(أذناي على وشك أن تنفجرا)، فكرت لايلا (لا، ربما انفجرتا بالفعل). وضعت كلتا يديها على أذنيها كمن تلقّى صفعة، وهزّت رأسها بقوة.
كان الصوت الغليظ الذي سُمع أولًا واضحًا، لكن فجأة، ومع طنين مزعج… أصبحت جميع الأصوات وكأنها تحت الماء، بعيدة وغائمة.
(لايلا).
كأنها سمعت صوت يوستار، لكن لم تكن ترى شيئًا، إذ غطّت البياض عينيها بالكامل ذهبت تتحرّك على غير هدى محاولة تحريك جسدها، إلى أن أمسك بها يوستار فجأة.
“لايلا.”
لم يصرخ بصوت عالٍ، ورغم ذلك، كان ذلك الصوت وحده هو ما استقر بوضوح في عقلها في تلك اللحظة.
ومع ذلك، اختفى كل ما سبق من تشوش—الطنين، وغياب الرؤية—كأنما لم يكن سوى كذبة رمشت لايلا بعينيها، وهي تشعر ببعض الحيرة كان غرباء يحدّقون بها مباشرة.
“هل أنتِ بخير؟”
سمعت مجددًا صوت يوستار بدا في البداية وكأنه يتحدث من خلف رأسها مباشرة، لكنه كان يقف ممسكًا بكتفها الأيمن.
“أنا بخير… على الأرجح.”
“حاولي أن تمشي هل تشعرين بالدوار؟”
خطت لايلا خطوة للأمام لكن قبل أن تخطو الثانية، ارتعشت ركبتاها بدا لها اهتزاز المشهد أمامها وفقدان التوازن حيًا وواضحًا لدرجة غريبة، كأن جزءًا منها كان يشاهد الجزء الآخر وهو يسقط.
كان أمرًا لا يصدّق، لكن هذا ما شعرت به.
“آه، لا يمكن يبدو أن دوار الانتقال شديد جدًا هل مع أحدكم برتقالة؟”
“آه، أنا معي واحدة.”
“شكرًا.”
(برتقالة؟) فكرت لايلا، تحاول تهدئة عقلها المرتبك (برتقالة… ما كانت مجددًا؟) نعم، كانت فاكهة.
برتقالية اللون… تُقشر وتؤكل قرأت عنها في أحد الكتب طعمها حامض حلو ولذيذ وإن كانت شيئًا لم تره يومًا في ليزيكوس…
“افتحي فمك، لايلا.”
كان صوت يوستار ينساب في أذنيها كأنه عالق بها فتحت لايلا شفتيها الحمراء وكأنها مسحورة بدا أن أصابعه القوية فتحت شفتيها قليلًا، ثم وضع شيئًا صغيرًا وصلبًا على لسانها.
“مصّيه فقط قد لا يكون طعمه جيدًا… لكن استمري في مصّه حتى يذوب.”
“ما هذا…؟”
أرادت أن تسأل، لكن ما إن فعلت، حتى عقدت وجهها وتشبثت بفمها كان الطعم مريعًا! مجرد أن دار في فمها للحظة، امتلأ حلقها برائحة مريرة كريهة.
ارتجف وجهها، ولم يكن يوستار وحده من عبس، بل حتى الواقفون حولها شاركوها رد الفعل.
“طعمه فظيع، أليس كذلك؟ أعلم ذلك لكن عليكِ إنهاؤه سيزول الدوار بسرعة.”
وبعد كلام يوستار، عاد الصوت الغليظ الذي سُمع أول مرة ليتحدث مجددًا:
“لكن لا تمضغيه فهو قاسٍ لدرجة أنه قد يتهشم حتى أنياب الذئب.”
بدأت لايلا تسعل دون أن تنبس بكلمة ومع كل شهيق وزفير، ازداد الطعم سوءًا حتى أن أنفها بدأ يخدر، وشعرت أنه حتى بعد مئة عام لن يزول هذا الطعم المرّ الحاد من لسانها.
“ما هذا بحق السماء…؟ أهذا هو البرتقال؟”
“فاكهة؟ لا، بالطبع لا لا يمكن مقارنته بالبرتقال الحقيقي.”
“إنها إهانة فادحة للبرتقال.”
قهقه الصوت الغليظ ضاحكًا كان صوته كأن حجرًا ضخمًا قُذف في أعماق كهفٍ سحيق.
ربّت يوستار على ظهر لايلا وقال:
“إنها دواء صُنع في تينتينيلا مَن يستخدم البوابة لأول مرة، أو مَن يُظهر حساسية تجاهها، يُصاب بدوار حاد هذا الدواء يهدئ الدوار… وسُمِّي بالبرتقال فقط لأنه برتقالي اللون.”
