كلوي أمسكت بيد ألفين وقالت له: “إذاً، فلنذهب معاً”، ثم خرجت من القصر.
ومن الطبيعي أن يكون ماركيز ويلينغتون قد استقبلها بترحاب، وكأنه تلقى هدية لم يكن يتوقعها أمسك العجوز بيد كلوي بشدة وابتسم ابتسامة عريضة كطفل صغير.
“كلوي، كيف تفعلين هذا بهذا الجد العجوز وتفاجئينه هكذا؟”
“لا بد أنك تفاجأت كثيراً، أليس كذلك؟ ولكن لا بأس، فقلبك ما زال قوياً.”
ورغم أن ما قالته كان مزحة جريئة بعض الشيء، ضحك الماركيز ضحكة مدوية.
لم يكن الثلاثة التوائم وحدهم من اشتاقوا إليها أثناء قضائها حياتها الزوجية في فيتسمارك، بل إن الماركيز نفسه شعر وكأنه قد سُلبت منه كلوي فقد كانت موهبة ثمينة ربّاها بعناية، وابنته العزيزة التي “سرقها” منه ذلك الصهر اللص إلى فيتسمارك.
“لكن، لماذا ذهبتِ إلى نانسي أيضاً؟”
“أردت استرجاع بعض الذكريات القديمة، وألقي نظرة على المسرح أيضاً أفكر أن أعرض مسرحيتي هذه بعد تعديلها في نانسي.”
عندها تمتم الماركيز وهو يضغط على لسانه:
“وما زال هناك ما يحتاج إلى تعديل؟ في بعض الأحيان، لا يمكن لأي تعديل أن يضاهي ذلك الشعور الخام الذي ينبثق من العمل في بداياته.”
وعاد الماركيز بسرعة إلى وضعية المستثمر، فقد كان حقاً خبيراً في هذا المجال كلوي، التي سبق أن ارتكبت الخطأ ذاته الذي أشار إليه الماركيز، خفضت عينيها بحزن.
“بدلاً من ذلك، لمَ لا تكتبين مسرحية جديدة؟ هذا الجد سيحجز لك مسرحاً في إيدلين، ويستثمر لك كل ما تحتاجين إليه.”
بينما كانت كلوي تفكر، “هل أقدم عرضي القادم في إيدلين؟”، تدخل ألفين فقد فهم النية الخفية وراء كلمات الماركيز كان الأخير يريد أن يبقيها في إيدلين تحت ذريعة العرض.
كان ألفين يعتبر الماركيز بمثابة حموه إلى حد ما، لكنه لم يكن مستعداً لأن يُنتزعَ منه زوجته بهذه الطريقة الملتوية فتدخل في الحديث قائلاً:
“أنا، بصفتي زوجها، أستطيع تأمين كل ذلك لها ثم إن كلوي تقوم بأعمالها في الوقت المناسب، فلا داعي للاستعجال.”
لم يكن قد مضى سوى ثلاثة أسابيع منذ أن أنهت كلوي عرضها المسرحي، وكان ألفين يعرف جيداً أنها لم تنم جيداً خلال تلك الفترة وكانت في حالة توتر دائم، ولهذا شعر أنها بحاجة إلى مزيد من الراحة.
لكن الماركيز ردّ ببرود:
“الفنانون عادة ما يحتاجون لمن يحفزهم من جانبهم ليستمروا ويقدموا أعمالهم في مواعيدها وإلا، فغالباً ما يغرقون في التفكير أو يتشبثون بما لا يجدي نفعاً.”
كانت كلوي تستمع بصمت، ثم أومأت برأسها وهمست لألفين:
“ألفين، بصراحة، ما قاله صحيح.”
نظر إليها ألفين بدهشة لقد كان يقف في صفها لأنه ظن أنها مرهقة، لكنها الآن في صف من؟
لكن الحقيقة أن كلوي والماركيز كانا منسجمين منذ البداية كانت تعرف كيف تمزح معه وكأنهما على قدم المساواة، ومع ذلك لم تكن تتجاوز حدودها أبداً لم يكن الأمر كأنهما يعرفان بعضهما منذ عام أو عامين فقط، بل كأنهما خاضا رحلة طويلة معاً، وتبادلا أحاديث كأنها فقرات من مونولوج فكاهي.
