كان هناك ضجيج شديد في غرفة الأمير الأول لفيتسمارك اليوم أيضًا عاد وجهه محمرًا بالكامل بعد أن رفع صوته في اجتماع عسكري.
“مفاوضات الهدنة؟ أي هُراء… عندما أعتلي العرش، سأقطع لسانه أولًا!”
ابتسم الأمير الأول بسخرية وهو يستعيد في ذهنه الكلمات المتملقة التي تفوّه بها شقيقه الأصغر من أبيه.
كان الأمير الأول الشخصية الأكثر نفوذًا في هذه الحرب ورغم أن السلطة العسكرية كانت لا تزال بيد الملك، فقد مُنح هو قيادة عدة فرق عسكرية لكن الأهم من ذلك أنه كان يملك ساحرًا ناريًا يطيعه بإخلاص.
ومع ذلك، اضطر اليوم إلى تحمل وابل من الانتقادات من الأمير الثاني والنبلاء، وذلك لأن مجريات الحرب كانت تسير ضد مصلحة فيتسمارك فبعد فترة قصيرة من الجمود، بدأت القوات في التراجع مرة أخرى، وكل ذلك لأن ساحره الذي كان يقاتل وكأنه يساوي مئة رجل أو أكثر كان الآن طريح الفراش بلا قوة.
“لماذا يتأخر شفاؤه إلى هذا الحد؟”
“يبدو أنه أجهد نفسه كثيرًا في الآونة الأخيرة.”
“أرسلوا له الدواء، أريد أن ينهض بأي طريقة كانت.”
”…نعم، هو نفسه قال إنه سيستعيد عافيته خلال أيام قليلة.”
انحنى مساعد الأمير الأول اعتذارًا وهو يشعر بالإحراج أما الأمير فجلس أمام مكتبه متجهمًا.
كان هناك خريطة للقارة منتشرة على سطح المكتب، وقد تم تحديد مواقع قوات العدو والحلفاء عليها، بالإضافة إلى المسارات المتوقعة والمرافق المهمة.
وبين كل هذه التفاصيل الدقيقة، استرعى انتباه الأمير الأول نقطة واحدة فقط أشار بإصبعه إلى بقعة غير محددة على الخريطة، حيث تقع منشأة “ويلينغتون” الطبية.
“إذن، ألڤين هناك.”
”…كما ذكرت سابقًا، هذا مجرد تخمين، فحتى مصادرنا هناك غير متأكدة تمامًا.”
“أجل، فهو يتحرك وكأنه شبح.”
كانت والدته الراحلة ترغب في محو اسم “ألڤين” من شجرة العائلة الملكية منذ ولادته.
أما الأمير الأول، فقد كان يسخر منها في الخفاء، معتبرًا ذلك مجرد غيرة نسائية حمقاء كان فارق السن بينه وبين ألڤين كبيرًا للغاية، ولم يكن يرى فيه منافسًا حقيقيًا بل كان خصمه الحقيقي هو شقيقه الأصغر من أبيه وأمه.
بدأ الأمير الأول ينظر إلى ألڤين كمنافس فقط عندما بدأ الأخير يبرز في المؤسسة العسكرية لقد كان الملك العجوز لا يزال متمسكًا بالعرش، بينما ظل الأمير الأول مجرد “أمير”، في حين أن ذلك الفتى الذي بالكاد كان وليدًا أصبح يكبر بسرعة مخيفة.
حاول الأمير الأول اغتياله عدة مرات، لكنه فشل في كل محاولة.
“كان عليّ قتله في ذلك الوقت… كان يجب عليّ التخلص منه بأي ثمن.”
مرر الأمير الأول أصابعه برشاقة فوق الخريطة، وتوقفت يده عند النقطة التي يقع فيها المركز الطبي في ويلينغتون.
“اسحقوه تمامًا بالنار.”
توقف المساعد عن الكلام للحظة، وابتلع ريقه بصعوبة كان يعلم جيدًا سبب هوس الأمير الأول بألڤين، لكنه رأى أن تنفيذ هذا المخطط كما هو قد يثير مشكلات خطيرة لذا حاول منعه بطريقة عقلانية:
“لكن، سموّك… هناك عدد كبير من جنودنا في ذلك المكان صحيح أن العدد غير دقيق، لكنه قد يتراوح بين عدة مئات إلى ألف جندي.”
لكن الأمير الأول لم يُظهر أي تأثر بكلام مساعده، بل رد ببرود:
“لا يهم.”
”…….”
“إن تركناهم هناك، فقد يصبحون أداة في المفاوضات وهذا لن يفيد إلا الأمير الثاني.”
كان تذكره لشقيقه الذي كان دائمًا يستفزه في الاجتماعات يجعله مستاءً، فتمتم متبرمًا:
“ذلك الأحمق… لا يجيد سوى الكلام.”
”…….”
“إن كان يرغب في عقد معاهدة سلام، فعليه أن يزيل أي عناصر قد تشكل خطرًا عليه مسبقًا هذه الأمور لا تفيد إلا في إضعاف موقفنا التفاوضي لذا، لنقضي عليها الآن.”
بدا أن الأمير الأول لا يجد أي مشكلة في التضحية ببعض قواته من أجل تحقيق هدفه، ولم يكن لديه أي تردد أو ندم كانت فكرة قاسية إلى أقصى حد، لكن المساعد تساءل في داخله:
“هل هكذا هم جميع من يولدون ليحكموا؟ هل هذه هي الصرامة التي يجب أن يتحلى بها الملك؟”
ظل المساعد جامدًا في مكانه للحظة، لكنه قرر أخيرًا أن يبدي آخر مخاوفه بحذر:
“سموّك، معذرة، لكن إن انكشف هذا الأمر، فقد تواجهون موجة هائلة من الانتقادات.”
حينها، استند الأمير الأول على الطاولة وألقى نظرة جانبية على مساعده كان الأخير متوترًا، مترقبًا أي توبيخ قد يصدر عنه لكن، بدلاً من ذلك، ارتسمت ابتسامة بطيئة على شفتي الأمير.
“أخبرني،”
“نعم، سموّك؟”
“كيف يمكن للأموات أن يتحدثوا؟”
”…….”
“أليس كذلك؟”
إذا لم يُترك أي ناجين، فلن يكون هناك من يتحدث عن الأمر وإذا اعترض أي قائد على الأوامر، فسيكون رأسه عبرة للبقية ابتسم الأمير الأول وكأنه يطلب موافقة مساعده على هذه الفكرة.
في تلك الأثناء، كانت قوات إيدلين تحرز انتصارات صغيرة لكنها ثمينة، بينما كان المركز الطبي يواصل استقبال المزيد من الجنود المصابين مع تعافيهم، كان يتم إرسالهم مباشرة إلى الجبهة وكلما تقدمت قوات إيدلين، ازداد عدد جنود فيتسمارك الذين تُركوا خلفهم، يموتون أو ينتظرون من ينقذهم.
وهكذا، كان فريق البحث يجمعهم يوميًا ويعيدهم إلى المركز الطبي ونتيجة لذلك، بدأت نسبة جنود فيتسمارك داخل المركز تتزايد بشكل ملحوظ، مما جعل “كلوي” تتنهّد أحيانًا وتتمتم بقلق:
“ماثيو، هذا المكان… هل هو جزء من إيدلين أم من فيتسمارك؟”
“ماذا عسانا نفعل؟ علينا أن ننفذ أوامر الممول لولا الماركيز، لكان العديد من جنودنا قد ماتوا.”
“هذا صحيح… لكن، هل يُعقل أن ذلك العجوز أصبح متدينًا فجأة في شيخوخته؟”
“هل يمكنك حقًا التحدث عنه بهذه الطريقة؟”
“هل أنت كتوم؟”
في الوقت نفسه، انشغل العاملون في المركز بإعادة تقسيم المساحات لاستيعاب العدد المتزايد من جنود فيتسمارك استمر العمل على بناء الحواجز وإعادة ترتيب الأسرّة لعدة أيام وعندما انتهى كل شيء، تحرك الجنود إلى مواقعهم الجديدة، لكنهم لم يتوقفوا عن تقديم طلباتهم الشخصية لكلوي:
“كلوي، أريد سريرًا بجانب النافذة!”
“لا تتدلل، نحن في مستشفى، وليس منتجعًا!”
“كلوييي، أنا أشعر بالبرد، أريد سريرًا في الداخل.”
“حسنًا، لمَ لا تتبادلان الأسرّة؟”
لكن الجندي الأول هز رأسه بسرعة:
“لا، ذلك السرير لا يواجه الجنوب.”
”…أشعر برغبة في الصراخ.”
بدت كلوي مرهقة للغاية، فخرجت من المبنى، وجلست مباشرة على الأرض من شدة الإرهاق.
في هذه الأثناء، كان “أليكس” يراقب هذه الفوضى قبل أن يسأل قائده، “ألڤين”، بنبرة ساخرة:
“مولاي القائد، هل أصبحت إيدلين بلد المتطوعين؟”
حين أدرك الجميع أن جنود فيتسمارك يتم إنقاذهم باستمرار، توقع الكثيرون – وليس ألڤين وحده – أن هؤلاء الأسرى يتعرضون لسوء المعاملة.
“بهذا الشكل، نحن أشبه بجماعة دينية.”