عندها، قالت إحداهن—يبدو أنها امرأة:
“إطلاق اسم ‘برتقالة’ على شيء كهذا منذ البداية أمر لا يُغتفر طعمه يشبه لعق طينٍ لزج ملتصق بنعل حذاء فاسد!”
“شكرًا يا يوان على التشبيه الحي… الذي لا يساعد إطلاقًا.”
عبست لايلا وجهها أكثر، وهي تقاوم التقيؤ حاولت كتم أنفاسها، والتنفس من فمها فقط، محاولةً التخلص من الطعم والرائحة، لكن دون جدوى…
وفي النهاية، حين أنهت مصّ الدواء، كانت أطراف لسانها قد فقدت الإحساس تقريبًا ومع ذلك، بشكل مدهش، اختفى الدوار تمامًا، بل وحتى شعرت ببعض الهدوء، واستعادت شيئًا من طاقتها.
“هل أنتِ بخير الآن؟”
“… أعتقد ذلك.”
قالت لايلا وهي تخرج لسانها قليلاً ربت يوستار على ظهرها مرة أخرى مواسيًا:
“إحساس التنميل في لسانك سيزول قريبًا وكذلك الطعم والرائحة هيا، قفي سأُعرفكِ على زملائنا.”
نظرت لايلا حولها بنظرة متفاجئة قليلًا إلى الوجوه الغريبة، وإلى الداخل الغريب الذي يحيط بها لم تكن الوجوه فقط ما لم تألفه، بل حتى الأشياء في المكان كانت غريبة تمامًا عليها.
كانت الجدران تبدو كأنها من حجر أسود، تتخللها خيوط رفيعة من الضوء الأزرق الباهت تمرّ بين الحين والآخر، لا في اتجاه واحد، بل في عدة اتجاهات وتساءلت إن كان لذلك معنى ما.
بشكل عام، كان المكان نصف دائري بلا زوايا حادة، وفي كل ركن ظهرت أجهزة مجهولة كأنها آلات.
قال يوستار:
“لايلا، هؤلاء هم أعضاء الفرع الأول لتنظيم تينتينيلا، في رومل وهذا هنا هو قائد الفرع، السيد بايرون.”
اضطرت لايلا إلى رفع رأسها لترى وجه الرجل.
كتفان عريضان، وزيّ رسمي ضيق يلتف على جسده، وشعر قصير جدًا، ولحية تبدو غير مهذبة، وعينان زرقاوان عميقتان تركت انطباعًا قويًا كان كوحش مجهول الاسم يعيش في أعماق الغابة بعيدًا عن أنظار الجميع.
مدّ الرجل يده الكبيرة نحوها.
“بايرون روغاذوس.”
“لايلا… لايلا كريسيراد.”
تبادلا المصافحة بتردد كانت يد بايرون ضخمة لدرجة أنها غطّت يد لايلا بالكامل وأدركت من الملمس أن يده مغطاة بجلد خشن ناتج عن أعوام طويلة من العمل الشاق.
قال يوستار:
“كنتُ لأقدّم لك بقية الأعضاء واحدًا تلو الآخر، لكن الوقت لا يسمح سنؤجل ذلك لاحقًا…”
عندها، رفعت امرأة كانت تلمع عيناها فضولًا وسط الناس يدها فجأة.
“هل يمكنني طرح سؤال؟”
تعرّفت لايلا على صوتها كانت هي من شبّهت طعم الدواء البرتقالي قبل قليل بشكل حاد جدًا، بينما كانت لايلا تقاتل الدوار والغثيان.
قال يوستار:
“حتى لو قلت لا، ستسألين، أليس كذلك؟ تفضلي، يوان.”
“هل أنتِ حقًا… ساحرة؟”
في تلك اللحظة، ساد الصمت توقفت الهمسات دفعة واحدة انكمشت لايلا قليلًا من النظرات الموجهة نحوها، وعضّت على شفتيها لم تكن تريد أن تبدو ضعيفة، فشدّت على أصابع قدميها، لكن ركبتيها اهتزتا قليلًا.
قال بايرون:
“يوان! ألم أقل لك ألا تتصرفي بشكل غير لائق؟”
“لكن، أيها القائد…”
عندها، قال يوستار:
“نعم، صحيح إنها بالفعل الأولى والوحيدة، ذات الدم تاسحري الحقيقي أنتم تملكون أعينًا، أليس كذلك؟ فلا بد أنكم لاحظتم.”