[ مونولوج : هو حديث طويل سواءً في فلم او مسرحية او رواية يعبّر فيه عن أفكاره أو مشاعره أو وجهة نظره بصوت عالٍ، دون أن يُقاطعه أحد.]
وبينما كان الماركيز يسأل عن أحوالهما لفترة طويلة، عرض على كلوي وألفين أن يبيتا في قصره لليلة واحدة.
لكن كلوي، وقد عادت إلى إيدلين بعد مدة طويلة، اعتذرت بلطف قائلة إن من الأفضل أن تطلع على منزلها اليوم ولم يستطع الماركيز أن يخفي خيبة أمله.
“أيتها القاسية.”
“يا سيدي، اليوم ليس اليوم الوحيد، أليس كذلك؟”
“لكني عجوز على مشارف الموت ربما يكون اليوم هو اليوم الأخير بالنسبة لي.”
“لا تقل أشياء مرعبة كهذه!”
ومع ذلك، بدا واضحاً أن الماركيز قد تقدم في السن منذ أن قابلته لأول مرة وهي في العشرين من عمرها.
“لقد شاخ كثيراً…”
نظرت كلوي مطولاً إلى وجهه المجعد وعندما شعر ألفين أن عينيها تمتلئان بالمشاعر، قالت:
“يا سيدي الماركيز.”
“ما الأمر؟”
“ربما يكون الأمر مفاجئاً، لكن… لم أسجل نفسي حتى الآن كابنة بالتبني لك.”
كانت كلوي دائماً تقول إن من المثير للغرابة أن نصبح في هذا العمر أبا وابنة أو جداً وحفيدة كما أنها أرادت أن تبقى ابنة لوالديها الحقيقيين.
لكن وراء رفضها لتلك النعمة الكبيرة بشكل متمنع، كانت هناك أسباب خفية أخرى.
“حتى وإن سجلت نفسي لاحقاً، كنت أريد أن أحصل على تقييم جيد من الجمهور على المسرح قبل أن أنال مثل ذلك الدعم الكبير أعلم أن هذا قد يُعتبر كبرياء غير مجدٍ…”
“……”
“لكني لم أرد أن أجلب العار لكم، أنتم الذي منحتموني الفرصة.”
“……”
“لقد بذلت جهدي حقاً، ومع ذلك ما زلت أشعر أنني غير كافية.”
قالت كلوي وهي تبتسم بخجل وكأنها تعتذر وتخجل في الوقت ذاته:
“سأواصل بذل الجهد، لذا أرجو أن تبقى بصحتك كما أنت الآن.”
ولكن، بيننا، لا بأس بأن أناديك بهذا القدر.
“شكراً لك، يا جدي.”
لأنك فتحت لي أبواب القصر ذات مرة.
ولأنك كنت تراقبني بعين المحبة رغم عنادي وقساوتي.
ذلك الشيخ الذي كان يبدو لها عظيماً كالجبال، أمسك بيدها بقوة، ثم أطلقها، وربت على ظهرها.
كأنه يقول: كنت أعلم بما في قلبك كله منذ البداية.
وحين غادرا القصر، نظر ألفين إلى كلوي مطولاً.
“هل تبكين؟” تساءل لكن بدلاً من الدموع، بدت على وجهها علامات الراحة.
فتساءل قائلاً بنبرة عفوية:
“ماذا ستفعلين إن استمررتِ بإهداء الناس التأثر بهذه الطريقة في كل مكان؟”
ضحكت كلوي بخفة.
“أعجبه الأمر، أليس كذلك؟”
“نعم، كثيراً.”
“كان يجدر بي أن أناديه من قبل، أشعر بالذنب الآن بلا داعٍ أظن أنني نضجت بعد الزواج.”
“وهل كنتِ غير ناضجة من قبل؟ على كل حال، من الجميل أن تعبّري عن امتنانك، لكن لا تُظهري سحرك كثيرًا في كل مكان.”
منذ انتهاء الحرب، أصبح القنفذ أكثر لطفًا، وهذا ما اتفق عليه الثلاثة فقد قال بنجامين ذات مرة لكلوي إن طريقتها في الكتابة أصبحت أكثر نعومة من ذي قبل.