“في الواقع، يُقال إن تأثير الدين في إيدلين أقوى منه في فيتسمارك أليس لدينا العديد من الكهنة هنا أيضًا؟”
لكن أليكس عبس قائلاً:
“إن كانت إيدلين متدينة لهذه الدرجة، فلماذا لا يوجد بها أي سحرة؟”
عندها، نظر إليه ألڤين بنظرة ذات مغزى وسأله:
“هل تعتقد حقًا أنه لا يوجد أي سحرة هنا؟”
ارتبك أليكس وانخفض صوته:
“إذًا… هل يوجد؟”
“كيف لي أن أعرف؟”
خيّب القائد توقعاته بسهولة تامة، مما جعل أليكس يُبدي تعبيرًا ممتعضًا لاحظه ألڤين وابتسم قائلاً:
“أليكس، هذا المكان ليس مجرد مستشفى.”
“إذًا، ما هو؟”
“إنه معقل إيدلين… في حال حدوث أي طارئ.”
لم يكن “ألڤين” يعرف النية الحقيقية لمن أسس هذا المعسكر في بادئ الأمر، لكن ما كان واضحًا هو أن هذا المعسكر يقف خلفه الخط الدفاعي الأخير لإيدلين وعلى الرغم من أن ميزان القوى كان يميل لصالح إيدلين في الوقت الحالي، فإن الحرب لن تنتهي بهذه السهولة.
إذا انقلبت موازين الحرب، فحينها قد يتمكن هذا المعسكر من كسب بعض الوقت لإيدلين إذ سيكون على “فيتسمارك” إنقاذ جنودها، بينما ستحاول “إيدلين” استغلال ذلك كورقة تفاوض.
كان استنتاج “ألڤين” مشابهًا جدًا لاستنتاج “كلوي”، ولكنه كان أكثر تفصيلًا.
أما “أليكس”، فلم يبدُ راضيًا تمامًا، فشكى بتذمر:
“ما الذي يفعله الأمير الأول والساحر؟ لقد زعموا أنهم سينتصرون، وأخذوا قيادة العديد من الفرق العسكرية هناك شائعات بين الجنود تقول إن الساحر الذي يستخدم سحر النار قد مات.”
لقد كان الساحر الذي أرهب جيش إيدلين هادئًا في الآونة الأخيرة، لكن حتى “ألڤين” لم يكن متأكدًا من مصيره فقد كان الساحر أقوى سلاح سياسي للأمير الأول، وكان يتحرك دومًا بسرية وبينما كان “ألڤين” يتأمل، طرح على “أليكس” سؤالًا مختلفًا تمامًا:
“أليكس، هل يمكن لساحر واحد أن يكسب الحرب وحده؟”
نظر إليه “أليكس” للحظات، ثم أومأ موافقًا لكنه لم يزل متذمرًا، متسائلًا: “حتى لو كان لديه ساحر، ألا يجب على القائد العسكري أن يكون على الأقل ذو خبرة؟”
وأضاف بامتعاض:
“كيف يمكن لشخص لم يتلقَّ أي تدريب عسكري أن يقود الجيش؟”
فالملك العجوز كان غير كفء، والأمير الأول لم يكن يفقه شيئًا في التكتيكات العسكرية، بينما الأمير الثاني كان يريد إنهاء الحرب لكنه لم يكن يملك النفوذ الكافي أما الأمير الثالث، الذي كان أمامه، فلم يكن سوى ابن منبوذ في العائلة المالكة، يتولى أصعب وأخطر المهام فقط.
وفي ظل هذه الفوضى داخل العائلة المالكة، كان الجنود يُرسلون يوميًا إلى ساحات القتال ليُذبحوا.
اقترب “أليكس” من خط تجاوز حدود الجرائم ضد الملكية، فقال له “ألڤين” ساخرًا:
“هل تدرك أنك الآن تنتقد العائلة المالكة أمامي؟”
لكن “أليكس” أجابه بلا مبالاة:
“ألستم أنتم أيضًا تكرهونهم؟”
لم يكن لكلام “ألڤين” أي أثر، فهو نفسه لم يكن يُظهر أبدًا أي دلالات على كونه من العائلة المالكة بل إن رجاله كانوا يخشون في بعض الأحيان أن يتم القبض عليه بسبب انتقاده اللاذع للملك ولم يكتشف أقرب رجاله أنه أمير إلا بعد اندلاع الحرب.
ففي وحدتهم العسكرية، كان نصف المجندين يموتون أثناء التدريب، والنصف الآخر يموت أثناء العمليات العسكرية لم يكن مكانًا يتوقع فيه أحد وجود أمير.
لكن، حتى بعد أن علموا بحقيقته، لم يتغير شيء فبعد سنوات من القتال والبقاء معًا وسط المعارك، لم يكن “ألڤين” بالنسبة لهم مجرد أمير بعيد المنال، بل كان قائدهم الذي يثقون به ويتبعونه.
“في الواقع، إن أكثر من ينتقد العائلة المالكة هنا هو أنت، أيها القائد…”
“أشعر أن هناك من يتمادى أكثر فأكثر هذه الأيام…”
ابتسم “ألڤين” ببرود، فأدرك “أليكس” أن الموقف لم يعد مزاحًا وبمهارة الجندي المخضرم، تظاهر بالخضوع على الفور، محاولًا التملص من الموقف.
***
بعد أيام من البحث داخل المعسكر، بدأت فرق التفتيش تستعد للخروج في مهماتها المعتادة وبما أن العديد من جنود “إيدلين” قد تم تسليمهم إلى وحداتهم الأصلية، فقد أصبحت الأسرة في المستشفى أكثر توافرًا.
كان “ماثيو” وبقية العاملين في المعسكر مشغولين بتنظيف أسلحتهم، فيما كانت “كلوي”، المسؤولة عن جمع الغنائم، تحضر أكياسها.
كانت “كلوي” قد أصبحت خبيرة في عملها كانت تجمع كل الأسلحة، وتمزق أقمشة الملابس المطرزة بالأسماء، بحركات آلية بحتة لم يكن هناك وقت لإظهار الحزن ومع مرور الأيام، كانت أكياسها تزداد امتلاءً مع كل عملية تفتيش.
أخذ “ماثيو” سلاح “كلوي” الشخصي وبدأ في تنظيفه لها، ثم سألها بلا مبالاة:
“كلوي.”
“نعم؟”
“ما بال ذلك الشخص؟ لماذا يتصرف هكذا؟”
“أي شخص تقصد؟”
لم يُجب “ماثيو”، فبدأت “كلوي” تنظر حولها ثم وقعت عيناها على “ألڤين”، الذي كان مستندًا إلى النافذة، يتأمل السماء بتعبير غامض لم تفهم سبب سؤال “ماثيو” عنه، فتجاهلته لكن “ماثيو” لم يتوقف عن التفكير فيه، خصوصًا بعد الأحداث الأخيرة.
“هل سرقتِ منه مالًا؟ إن كان الأمر كذلك، يمكنني تسديده عنك…”
حدقت فيه “كلوي” بنظرة غاضبة، فلم يسبق لها أن سرقت من أحد حتى في أيامها الصعبة، لم تفكر أبدًا في سرقة أموال الآخرين.
لكن “ماثيو” لم يتراجع، وسألها من جديد:
“إذن، هل كان حبيبك السابق؟”
تنهدت “كلوي” بعمق، ثم نهضت من مكانها، وذهبت إلى قن الدجاج وأخذت ثلاث بيضات مدت واحدة إلى “ماثيو”، وكأنها تخبره أن يأكلها ويصمت.
نظرت إلى البيضتين المتبقيتين، ثم قررت توزيعها على الموجودين حولها كانت ترغب في جمعها وتوزيعها لاحقًا، لكنها كانت تدرك أن البيض يفسد بمرور الوقت، ففضلت إعطائه لمن يصادف أن يكون قريبًا.
أخذ الرجال البيض وكسروا قشوره بأصابعهم دون حتى تنظيفه.
“اشكرك، كلوي!”
“لقد كان لذيذًا!”
أومأت “كلوي” برأسها بلا اهتمام، ثم غادرت، بينما كان بقية أعضاء فرقة البحث ينظرون إلى “ماثيو” متأملين.
“يا له من أحمق حبيب سابق؟ من الواضح أنها مشاعر حالية!”
“لا بد أنه لم يسبق له الوقوع في الحب أبداً.”
كان أعضاء الفرقة مقتنعين بأن “ماثيو” كان غافلًا عن المشاعر، ربما لأن كل طاقته تذهب إلى عضلاته لكنهم كانوا جميعًا بنفس الحال، بأذرع تكاد تكون بحجم فخذ أي شخص عادي.
توجهت “كلوي” إلى المكان الذي كان فيه “ألڤين” كان الأخير قد شعر بقدومها منذ وقت طويل، وكان ينظر إليها بهدوء.
هبت نسمة هواء أخرى، فبعثرت خصلات شعرهما.
كان الاثنان يتجنبان بعضهما منذ فترة، ولم يعرفا كيف يتعاملان مع بعضهما البعض كانت “كلوي” مترددة بشأن كيفية التعامل معه، بينما لم يكن “ألڤين” يريد إزعاجها.
سألها بهدوء:
“هل ستخرجين؟”
أومأت “كلوي” بصمت بدت الحيرة على وجه “ألڤين”، ثم قال محاولًا إقناعها:
“كلوي، أفضّل ألا تخرجي في الوقت الحالي.”
“…….”
“أرجوك، استمعي إلي المنطقة حول المعسكر لا تزال خطيرة.”
شعرت كلوي بالغرابة من هذا الكلام كان الخروج دائمًا أمرًا محفوفًا بالمخاطر، ولكن منذ اندلاع الحرب، لم تكن المنطقة المحيطة بالقاعدة آمنة كما كانت في هذه الأيام.
قال لها:
“أعلم أنك لا تثقين بي، ولكن خذي قلقي هذا على محمل الجد لم يسبق لي أن كذبت عليك في مثل هذه الأمور.”