شعرت لايلا بالارتباك، لكن يوستار لم يُبدِ أدنى تأثر ما كان أكثر إدهاشًا هو ردة فعل الآخرين على كلماته؛ كانت لايلا تتوقع أن يُظهروا عداءً واضحًا أو يرمقوها بنظرات حاقدة، لكن ما حدث كان العكس تمامًا.
المرأة التي تُدعى يوان، رفّت عيناها ببريق لامع وهي تشهق، وكان جسر أنفها، المملوء بالنمش الكثيف، يرتجف بخفة كأنها فتاة مشاكسة.
“يا للروعة! لقد نجحت اخيرًا ! بعد كل ذلك البحث المتعب والمرهق… تهانينا، يا سيد يوستار!
“التهنئة لا تكون بالكلام فقط احضري لي خمرًا جيدًا، أو على الأقل بعض النقود.”
قال يوستار ممازحًا، فرفعت يوان كلتا يديها إلى الأعلى، تنظر من حولها:
“سمعتم جميعًا؟ حان الوقت لنطالب بزيادة في الأجور! إن كان لدى يوستار ما يكفي ليقدم مثل هذه الهدايا، فبالتأكيد قد أنفقت راتبي عليها بالفعل لأشتري الخمر!”
قال يوستار بنبرة مداعبة:
“بايرون، اجعل عناصر وحدتك يقلعون عن الشرب لا، في الحقيقة، لماذا لا تبدأ أنت أولًا وتكون قدوة؟”
بايرون، الذي كان صامتًا حتى الآن، تلقى الضربة على حين غرة، فرمق يوان بنظرة حادة لكنها، من جهتها، بدت غير مبالية على الإطلاق، وظلت هادئة كما لو أن شيئًا لم يحدث.
كل شيء بدا غريبًا ومربكًا بالنسبة للايلا… علمت أن هذا هو الفيلق الخاص المسمى “تينتينيللا” الذي كان يُحكى عنه الكثير، وأن هؤلاء هم فرسانه لكنها لم تتوقع أبدًا هذه الأجواء البعيدة عن الرسمية والتصلب لم تكن تعلم ما رتبة يوستار بالضبط، لكنه لم يكن يستخدم حتى صيغ الاحترام مع القائد بايرون، وهذا لا بد أن يعني أن مكانته أعلى منه…
قال يوستار:
“هل اكتملت استعدادات البوابة؟”
فرد رجل يقف أمام جهاز غريب:
“جارٍ التحقق من الإحداثيات.”
ثم أردف بسرعة:
“بعد ثلاثين ثانية، سيكون كل شيء جاهزًا للانتقال، سيدي يوستار.”
“جيد إذًا نؤجل بقية الحديث لاحقًا هل هناك أي تقارير أو مستجدات، بايرون؟”
أجاب بايرون:
“ليس في الوقت الحالي لكن هناك سلسلة من الانهيارات الكبيرة تحدث مؤخرًا في القسم الشرقي من سلسلة جبال دياسغارد، وقد تولى القسم الثالث معالجتها مؤقتًا.”
“حسنًا أرسلوا الدعم إن استدعى الأمر وإذا حصل شيء مهم، تواصلوا معي فورًا.”
أومأ بايرون برأسه وقال:
“أجل، مفهوم.”
أمسك يوستار يد لايلا التي كانت لا تزال في حالة ذهول، وسحبها برفق إلى الدائرة الحجرية المستديرة حيث وصلا أول مرة.
قالت لايلا وهي تنظر من حولها:
“انتظر لحظة، هل سننتقل مجددًا؟”
ابتسم يوستار لها ابتسامة هادئة وقال:
“لا تقلقي هذه المرة لن تشعري بالدوار المسافة أقصر، كما أن مفعول الدواء يدوم ليوم كامل.”
“وإلى أين سنذهب هذه المرة؟”
قبل أن يجيبها، ظهرت أمام عيني لايلا طبقة شفافة زرقاء، تماوجت قليلاً… وكأنها غاصت في الماء حتى رؤيتها بدأت تتمايل كما لو أنها تنظر من تحت سطح الماء.
“تم تأكيد الإحداثيات نقطة الانطلاق: رومل وجهتنا: سيرسيتا في مدينة فيناليس.”
فيناليس، كانت عاصمة مملكة شيروو وسيرسيتا… تذكّرت لايلا أن ذلك كان اسم الإلهة العليا التي يعبدها شعب شيروو والآن وقد فكرت بالأمر، ألم يكن “رومل” أيضًا اسم إله؟
“نبدأ الانتقال.”
سمعت صوتًا من بعيد مرة أخرى وبينما كانت لايلا تحاول النطق بشيء، أحاط يوستار بكتفها كما لو كان يعانقها تماوجت رؤيتها فجأة، وشعرت وكأن حلقها امتلأ بالماء.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ]
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 14"