وأفراد وحدة آلفين الذين كانوا يصادفون كلوي ذهابًا وإيابًا في القصر، كانت لهم نفس الملاحظة لقد قالوا لقائدهم ذات مرة إنهم لم يكونوا يعلمون أن كلوي كانت شخصًا يضحك بهذا القدر.
كان من الجيد أن تبتسم، لكن آلفين لم يستطع أن يفرح بهذا الوضع تمامًا فحتى لو كان الأمر يخص الماركيز، فماذا لو فعلت الشيء نفسه في أماكن أخرى؟ كان يفضل أن تعود إلى سابق عهدها، حيث كانت تُظهر أشواكها دون تردد.
“لا تكوني طيبة مع الجميع.”
“ما بك الآن؟”
“وماذا لو لاحقك أحدهم لأنه وقع في حبك؟ ماذا ستفعلين حينها؟”
كان آلفين جادًا في حديثه، لكن كلوي، وقد استغربت كلامه، توقفت في منتصف الطريق وضحكت طويلًا.
“وماذا سيحدث؟ في النهاية، أنا متزوجة منك وإن ظهر أحد الأشخاص الغريبين، ففخامتك ستتولى أمره، أليس كذلك؟”
“نعم أضمن لك ذلك سأجعله يختفي دون أن يشعر به أحد، لا فأر ولا طير.”
“… لم أطلب منك أن تُخفي أحدًا.”
“في صف من أنتِ الآن؟”
قالها آلفين بتذمّر، لكن في الوقت ذاته، جذب كتف كلوي إليه برفق ليجعلها تسير إلى جانبه، كأنه لا يريدها أن تبتعد ولو خطوة.
أما كلوي، فلم تتوقف عن الضحك طوال الوقت، ضحكة لم تكن عبثية، بل دافئة، خفيفة، تنبع من أعماق قلبها.
لكن ما لا يعرفه آلفين هو أن سبب ضحك كلوي المتكرر مؤخرًا هو آلفين نفسه، هو من منح قلبها تلك الطمأنينة الخفية، وهو من أعطاها المساحة لتفكر، لا بنفسها فقط، بل بكل من حولها ولهذا فقط، باتت تبتسم… تلك الابتسامة لم تكن مجرد حركة عابرة على شفتيها، بل كانت اعترافًا صامتًا بحبها، وامتنانها، وراحتها معه.
وبالمثل، لم يكن آلفين مختلفًا عنها… فقد أصبح يضحك مثلها، بنفس العفوية، وكأن قلبيهما اتفقا على الإيقاع ذاته أمسك بيدها، تلك اليد التي باتت امتدادًا لقلبه، وقادها إلى منزلهما في إيدلين.
فطالما كانا معًا، فإن كل مكان في العالم كان بالنسبة لهما وجهةً، وكان سكنًا، وكان وطنًا.
***
في يوم عرض أندريا، ما إن ظهرت كلوي في المسرح حتى أطلقت جوليا صرخة مبالغًا فيها خشي الناس أن ينهار سقف المسرح من شدتها ورفعوا أنظارهم إلى الأعلى أما كلوي، فقد قطبت جبينها وكأن أذنيها تنزفان من شدة الصوت.
“جوليا، حافظي على صوتك حبالك الصوتية ثروة نادرة لا تظهر إلا مرة كل مئة عام.”
لكن حتى بنجامين، الذي كان عادةً هادئًا، بدا وجهه مصدومًا.
أما بطل اليوم، أندريا، فكان رد فعله أكثر حدة إذ احمرت عيناه تأثرًا لأن كلوي حضرت لمشاهدته فقالت له، وقد لاحظت ذلك:
“أندريا، كم أنت سهل الإرضاء.”
“ماذا؟”
“إن كنت ستلين بهذا الشكل، فلماذا زعلت أصلًا؟”
“…هل من اللائق أن تفتعلي شجارًا ما إن تريني؟”
“صحيح لا اعلم لماذا، لكن كلما رأيتك أرغب في المزاح معك.”
“لأننا أقرب صديقين.”