قرأت كلوي في عينيه قلقًا واضحًا، لكنها لم تجب، بل اكتفت بالتحديق فيه بصمت بدا أن ألڤين فسّر صمتها على أنه رفض، فتنهد وهو يمرر يده بعصبية في شعره، وكأنه مستاء من اضطراره لقول هذا الأمر بنفسه:
“إذن… ابقي بجانب ذلك الشخص على الأقل.”
استدارت كلوي لتنظر إلى الاتجاه الذي أشار إليه، وما إن رأت ماثيو حتى أفلتت منها ضحكة خافتة دون أن تشعر.
فورًا، تقطب وجه ألڤين شعر بغيظ مكبوت.
كيف لها أن تضحك؟ ألا تدرك بأي قلب أقول هذا الكلام الآن؟
حين أدركت كلوي تعابيره، ضغطت على شفتيها بظهر يدها تحاول كبت ضحكتها، لكن وجهها لم يستطع العودة إلى الجمود الذي كان عليه كانت تضحك وكأن الهواء قد دخل رئتيها فجأة، ولكن في داخلها كانت تفكر:
“أعلم… أعلم أن قلقك علي ليس كذبًا مهما تغيرت الظروف هنا، فإن الحقيقة أنك أنقذتني أكثر من مرة لن تتغير أبداً.”
نادت عليه بهدوء:
“ألڤين.”
”…نعم؟”
“أتمنى لو تغطي وجهك أكثر.”
عقد حاجبيه أكثر، غير مستوعبٍ ما تعنيه بكلامها.
بصراحة، كانت كلوي تعتقد أن ألڤين يلفت الأنظار أكثر من اللازم لم يكن فقط أمرها هي، بل بدا أنه يجذب أنظار الجميع بشكل غير طبيعي شعرت أن انكشاف أمره مسألة وقت لا أكثر.
“مجرد اقتراح، لا تأخذه على محمل الجد كثيرًا.”
ثم استدارت لتنصرف، ولكنها وقفت قليلًا وأضافت بصوت خافت:
“سأذهب لفترة قصيرة، لذا لا تتعرض لأي أذى خلال ذلك الوقت.”
نظر إليها ألڤين بنظرات معقدة هذا كان كلامه هو، وهي من كان يجب أن تستمع إليه، لا العكس.
مدت يدها فجأة وأمسكت بأصابعه المرتبة.
وفي تلك اللحظة، اجتاحه إحساس غريب وكأن هذا المشهد قد حدث من قبل في ذلك اليوم عندما كانت كلوي تستعد لمغادرة القاعدة، أمسكت بيده بشكل مفاجئ تمامًا كما تفعل الآن، وقالت له بابتسامة خفيفة:
“ألڤين، سأذهب وأعود.”
كان من الواضح أن هناك شيئًا ما في قلبها لم يُحل بعد، ورغم ذلك، كانت هي من جاءت إليه أولًا.
لأنها ربما فكرت أن هذه قد تكون المرة الأخيرة.
لم ترد أن يكون آخر حديث بينهما شيئًا قاسيًا، بل أرادت أن تترك صورة جيدة قبل المغادرة.
كما يقوم الجنود بتنظيف أسلحتهم وشد أربطة أحذيتهم قبل الخروج إلى ساحة المعركة، كان هذا استعدادها الخاص.
وحين ظل ينظر إليها بصمت، همست له متعجلة:
“فهمت؟”
“نعم… سأبقى هنا وأحمي المكان.”
لم يكن هذا مزاحًا، لكنه كان أول شيء خطر بباله، ومع ذلك، ضحكت كلوي بصوت خافت.
نظر إليها بعينيه الثابتتين، ثم قرر أن يعيد إليها كلماتها بنفس الطريقة:
“كلوي.”
“نعم؟”
“وأنتِ أيضًا… لا تتعرضي لأي أذى وأنتِ بعيدة عني.”
أومأت عدة مرات، وابتسمت له قبل أن تستدير وتتحرك مسرعة نحو زملائها، تاركة خصلات شعرها الأسود تتطاير خلفها كما في كل مرة.
وقد وفّى كل منهما بوعده.
وعلى عكس المخاوف، عادت كلوي ورفاقها سالمين من مهمتهم، ولم يصب أحد منهم بأي جروح كانت تحمل ثلاثة أكياس مليئة، وانشغلت بفرز الأسلحة والعتاد القابل للاستخدام.
وفي تلك الأثناء، كانت أخبار الانتصارات تصل بين الحين والآخر.
“إن استمر الوضع هكذا، فقد تنتهي الحرب قبل نهاية العام أريد العودة إلى دياري أشتاق لعائلتي وأصدقائي أريد أن أتناول الطعام الذي تعده أمي مرة أخرى…”
بدأ الجنود في الجيش الإيديليني يشعرون بأملٍ ضئيل في إنهاء الحرب، لكن الأمور انقلبت رأسًا على عقب بعد بضعة أيام فقط.
وصلت رسالة عاجلة إلى القصر الملكي في إيديلين، ومثلها انتشرت الأخبار بين الوحدات العسكرية، حتى وصلت إلى آذان كلوي من خلال القوات المجاورة.
تم اختراق الخط الأمامي للحرب!
بعد تقدمهم المستمر، اضطرت قوات إيديلين إلى التراجع أمام زحف جيش فيتسمارك، الذي انقض عليهم كمدٍّ جارف.
وفي قلب هذا الهجوم، وقف أقوى سلاح لفيتسمارك:
الساحر الناري، الذي كان مختفيًا لفترة طويلة.
على الفور، تم إرسال تعزيزات لخط الدفاع الثاني، وسُمع أنهم بالكاد تمكنوا من صد الهجوم لكن في ذلك الوقت، كانت قاعدة “ويلينغتون” الطبية تغرق في فوضى غير مسبوقة، حيث بدأ تدفق الجرحى بشكل يفوق قدرتها على الاستيعاب.
كان وجه كلٍ من ماثيو وكلوي مليئًا بالقلق، حيث كانا يناقشان الوضع مع قادة الوحدات العسكرية القريبة.
لقد جلب القادة جرحاهم منذ الفجر، متوسلين إلى القاعدة الطبية لإنقاذهم بأي وسيلة.
قال أحد القادة برجاء:
“حضرة القائد، نحن آسفون، ولكن لم يعد لدينا أي مساحة لاستيعاب المزيد من الجرحى المشكلة ليست في المكان فحسب، بل لدينا عدد قليل من الأطباء، وأدويتنا على وشك النفاد.”
كانت فرق البحث والإنقاذ تضع معايير صارمة كل مرة للخروج في مهماتها، حيث كانت تحدد مسبقًا عدد الأشخاص الذين يمكنهم إنقاذهم، لأنهم كانوا يعلمون أن إنقاذ أكثر من طاقتهم لن يكون سوى نقل الموت من الخارج إلى داخل القاعدة.
كان أصعب جزء هو أن يكون أمامهم جرحى يطلبون المساعدة، لكنهم يضطرون إلى تركهم والعودة.
ومع ذلك، لم يتوقف القائد عن محاولة التأثير عليهم، وقال بنبرة يائسة:
“أرجوكم، افهموا موقفنا نحن مضطرون للعودة فورًا إلى ساحة المعركة لا يمكننا القتال بينما نحمل الجرحى، ولا يمكننا أيضًا تركهم في المعسكرات، لأن ذلك يعني أننا نحكم عليهم بالموت!”
ظل ينظر إليهم بعينين مليئتين بالتوسل، قبل أن يضيف بصوت عميق:
“إن لم نستطع التركيز على القتال، فلن يكون أي منكم بأمان، لا أنتم ولا هذه القاعدة!”
لا يمكن إنكار صحة كلامه إذا تم اختراق الجبهة الأمامية، فستتبعها الجبهة الثانية عاجلًا أم آجلًا، وعندها لن يكون المعسكر الخلفي في مأمن كانت الوحدات العسكرية القريبة والمعسكرات في علاقة تكافلية، فقد كانت القوات العسكرية ترسل تعزيزات متى دعت الحاجة.
وضعت “كلوي” يدها على جبينها بصمت كانت تفكر في وضع الإمدادات التي وصلت صباح اليوم السابق، وكذلك في حالة المخازن.
“إذا كنا سننتظر وصول الإمدادات التالية، فسيستغرق الأمر على الأقل عشرة أيام…”
حتى لو أرسلوا طلبًا إضافيًا، فسيستغرق وصوله إلى العاصمة الوقت نفسه لكن “ماثيو”، الذي شعر بأنها قد اقتنعت بالفعل، تحدث بهدوء:
“كلوي، لنقم على الأقل بنصب بعض الخيام حتى لو اضطررنا لجعلهم ينامون على الأرض، فعلى الأقل سيحتمون من المطر.”
وهكذا، تم إنشاء ملاجئ مؤقتة في ساحة المعسكر، وكانت هذه بداية الجحيم.
بدا أن الشائعات قد انتشرت بين قادة الجيش الإيديليني فبدأوا يتصرفون وكأنهم يقولون: “الأمر صعب في البداية، ولكن بما أننا فعلناها مرة، يمكننا فعلها ثانية، بل وثالثة بسهولة أكبر!” وهكذا، بدأوا في إرسال الجرحى إلى المعسكر بلا تردد بل حتى بدؤوا يتركونهم سرًا كل ليلة.
كانت “كلوي” تغلي غضبًا كل صباح وهي ترى الجنود الجرحى ممددين أمام المعسكر، لكنها لم تستطع فعل شيء.
ونتيجة لذلك، حدثت هجرة جماعية جديدة داخل المعسكر فلم يكن من الممكن ترك الجرحى ممن يحتاجون عمليات جراحية ينامون في الخارج، مما أجبر الأصحاء على النوم في العراء.
