لو أن ترتيب الأحداث قد انعكس، وكانت النتيجة المتمثلة في غرفة العمل الموجودة في إديلين ما هي إلا نسخة مستوحاة من هذا المكان، لكان ذلك احتيالاً صريحاً لم يكن ليكون لديها ما تقوله حتى لو حُكم عليها بالسجن.
بالطبع، كان آلفين يعلم ذلك جيداً لم يكن هذا إلا تمويهاً في الحقيقة لقد استخدم غرفة العمل كذريعة ليقدّم ما كان يرغب في إهدائه منذ البداية.
كان يتمنى أن تسمع صوتاً أفضل من ذي قبل أن تراودها أفكار جميلة في مكان مريح.
لم يتوقع أن تطمع كلوي في هذا النوع من الآلات الموسيقية، أو أن تُسر كثيراً بهذه الهدية لكنه أراد منها أن تتفهم شيئاً واحداً.
“كلوي.”
“نعم؟”
“لا يمكنني أن أقدّم لكِ أي شيء هكذا فقط.”
“…….”
“إن لم يعجبك حقاً، سأصنع واحداً جديداً لن يستغرق الأمر وقتاً طويلاً.”
قالها آلفين بنبرة فيها بعض الخيبة، فسارعت كلوي إلى الإمساك بذراعه وهي تهزّ رأسها نافياً لماذا تشعره بالذنب مرة أخرى؟
“متى قلتُ لك إنني لم أُعجب به؟ فقط أشعر أن الفارق بيننا كبير جداً.”
“ما دخل الفارق في المستوى في هذا الموضوع… على أية حال، ستقبلينه إذن؟”
“نعم.”
“لا رجعة إذن.”
أومأت كلوي برأسها، ونظر إليها آلفين مطولاً وكأنه يتحقق من صدق كلماتها ثم رفع زاوية فمه بابتسامة خفيفة فقالت كلوي، وهي تحدّق في شفتيه المنحنيتين:
“أنا من تلقت الهدية، فكيف تكون أنت من يشعر بالفرح؟”
“فعلاً أشعر بسعادة غريبة.”
لم تكن تعلم كم من المرارة كان يُخفيها في صدره، لعدم قدرته على تقديم أي شيء لها أثناء وجوده في الجبهة آلفين، الذي لا يزال يتوق لكسب قلب زوجته أكثر فأكثر، مدّ يده بلطف نحو يدها البيضاء، وأمسك بها، ثم قادها بصمت دافئ إلى مكان آخر.
كان البيت الزجاجي الضخم يبدو كعالم يذوب فيه الحدّ بين الداخل والخارج ورغم أن حرارته تختلف عن حرارة الجو خارجه، إلا أن المرء يستطيع بسهولة أن يرى ما بداخله، وكأن الزجاج لا يحجب بل يحتضن.
لكن ما لا يمكن لأحد أن يختلف عليه، هو مدى جماله الأخّاذ كانت كلوي تتأمل الورود التي تنوعت ألوانها وأشكالها، عيناها تتنقلان بين أزهار مألوفة، وأخرى لا تعرف حتى أسماءها، لكنها أسرّتها بجمالها الهادئ.
وسرعان ما بدأت تخطو فوق حجارة مسطحة تتناثر وسط المرج الأخضر آلفين اقترب منها، واحتضن كتفيها برفق، وكأن لمسة يده تقول ما لا يُقال وبعد أن قطعا نحو عشرين خطوة، انفجرت كلوي ضاحكة بفرح طفولي شفاف لقد وقعت عيناها على آلة موسيقية تقليدية من إديلين، وُضعت مائلة وكأنها تهمس بأغنية قديمة.
كانت التفاصيل الدقيقة تنبض في كل زاوية، تروي حكاية عناية واهتمام. وعندما التفتت إلى آلفين بنظرة مفعمة بالانبهار، هزّ كتفيه بخفة وقال:
“عندما تمطر السماء، لا يمكنكِ الخروج إلى الحديقة ففكرت أن تأتي إلى هنا… لتستريحي.”
ابتسمت برقة، وأجابت وقد خفّ صوتها كنسمة:
“نعم، أظن أنني سأرتاح كثيراً هنا.”
واصل الاثنان التجول داخل البيت الزجاجي. ثم وقعت عينا كلوي على أريكة وثيرة للغاية توقفت عندها، فوجه آلفين نظره إلى ما كانت تنظر إليه.
لكن فجأة، بدا أن فكرة ما خطرت في بال آلفين، إذ بدأ وجهه يتخذ ملامح غريبة نظر إلى السقف الزجاجي سريعاً، ثم التفت إلى كلوي وكأنه على وشك قول شيء.
