اتسعت عينا يوستار قليلاً عندما سمع سؤال لايلا أما لايلا، فلم تستطع أن تفهم سبب ردّة فعله تلك… وانتظارها للإجابة، وإن لم يدم طويلًا، بدا وكأنه امتد لسنوات.
مرّ صمت ثقيل—على لايلا وحدها—قبل أن ينفجر يوستار ضاحكًا فجأة كان صوته، على نحو غريب، نقيًا ومنعشًا.
“أكان هذا أول ما أردتِ سؤالي عنه؟”
اتسعت عينا لايلا وهي تحدق فيه.
“بالطبع أعني، بالطبع كانت هناك أسئلة أخرى أيضًا لكن… قلتَ إنك أمير ملكي؟ أنت، حقًا؟”
ابتسم يوستار ابتسامة هادئة، تشبه ابتسامة مشاكس نصب فخًا، وأسند ذقنه إلى يده مائلًا.
“أجل دعيني أقدم نفسي رسميًا، آنسة لايلا اسمي يوستار هايينموريك أنا أمير مملكة سييروو، كما أنني القائد الأعلى لمقر تينتينلا الرئيسي أيضًا قد تكونين استنتجتِ هذا من قبل، لكن خشيت أن تكوني قد نسيته من شدة المفاجأة، لذا أكرره مجددًا.”
هايينموريك والآن تذكرت لايلا أنه عندما عرّف بنفسه، لم يذكر اسم عائلته وإن كان قد ذكره، فهل كانت ستنتبه إليه في حينه؟ ذاك أمر مختلف…
كان يوستار يتأمل ملامح لايلا المتغيرة باستمرار وكأن الأمر يسليه، ثم قال:
“سمعتُ أن الساحرات قليلات التعبير عن مشاعرهن، لكن يبدو أنكِ لستِ كذلك.”
فأجابته لايلا:
“من يدري، ربما لأنني حالة شاذة أمي كانت تقول لي ذلك أحيانًا… لا، في الواقع لم تكن تقوله، بل كانت تفكر فيه، لكن بطريقة ما كنت أشعر به لم أكن مكروهة أثناء نشأتي، لكن في كل مرة ألحظ فيها ذلك، كان يخالجني شعور… بأنني لم أكن وليدة رحم أمي فعلًا.”
“وهل تظنين أن والدتكِ عثرت عليكِ وسط حقل من نباتات الهندباء البرية؟ كما في القصص القديمة؟”
“من يعلم، ربما في النهاية، لم تكن أمي وسيطة روحانية… رغم أنها كانت ساحرة عظيمة.”
وبينما كانت شاردة في التفكير، رمقت ثوبها الغريب الذي ترتديه كما لو أنها تذكرت أمرًا فجأة.
“لماذا ألبستموني هذا الثوب؟”
“هل تسألين بدافع الفضول؟ أم أنّكِ تلومينني؟”
“كلاهما، بالتساوي.”
ابتسم يوستار بعينين متألقتين وفي تلك اللحظة، خالج لايلا شعور بأنه رجل جريء إلى حدٍّ مخيف.
لم يكن ذاك استنتاجًا منطقيًا أو ثمرة مراقبة طويلة، بل كان إحساسًا مفاجئًا اجتاح ذهنها كما لو أن سيفًا حادًا مرّ بجانب جسدها.
بدّل يوستار يده التي يسند بها ذقنه، ومن دون أن يجيب على سؤالها، طرح سؤالًا معاكسًا:
“ألا يعجبكِ الثوب؟”
أجابت لايلا:
“ليس لأنني لا أحبه… لكنه غريب عليّ، إنها المرة الأولى التي أرتدي فيها شيئًا كهذا، وأشعر بأنه لا يليق بي.”
“ليس هناك أشخاص محددون يُسمح لهم بارتداء الفساتين، وآخرون لا يُسمح لهم بذلك أليس كذلك؟ هل تُمنح الفساتين كحق عند الولادة للنبلاء، ويُفرض على العامّة ارتداء الثياب القطنية طوال حياتهم؟ لا أظن أن الأمر كذلك.”
“صحيح، لكن ما أردت قوله هو…”
لم تكمل لايلا عبارتها، لكن يوستار أومأ برأسه مؤيدًا.
“أفهم تمامًا ما تحاولين قوله، لايلا لكنني فقط أتحدث من منظور مبدئي بإمكانكِ ارتداء أي ثوب تشائين وتذكّري ذلك دائمًا حتى مستقبلاً.”
“ما إن أخرج من هنا، لن تتاح لي فرصة ارتداء شيء كهذا مجددًا.”
ابتسم يوستار ابتسامة غامضة، غير مفهومة.
“لا يمكنكِ الجزم بذلك لا تتسرعي في الأحكام.”
لم تصغِ لايلا لكلامه باهتمام بالغ ظنّت أنه كان فقط يحاول مواساتها، حين لاحظ مدى شعورها بعدم الارتياح.
