كلوي عرضت مسرحيتها في فيتسمارك منذ وقت ليس ببعيد ونتيجة لذلك، فقد حققت نجاحًا أكبر بكثير في فيتسمارك مقارنةً بإيدلين حتى ماركيز ويلينغتون، الذي نادرًا ما يثني على أحد، أبدى رضاه.
“هل أنا أكثر انسجامًا مع مشاعر سكان فيتسمارك؟ غريب، لا أظن أن في عائلتنا دماء من هذه المنطقة.”
كانت جالسة في الدفيئة تستمتع بلحظة من الاسترخاء بعد طول غياب، حين فتحت رسائل أصدقائها القادمين من إيدلين.
“مرحبًا، كلوي.
سمعت من حضرة المركيز أن عرضك الأخير كان ناجحًا جدًا.
لكن كيف يمكنك ألا تدعينا؟ أشعر بخيبة أمل كبيرة.”
بدأت رسالة جوليا بالعتاب. تمتمت كلوي بفتور:
“لقد شاهدو من قبل، فلماذا يردون رؤيته مجددًا؟”
كانت المسرحية التي عرضتها على الخشبة هي “الأغنية كالسحر”، والتي سبق أن تم عرضها في إيدلين بطبيعة الحال، لم تكن تنوي إعادة تقديمها كما هي تمامًا إذ كانت هناك أمور برأيها تحتاج إلى تعديل، كما أن فيتسمارك وإيدلين تختلفان قليلًا في الذوق الموسيقي الرائج ومهما كانت القارة تعتمد لغة موحدة، فإن النكات الشائعة لا يمكن أن تكون واحدة أيضًا.
أمضت كلوي ما يقارب الشهر في عملية التعديل لكنها رمت النص المنقح في سلة المهملات مرارًا وتكرارًا.
فهل يمكننا وصف شعور كاتب قضى ثلاثة أشهر في كتابة نص، ثم اجتهد في مراجعته، ليصل إلى نتيجة مفادها أن المسودة الأصلية كانت أفضل؟ لا حاجة لوصفه إنه، بطبيعة الحال، شعور بائس.
لكن كلوي تعرف أن من الخطأ أن تتخلص من النصوص دون تفكير، حتى وإن كانت سيئة وهذا بسبب تجربة سابقة سُرق فيها أحد نصوصها لذا، أخرجت النص من سلة المهملات ومزقته إربًا حتى لا يتمكن أحد من التعرف عليه فهل يمكننا وصف شعور كاتب يمزق بنفسه نصًا أمضى شهرًا في تعديله؟ لا حاجة لذلك أيضًا إنه شعور بائس جدًا.
في ذلك اليوم، وبينما كانت منشغلة بتمزيق أوراقها، كان ألفين واقفًا عند باب غرفة العمل دون أن تشعر به، ويبدو عليه الارتباك.
“آسف، طرقت الباب لكن لم أتلقَ ردًا.”
“…”
“هل أخرج مجددًا؟”
وقد انكشف جنونها أمامه، فوضعت كلوي بهدوء الأوراق الممزقة وقالت:
“ألفين، هذا سوء فهم.”
“ماذا تقصدين؟”
“لم أمزق هذا لأنني غاضبة، أبدًا.”
“… لكن يبدو أنك غاضبة.”
ضحكت كلوي وهي تستعيد ذكريات الماضي، ثم فتحت هذه المرة رسالة أندريا.
“كلوي، ألا تعتقدين أن تواصلكِ معنا أصبح قليلًا مؤخرًا؟
يقال إن المتزوجين يهملون أصدقاءهم…
كنت أظن أنكِ مختلفة، لكنكِ خذلتني.
وإن استمررتِ على هذا الحال… فلن يكون أمامنا سوى طردكِ من جمعيتنا.”
كان الممثل الكبير يظهر مرة أخرى تقلباته العاطفية الحادة لكن كلوي تمتمت بفتور:
“أندريا، يمكنكِ طردي، لكنني لم أنضم لتلك الجمعية أصلاً كم مرة عليّ أن أقول ذلك لتفهمي؟”
ثم التقطت أخيرًا رسالة بنجامين.
“كلوي، تجاهلي ما قاله أندريا.
موعد نضوجه العاطفي…
هو لغز يتعين على كل الوسط المسرحي في إيدلين أن يتعاونوا لحله.