“…”
يا إلهي يبدو أن صرخة جوليا كانت قوية جدًا، فلا أكاد أسمع شيئًا الآن.
لكن أندريا، وقد غمره الفرح، حاول أن يعانق كلوي ثم لمح آلفين فجأة، فاستعاد رباطة جأشه على الفور فقال له آلفين، بوجه بارد:
“آسف، لكنني رجل تقليدي لا أسمح بهذه الأمور بين رجل وامرأة، حتى لو كانا صديقين.”
ثم نظر إلى كلوي، التي كانت تحاول كتمان ضحكتها بصعوبة، وقال:
“سأسمح بالمصافحة فقط وقد تساهلت كثيرًا بهذا القرار.”
عندها، لم تتمالك كلوي نفسها، فضحكت بقوة حتى ارتجفت كتفيها وبعد لحظات، وبعد أن هدأت، قدمت باقة زهور لأندريا.
أما التوائم، فلم يتمكنوا من الالتقاء مجددًا إلا في وقت متأخر فبعد انتهاء العرض، عادةً ما يُقام تجمع للمعنيين بالمسرحية وبما أن أندريا هو البطل، كان عليه أن يظهر هناك ولو قليلًا.
خلال ذلك، ذهبت كلوي إلى البيت وأحضرت الهدايا التذكارية التي اشترتها من نانسي وبعد قليل، وصلت جوليا وبنجامين أيضًا فأخبرت جوليا كلوي بأمر جديد.
“كلوي، أتعلمين؟ أنا أربي دجاجًا الآن لدي ثلاث دجاجات.”
“حقًا؟ …كيف أقدمتِ على هذه الخطوة الشجاعة؟”
“أنتِ التي طلبتِ مني أن أحتفظ بواحدة فقط، لكنك تجاهلتِني على كل حال، لقد أطلقت عليها أسماءً.”
فجأة، بدا على كلوي اهتمام واضح.
“ما الأسماء التي اخترتِها؟”
“كلوي، بنجامين، أندريا.”
“…”
“لأني أريد أن أكون معكم دائمًا.”
آه، آسفة يا جوليا لكن أليس هذا سرقة لفكرتي؟ ألم أكن أنا من فكرت أولًا في تسمية دجاجاتي بأسمائكم؟!
لكن في هذه اللحظة، لم تجد كلوي إلا أن تعيد التفكير في ذوقها في التسمية فمع أن نيتها كانت نبيلة، فإن إطلاق اسمها على دجاجة تملك ذكاء طفل في السابعة… لم يكن شعورًا مريحًا.
في ذلك الحين، خرج أندريا من المتجر المجاور بعد أن أمضى وقتًا طويلًا مع الممثلين كان وجهه لا يزال متأثرًا بأجواء المسرح وقبل أن يجلس، بادر بالسؤال:
“كلوي، كيف كان أدائي اليوم؟”
“لماذا لا تأخذ أنفاسك أولًا قبل أن تتحدث؟ ولماذا تسألني أنا؟”
“لأنك تعملين في هذا المجال، رغم كل شيء.”
أطلقت كلوي ضحكة خفيفة وقالت:
“أنا في الوقت ذاته صديقتك ومن الطبيعي أن يكون من الصعب على الأقارب تقديم تقييم موضوعي.”
ثم أضافت على الفور، فلم يكن هناك مجال للجدال حول حقيقة تميز صديقها.
“كنت دائمًا رائعًا، لكن تمثيلك أصبح أعمق هل يمكنك أن تكون هكذا أيضًا خارج المسرح؟”
“…وهل تُعد هذه مجاملة؟”
هل كان من الضروري قول تلك الجملة الأخيرة؟
لكن أندريا، على الرغم من ذلك، ابتسم ببراءة كما لو كان في مزاجٍ جيد أما بنجامين، فقد هزّ رأسه يمينًا ويسارًا وهو ينظر إلى أندريا قائلاً إنه بسيط كعادته.
