في إشارة.
قال:
“اقتربي.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 24"