لكن هذه لم تكن المشكلة الحقيقية، فالحقد الذي يكنّه جنود “إيديلين” تجاه أعدائهم كان عظيمًا للغاية، لدرجة أنه كان لا بد من فصلهم عن بعضهم البعض ولهذا السبب، تم إخراج معظم أسرى “فيتسمارك” من الجناح الطبي وأجبروا على البقاء في الخيام.
ما أثار استغراب “كلوي” هو أن أسرى “فيتسمارك” لم يبدوا أي اعتراض صحيح أنهم كانوا أسرى حرب، ولكن حتى مع أخذ ذلك في الاعتبار، كان تعاونهم ملحوظًا.
بعد أن أنهت “كلوي” تنظيم الفوضى في الجناح الطبي، توجهت نحو الخارج كان بعض الحراس المسلحين بالبنادق يحرسون الخيام أومأت إليهم بتحية قصيرة، ثم رفعت الستارة التي تغطي مدخل إحدى الخيام وما رأته بداخلها جعلها تعجز عن الكلام.
“هل بالغنا في حشرهم هنا بلا خطة؟”
ما رأته كان مكانًا تُسحق فيه كرامة الإنسان لم يكن هناك مساحة كافية حتى لوضع القدمين كانت التهوية شبه معدومة.
حين التقت عينا “كلوي” بالجنود المتكدسين داخل الخيمة، توتروا وأخذوا يتهامسون:
“ما بها هذه المرأة الآن؟”
“لا أعلم، لكن على الأقل ليس لديها سلاح، هذا مطمئن.”
ضحك “ألفين” عند سماعه ذلك حتى لو كانت “كلوي” تحمل بندقية، لم يكن هناك ما يدعو للقلق لم يكن الأمر متعلقًا بمهارتها في التصويب، بل لأنه كان يعرف أنها لا تستطيع إطلاق النار على شخص ثم تذهب للنوم وكأن شيئًا لم يكن.
كانت “كلوي” تشعر بصداع شديد وإرهاق، فوضعت يدها على جبينها ثم اتجهت إلى مخزن الإمدادات وحين عادت إلى الخيمة، كانت تحمل بين يديها عددًا كبيرًا من الأغطية.
نظرت إلى الجزء الخلفي من الخيمة، ثم ألقت بالأغطية بأقصى قوتها نحو الجنود هناك.
“قنبلة؟!”
تراجع جنود “فيتسمارك” لا إراديًا، فقد كانت ملامح وجهها مرعبة، لم تكن تبدو كشخص يقدم معروفًا.
لكنها كررت نفس الفعل عدة مرات حتى عندما أحضرت أغطية ملوثة ببقع الدم، بدأ الجنود أخيرًا في التفكير بعقلانية.
“آه، إنها مجرد بطانيات؟”
كان وجه “كلوي” ما يزال متجهمًا كان الطقس في الجبهة متقلبًا، فالحرارة كانت شديدة في النهار، بينما كانت الأرض تبعث بردًا شديدًا في الليل رؤية الرجال يتجمعون كلاجئين جعلها تشعر بعدم الارتياح.
واصلت النظر حول الخيمة حتى رأت حشرة زاحفة متعددة الأرجل، فانقبض وجهها بشدة فتحت شفتيها وقالت بصوت خافت:
“أنا آسفة.”
اتسعت أعين الجنود في صدمة وخوف. “هل أصابها شيء؟ لماذا تعتذر لنا؟ هل أسأنا إليها دون أن ندري؟”
أما “ألفين”، الذي كان يراقبها منذ لحظة دخولها، فقد مرر يده على وجهه، ثم لم يستطع منع نفسه من الضحك كانت تفعل شيئًا لطيفًا، لكنها تعبر عنه بطريقة معقدة جدًا.
ضحك الجنود الآخرون أيضًا.
“كلوي، عندما نذهب إلى المعارك، ننام في حفر نحفرها بأنفسنا هذا ليس شيئًا مقارنة بذلك.”
“حسنًا… إذا كنتم ترونه كذلك، فذلك جيد.”
أومأت برأسها ببطء.
لكنها لم تستطع الاعتناء بهم كثيرًا بعد ذلك، لأن الجحيم الحقيقي لم يكن في الخيام، بل داخل الجناح الطبي.
عاد ساحر “فيتسمارك”، الذي كان صامتًا لفترة، إلى ساحة المعركة، وأخذ يُظهر مهاراته السحرية بلا تحفظ لم يكد الأطباء يرسلون الجنود الذين تعافوا إلى الجبهة حتى كانوا يعودون بأعداد أكبر في اليوم التالي.
كان العاملون في المعسكر منهكين إلى حد أن أرواحهم نفسها بدت وكأنها تُستنزف صارت “آنا”، التي كانت في الأصل امرأة شابة، تبدو في سن الدوق “ويلينغتون” بل صار البعض ينامون مباشرة على الأرض.
لكن المشكلة الكبرى لم تكن ذلك، بل كانت نقص الطعام لم يكن وقت وصول القافلة التالية قد حان بعد، ومع ذلك، كانت الإمدادات الغذائية على وشك النفاد مما يعني أن العديد من الأشخاص سيضطرون إلى الجوع لأيام.
“هل حان وقت ذبح دجاجاتنا؟”
“هل ستسمح كلوي بذلك؟”
“إن لم يكن لدينا خيار آخر، ستكون هي أول من يلف عنقها.”
“صحيح.”
حين بدأت هذه المخاوف تتزايد، اتخذت “كلوي” قرارًا: ستذهب إلى الجبهة الثالثة، حيث تتمركز آخر خطوط الدفاع عن “إيديلين”، لمحاولة الحصول على بعض الطعام.
المفاجئ أن “ماثيو” وفريق الاستطلاع قرروا مرافقتها.
عند وصولهم، اقتربت “كلوي” بلباقة من الجنود عند المدخل:
“مرحبًا، نحن من معسكر ويلينغتون الطبي، تحت إدارة الدوق هل تعرفونه؟”
أخرج “ماثيو” ورقة تحمل ختم الدوقية وعرضها بسرعة، ثم طواها قبل أن يقرأها أحد.
“سنحتاج إلى تفقد مستودع الإمدادات.”
كان الجوع قد أفقدهم الخجل، وصاروا وقحين بدأوا في تحميل الطعام على العربات دون انتظار إذن.
“مهلًا، هذا مفاجئ جدًا، لم نتلق أي أمر بالسماح بهذا!”
“هيا، لنتشارك القليل!”
قالها أحد أفراد فريق الاستطلاع وكأنه بلطجي في زقاق مظلم.
بعد بعض التردد، وافق الجنود ثم أرسلت “كلوي” رسالة عاجلة إلى العاصمة عبر الحمام الزاجل.
حين غادروا المعسكر ومعهم العربات المحملة، لم يتحدث أحد لفترة، لكن الجميع كانوا يفكرون في الأمر نفسه:
“هل… نجح الأمر حقًا؟”
نظر ماثيو إلى كلوي بطرف عينه وقال:
“كلوي.”
“ماذا؟”
كانت قد ألقت القناع المتصنع والمبالغ فيه وعادت إلى وجهها القاسي مرة أخرى.
“أليس من الأفضل أن نغادر هذا المكان بسرعة؟”
يبدو أنهم سيستعيدون وعيهم قريبًا.
نظرت كلوي إلى ماثيو بطرف عينها أيضًا.
“أعتقد ذلك، أليس كذلك؟”
لكن لم يكن ماثيو ولا كلوي من صاح فجأة، بل شخص آخر.
“يا جماعة، اهربوا بسرعة!”
ذهب أفراد القاعدة يجرّون العربات من الأمام ويدفعونها من الخلف، متجهين نحو القاعدة وهم يركضون بجنون.
في الخطوط الأمامية، بدأت الأوضاع تأخذ منحى أكثر استقرارًا بدا أن ساحر النيران، الذي لم يتردد في القصف العنيف سابقًا، قد أصبح مترددًا.
ومن خلال ذلك، استطاع قادة جيش إيديلين استنتاج بعض الحقائق بسهولة:
أولًا، هناك ساحر واحد فقط في صفوف العدو.
ثانيًا، السحر الذي يستخدمه ليس غير محدود.
ثالثًا، هناك دائمًا علامة تحذيرية تسبق الانفجارات في كل مرة يتوهج البرق في السماء، كان جنود إيديلين ينسحبون بسرعة من التشكيل ويتفرقون على الفور.
لكن وضع القاعدة الطبية كان لا يزال في حالة يُرثى لها فقد ذاع صيتها على نطاق واسع، وبسبب ذلك، استمرت أعداد الجرحى في التوافد إليها بلا توقف.
وكانت المشكلة الأكبر هي الإمدادات مرّ أكثر من عشرة أيام منذ آخر مرة وصلت فيها الإمدادات، ومع ذلك، لم يأتِ أي خبر من العاصمة.
ازداد القلق بين القائمين على القاعدة.
“من المستحيل أن يكونوا قد التهموا كل شيء في الخط الثالث، صحيح؟”
“هل واجهت قافلة الإمدادات مشاكل بسبب الأحوال الجوية؟”
لكن الشيء الذي أقلق كلوي أكثر هو الرسالة التي أرسلتها:
“ترى، هل وصلت الرسالة بسلام؟”
قررت أنها سترسلها مرة أخرى عن طريق رسول بشري، تحسبًا لأي خطأ وبينما كانت مستندة إلى أحد جدران المستشفى الميداني تحاول أخذ قسط من الراحة، غلبها النعاس، لتثبت نظريتها مجددًا: “حين تصل إلى حافة الموت، ستغلق عيناك رغماً عنك.”
