كان آلفين وكلوي يقفان أمام مبنى معماري مهيب، أقرب إلى عمل فني أو إرث ثقافي لسببٍ ما، التزمت كلوي الصمت، وكان آلفين يراقبها من حين إلى آخر وكان هو أول من كسر الصمت.
“هل لم يعجبكِ؟”
“…….”
كانا حاليًا في فيتسمارك لم يُحدد بعد موعد عودة آلفين إلى وحدته، لكن كانت هناك بعض الظروف الخاصة بهما.
المسرحية الأخيرة التي قدمتها كلوي حققت نجاحًا كبيرًا وعلى الرغم من أن ماركيز ويلنغتون لم يكن يبخل على هذه الفنانة الشابة بالنقد، إلا أنه بدا راضيًا هذه المرة بل إنه شجعها على عرض المسرحية في فيتسمارك أيضًا.
لكن ذلك لم يكن سوى ذريعة، إذ إن السبب الحقيقي لقدومهما إلى فيتسمارك كان شيئًا آخر.
كلوي كانت فضولية بشأن الحياة اليومية لآلفين أرادت أن تعرف أين كان ينام ويأكل ويعيش قبل زواجهما والأهم من ذلك، أنها كانت تفكر في الانتقال إلى فيتسمارك معه عندما يعود إلى وحدته.
بصراحة، لم تكن كلوي واثقة من قدرتها على منح آلفين حياة مترفة لكنها لم تكن مستعدة لترك زوجها يتقاعد بهذه السهولة فبما أن عملها لا يقيّدها بمكان معين، رأت أن انتقالها معه هو الحل الأفضل.
وقد فهم آلفين نواياها بدقة وبنفس الشعور الذي راوده عندما تقدّم لها بالزواج، أخذها إلى منزله لكنه بدأ يشعر بالقلق عندما لم تنطق كلوي بأي كلمة.
“ألم يعجبكِ المكان؟”
“…….”
“…هل أريكِ مكانًا آخر إذن؟”
سألها آلفين بنبرة محرجة، لكن كلوي لم تستطع الرد بل إن تعبيرات وجهها بدأت تتغير نحو الامتعاض وأخذت تفكر في نفسها:
(أهذا قصر وليس مجرد منزل، أليس كذلك؟)
ويبدو أن الأمر لا يقتصر على منزل واحد فقط كان السبب في ذلك أن آلفين، رغم أن هيئته تدل بوضوح على أنه جندي، إلا أنه لا يظهر أبدًا أي ملامح ملكية.
“ترى، كيف رآني في تلك اللحظة؟ هل بدوت لطيفة في عينيه، وأنا أبحث مع التوأمين عن منزل وأتحدث بحماس عن التنظيف؟”
شعرت بالخجل من نفسها لأنها تصرفت بذلك البراءة، دون أن تُظهر أدنى تذمر وبقدر ما كانت تحاول، إلا أنها شعرت بفارق المستوى الشاسع بينهما فسألته:
“سموّ الأمير، هل تملك منازل أخرى أيضًا؟”
قالت ذلك بكل احترام صادر من قلبها، إلا أن آلفين ظنها تمزح، فشعر بالارتياح ثم أومأ برأسه وأمسك بيدها.
“نعم هيا نذهب إلى مكان آخر يبدو أنني لم أفهم ذوقك بعد.”
“لا، لا داعي لذلك أعني، هذا هو المكان الذي يعجبك أنت أكثر، صحيح؟”
“ليس تمامًا… لكنه المكان الذي كنت أقيم فيه في العادة.”
كلوي عبست أنفها بتعجب وقالت: “هاه؟” أليس هذا يعني أنه يعجبه أكثر؟
“ولِمَ كنت تقيم فيه؟”
“لأنه الأقرب إلى الوحدة في الحقيقة، لم أكن أعود إليه كثيرًا.”
“…….”
“كان هناك غرفة مبيت داخل الوحدة نفسها.”
في لحظة، تلاشى الشعور بالفارق الكبير بين الملكيّين والعوام، بل شعرت كلوي بشيء من التعاطف أدركت بوضوح أن آلفين من أولئك الذين لا يستطيعون الفصل بين العمل والحياة الشخصية.
في الواقع، اعتاد آلفين على الأكل والنوم داخل الوحدة، تمامًا كما كانت كلوي تقضي معظم وقتها في مرسمها.
لكن كلوي أغفلت أمرًا مهمًا: غرفة المبيت الخاصة بضباط الوحدات الخاصة كانت فاخرة ومريحة إلى درجة مذهلة ومقارنتها بقبو غرفة العمل تُعدّ إهانة كبيرة للجيش في فيتسمارك.