في تلك الأثناء، بدأت كلوي تخرج الهدايا التي كانت قد أعدتها، وذهبت تسلّمها إلى أصدقائها واحدًا تلو الآخر لجوليا، أعطت ألبوماً جديداً لمؤلف موسيقي موهوب وإن لم يكن معروفاً بعد، ولبنجامين، مجموعة من القصائد الكلاسيكية من نانسي، ولأندريا، نصّ المسرحية التي شاهدتها في نانسي على أمل أن يواصل أصدقائي الحلم بأحلام جميلة.
وفي تلك اللحظة تحديدًا، بدأت الأطعمة التي طُلبت بالوصول وكان الثلاثة توائم، كعادتهم، يتحدثون بصخب، ويتبادلون كلمات يصعب تمييز ما إذا كانت شجارًا أم تعبيرًا عن المودة.
وكلوي، التي كانت ترد بين الحين والآخر على أسئلتهم حول بيتسمايرك أو الحياة الزوجية، كانت فجأة تحدق في فطيرة التفاح التي طلبتها كانت عيناها ضيقتين، لكن نظراتها كانت واضحة وجلية.
“…….”
كان بإمكان آلفين أن يدرك بسهولة أنها قد طارت مجددًا إلى عالمها الخاص في الواقع، كانت تسبح في لحظة من الماضي ذلك اليوم حين كانت تلعب بالرمال مع جنود بيتسمايرك في القاعدة، حين نطقت بنفسها بتلك الكلمات:
المنطق القائل بأن الكمية الإجمالية لهذه الفطيرة لا يمكن توسيعها فإذا زاد نصيبك، ينقص نصيبي بطبيعة الحال.
ربما كانت كلوي وأصدقاؤها قادرين على قضاء عدة ليالٍ وهم يناقشون هذه الفكرة فالفنانون في الأصل أناس من هذا النوع.
لكن كلوي، على الأقل اليوم، لم ترغب في الخوض في هذه الفكرة، أو في المجادلة حولها لأنها شعرت بأنه لا بأس في ذلك وإن كان قليلاً، فما المشكلة؟ أنا الآن أرغب في العطاء.
ابتسمت كلوي وهمهمت وهي تقطع فطيرة التفاح وأعطت أول قطعة إلى آلفين الحبيب.
“جرّب هذه أيضًا إنها من الأشياء التي أحبها.”
عندها انقطعت الأحاديث التي كانت تدور فوق الطاولة فجأة التوائم الثلاثة ذهبو يحدّقون في كلوي، ثم أخذوا يتهامسون فيما بينهم.
“ما هذا؟ لماذا هي لطيفة إلى هذا الحد؟”
“هل الحرب هي ما يغيّر الإنسان؟ أم أن الزواج بهذا الرعب؟ أم أن آلفين هو المذهل فعلًا؟”
وبعد تفكير عميق، توصّل بنجامين إلى نتيجة:
“ربما كلها صحيحة، لكن إن كان لا بد من الاختيار، فهو بسبب آلفين القاسم المشترك بين الثلاثة هو آلفين.”
“بنجامين، أنت فعلاً الأكثر منطقية بيننا.”
وعلى الرغم من أن عيون التوائم الثلاثة كانت ترتجف، إلا أن كلوي قطعت بعض القطع الأخرى من الفطيرة ثم وضعت قطعة على صحن كلٍّ من أصدقائها الأحبّاء ولم يتبقَّ لها سوى قطعة واحدة فقط.
وبدأ التوائم الثلاثة يشعرون برعبٍ شديد لدرجة أن لون وجوههم شحب فقالت كلوي متوجهة إليهم:
“أيها التوائم.”
“هاه؟”
“كلوا جيدًا، وكونوا جميعًا بصحة وسعادة.”
“مخيف… ما الذي يحدث فعلًا…”
ثم أضافت كلوي بابتسامة رقيقة:
“وأنا أيضًا، سأكون دائمًا بصحة وسعادة.”
وكان أول من شعر بوخز في أنفه من بين التوائم المتجمدين هو أندريا، كعادته فغرف كمية وافرة من اللازانيا التي طلبها، ووضعها على صحن كلوي أما جوليا ذات اليدين الكبيرتين، فقد دفعت بصحن طعامها كاملاً إلى كلوي وبنجامين، الذي يحب الحلويات على غير المتوقع، تنهد وهو يدفع بصحن الكعكة إلى جوليا في هذا الموقف المربك.