وعندما فتحت عينيها، وجدت نفسها مستلقية على السرير كانت تحدّق في السقف الأبيض، ترمش عدة مرات، ثم اعتدلت ببطء وهي تحاول الحفاظ على هدوئها بنظرة فارغة، مسحت بنظرها المكان، ورأت جنديًا صغير السن يجلس بالقرب منها.
أدركت كلوي أنها كانت نائمة وسط مجموعة من الرجال المرهقين دون أن تشعر، مما جعلها تشعر بالحرج حدّقت في الجندي وكأنها تحقق معه، لكنه رفع يديه فورًا في حركة دفاعية.
“آه، لا! كنتِ تغطين في النوم وأنتِ جالسة، لذا… لم أفعل أي شيء، أقسم لك!”
ظلت صامتة للحظة ثم مسحت وجهه بنظرة متفحصة كان صدره ملفوفًا بضمادات، مما يعني أنه رغم إصابته، نقلها إلى السرير وتركه لها.
بعد صمت قصير، قالت كلوي بصوت هادئ:
“أنت.”
“م-ماذا؟”
“شكرًا لك حقًا.”
تجمد الجندي الشاب ونظر حوله بارتباك.
لماذا تشكرني وهي تبدو غاضبة؟
لكن كلوي لم تكن مدركة لتعبيرات وجهها، ولم تستطع النهوض بسهولة كانت في أسوأ حالاتها جسديًا، وحتى وهي تحاول استعادة وعيها، لاحظت أن أوضاع الآخرين كانت أسوأ.
كان أفراد القاعدة مرميين على الأرض بشكل عشوائي، ينامون حيثما وجدوا مكانًا.
عندما تنهدت كلوي ومسحت وجهها الشاحب، اقترب منها بعض جنود فيتسمارك من المخيم.
“كلوي، هل أنتِ مشغولة؟”
طرفت كلوي بعينيها عدة مرات حدّقت بالجندي بنظرة ضبابية وسألته بصوت بارد:
“كيف يبدو حالي في نظرك الآن؟”
“أمم… وكأنكِ ميتة.”
“يا لك من صاحب نظر ثاقب دعنا نشكر والديك العظيمين لأنهما أنجباكَ بهذه الرؤية، كما نشكر أسلوب حياتك الصحي الذي جعلك تتجنب القراءة في الظلام، وأيضًا الرصاصة التي مرت بجانبك ولم تقتلك شكرًا لكم جميعًا.”
تبادل جنود فيتسمارك النظرات وأومأوا برؤوسهم.
“نعم… يبدو أنها ليست في وعيها الآن.”
حولت كلوي نظرها إلى الخلف، متجاوزة الجنود الواقفين أمامها، لترى ألڤين واقفًا هناك.
كونه شخصًا نادرًا ما يتحرك مع مجموعة، جعل كلوي تتساءل بجدية عن سبب وجوده لذا تجاهلت الآخرين وسألته مباشرةً:
“ألڤين، هل هناك شيء ما؟”
لكنها لم تتلقَ إجابة.
في تلك اللحظة، اقتحم أحد جنود إيديلين الموقف فجأة رغم عرجه الواضح، تقدم حتى أمسك بياقة أحد جنود فيتسمارك بعنف.
“أيها الأوغاد! كيف تجرؤون على القدوم إلى هنا؟!”
كان وجه الجندي متقدًا بالغضب، فقد كان يقاتل ضد هؤلاء بالأمس فقط.
فكرت كلوي في نفسها:
“غضبه مبرر تمامًا.”
لكن الحقيقة هي أن الجميع هنا كانوا يحملون نفس الغضب في قلوبهم.
بدأ جندي فيتسمارك الذي تم الإمساك به يرتجف ويرفع قبضته في المقابل عندها، زفرت كلوي تنهيدة متعبة وأمسكت بظهر يد جندي إيديلين لتهدئته.
لكن ألڤين تقدم للأمام، متجاوزًا الجنود، وأزال بهدوء يد كلوي عن الجندي ثم دفع كتفها برفق، كأنه يطلب منها التراجع.
كان وجهه هادئًا كعادته، حتى في مثل هذا الموقف.
“ابتعدي قليلًا.”
ترددت كلوي للحظة، لكنها لم تستطع الابتعاد تمامًا.
أمسك ألڤين بمعصم جندي إيديلين، الذي كان لا يزال يمسك بياقة خصمه، فظهر الألم على وجه الجندي.
ثم، وبعد أن فك قبضته بسهولة، نظر ألڤين إلى جندي فيتسمارك الذي كان يستعد لضرب الآخر بقبضته المرتعشة.
“أنزل يدك.”
“… …”
“قلت لك، أنزلها.”
لكن الجندي لم يستجب، فتنهد ألفين بصوت خافت ثم أمسك بمعصم جندي بلاده وضغطه برفق نحو الأرض.
كانت كلوي تراقب، وكان من السهل عليها أن تدرك الأمر لم يكن هذا مجرد تهدئة، لقد حطم ألفين مقاومة الجميع بالقوة.
ومع ذلك، لم يكن غضب جندي إيدلين قد هدأ بعد فقد اندفع مجددًا، وهذه المرة أمسك بياقة ألفين.
فكرت كلوي في أن هذا هو الوقت المناسب للتدخل أن ينجو من ساحة المعركة ثم يتلقى العلاج فقط ليموت في المستشفى، هذا لا يمكن أن يكون مقبولًا.
“واجه من تستطيع مواجهته، حتى أنا، التي لا أعرف شيئًا، أستطيع أن أرى أنك لست ندًا لألفين، أيها الأحمق.”
اقتربت كلوي لتقف بينهما، ولحسن الحظ، لم تكن الوحيدة التي حاولت التهدئة.
“أما زلت لا تستطيع التوقف؟! ألا تدرك أنك في منشأة مدنية؟!”
نظرت كلوي إلى الرجل الذي كان يصرخ بحدة كان يرتدي زيًّا عسكريًّا، وكانت شارات رتبته مثبتة عليه.
ربما لم يكن الجندي قادرًا على تحدي مسؤول عسكري، لذا أرخى قبضته عن ياقة ألفين.
استغلت كلوي الفرصة ودَفَعت ظهر جنود بيتسمارك.
“أنتم جميعًا، اخرجوا، أسرعوا.”
وهي تطردهم، التفتت كلوي ونظرت للخلف وعندما التقت نظراتها بالضابط، أومأت له بشكر صامت ابتسم الضابط وهز يده، وكأنه يقول لها أن تتابع عملها.
خرجت كلوي وجنود بيتسمارك من الجناح الطبي دفعة واحدة كانت تنظر ببرود إلى الجندي الذي كاد أن يوجه لكمة، بينما بدا هو محرجًا.
“أشعر وكأنني أعيش كل يوم وأنا أحمل قنبلة على وشك الانفجار بين يدي.”
شعر الجندي بإحراج أكبر، لكنه لم يكن مذنبًا بالكامل، لذا قررت كلوي تجاوز الأمر ثم نظرت إلى ألفين، الذي كان واقفًا مائلًا قليلًا، وسألته:
“لكن ما الأمر؟”
“يجب أن تأتي لرؤية شيء ما.”
“لماذا؟”
لم يجب ألفين، بل بدأ في المشي لم يدم استغرابها طويلًا، وسرعان ما التحقت به وسارت بجانبه.
خلال سيرهم، كان ألفين يراقب وجهها بين الحين والآخر كان قلقًا من أن يظهر اهتمامه المفرط، لكنه مع ذلك وضع يده على أسفل ظهرها لدعمها، فقد بدا أنها تكافح حتى للوقوف.
ولأنها كانت متعبة بالفعل، استسلمت قليلًا وتركت جسدها يستند إليه عندها، لف ألفين ذراعه حولها، ممسكًا بمعصمها بلطف.
“بصراحة، أود أن أحملك وأريحك.”
ضحكت كلوي وهزت رأسها.
“سأكتفي بالاعتماد عليك قليلًا أثناء المشي.”
“كما تشائين.”
شعرت كلوي بنظرات الجنود نحوهم، لكنها لم تهتم هذه المرة لم يكن لديها الطاقة الكافية لذلك كانت تسير وهي تقريبًا تستند بالكامل إلى ألفين، فيما كان هو يمسح على خدها بظاهر كفه بلطف، ثم سأل:
“هل تعتنين بنفسك أثناء العمل؟”
“طبعًا.”
“فتاة مطيعة هل تريدين قطعة حلوى؟”
“يا إلهي.”
“قلتِ إنك ستأخذين سر الحلوى معي إلى القبر.”
“قلت أيضًا ألا تلمس موضوع عملي.”
شعرت كلوي بالإحراج، فنظرت إليه بطرف عينيها، لكنه ابتسم وأشاح بوجهه، ثم سأل:
“كدت أتعرض للضرب، ألا تقلقين عليّ؟”
“وكأنك ستُضرب حقًّا لم أتدخل لأنني خفت عليك، بل لأنني كنت أخشى أن يموت هو.”
ضحك ألفين بصوت خافت.
“لديك عين ثاقبة لكنني لم أكن لأقتله، هناك طرق أخرى.”
تساءلت كلوي عن ماهية تلك الطرق، لكنها قررت أن تصمت، فقد شعرت أنها لن تكون سلمية.
عندما اقتربوا من الخيمة، لم يدخلها ألفين على الفور، بل توقف ونظر في عينيها.
“كلوي.”
“نعم؟”
“حاولي ألا تنزعجي كثيرًا.”