ومع ذلك، لم يعد آلفين راغبًا في العيش في تلك الغرفة بعد الآن ففي الماضي، لم يكن هناك أحد بانتظاره في المنزل، فلم يكن هناك داعٍ للعودة أما الآن، فقد تغيّر كل شيء.
كان آلفين يتمنى أن يُعجب هذا المنزل كلوي فقد أراد أن يمنحها هذا القصر الذي ورثه عن والدته، والتي ورثته بدورها عن جدّتها.
أمسك آلفين بيد كلوي وقادها إلى مكان ما وعندما دخلت حديقة خلفية كأنما تعيش فيها حوريات الغابة، سألت مبتسمة:
“ما هذا المكان؟”
“حديقتك الخاصة وإن أردتِ الزراعة مجددًا، يمكنكِ استخدام هذا الركن.”
“…….”
“أنا أؤمن بجميع أحلامك.”
حتى في هذا العالم، كان من حق الراشدين أن يحلموا كما يحلم الأطفال فطالما عاشت كلوي لتمنح الأطفال الأمل، أراد آلفين أن يدعمها بكل ما أوتي من قوة في مشروعها الزراعي المبتدئ.
نظرت كلوي إلى آلفين شزرًا، ثم انفجرت ضاحكة بدهشة كانت جميع الأشجار والنباتات في الحديقة الخلفية مُعتنى بها بعناية فائقة، وكان من السهل أن تلاحظ لمسات الخبراء في كل زاوية.
لو حاولت الزراعة هنا، فلن تفعل شيئًا سوى تدمير الحديقة عن غير قصد.
ومع ذلك، كان هذا المكان مخصصًا لها وحدها بالفعل.
في وسط الحديقة الخلفية، كان هناك بيت زجاجي ضخم، وبجواره منزل صغير لطيف لم يكن تحت الأرض، لكن كلوي أدركت على الفور أنه سيكون مرسمها.
“أعتقد أن مرسمي السابق كان نصفه مدفونًا تحت الأرض.”
قالت ذلك وهي تخرج شفتها السفلى باستياء، فقد سبق وأن سخر منها آلفين مرارًا بسبب ذلك.
ردّ آلفين ببرود: “أعتذر، لكن لم أستطع التنازل عن تلك النقطة.”
لكن الحقيقة أن هناك الكثير من الأمور التي لم يستطع آلفين التنازل عنها.
فتحت كلوي الباب وألقت نظرة على الداخل، فلم تستطع أن تمنع نفسها من الضحك.
كان تصميم المكان يشبه مرسمها في إديلين وكان أثاثه يقتصر على مكتب وسرير ولوحة مفاتيح بيانو.
لكن لا يمكن القول بأن المكانين متماثلان.
من الإنصاف ألا تدّعي كلوي – وهي التي تستلم هذا المكان – ولا آلفين – وهو الذي يمنحه – أن المكان مشابه تمامًا للمرسم السابق.
حدّقت كلوي مطولًا في السرير الذي بدا أكبر بأضعاف مما اعتادت عليه في مرسمها أما آلفين، الذي وضع شيئًا من مشاعره في اختيار السرير، فقد أشاح بنظره.
ابتسمت كلوي، وجربت النقر على لوحة المفاتيح البيانو المجاورة.
وبعد أن حرّكت رأسها بفضول عدة مرات، أصبحت فجأة جادة.
جلست وأخذت تعزف لحنًا.
تمكن آلفين من رؤية الإعجاب يبدأ بالظهور في عينيها.
(أعجبها الأمر.)
لكن سرعان ما بدا على كلوي بعض الارتباك.
فحتى شخص لا يملك أذنًا موسيقية سيلاحظ ما لاحظته.
(يا تُرى أي عبقري من عباقرة العصر صنع هذه الآلة؟)
مثل هذه الآلات لا تُشترى بالمال.
ولو كانت كلوي هي صانعة هذه الآلة، لكانت انتظرت حتى يظهر شخص يقدّر قيمتها أو يتمكن من عزفها بحق.
نظرت كلوي إلى آلفين مطولًا.
لقد كان قد تقدّم لها ذات مرة قائلًا إنه سيُعدّ لها في فيتسمارك مكانًا شبيهًا بمرسمها.
(لكن… بأي منطق تعتبر هذا المكان شبيهًا؟)
باستثناء المكتب والسرير و البيانو، لم يكن هناك أي تشابه بين المكانين.
وعندما بدا على كلوي بعض الحيرة، سألها آلفين باستغراب:
“ما بكِ؟ لم يعجبكِ؟”
“أمم… ليس تمامًا.”
“همم؟”
“أعتقد أنك فشلت في محاكاة مرسمي السابق بشكل واقعي.”
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 69"