وفجأة بدأت جوليا تبحث أسفل الطاولة وما أخرجته كان هدية أعدّتها خصيصًا لكلوي.
“كنت سأعطيها لك عندما لا يكون آلفين منتبهاً…”
وكلوي، التي كانت تتأمل الغلاف الظريف من كل الجهات، شعرت فجأة بقلقٍ غريب أصابعها البيضاء التي كانت تحاول فكّ الشريط بدأت ترتجف قليلاً فمن خلال تجربتها السابقة مرتين، كانت تملك حدساً كافياً لمعرفة ماهية هذه الهدية.
“چوليا، لسببٍ ما، أشعر بخوفٍ من فتحها لا تقولي إنها… ما أفكر فيه، صحيح؟”
چوليا أخرجت لسانها وضحكت بمزاح ثم همست لكلوي:
“مهما كنتِ قريبة من أندريا وبنجامين، فهما لا يمكن أن يقدّما لك شيئًا كهذا، أليس كذلك؟”
“لكن لم يكن هناك داعٍ لأن تكوني أنتِ من… لا بأس شكرًا لك على تدخلك، أعني، على لطفك الزائد.”
بحثت كلوي عن الكلمات المناسبة بجهد، ثم أخفت الهدية بسرعة خلف ظهرها كي لا يراها أحد ولحسن الحظ، لم يكن آلفين مهتمًا كثيرًا بمعرفة محتوى الهدية التي تلقتها فقد كان تركيزه على حالة الطاولة الغريبة والمربكة.
وآلفين، الذي كان يضحك بخفّة وهو ينظر إلى هؤلاء التوائم الأربعة الذين يمرحون بلطافة، رفع يده قليلًا وطلب المزيد من الطعام لأولئك الذين كانوا يتقاسمون طعامهم مع بعضهم البعض.
وها هو أمام كلوي، التي لم يتبقَّ لها سوى قطعة واحدة من الفطيرة، يظهر طبق جديد يحمل فطيرة كاملة على شكل دائرة وكذا الحال أمام الآخرين، امتلأت أطباقهم بطعام وفير.
وأخذوا يأكلون من تلك المائدة التي كادت تنحني من كثرة ما عليها، وكانو يتحدثون بفرحٍ طوال الليل وعندما شعروا بالشبع وكأن بطونهم على وشك الانفجار، قالوا:
“كلوي، أظن أننا طلبنا طعامًا كثيرًا جدًا.”
“أليس كذلك؟ في الواقع، آلفين لا يعرف شيئًا عن حياة العامة.”
ضحك آلفين من شدّة الذهول ثم سحب ذراعه التي كانت تطوق خصر كلوي وامتدت أصابعه نحو شفتيها.
وكلوي، التي عرفت جيدًا ما تعنيه هذه الحركة، أمسكت بذراعه قبل أن يقرص شفتيها وتمسّكت بها لا، لا يمكنني أن أبتعد عنك حتى ولو لثلاثة أيام فقط.
لكن بالنسبة للتوائم الذين لا يعرفون ما يحدث، بدا كل شيء وكأنه تعبير عن مودة وربما، كانوا يرون الصورة كما هي فعلًا.
“هل هذا نوع من التعبير عن الحب؟”
“مستحيل بالتأكيد هذه حيلة لقطع الدم عن ذراعه.”
“آلفين، ماذا فعلت بكلوي خاصتنا؟”
وآلفين، الذي لم يفعل شيئًا في الحقيقة، فكّر في نفسه: “لم أفعل شيئًا…”
ثم مدّ يده الأخرى، التي لم تمسك بها كلوي، والتقط حبّة كرز، ووضعها برفق بين شفتيها.
وبينما كانت تمضغها ببطء ثم تبتلعها، نظرت كلوي نحو التوائم الثلاثة بتحدٍّ وقالت: “لماذا؟ ماذا؟” بكل ثقة.
لكن بعد أن انقشع المزاح كله، ابتسمت كلوي نحو آلفين وأصدقائها الأعزاء.
وكانت تلك الابتسامة سعيدة بقدر الرغبة التي حملتها في قلبها لتشاركهم فطيرة التفاح الحلوة.
• النهـاية •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 76"