«أسمعكِ تقولين إنكِ محبوسة في مكان غريب، ماذا تعنين؟ أين أنتِ الآن؟»
“لا أعرف أين أنا كنتُ أمشي في الممر… ثم رأيتُ شيئًا غريبًا امرأة، لا… لا بد أنها كانت ميتة تمثال نصفي…”
«تمثال نصفي؟»
أومأت لايلا كما لو أن يوستار أمامها بالفعل.
“نعم، تمثال نصفي خمسة تماثيل لامرأة… شعرها مرفوع إلى أعلى.”
بعد لحظات، أجاب يوستار بصوت منخفض قليلًا:
«أعرف أين أنتِ سأأتي إليكِ.»
“انتظر، يوستار! لن تستطيع المجيء لأن هنا يوجد جدار…”
لكن من خلف الخاتم لم يصدر أي صوت آخر حملقت لايلا في الفراغ بملامح يائسة، وذراعاها متدليتان وفجأة، سُمع من خلف الزاوية التي اختفت عندها المرأة صوت صفير هواء.
رفعت لايلا جسدها وقد ارتسمت على وجهها علامات التفكير، وهي تعقد حاجبيها أعادت الخاتم إلى إصبعها بإحكام، ثم جمعت طرفي فستانها المزعجين في يدها.
وما إن أسرعت بخطوات واسعة حتى ازداد صوت تسرب الهواء اقترابًا كان الصوت حادًّا، كما لو أن أحدهم لم يُحكِم إغلاق النافذة…
لا أستطيع فعل شيء هكذا فكرت لايلا لم تكن تملك قدرات يوستار فرغم أنها وسيطة روحية قوية، فإن القدرة على طرد الأرواح مسألة أخرى تمامًا.
ذلك يتطلب تعلمًا، وأمها لم تستطع تعليمها؛ لأنها لم تكن وسيطة روحية من الأساس.
لذا كان من الأفضل التوقف عن الاندفاع بلا خطة كان ذلك تهورًا محضًا، ومحفوفًا بالمخاطر لكن…
يمكنني القيام بالإلباس وحدي.
رؤية جوهر الميت… كانت لايلا قد فهمت من تجاربها القليلة ما يقصده يوستار بـالإلباس لم تسمع شرحًا مفصلًا، لكنها أدركت الأمر بالفطرة.
فلكل إنسان أمر لا يرغب أن يراه الآخرون… صحيح أن هناك من لا يملكون أسرارًا، لكن معظم الناس يحتفظون بسر واحد على الأقل حتى الموت.
لكن ماذا لو أن شخصًا غريبًا يعرف ذلك السر جيدًا؟
لابد أن يُربكه الأمر أعادت لايلا في ذهنها السؤال والجواب فالارتباك يدمّر المنطق أولًا.
أما الأحياء، فسوف يبدأون في الكلام المتناقض، وتضطرب أفكارهم، ويصبهم العرق البارد، ويغضبون أو يحمرّ وجههم من الحرج.
لكن الأرواح مختلفة… فهي لا تملك منطقًا أصلًا وحتى لو بقي لديها وعي، فإنه يكون ضعيفًا وخافتًا فهي لا تتصبب عرقًا ولا تحمر وجوهها… بل فقط تتفكك يتحوّل حصنها المنيع إلى رمال تنهار.
وأدركت لايلا أنها تستطيع تجريد الأرواح من سلاحها بهذه الطريقة فأيًّا كان السر المدفون بإحكام، فإن عينيها تستطيعان العثور عليه بدقة وانتزاعه بالقوة.
وحين اقتربت من الزاوية حتى أصبحت على مرمى بصرها، أصبح صوت الصفير أكثر وضوحًا فجأة، شعرت لايلا بيد باردة تلامس كتفها العاري، وكأن أحدهم يدلك بشرتها بحبيبات من الجليد…
“لايلا!”
لم تكد تستدير عند الزاوية حتى أحست بقوةٍ تمسك بمعصمها الأيمن وتشدّها إلى الخلف بعنف.
“آه!”
صرخت لايلا صرخة قصيرة، وفي الوقت نفسه شعرت بشيء صلب يلمس جانب وجهها كان هناك دفء… ورائحة لم يكن جدارًا، بل كان إنسانًا كان جسدًا حيًّا، دافئًا.
رفعت رأسها، فإذا بـ يوستار يحدّق فيها وهو يلهث.
“أأنتِ بخير؟”
ظلت لايلا تنظر إليه كأنها لا تصدق ما يحدث، ثم ذهبت تتلفت حولها.
كان الجدار الغامض الذي ظهر أمامها قد اختفى تمامًا وعدد التماثيل لم يتغير، كما اختفى الصوت المريب وإحساس القشعريرة حلّت محلّها رائحة هادئة وأصوات اعتيادية خافتة.
تأملها يوستار بحذر.
“هل أصابكِ مكروه؟”
أومأت لايلا برأسها، لكن بصرها بقي معلّقًا بالتماثيل النصفية لم يطرأ عليها أي تغيير… لم يكن أي منها يبتسم.
“لقد رأيتها.”
قالت وهي تشير إلى أحد التماثيل:
“كانت هذه المرأة زاد عدد التماثيل… وتغيرت ملامحها كانت تبتسم، لكن تلك الابتسامة كانت…”
“تبدو شريرة، أليس كذلك؟”
شهقت لايلا وأومأت برأسها أجل، الشرّ… كانت التماثيل التي تبتسم على نحو يزداد بشاعة تبثّ الشر من كل ملامحها.
ولم يكن ذلك شعورًا يمكن أن ينقله الجماد، بل كان إحساسًا سامًّا كذاك الذي يظهر على وجه إنسان حيّ مليء بالحقد.
قال يوستار:
“لم أتوقع أن تصلي إلى هنا كان ينبغي أن أخبركِ مسبقًا هيا بنا إلى مكان آخر.”
غطّى يده على أصابعها برفق، فنظرت لايلا إلى يديهما المترابطتين لحظة قبل أن تتبع خطاه بصمت.
قادها يوستار إلى الخارج ومع هبوب نسيم حقيقي، لا ذلك الصوت المريب، شعرت لايلا أن ذهنها أصبح أكثر صفاء، وهدأ خفقان قلبها المضطرب.
قالت لايلا:
“حين قلتَ إنك لم تتوقع أن أصل إلى هناك… هذا يعني أنك كنتَ تعرف بوجوده أليس كذلك؟”
أزاح يوستار نظره بحثًا عن جواب مناسب، ثم زفر بعمق:
“نعم لقد التقيتُ بها حين كنت صغيرًا ولحسن الحظ، تمكنتُ من الهرب… لكن ذلك الممر في الحقيقة ممر محظور الدخول يا لايلا وبالطبع، لا يمكننا أن نعلن لكل العاملين أن شيئًا ما قد يظهر هناك، لذا فالحظر… ضمنيّ فقط لكن أحيانًا ينسى الناس تلك القاعدة، فيختفون هناك.”
كان هذا حديثًا لا يُصدَّق ابتسم يوستار ابتسامة باهتة حين رأى ملامح لايلا المندهشة، كأنه فهم ما تريد قوله قبل أن تنطق.
“أعلم كم يبدو هذا الكلام عبثيًّا بالنسبة لكِ حاولنا مرارًا منع الناس من الاقتراب، لكن بلا جدوى حتى السحر لم ينفع ولم نتمكن من وضع الحراس قربه، لأنهم يقعون تحت تأثيره.”
“إذًا… من تكون تلك المرأة؟”
لمعت في عيني يوستار مشاعر متداخلة:
“تلك المرأة… هي جدتي أي الملكة السابقة لهذه البلاد كانت ابنة عائلة نبيلة، كما أنها كانت ساحرة لم تكن تملك قوة خارقة وهي على قيد الحياة، لكن… بعد وفاتها، تغيّر الأمر.”