ولو أنها كانت قد أدركت حينها كم كانت مخطئة في ظنّها، فهل كان سيغيّر ذلك شيئًا؟
لطالما استحضرت لايلا ذلك اليوم لاحقًا—اليوم الذي وطأت فيه قدماها قصر سييروو الملكي للمرة الأولى—وكأنه وقع بالأمس، حتى كلماتها مع يوستار لم تبرح ذاكرتها…
لكن كل ذلك كان في مستقبل بعيد.
في لحظة مفاجئة، أمال يوستار رأسه إلى الخلف، فانسكبت خصلات شعره الطويل بانسياب ناعم نحو الأسفل.
شعره البلاتيني، الآسر بجماله، تماوج كأغصان صفصاف هبّت عليها نسمة عليلة، وجلسته الواثقة وهو يستند إلى ظهر الكرسي تناغمت تمامًا مع أناقة ثيابه، التي بدا فيها شيء من الفوضى الساحرة.
إنه حقًا أمير ملكي، فكّرت لايلا
القصر الملكي، رغم أنّ مجرد اسمه يبعث على الرهبة، إلا أنه بالنسبة له كان مجرد “منزل”.
وهذا المكان، لا يمكن أن يُحرق أو يُدمّر ويزول، مهما حصل.
“ما بكِ؟”
سألها يوستار، وقد عدّل جلسته بعدما لاحظ تعبيرها الذي اكتسى بالحزن رفعت لايلا عينيها الحمراوين قليلًا، ثم زفرت تنهيدة قصيرة.
“لا شيء… فقط فكّرت في منزلي لعله لم يتبقَّ منه غير الرماد.”
نظر إليها يوستار بعينين يملؤهما الأسف.
“أؤسف لذلك حقًا لكن… سأفعل ما بوسعي لأساعدكِ أعدك.”
“وكيف ذلك؟ هل ستبني لي منزلًا جديدًا؟”
“بالطبع إن كنتِ ترغبين بذلك، فسأفعل حالًا يمكنني بناء منزل أكثر صلابة، وأفضل بكثير هل تريدين ذلك؟”
هذه المرة، هي من أمالت رأسها إلى الخلف وانفلتت منها ضحكة قصيرة.
هل كان السبب أن بينهما فرقًا شاسعًا؟ أم أن الفارق كان أكبر من أن يُستوعب؟ شعرت بشيء من الفراغ.
قالت لايلا، وهي تعبث بأطراف شعرها:
“شكرًا لك على كرمك، لكنني لا أظن أن هذا هو ما أحتاجه الآن ثم، حتى لو بنيت لي بيتًا جديدًا… حتى لو بنيت لي قصرًا، فلن يكون مثل منزلي الذي فقدته لقد كان مسكنًا عاشت فيه الكثير من الساحرات، بمن فيهن أمي وجدتي… وربما حتى أول ساحرة في التاريخ هي من شيّدت ذلك البيت حدث ذلك قبل مئات السنين، وإن كان صحيحًا، فهو أمر جلل حقًا.”
أول ساحرة كانت تلك حكاية قديمة تُروى في مملكة سييروو أشبه بأسطورة شعبية.
قبل مئات السنين، استدعت امرأة كانت تبحث عن الزوج المثالي شيطانًا لتحقيق أمنيتها.
لكنها افتُتنت به بشدة، وانتهى بها المطاف إلى معاشرته، ومن تلك العلاقة وُلدت أول ساحرة.
وفقًا للرواية، أنجبت تلك المرأة ابنة، وكانت ابنتها ساحرة أيضًا غير أن الابنة لم تستدعِ شيطانًا لتنجب منه، بل كانت تفضل إغواء رجال البشر، إذ كان ذلك أسهل وأبسط بكثير.
“ولهذا يكره الناس الساحرات لأنهم لا يعرفون ما إذا كانت المرأة التي أمامهم ساحرة حقيقية أم لا… ولهذا، حدثت في العصور المظلمة أشياء مروعة مثل حملات صيد الساحرات والمضحك هو أن معظم من أُطلق عليهن اسم “ساحرة” كن يساعدن النساء الأخريات.
كأن يخففن آلام الولادة، أو يصنعن مستحضرات لعلاج الالتهابات… بل أحيانًا يصنعن أشياء للتخلّص سرًا من الأزواج الخائنين دون أن يعلم أحد ومع ذلك، لم تسلم هؤلاء النساء من كراهية النساء أنفسهن.”
تابعت لايلا حديثها بصوت هادئ، وكأنها تحدث نفسها، ثم مررت أصابعها بشعرها ولمست بطرف أناملها زاوية عينها.
“الشعر الأسود والعينان الحمراوان هذان هما دليلا السلالة الساحرية وبما أنني ما زلت حيّة، فدماء الساحرة الحقيقية لا بد أنها نجت حتى من العصور المظلمة أما النساء اللواتي قُتلن، فربما لم يكنّ سوى نساء يعشن بمفردهن، ويجيدن تحضير المستخلصات كم كان ذلك مؤسفًا.”
كان يوستار يعرف هذه الحكاية جيدًا هو الآخر.
فالدليل على سلالة الساحرة كان مذكورًا بوضوح منذ القدم.
لكن في العصور المظلمة، لم يتم التحقق من وجود تلك الصفات أساسًا عند اصطياد الساحرات.