“لماذا تنظر إليّ هكذا؟”
“صحيح أنني صنعت هذا المكان لتغيير مزاجك، لكن فجأة خطرت لي استخدامات أخرى لم أفكر بها من قبل.”
“مثل ماذا؟”
“أريد أن أقضي الليل هنا معك، نراقب النجوم.”
كانت كلماته تحمل دفئًا ناعمًا، لكنها نزلت على قلب كلوي كقطرة خجل مفاجئة احمرّ وجهها على الفور، وسحبت يدها المرتبطة بيده بسرعة، وكأنها تحاول إخفاء اضطرابهارومع ذلك، لم تستطع إنكار الشعور الغريب الذي اجتاحها فجأة… كأن تلك الجملة لم تكن جديدة على أذنيها.
بل إنها تذكّرت—بوضوح مؤلم—كيف أن هذه العبارة، بأن يسهر معها يراقبان النجوم، كانت من الأشياء التي كان آلفين يقولها لها مرارًا حين كانت تشعر بالإرهاق وهو بعيد، على الجبهة كانت كلماته آنذاك عزاءً، وعدًا دافئًا وسط برد الحرب القاسي.
لكن السياق الآن… مختلف تمامًا.
“آلفين، كنت أحتفظ بتلك الجملة كذكرى جميلة جداً.”
قالتها وهمس حزن خافت ينساب من صوتها، وملامح وجهها تحكي عن صفحة من الذكريات الجميلة قد مُزّقت دون رحمة. شعرت كأن شيئًا مقدسًا في قلبها قد خُدش بلحظة واحدة.
غير أن آلفين، على غير المتوقع، أجاب ببرود هادئ، يخفي وراءه خيبة لم يُفصح عنها:
“في هذه الحالة، آسف.”
“…….”
“لكني متأكد أن هذه أيضاً ستصبح ذكرى جميلة.”
أشار آلفين بعينيه نحو الأريكة، كأنه يدعوها للجلوس، لكن كلوي ترددت قليلاً كانت الحديقة مليئة بالأشجار والنباتات، لكنها لم تكن تحجبهم تماماً.
“ماذا لو رآنا أحدهم؟”
“لن يأتي أحد.”
“لماذا؟”
“قلتُ لهم ألا يزعجونا عندما تكونين في غرفة العمل ثم إننا زوجان جديدان بمفردنا، من الذي يجرؤ على الدخول؟”
بل إن آلفين قد طلب من الناس مغادرة القصر مؤقتاً ليتسنى لكلوي التجول براحتها كان يتساءل في نفسه: “حتى الآن لم تقتنعي؟” ثم انحنى قليلاً وكأنها دعوة لها بأن تتعلق بعنقه ابتسمت كلوي بخفة، ثم احتضنته بذراعيها.
“وأيضاً ساقيّ.”
قفزت كلوي لتلف ساقيها حول خصره، فتمكن آلفين من حملها بيد واحدة وهو يسند أسفل جسدها المستدير بثبات.
وما إن بدأت يده تداعب مؤخرتها حتى أخذت لمسته تزداد عمقاً، فارتعشت كلوي وهي تهمهم لكنها، بسبب تمسكها به بكلتا يديها وساقيها، لم تتمكن من إبعاده، بل على العكس، كانت تحتضنه بقوة أكبر، مما جعل آلفين يضحك بخفوت.
سار بخطوات واسعة ووضعها برفق على الأريكة الواسعة، ثم تبعها إلى الأعلى وبدأ بفك أزرار قميصه وبينما كان يقبّل شفتيها الصغيرتين بنهم، ويفك أزرار ثيابها، كانت نظراته إليها تفيض بشغف يشبه شمس الجبهة.
كان آلفين أحياناً لا يستطيع تحمّل هذا الشغف وكلوي كانت تشعر بالأمر ذاته كانت تحس وكأن ناراً تُسكب عليها منه وما إن تبدأ وخزات البطن السفلي حتى تستجيب له بحماس، ثم تنهار تماماً في النهاية كانت تقبل كل ما يفعل، من هزّاتٍ إلى رفعٍ، حتى إن عينيها تدمع في كل مرة، وكان آلفين كلما رآها كذلك، بدا وكأن تحمّله على وشك الانهيار.
العلاقة في هذا البيت الزجاجي الشفاف كانت غريبة فيها خجل يشبه المعاشرة على العشب، ومزيج من التوتر والإثارة من فكرة أن أحداً قد يداهمهم في أي لحظة ومع ذلك، كانت كلوي تشعر بنوع من الطمأنينة في آن واحد كان الغطاء الشفاف بمثابة عودة إلى الأصل بمثابة الحد الأدنى من الأمان.
تأملت كلوي وجه الرجل الذي ركز كل انتباهه عليها، وعندها رأت الورود الحمراء المتفتحة خلف ظهره.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 70"