ابتسم بمرارة لم يكن متأكدًا مما إذا كانت قوية أم لا في الداخل، كان هناك مريض لم يكن يريد أن تراه، لكنه كان يطلبها بالاسم كانت الأوضاع في المعسكر غير مستقرة، وكلوي كانت الوحيدة التي زارت الخيمة عدة مرات وكان ألفين يعلم أن هذه أسرع طريقة.
استشعرت كلوي شيئًا غريبًا في كلامه، فدفعته جانبًا ورفعت ستارة الخيمة أشارت إحدى الجنود إلى زاوية ما، فتقدمت كلوي بسرعة إلى حيث يرقد الجندي المصاب.
“آه…”
تنهدت كلوي بقلق كانت الضمادات السوداء متناثرة على الأرض، ويد الجندي كانت متفحمة بالكامل رغم المنظر المقزز، حدقت في يده بانتباه، ولاحظت بقعًا بيضاء صغيرة بدا وكأن الديدان وضعت بيضها داخل اللحم.
“كلوي… ساعديني.”
“لماذا… لماذا انتظرت حتى تصل إلى هذه الحالة؟ كان عليك أن تأتي إليّ في وقت مبكر.”
كانت على وشك توبيخه على غبائه، لكنها شعرت بالذنب ربما لم يكن قادرًا على الحديث الطاقم الطبي كان مشغولًا، والجناح كان يعج بالكراهية حتى جنود بيتسمارك اضطروا للمجيء جماعة حفاظًا على سلامتهم.
عندما عجزت عن الرد، أمسك ألفين بمعصمها وسحبها للخارج.
“في البداية، ظن أنه سيتحسن فقد تلقى العلاج بالفعل.”
“…”
“لكنني لاحظت رائحة غريبة، فاضطررت إلى كشف الجرح بنفسي.”
في الحقيقة، ما شمّه ألفين لم يكن مجرد رائحة، بل كانت رائحة تعفن الجثث راقب وجه كلوي، ثم همس:
“هل يمكنك إحضار الطبيب؟”
أومأت كلوي وركضت إلى الجناح الطبي.
لم يستغرق الأمر سوى دقائق حتى قامت آنا بفحص الجندي وكما فعل ألفين، سحبت كلوي خارج الخيمة وقالت:
“كلوي، هذا نخر في الأنسجة لا يمكننا إنقاذه ”
“إذن، ما العمل الآن؟”
“يجب بترها قبل أن ينتشر التعفن إلى بقية جسده.”
كانت العمليات الجراحية في المعسكر تقتصر على إزالة الرصاص أو خياطة الأعضاء المبتورة بالفعل كانت هذه الحالة نادرة، لكنها لم تكن مستحيلة.
أومأت كلوي برأسها بوجه كئيب ولكن آنا ابتسمت بمرارة وقالت:
“كلوي، ليس لدينا عشبة الصخر.”
“…”
“في الحقيقة، المطهرات والأدوية الأخرى كلها ناقصة أيضًا.”
نظرت كلوي إلى آنا بوجه مرتبك كان ذلك يعني أنه سيتعين عليهم بتر اللحم والعظم دون أي مخدر.
في مستودع الأدوية، وقفت كلوي، وآنا، وماثيو كان هناك جدال محتدم بينهم.
“آنا، هل حقًا لا يوجد أي شيء؟”
أشارت آنا، التي كانت تبدو مرهقة للغاية بعد أيام من قلة النوم، إلى أحد الأرفف.
“هذا كل ما لدينا في الواقع، هذه الكمية لا تكفي حتى لثلاثة أو أربعة أشخاص.”
“إذن…”
“كلوي.”
هزّت آنا رأسها بحزم.
“حتى هذا المساء، وحتى فجر الغد، سيستمر تدفق الجرحى من إيدلين ومنذ البداية، كانت سياسة هذه القاعدة تقضي بإعطاء الأولوية لإمدادات الجنود الإيدلينيين.”
”……”
“حتى بهذا المخزون، لن نتمكن من علاج جميع جنود إيدلين.”
عضّت كلوي شفتيها بإحكام كانت تشرف على معظم الإمدادات التي تصل إلى هذه القاعدة، لكن مسؤولية إدارة مخزون الأدوية كانت بالكامل على عاتق آنا.
كانت آنا خبيرة كرّست معظم حياتها لإنقاذ المرضى، بينما كلوي، حتى لو رأت مريضًا، لم تكن قادرة على تقدير مقدار الدواء الذي يحتاجه.
بدأت منطقية جديدة تتشكل في عقل كلوي: كان جنود فيتسمارك هم من وصلوا أولًا، وإذا كان العلاج الذي تلقوه غير كافٍ، فلابد من اتخاذ إجراءات متابعة، أليس كذلك؟ كيف يمكنها ترك الجرحى الذين أمامها من أجل من لم يصلوا بعد؟
لكن مثل هذا المنطق لا يمكن تطبيقه إلا في أوقات السلم كان هذا أحد المواقف التي كشفت عن التناقضات العميقة في هذه القاعدة، لكن لم يكن بإمكان كلوي مجرد القول لآنا إنها مخطئة أو أن هذا الوضع غير عادل.
“إذن… هل يمكننا تأجيل العملية حتى تصل الإمدادات؟”
أجابت آنا بإشارة بيدها وضعت حافّة يدها اليمنى على معصم يدها اليسرى، ثم أشارت إلى منتصف ساعدها، ثم أخيرًا إلى ما فوق المرفق كانت هذه إشارة واضحة تعني أنه كلما تأخروا، زاد الجزء الذي سيتعين بتره.
”……”
شعرت كلوي فجأة بعجز كاسح، فاستندت إلى الحائط ثم انزلقت إلى الأرض أخفت وجهها بين يديها وخفضت رأسها، بينما نظرت إليها آنا بصمت بدا وجه آنا أيضًا وكأنه يحمل ثقلًا من الألم والحزن.
لم يكن سبب ألمها هو مدى سوء حالة الجرح، بل كان بسبب أنها اضطرت إلى إعطاء الأولوية لأمور أخرى فوق حياة شخص يعاني كانت تريد أن يتم لومها على ذلك.
“كلوي، هل تعتقدين أنني مخطئة؟”
لكن حتى كلوي أرادت أن يتم لومها هزّت رأسها بضعف.
“لا… في الحقيقة، كنا جميعًا نعلم أن مثل هذا الموقف سيحدث عاجلًا أم آجلًا.”
”……”
“لكنني نادمة قليلًا ربما كان من الأفضل أن نتركهم يموتون على الأرض.”
”……”
“هل هذا حقًا شيء ذو معنى؟”
”… كلوي.”
جلس ماثيو بجانبها وربّت على كتفها.
تذكرت كلوي تلك اللحظة التي ذهبت فيها مع ألفين إلى القرية حين كان يصلح المنازل المدمرة، تساءل بصوت عالٍ: ما الفائدة من إصلاح منزل سيتحطم مجددًا؟
رأت أن الوضع الحالي يشبه تمامًا ذلك حتى لو عالجوا جنود إيدلين، فسوف يعودون إلى الجبهة ويعودون لحمل السلاح، وحتى لو عالجوا جنود فيتسمارك، فلن يغير ذلك حقيقة أنهم أعداء وأسرى.
طالما أن الحرب لم تنتهِ، فسيظل هذا الوضع يتكرر بلا نهاية شعرت كلوي وكأنها تصب الماء في وعاء خزفي مكسور.
انتظرت يومين آخرين على أمل وصول قافلة الإمدادات، لكن كما توقعت آنا، استمر تدفق الجرحى الإيدلينيين، ونفدت معظم الإمدادات الطبية في القاعدة.
لم يعد بالإمكان تأجيل الأمر أكثر، لذا أخذت كلوي طبيبًا من الرجال ومعه بعض الجنود الاستطلاعيين وذهبت إلى الخيمة عندما طلبت من الجنود الاستطلاعيين نقل المريض، تدخل ألفين وبعض جنود فيتسمارك للمساعدة.
وضع الجنود رفيقهم على سرير في غرفة صغيرة، وبدأ الطبيب بسكب كميات كبيرة من الكحول القوي على الجرح، ثم التقط المشرط.
لم تطلب كلوي من آنا إجراء العملية فقد كانت تعرف في داخلها، رغم أنها كانت صاحبة القرار، أن آنا كانت تعاني في هذه اللحظة أكثر من أي شخص آخر.
اختارت كلوي طبيبًا قوي البنية لأنها توقعت أن يقاوم المريض بشدة من الخوف، وأرادت شخصًا لديه قوة كافية للسيطرة عليه.
ولكن ربما كان تعبير كلوي ومن معها صارمًا جدًا، لأن المريض أدرك أن هناك شيئًا خاطئًا.
“لا، لا أريد هذا، كلوي!”
”……”
“لن أفعل ذلك!”
“يجب أن تفعل.”
“قلت لك لا أريد!”
هل كان حتى في العشرين من عمره؟ كان جندي فيتسمارك، الذي كان يتصبب عرقًا منذ البداية بسبب ألمه، قد بدأ يرتجف وهو يحاول المقاومة.
فقام الجنود الاستطلاعيون بتثبيته على السرير أولئك الذين كانوا قد جاءوا معه لنقله أدركوا الموقف أخيرًا، وباتت تعابير وجوههم أكثر كآبة.
اقتربت كلوي من الجندي الشاب وسألته بلطف:
“آسفة، ما كان اسمك مجددًا؟”
”……”
“همم؟”
”……”
“افهمني، أنا كنت أمتلك ذاكرة قوية جدًا، لكن عندما ألتقي بمئات الأشخاص الجدد يوميًا، يصبح من المستحيل تذكر الجميع.”