إذا خالفت المرأة الناس، أو لم توافق أهواءهم، أصبحت “ساحرة” فجأة، حتى وإن لم يكن في مظهرها أي اختلاف.
سواء لون الشعر أو لون العينين أو العمر، لم يكن لذلك أي اعتبار والمكانة الاجتماعية كذلك.
قالت لايلا:
“خرج الحديث عن مساره قليلًا على أي حال، ما قصدته هو أنه… أيًّا كان المنزل الذي سأملكه لاحقًا، فلن يكون كالمنزل الذي فقدته لقد كان منزلًا لساحرات حقيقيات منزلًا لعشرات الساحرات.”
أومأ يوستار بابتسامة وهو يُبدي تأييده، وقد كان ينصت إليها بهدوء.
“أفهم ما تعنينه يبدو أنني تحدثتُ باستخفاف.”
“لم أكن ألومك وأنا ممتنة لعرضك بشأن المنزل.”
سكتت لايلا قليلًا، ثم نقرت بطرف أصابعها على حافة الطاولة وسألت من جديد:
“قلتَ إنني ضرورية لك، أليس كذلك؟ إذًا، لماذا نحن باقون في القصر الملكي؟ أعتقد أنني بدأت أفهم غموضًا بسيطًا حول ما ينتظرني، لكن…”
تردّد يوستار قليلًا وهو يفكر فيما يجب أن يخبرها به.
راوده قلقٌ مفاجئ من أنها قد تهرب في منتصف الليل إن علمت مسبقًا أنها ستقابل شقيقه، لكن… إخفاء الأمر سيكون له تبعات أسوأ على الأرجح.
من دون ثقة، لا شيء يمكن أن يُبنى، فكّر يوستار.
إن كان هناك شيء ضروري بينه وبين لايلا في هذه اللحظة، فهو أن يثقا ببعضهما البعض.
حتى لو كانت تلك الثقة هشّة وسطحية، لا بأس فهناك أمور بانتظارهما لا يمكن خوضها دون علاقة من هذا النوع.
قال:
“لن نبقى في القصر طويلًا على الأرجح، شهر واحد… لا، ربما لن يستغرق الأمر حتى هذا الحد.”
اتسعت عينا لايلا بدهشة شهر؟!
مجرد فكرة قضاء شهر هنا كانت تخنقها لم تكن لتحتمل أسبوعًا حتى، فكيف بشهر كامل!
“على كل حال، هذا يعني أننا سنبقى بضعة أيام أخرى.”
ابتسم يوستار ابتسامة فيها شيء من الأسف، وكأنه يوافقها.
“لأن المقرّ الرئيسي موجود هنا وقد تغيّبتُ طويلًا أثناء بحثي عنكِ وهناك أمور عديدة ينبغي عليّ تلقي تقاريرها من الفريق بعد عودته وكذلك… هناك أشياء عليكِ الاستعداد لها.”
“وما الذي عليّ الاستعداد له…؟”
“أمور بسيطة كطريقة استخدام البوابة، وكيفية استعمال الأدوات السحرية… أشياء من هذا القبيل. صحيح أن لديكِ عينيْن وأذنيْن مميزتيْن، لكن وحدهما لا يكفيان، وقد يعرضانكِ للخطر كما رأيتِ بنفسك، حتى الـ ‘سينك’ الصغيرة منها تمتلك تأثيرًا وخطورة هائلتين. الـ ‘سينك’ التي رأيناها في ريجيكوس كانت بالكاد تُصنّف من الدرجة الأولى، ومع ذلك، حاولت السيطرة عليكِ.”
رفعت لايلا يدها كطالبة تسأل أستاذها:
“وما هي درجة التصنيف؟”
أجاب يوستار:
“في تينتينلا، نُصنّف الـ ‘سينك’ حسب درجات معينة، بهدف إدارتها يتمّ الأخذ بعين الاعتبار حجمها، وكثافة طاقتها، ومدى خطورتها الدرجة الأولى هي الأضعف، والدرجة الخامسة هي الأقوى وحتى الآن، لم نرَ سوى حالات قليلة بلغت مستوى قريبًا من الدرجة الرابعة لكن مع ذلك، أثناء التعامل مع أحد تلك السينك، فقدنا ثلث عناصر الفرعيْن الرابع والخامس.”
ارتجف جلد عنقها.
كانت تدرك أن مرافقتها له ليست بالأمر العادي، لكنها كانت تدرك ذلك بسطحية عقلية فقط، أما الآن، فقد شعرت به في أعماق جسدها.
تابع يوستار كلامه:
“ولهذا، لايلا، أنتِ بحاجة إلى التدريب وهناك أمر آخر، مهم جدًا، وعليكِ تنفيذه حتى وإن لم ترغبي بذلك.”
“وما هو؟”
تردّد يوستار لحظة، ثم تنهد وقال:
“غدًا… عليكِ مقابلة شقيقي الأكبر، أي جلالة ملك سييروو.”
في تلك اللحظة، اختلّ توازن رؤيتها، وشعرت بأن الدنيا تدور من حولها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات