«يبدو مناسبًا تمامًا…»
إنه لأمر عجيب حقًّا لماذا يليق هذا الرجل مفتول العضلات حتى بالزهور؟ أهو لأنّه جميل؟
ابتسمت كلوي ابتسامة خفيفة، فقبض آلفين على خديها وسألها:
“هاه، لماذا تضحكين؟”
ما الذي تفكر فيه الآن؟ في أي عالم تحلقين؟
“لأن… ذلك مضحك.”
رغم لهاثها، واصلت كلوي الابتسام أبدى آلفين انزعاجه وهو يحرك وركيه ثم سألها وهو يستحضر السماء الممتدة فوق السقف الزجاجي:
“ما هو؟ الغيوم؟”
هزّت كلوي رأسها نفيًا.
“إذًا ما هو؟ هاه، الزهور؟”
كان جوابه قريبًا إلى حدّ ما من الإجابة الصحيحة، لكنها هزّت رأسها مرة أخرى اتسعت ابتسامتها، لكنها لم تجبه حتى النهاية.
مع ذلك، وفي تلك اللحظة بالذات، أدرك آلفين الجواب الذي لم يُقال… الإجابة التي ابتلعتها كلوي بصمت، ولكنها انكشفت له جليّة في عينيها كانت عيناها الزرقاوان، الشبيهتان بزرقة السماء في صفائها، تعكسان ذلك الشعور بكامله، دون حاجة إلى كلمات.
في تلك اللحظة، كان عليه أن يسألها—بل كان يتوق لأن يسألها—إن كانت تعتقد فعلًا أن تلك الأوصاف الغريبة التي طالما أُطلقت عليه، تليق به لكنه لم يفعل بدلًا من ذلك، شعر بحرارة تتصاعد في حلقه، تمسك بأنفاسه، وتمنعه من النطق.
لقد كانت تفكر فيه… لا بدّ أنها كذلك لم يكن بحاجة إلى دليل آخر، لأن قلبه تمسّك بيقين بسيط، لكنه عميق:
«أنا أيضًا لا أرى سواك.»
لأنكِ الأجمل… في ناظري.
كان يشعر كأن العالم لا يحتوي سواها اندفع بكل ما يملك نحو ذروة تلك المعزوفة، وتمسكت به كلوي بأقصى ما تبقى لها من قوة، ثم ترنحت وأرخَت جسدها.
بينما كان آلفين يقضي وقته في الدفيئة، أخذ يتأمل كلوي النائمة بهدوء كانت بتلة ورد قد علقت على ساعدها، ولا يعلم متى سقطت عليها نزعها بحذر، لكن جسدها الأبيض كان مغطى بأزهار حمراء خلّفها هو بنفسه.
ومع أنّه انتظر طويلاً، إلا أن كلوي لم تُبدِ أيّ نية للاستيقاظ فقام آلفين بكسوتها بنفسه لكنه على ما يبدو كان قاسيًا أكثر من اللازم عندما خلع ثيابها، إذ إن فتحة صدر الفستان لم تُغلق بإحكام وبعد حيرة، ألبسها قميصه فوق ثيابها. ثم حملها إلى غرفة النوم الخاصة بالزوجين.
لاحقًا، استدعى آلفين الخدم إلى داخل القصر، وخلع بنفسه ملابسها غير المريحة وأمر بالتخلص منها حتى تلك اللحظة، لم تستطع كلوي فتح عينيها على ما يبدو، كانت متعبة للغاية من عبور الحدود.
«ربما كان عليّ أن أتمالك نفسي.»
لكن ربما كان من الأفضل أن تنام بعمق ولو بهذه الطريقة مرّر آلفين يده في شعره وهو يشعر ببعض الإحراج حينها، تجرأ أحدهم وطرق باب غرفة النوم.
“جلالتك، أنا أليكس.”
قطّب آلفين جبينه كان قد أرسل بالفعل حمامة رسولية إلى وحدته العسكرية لإبلاغهم بعودته عند عبوره الحدود، وكان عليه تلقّي الحد الأدنى من التقارير من جنوده لكن لم يكن هذا وقتًا مناسبًا لزيارة فجائية.