هذه المرة، كان دور لايلا في الدهشة تلك المرأة، الروح التي بدت وكأنها تجسد كل شرّ ونيّة قاتلة في العالم، كانت جدة يوستار؟
“ماذا حدث لها؟”
أسرع يوستار يهز رأسه قاطعًا كلامها:
“لا يمكنني معرفة ذلك قلتُ لكِ من قبل: أنا لا أستطيع رؤية جوهرهم أما سبب نجاتي… فلا أستطيع الجزم، لكن كان بفضل شخص آخر لولا ذلك، لكنت أنا أيضًا حبيس ذلك المتاهة إلى أن أختفي.”
“إذًا، لنعد ونفحص الأمر مجددًا.”
قالت لايلا:
“أنا أستطيع القيام بالإلباس، أستطيع رؤية جوهرها وحينها، يوستار، يمكنك أنت أن…”
“لا ، هذا غير ممكن.”
نظرت لايلا باستفهام:
“غير ممكن؟ لماذا؟”
“لأن الأمر شديد الخطورة، وخصوصًا عليكِ أنتِ تلك المرأة… لا أعرف على وجه الدقة كيف ماتت، وكل ما أعلمه مجرد شائعات انتشرت في القصر ومع ذلك، صدقيني يا لايلا… لقد كانت نهايتها مروّعة بحق وفوق ذلك، فقد قتلت بنفسها الكثيرين قتلاً فظيعًا.”
“لكن…”
قال يوستار بنبرة حازمة، مقاطعًا الحديث مرة أخرى:
“تلك الروح خطيرة تخيلي مقدار الشر الذي كانت تحمله وهي على قيد الحياة، ثم أضيف إليه الحقد الذي تكثف في لحظة موتها… لا، لا يمكن أن أسمح لكِ برؤية شيء كهذا قد يؤدي ذلك إلى تحطيمكِ تمامًا.”
جفّ حلق لايلا حتى شعرت بالاحتراق، فابتلعت ريقها من غير وعي، ولكن العطش ازداد ولم تجدِ المحاولة نفعًا.
ترددت قليلًا قبل أن تقول:
“إذن… ستتركون الأمر على حاله؟”
أجاب يوستار:
“في الوقت الراهن، هذا هو الخيار الأمثل سأقوم بإبلاغ المشرفين على كل منطقة مرة أخرى، وأؤكد عليهم ضرورة منع أي شخص من الاقتراب.”
شعرت لايلا بالريبة وعدم الارتياح، لكنها آثرت الصمت فهذا المكان هو مقر ملك سيارو، وليس مما يجري هنا أمر يمكنها التدخل فيه.
قال يوستار بنبرة أخفّ قليلًا:
“المهم أنّكِ بخير هل نتمشى قليلًا؟”
“…حسنًا.”
أومأت لايلا وهي تلقي نظرة أخرى على رواق القصر.
كان هناك بعض الخدم الصغار، ويبدو أنّهم ما زالوا في فترة التدريب، يعبرون الرواق وهم يضحكون ويتبادلون الأحاديث كان المشهد في غاية السلم والهدوء، لكن البقعة التي انطبعت في قلبها بقيت كما هي، لم تمحَ.
***
جلس إلى مائدة العشاء كلٌّ من يوستار ، ولايلا ، والماركيزة هيميرد وكان يوستار والماركيزة يتبادلان أحيانًا أحاديث سياسية بلا حرج، بينما لم تجد لايلا ما تقول له.
واكتفت بأن تُصغي إلى حديثهما من أذن وتدعه يخرج من الأخرى، وهي تمضغ آليًّا أطباقًا فاخرة لم تعرف أسماءها.
قالت الماركيزة:
“كيف هو موطن الآنسة لايلا؟”
رفعت لايلا رأسها فجأة، وكانت تمضغ قطعة لحم ببطء.
“موطني؟”
أومأت الماركيزة إيماءة بسيطة رفيعة الذوق.
نظرت لايلا نحو يوستار، فلم ترَ منه رد فعل خاصًّا، فأجابت:
“إنّه مكان يُدعى ريجِيكُس، قرية صغيرة للغاية.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 20"