وبما أنني لست من عالم المسرح، فاسمحي لي بالانسحاب من هذه المهمة.”
كان الشاعر منطقيًا كعادته لكن ليس كل ما هو منطقي يُستقبل بود فقد بدا أنه يريد الهروب من المسؤولية، وهذا ما أزعجها قليلًا.
وتابعت رسالة بنجامين لتكتشف أن أندريا سيقف قريبًا على خشبة المسرح كبطل رئيسي، فهلّا أرسلت لها رسالة تهنئة؟ وإلا فالجميع سيعاني من تبعات مزاجها وبعد أن تأكدت من جملة تمني الصحة لها، طوت كلوي الرسالة وابتسمت.
“ربما عليّ زيارة إيدلين بعد غياب طويل.”
فهي لا تدري متى ستنهمك من جديد بعد هذه الفترة من الراحة وفي الحقيقة، كانت تشتاق كثيرًا إلى التوائم الثلاثة.
كان ألفين قد عاد إلى المنزل في الموعد المعتاد فقد كان، كما وعد قبل الزواج، رجلًا عائليًا ملتزمًا جدًا كان حريصًا على تناول العشاء مع زوجته دائمًا.
لكن بالمقابل، كانت كلوي تعيش بنمط حياة غير منتظم أبدًا فبعد العشاء، كانت تتوجه إلى غرفة عملها وتبقى هناك طوال الليل وحين تبزغ أولى خيوط الفجر، تعود إلى غرفة النوم، ليجدها ألفين منتظرًا في زيه الرسمي، فيعانقها بحرارة قبل أن يغادر، وكأنها طقسه اليومي لبدء النهار.
اعتادا شيئًا فشيئًا على هذه اللحظة القصيرة وما تتركه من أثر عميق.
لكن ألفين بدا اليوم في غاية الارتباك فقد قالت كلوي فجأة على مائدة العشاء:
“ألفين، أفكر في القيام برحلة.”
“… إلى أين؟ إيدلين؟”
“نعم، وإن سمح الوقت، قد أمرُّ على نانسي في الطريق فقد عشت هناك وأنا صغيرة، وأشعر بالحنين إليها.”
“…”
كان ألفين يشعر بالسعادة منذ أيام بسبب انتهاء عرض كلوي وعودتها للراحة وكان متحمسًا لذلك أراد أن يعتني بها ويقدم لها الطعام الصحي، وربما يذهبان سويًا إلى معرض فني جيد.
لكن ها هي تفاجئه برغبتها في السفر وحدها بدا من كلامها أنها لا تنوي اصطحابه معها فمسح وجهه بيده في حيرة، وقرر أن يستوضح الأمر أولًا.
“هل هي رحلة للبحث عن الإلهام؟”
فإن كان الأمر كذلك، فسيصعب عليه أن يصر على مرافقتها لم يشأ أن يعيق تأملها لكنه لم يكن مرتاحًا لفكرة سفرها وحدها فالعالم مكان خطير، ولا يمكنه تقبل عبور زوجته للحدود وحدها لكنه لم يكن مرتاحًا لفكرة إرسال مرافقين معها أيضًا حتى لو وُصف بأنه رجل متشدد، فلا بأس.
ضحكت كلوي وهي تهز رأسها، فقد كانت تشعر تمامًا بحيرته.
كان ألفين دائم الاحترام لمهنتها وكان يزورها ليلًا حاملاً لها وجبة خفيفة، ثم يغادر بهدوء كي لا يزعجها وكان يدعمها ماديًا ومعنويًا، ويحضر جميع عروضها، سواء كانت أولية أو مُعادة وإن تعذّر حضوره، أرسل باقة من الزهور مع أحدهم.
فسارعت كلوي إلى إزالة سوء الفهم.
“لا حاجة للذهاب بعيدًا للعثور على الإلهام فوجودك وحده يكفيني ليستلهمني هذه المرة، أندريا ستقدم عرضًا، لذا فكرت في الذهاب لتهنئتها.”
وإلا، فهي بلا شك ستغضب منها لعدة أشهر وبالطبع، كانت كلوي تستطيع تهنئتها برسالة، لكنها أرادت مفاجأتها.
فأومأ ألفين برأسه وقال:
“إن كان الأمر كذلك، فلنذهب سويًا.”
“… ألست مشغولًا؟”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 73"