فتح آلفين الباب بهدوء حتى لا يوقظ كلوي.
وبمجرد أن رأى أليكس وجه القائد المتجهم، انكمش على نفسه فورًا نظر إليه آلفين وهو مكتّف الذراعين وسأله:
“ألَا تعرف ما معنى أن نكون في شهر العسل؟”
“…أعتذر.”
“قلت، ألَا تعرف؟”
“…أعرف.”
أومأ آلفين برأسه دون أن يفك ذراعيه.
“إذًا لا تعرف ما معنى الإجازة، على ما يبدو.”
انحنى أليكس كأنّه يقول: «اقتُلني»، فتنهد آلفين كان جنوده كفوئين وإذا كانوا قد تكبّدوا عناء الحضور شخصيًا بدلًا من إرسال رسول، فلا بد أن الأمر في غاية الأهمية.
“ما الأمر؟”
“جلالة الملك يطلب مساعدتك.”
كلمة «مساعدة» كانت تعبيرًا متواضعًا إن طلب البلاط الملكي من الجيش أمرًا، فهو في الحقيقة مهمة عسكرية كان آلفين معتادًا على أمور كهذه ما تغيّر فقط هو أن «جلالته» لم يعد والده، بل أخوه غير الشقيق الذي أصبح الملك الجديد.
“ما الذي يريده؟”
“يبدو أن هناك نبلاء يخططون للتمرد طُلب منا جمع الأدلة، وإن تعذّر ذلك، فبإمكاننا قتلهم.”
هؤلاء كانوا بقايا أتباع ولي العهد الأول وعلى الرغم من أنّه قد أُقصي، إلا أن الملك الجديد – الذي كان آنذاك ولي العهد الثاني – لم يتمكن من التخلص منهم كليًا إن محاولة النبلاء إعادة تنصيب ولي العهد الأول أمر مشين، لكن هذه فرصة جيدة للقضاء على ما تبقى من القوى المتبقية.
تأمّل آلفين الموقف طويلًا، ثم نظر إلى أليكس وسأله:
“أليس هذا أمرًا يمكنكم إنجازه بأنفسكم؟”
“…قال جلالة الملك إنك أكثر من يثق به.”
“كلام لا يعنيه حقًّا.”
ماكر كالثعالب لكن آلفين لم يكن من النوع الذي يمكن خداعه بكلمات تملّق ومع ذلك، لم يُبدِ ذلك الضيق المعتاد في رد فعله.
كان الملك الحالي قد وفى بوعده لآلفين وكلوي بهدية زواج وحين تساءلت كلوي بفضول عما ستكون عليه تلك الهدية، قال لها آلفين:
“لا تأخذيها إن أردتِ شيئًا، سأشتريه لك بنفسي.”
“نعم، لقد علّمنا والدانا العظماء في إيدلين ألّا نأخذ شيئًا من الغرباء وإن أكلتِ طعامًا دون حذر، قد تصابين بأذى.”
“مثال رائع.”
“لكن، آلفين، لمَ نرفض شيئًا يُقدَّم مجانًا؟ ثم إنني لست طفلة.”
لم يستطع آلفين إقناعها، إذ بدا أنها تميل لقبول الهدية فأهداها أخوه غير الشقيق مسارح كثيرة في فيتسمارك، وأرسل لها رسالة إلى ورشة عملها.
«مبروك الزواج مرة أخرى وبالمناسبة، آلفين، هل اشتريت لها سريرًا؟ أنت لا تفهم قلب المرأة.»
كانت تلك المسارح هدية خالصة لكلوي، لا علاقة لآلفين بها لذا شعرت كلوي بالحرج وهي تحمل صكوك الملكية والرسالة في النهاية، كانت قد صرّحت سابقًا أن «الفن يحتاج إلى المال»، ثم عادت لتنقض هذا التصريح قائلة:
“من غير المناسب للفنان أن يكون رأسماليًّا كبيرًا حين يمتلئ بطنه، تقل جودة أعماله.”
“ارفُضيها إذًا.”
“لكن أليس من المجدي أن أقدّم أماكن عرض لفنانين مثلي يعيشون على الكفاف؟ يمكنني حتى الإسهام في تبادل ثقافي بين البلدين.”