”……”
“لذا، لا تغتر بنفسك كثيرًا، وإلا ستنتهي بك الحال مثلي… لم أكن أتوقع أبدًا أن أكون في هذا الوضع.”
بعد تردد، تمتم الجندي بصوت خافت:
“دوي.”
أومأت كلوي برأسها لم يكن هناك داعٍ لإخباره أنه لا يوجد أي دواء متاح، فلا فائدة من جعله يشعر بالخوف أكثر.
قالت بصوت هادئ، كما لو أنها كانت تواسي طفلًا:
“دوي، الطبيب يقول إن هذا الإجراء يمكن القيام به حتى بدون الاعتماد على أدوية أخرى.”
”……”
“إذن، لا يوجد ما يمنعنا من القيام به، أليس كذلك؟”
“البافيبول ليس سوى هلوسة قوية، وليس حقيقة لكن ما يحدث لجسدك سيبقى كما هو لا، في الواقع، ليس الأمر كذلك تمامًا فالتأثير الذي يمارسه العقل على الجسد أكبر مما تتصور.
لذلك، عندما ينتهي كل هذا، وإذا شعرتَ أنني كنتُ أكذب… يمكنك حينها أن تبصق في وجهي وتضربني بيدك المتبقية بضع مرات.”
كانت تضغط على كتفي “دوي” مع جندي الاستطلاع بينما أومأت للطبيب بإشارة خفيفة لكن “دوي” بدأ يذرف الدموع والمخاط ويرتجف بشدة كما ألقى نظرات استعطاف إلى رفاقه طلبًا للمساعدة بدا الطبيب في غاية الحرج.
أما “ألفين”، الذي كان يقف في الخلف، فقد نظر بلا مبالاة إلى السكين الجراحي.
“بهذا السكين؟ إلى متى سيستغرق الأمر؟”
زفر بضيق، ثم تقدم بين الحاضرين إلى الأمام بدت “كلوي” متفاجئة، لكن “ألفين” لم يلتفت إليها، بل ركّز نظره على جندي الاستطلاع.
“أعطني هذا للحظة.”
“ماذا؟”
دون أن يجيب، سحب السيف الطويل من خصر الجندي.
“مهلاً، ماذا تفعل؟!”
فوجئ سكان القاعدة ورفعوا أسلحتهم على الفور، لكن “ألفين” لم يبدُ مكترثًا على الإطلاق صبّ الخمر القوي على نصل سيفه، ثم دفع “كلوي” بعيدًا وقال:
“من الأفضل أن تخرجي من هنا.”
دفعتها المفاجأة إلى التراجع، لكنها سرعان ما هزّت رأسها رفضًا وعندما تأكد من إصرارها، أطلق تنهيدة خفيفة.
شعر “ألفين” أنه مجرد رجل عادي في النهاية بالنسبة له، لم يكن هذا المشهد شيئًا مميزًا، بل كان أمرًا اعتاده حتى الملل، لكنه لم يكن مرتاحًا لأن “كلوي” كانت تراقبه من الخلف.
“هل هذا ما قصدته حين تحدثت عن مفاهيم الحب التقليدية؟”
لكنه كان يفضّل أن يُلقَّب بالرجل المحافظ والمتزمت على أن يجعلها تحمل عبئًا نفسيًا إضافيًا برؤية هذا المشهد البشع.
مزّق “ألفين” غطاء السرير بيديه القويتين، ثم لف قطعة القماش بإحكام ورفعها إلى فم الجندي المرتبك.
“عضّ عليها.”
“…….”
“إلا إذا كنتَ لا تمانع أن تتكسر أسنانك.”
حين لم يستجب “دوي”، حشر “ألفين” القماش في فمه بالقوة، ثم التفت إلى أحد جنود “فيتسمارك” الذين كانوا يراقبون.
“أنت، غطِّ عينيه.”
راقبت “كلوي” تصرفاته بذهول كان “ألفين” يحدق في الجرح، يحاول تحديد الموضع المناسب للقطع.
ثم حدث كل شيء بسرعة خاطفة.
كلوي والطبيب لم يريا سوى بريقٍ خاطف.
طَق!
سقطت اليد المبتورة على الأرض، وتفجرت الدماء لتغطي السقف والجدران وكل شيء حولها ألقى “ألفين” بالسيف جانبًا، ثم وضع القماش مجددًا في فم الجندي، مشيرًا للطبيب بأن يتحرك بسرعة.
ورغم أنها شحب وجهها تمامًا، إلا أن “كلوي” لم تزوِ نظرها عن المشهد حتى النهاية.
في أحيانٍ كثيرة، كان بعض الجرحى يصابون بفقدان النطق بعد الصدمات كان من الشائع أن يهلوسوا، أو ألا يدركوا حتى عندما يُنادى عليهم باسمهم في الحالات الأكثر خطورة، كان بعضهم يهتز بشكل غير إرادي أو تتشنج عضلاتهم في اتجاهات غريبة كان الأمر خارجًا عن إرادتهم ولم يكن بوسع الأطباء فعل شيء حيال ذلك.
لأول مرة، شعرت “كلوي” أنها تفهمهم ولو قليلًا لأنها الآن كانت مذهولة تمامًا.
“هل كان عليّ حقًا أن أراقب حتى النهاية؟”
لكنها لم ترغب في إدارة ظهرها الآخرون جميعهم كانوا يتحملون ذلك، الجنود يخرجون إلى المعارك ويموتون، فكيف لا تستطيع حتى أن تنظر؟ كان ذلك جزءًا من مبدأها الصارم.
حدّقت بأسى في اللفافات الطبية التي سرقتها سرًا من مخزن الأدوية أسبوعان من هذا الجحيم المستمر، واليأس المتزايد يضغط عليها بلا رحمة ثم أدركت فجأة أنها تبكي شعرت بالاشمئزاز من نفسها، فعبست وغطّت وجهها بيديها، لكن الدموع لم تتوقف عن الانهمار.
حينها، سمعت صوت طرق خفيف.
رفعت رأسها ببطء وهي تشعر بالارتباك.
طَق، طَق.
نظرت نحو مصدر الصوت، ثم شهقت فجأة.
كانت في الطابق الثالث، لكن على حافة النافذة، وقف شخص بوجه مألوف.
ابتسم “ألفين” بإحدى زوايا شفتيه وأشار إليها بأن تفتح.
نسيَت أنها كانت تبكي، وذهبت إلى النافذة بذهول، ثم رفعت المزلاج.
قفز “ألفين” إلى الداخل، ومسح الغرفة بنظره كان فضوليًا بشأن كيف تعيش، بما تفكر، وما تحبه، لكنه وجد أن غرفتها لم تكن تحوي سوى ملابس مرتبة جيدًا وعدد قليل من الكتب البالية.
ثم التفت إليها، فرأى أن الدموع قد تركت آثارًا واضحة على وجهها.
ابتسم بسخرية خفيفة وقال:
“كنتُ أظن أنكِ قد تبكين، لذا جئتُ لأتفقدكِ… لكنكِ بالفعل كنتِ تبكين.”
حين مرر يده على خدها، خفضت رأسها على الفور. لم يسبق لها أن بكت أمام أحد، ولم تكن تريد أن تُكشف ضعفها الآن.
“أنا بخير، هذا فقط…”
“أنتِ ممثلة سيئة جدًا كان واضحًا أنكِ لستِ بخير منذ البداية.”
“…حقًا؟”
ضحك بصوت منخفض، ثم أومأ برأسه.
“في عينيّ، نعم.”
“لقد أخبرتكِ أن تخرجي، لكنكِ لم تستمعي لي كان يمكنكِ أن ترسلي طبيبًا وتنتهي المسألة، فلماذا تبعتِنا؟”
“وأنتِ بنفسكِ لستِ بخير، فلماذا كنتِ تحاولين طمأنة جندي من العدو؟ ماذا فعل ليستحق ذلك؟”
كانت لا تزال مترددة في رفع رأسها، لكن الأمور قد خرجت عن سيطرتها الآن تنهدت بعمق، ثم رفعت عينيها ببطء لتنظر إليه.
بدا أن شعره كان مبللًا، مما جعله أغمق لونًا من المعتاد عندما خفضت نظرها، رأت بقع الدم الجافة على قميصه.
“آسف، لقد غسلتُ نفسي، لكن لم يكن من المناسب أن أطلب ملابس جديدة.”
“…….”
“إذا لم يعجبكِ، يمكنني خلعه.”
هزّت رأسها نفيًا، لكنها ظلت تحدق في البقع الحمراء الداكنة بدأت الدموع تتجمع مجددًا في عينيها القلقتين.
“ألفين.”
“نعم؟”
“لا يوجد دواء.”
لم يكن أحدٌ في القاعدة يجهل ذلك أجابها ببساطة:
“أعلم.”
“الإمدادات لم تصل بعد.”
“…….”
“ماذا نفعل؟”
بينما كانت تبكي، حاول “ألفين” مسح دموعها بأصابعه، لكنها لم تتوقف تنهد أخيرًا، ثم سحبها برفق إلى حضنه.
كان يتساءل: كم شخصًا في هذه القاعدة يعرف أنها تعاني هكذا؟
بعد إزالة كل دروعها الدفاعية، لم يكن هناك سوى روح هشة لم تستطع إيذاء أحد.
“ألفين، افعل شيئًا ليس نحن فقط من نموت، بل أنتم أيضًا جميعكم تموتون.”
“…….”
“هذا ليس صحيحًا، أليس كذلك؟ لا بد أن هناك خطأ لماذا علينا الاستمرار في هذا؟”
كان سؤالًا غير منطقي، وكانت تعرف أنه لا يستطيع حل المشكلة، لكنه كان الشخص الوحيد الذي يمكنها الاعتماد عليه الآن.
أمسك وجهها بين يديه، وحدّق في عينيها الغارقة بالدموع.
ثم سأل، بنبرة غامضة وثقيلة:
“كلوي، لو أنهيتُ هذه الحرب… إذا استطعتُ فعل ذلك حقًا… ماذا ستعطينني في المقابل؟”
“…….”
“هل ستكونين لي بالكامل؟”
اقترب أكثر وسألها بصوتٍ عميق:
“هل تستطيعين فعل ذلك؟”
قبل أن تتمكن من الرد، سمعا صوت طرق خفيف على الباب.
“كلوي، تعالي نشرب توسلتُ لـ أميليا لتحضر لنا زجاجة.”
كان صوت “ماثيو”.
ترددت كلوي ولم تتمكن من الرد على الفور عندها ارتفع حاجب آلبين قليلًا انحنى نحوها، ملصقًا جبينه بجبينها وهمس:
“هل هناك رجال غيري… يدخلون هذه الغرفة؟”
كادت كلوي أن تغضب للحظة من طريقته التي جعلتها تبدو وكأنها امرأة غريبة الأطوار، لكنها عندما رأت وجهه، أطرقت بنظرها كان الشعور الذي يملأ عينيه واضحًا تمامًا… الغيرة.
هزّت كلوي رأسها برفق.
“لا، لا يوجد أحد كهذا.”
في غضون ذلك، استمر صوت ماثيو من خارج الباب.
سمعت أن شيئا سيئا حدث اليوم. هل أنتِ بخير؟ كلوي، هل أنتِ نائمة؟”
كانت كلوي تراقب الباب، وكأنها تريد أن ترده، فاستمرّت في النظر نحوه عندها أمسك آلڤين بخدها وجعلها تنظر إليه فقط.
“لا تفتحي.”
“……”
“كيف يمكنك أن تقابلي أحدًا وأنتِ بهذا الوجه؟”
عندما تبدين هكذا، عندما تكونين منهارة وهكذا حزينة، لا بد أن الرجل الذي يحبك سيرغب في احتضانك… كما أفعل أنا.
وضع ألفين شفتيه على شفتيها كان وجهه، الذي كان يعض شفتيه السفليتين السميكتين، حسيا جدا ثم حفر لسانه في فمها مثل الدخيل الذي يدوس على أرض الآخرين.
غمضت كلوي وأمسكت على الفور بتنحنح ملابس ألفين ثم مددت يدي المهتزة واحتضنت خصره بإحكام.
أنين مثل التنهد خرج من محاكمه الصوتي عندما وافقت، تعمقت قبلته، والتي شعرت بشوق أكبر.
جعل اللعاب بعد وقت طويل ولمسة طرف اللسان يدي مخدرة كان من المؤسف أن الوقت قد مر إذا جاء الصباح الآن، أردت أن أبذل قصارى جهدي لمنعه.
“آه-هاه….”
صوت لم يكن يعرفه من قبل يخرج من الأصوات.
في مرحلة ما، لم أستطع سماع الرجل الذي يقف خارج الباب بعد الآن ليس دقيقا ما إذا كانت قد ابتعدت بالفعل أو ما إذا كانت ألفين قد قادت حواسها إلى عالم بعيد.
تشبثت به كلوي كشخص يائس، ودفعها أكثر.
كانت الغرفة التي بالكاد تناسب سريرا ومكتبا صغيرًا بينما استمر الرجل القوي في الحفر في جسدها وفمها، تراجعت خطوة إلى الوراء أثناء احتضانه.
لمست الزاوية الصلبة من المكتب وركيها، وانحنى الجزء العلوي من جسدها للخلف كما لو كانت مستلقية تقريبا.
وكان ذلك عندما لمست راحة اليد المكتب بشكل منعكس اجتاحت الأشياء الموجودة على المكتب بواسطة ساعدها وتدحرجت إلى الأرض واحدة تلو الأخرى.
في تلك اللحظة، أدركت كلوي شيئًا ما، فطرفَت بعينيها ثم دفعت صدر آلڤين الصلب بحذر لم يرغب في الابتعاد، فظلّ يتنفس بصعوبة بينما يضغط جسده عليها، لكنها استمرت في دفعه بأصابعها وهي تتململ.
في النهاية، عندما تراجع آلڤين، جلست كلوي وهي تلهث، ثم مررت أصابعها بين خصلات شعرها مرارًا نظرت إلى أرضية الغرفة بوجه مرتبك، ثم جلست القرفصاء كانت الضمادات لا تزال تتدحرج على الأرض، مشكّلةً ذيولًا طويلة.
“لا بأس إن اتسخت قليلًا، في الحالات الطارئة أحيانًا أقطع ملابسي لأستخدمها، فما المشكلة؟”
شعرت كلوي ببعض الإحباط وهي تزحف في أرجاء الغرفة، تلتقط الضمادات وتلفها حول أصابعها لتنفض الغبار عنها لاحظت أن طرف إحدى الضمادات كان عالقًا تحت حذاء آلڤين العسكري، فربّتت على ساقه لتنبهه.
لكنه لم يتحرك، فرفعت نظرها نحوه كان واقفًا وهو يعقد ذراعيه، ينظر إليها بزاوية توقفت للحظة، ثم قررت أن تعتذر أولًا.
“آه… أُمم، آسفة.”
“آه، آسفة؟”
كان آلڤين ينظر إليها بدهشة، وكأنه لا يصدق أنه قد أُقصي جانبًا بسبب بعض الضمادات وليس لرجل آخر شعرت كلوي بالإحراج وبدأت تحكّ خدها.
“لقد… فكرت كثيرًا قبل أن أقرر تهريبها…”
“……”
“قد تحدث حالة طارئة مثل اليوم.”
بعد أن رتّبت الضمادات المتبقية، عادت كلوي إلى مكانها وهي تشعر بالإحراج لم تعرف أين توجه نظرها، فابتسم آلڤين بخفة أخذ الضمادات من يدها ووضعها على الرف، ثم رفعها بسهولة وأجلسها على سطح المكتب، قائلاً:
“أنتِ موهبة لا تُقاوم.”
بهذا المستوى من الاستعداد، كان بإمكانها إثارة بعض الفوضى مرارًا دون أن يُؤخذ الأمر على محمل الجد بل ربما كان سيدعمها بنفسه ويزيد من جرأتها.
“كلوي، في هذه القاعدة، أنتِ أكثر شخص دقيق ومخطط بعناية.”
لم تكن مرتاحة لسماع هذا الإطراء بعدما قامت بسرقة بعض الإمدادات، فحاولت التظاهر بعدم الاهتمام لكن آلڤين واصل حديثه.
“كنت أظن أن الفنانين مجرد أرواح متحررة تعيش بلا قيود، لكن يبدو أن الدقة سمة ضرورية أيضًا، أليس كذلك؟”
“مجرد شخص عابث؟ هناك فنانون مثلي يعيشون لكسب قوتهم.”
حاولت التهرب من الحديث بتلك الكلمات العفوية، لكن آلڤين بدا مهتمًا بمعرفة المزيد عنها نظر إليها بابتسامة خفيفة، منتظرًا أن تتابع حديثها.
في النهاية، خدشت رقبتها بإحراج وقالت:
“حسنًا، أحيانًا يكون الكمال ضروريًا… ولهذا السبب تفسد شخصياتنا بهذه الطريقة.”
”……”
“لكن هذا لا يعني أن الشخص الذي يسعى للكمال هو شخص مثالي عندما يحاول المرء تفادي الأخطاء في مجال لا يرضيه أبدًا، يصبح من الطبيعي أن يكون متوترًا طوال الوقت.”
أومأ برأسه، وكأنه بدأ يفهم ما تعنيه.
“أفهم… لكن شخصيتك ليست سيئة على الإطلاق.”
“شكرًا على تقييمك السخي.”
قالت كلوي بنبرة ساخرة بعض الشيء، فضحك آلڤين بهدوء لم تصل إلى حد الضحك معه، لكنها شعرت بأن قلبها بات أخف مما كان عليه قبل قليل.
بينما كان يراقب الجنود في الخارج من خلال النافذة، عاد لينظر إليها، ثم مرر أصابعه برفق عبر خصلات شعرها.
“كلوي.”
“نعم؟”
“انسي ما حدث اليوم، ونَمِي جيدًا.”
ثم، وكأنه يواسيها، طبع على شفتيها قبلة ناعمة، تتبعها أخرى، وأخرى…
“لكن إن لم تستطيعي النوم، ابحثي عني سنسهر معًا في الخارج ونشاهد النجوم.”
“سأحاول النوم أولًا.”
“مؤسف… كنت آمل أن نبقى معًا لفترة أطول.”
لكنه لم يُلح أكثر، بل فتح النافذة وجلس على حافتها، يتأمل الخارج بعينيه الزرقاوين التي هدأ بريقهما.
ظلت كلوي تراقبه بصمت، تتابع كل حركة يقوم بها وحين كان على وشك القفز، نادته بصوت خافت:
“آلڤين.”
”……”
“شكرًا لك على اليوم… عد بسلام.”
ارتسمت على وجه آلڤين النبيل ابتسامة خفيفة، ثم أومأ برأسه قائلاً:
“حسنًا، أراكِ غدًا.”
بعينين تشعان بالحياة، وبابتسامة خالية من أي جروح أو ألم.
بعد أن ودّعها، قفز بخفة واختفى في الظلام، بينما كانت كلوي تراقبه بصمت، حتى غاب تمامًا عن ناظريها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"