“…فهل ستقبلين أم لا؟”
ابتسمت كلوي وأمسكت بقلم مصنوع من خشب الكاتالبا، ثم كتبت ردًا:
«أبارك لك اعتلاء العرش وشكرًا جزيلاً على الهدية سأستخدمها في الخير لكن، وإن لم يكن يعرف قلب جميع النساء، فإن آلفين يعرف قلبي جيدًا.»
فردّ الملك برسالة قصيرة جدًا لا تحتاج إلى ردّ:
«يا سلام!»
أخذت كلوي تضحك وهي تمسك بالرسالة.
“أخوك هذا، يبدو مضحكًا فعلًا.”
لم يستطع آلفين سوى أن يفكر في نفسه حينها: «يبدو أنهما يتفاهمان جيدًا».
لكن الحقيقة أن الهدية الحقيقية التي قدّمها أخوه غير الشقيق لم تكن تلك.
فكّرت كلوي في لحظة ما: هل كانت حياتها ستتغيّر لو قبلت عرض الماركيز ويلينغتون بتبنيها؟ شعرت بالندم للحظة فقد كانت تعتقد أن خلفية مناسبة لها ستجعل زواجها من آلفين أكثر سلاسة، رغم أنها كانت تعلم أن ذلك لن يغيّر جوهرها أحيانًا، تكون المظاهر مهمة.
لكن آلفين هزّ رأسه وقال لها إنه لا داعي لتلك المخاوف وبالفعل، لم يكن هناك أي فرد من العائلة المالكة يستطيع الاعتراض على زواج أقرّه ملك فيتسمارك، بغضّ النظر عن الاختلاف في الجنسية أو الطبقة الاجتماعية.
وبهذا المنطق، لم يكن يمانع أن يتولى بعض المهام الملكية المزعجة والمؤرقة من حين لآخر رغم ذلك، بدا على وجهه بعض الاضطراب ألقى نظرة نحو الباب متذكّرًا كلوي النائمة خلفه لم يزل مشهد بكائها على الجبهة عالقًا في ذهنه.
«لا أريد أن أُقلقها.»
إن جعلها تبكي مجددًا، فسكون أسوأ رجل في العالم.
وعرفت كلوي بهذا الأمر في صباح اليوم التالي.
استيقظت كلوي متأخرة، ومع ذلك لم تزل تشعر بالإرهاق لم تكن تعرف ما إن كان سبب ذلك عناء السفر، أم هجوم آلفين المستمر عليها من النهار حتى ما قبل بزوغ الفجر لكنها حين فكّرت جيّدًا، تذكّرت أنها رأت بعض النجوم حين ضغط عليها من الأعلى.
جلب آلفين الطعام إلى غرفة النوم مراعاة لتعبها.
“يمكنني النزول للأكل… ماذا لو تلطخ المكان؟”
“لا تهتمي بذلك كلي حيثما ترتاحين.”
شعرت كلوي بالامتنان لتلك المراعاة، ثم أدركت فجأة أنها لا ترتدي شيئًا سحبت الغطاء بتوتر حتى صدرها وسألت بخجل:
“هل… أتيت بي من الحديقة بهذه الهيئة؟”
هزّ آلفين رأسه نفيًا.
“لففتكِ جيدًا بالملابس وجلبتك بهذا الشكل.”
لكن حين وضعها على السرير بدت غير مرتاحة، فخلعها مجددًا وبما أنها لم تكن قابلة للارتداء مجددًا، أمر برميها.
تنهدت كلوي بارتياح وقالت:
“إذًا، أعطني شيئًا أرتديه الآن.”
“…”
“بسرعة لا يمكنني الخروج هكذا لأطلبه.”
“بعد أن تنتهي من الطعام.”
“…من المحرج أن آكل وأنا عارية.”
لكنه لم يبدُ مستعدًا لمساعدتها، بل اكتفى بالضحك كأنّه لم يسمع شيئًا رمقته بنظرة عتاب، ثم استسلمت وأنزلت الغطاء حينها انكشفت آثار الليلة الماضية تمامًا، ونظرة آلفين إلى جسدها ازدادت عمقًا.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 71"