اليوم كان اليوم الذي يُعرض فيه العمل المسرحي الذي أعدّته كلوي على مدى عدة أشهر ورغم أن الجمهور لم يكن قد دخل بعد، كان آلفين وكلوي موجودين في قاعة العرض في الحقيقة، كانا قد وصلا منذ الفجر، قبل حتى أن تشرق الشمس فهناك الكثير من الأمور التي يجب على القائمين على العمل تحضيرها مسبقًا.
كانت كلوي تتحرك بنشاط، تُجري تفقدًا نهائيًا للمسرح كانت تشرح شيئًا ما للممثلين، وتستمع بوجه جاد إلى كلمات القائمين على العمل آلفين كان جالسًا في المقاعد يراقب كلوي وحين عادت إلى مقعدها بجانبه بعد الانتهاء من التفقد، سألها:
“ألستِ متوترة؟”
كان يعرف أنها كانت تخشى المسرح في وقتٍ ما وقد كان قلقًا من أن تعود إليها تلك الرهبة، لكنها بدت بخير تمامًا بل إن من كان يبدو متوترًا هو آلفين كلوي، بذكائها، لاحظت ذلك وسألته:
“أأنتَ متوتر؟”
لهذا السبب كانت كلوي تجد صعوبة في دعوة معارفها إلى المسرح لأنهم كانوا يحبونها كثيرًا لدرجة أن فشل العرض كان يحزنهم أكثر منها ومشاهدة أصدقائها وهم حزينون، ومعرفة أن السبب في ذلك هو تقصيرها، كان أمرًا مؤلمًا لكلوي أيضًا.
ابتسمت كلوي ابتسامة خفيفة وقالت لآلفين الذي كان يحكّ رأسه بحرج:
“في الحقيقة، أنا متوترة جدًا.”
“لا تبدين كذلك إطلاقًا.”
“أنا فقط أُظهر أنني لست كذلك إن شعرتُ بالقلق، فماذا سيكون حال من حولي؟ سيصبح الأشخاص الذين استثمروا أشهرًا في نص لم يكن حتى كاتبه واثقه منه، بلا قيمة.”
كلوي كثيرًا ما تبكي خلف الكواليس، وتشعر أحيانًا بالإحباط وتتساءل: “لماذا أنا بهذا الضعف؟” لكن تلك المشاعر كانت أعباءً عليها أن تتحملها وحدها.
أمام المسرح، عليها أن ترفع كتفيها بثقة عليها أن تبتسم بابتسامة هادئة من أجل أولئك الذين وثقوا بها وعملوا معها ليالٍ لا تُحصى، قضتها أمام المكتب تتنهد وتُجهد عقلها بالتفكير، لتقف الآن بكل فخرٍ على المسرح.
نظر إليها آلفين نظرة مطوّلة، ثم أعاد إليها كلماتٍ كانت قد قالتها ذات مرة:
“حبيبتي، إنكِ شخص رائع ومسؤول فعلًا.”
فردّت كلوي عليه بجواب مشابه لما كان قد قاله يومًا:
“أنا كاتبة مسرحية، هذا من البديهيات.”
ابتسم الاثنان معًا، وبينما كان الممثلون يتوجهون خلف الكواليس استعدادًا للعرض، بدأ الجمهور يتوافد إلى القاعة أما التوائم الثلاثة، فقد جلبوا معهم كل من يعرفونه ومن لا يعرفونه أيضًا وعندما سمعت كلوي أندريا يثني على المسرحية التي لم تُعرض بعد حتى، شعرت بالحرج الشديد وغطّت وجهها.
“آه… هؤلاء الفنانون المزعجون.”
لكن في تلك اللحظة، رأت كلوي وجوهًا مألوفة دخلت القاعة، وكانت فرحة بلقائهم كانوا ماثيو، وآنا، وأميليا ورغم شعورها ببعض الخجل، فإن كلوي كانت قد دعت سكان القاعدة عبر ماركيز ويلنغتون لأن هذه المسرحية كانت ثمرة عمل مشترك معهم وقفت كلوي من فورها، وعانقتهم واحدًا تلو الآخر.
أما آلفين، فبدت عليه الحيرة بعض الشيء عند ظهور أميليا، رغم أنه لم يكن قد ارتكب شيئًا خاطئًا لكنه ما إن رأى كلوي تتصرف معها بطبيعية مفرطة، حتى بدأ يتضايق قليلًا.
“ألا تشعر بالغيرة الآن؟ هل نسيت ما حدث من قبل؟”
“آلفين، أنا محترفة كل من جاء لمشاهدة عرضي هو شخص ثمين لا يصح أن أتعامل مع الجمهور بمشاعر صغيرة وضيقة كهذه.”
“صحيح، هذا موقف حقًا مسؤول ورائع.”
بعد ذلك دخل أفراد وحدة آلفين رأت كلوي أليكس، ودوكرين، وفابيان، وديوي، فقفزت من مكانها مجددًا ويبدو أن ديوي قد خضع لتدريبات صارمة من قِبل القادة، إذ بدا أكثر انضباطًا وقف منتصبًا وهتف بصوت عالٍ:
“مبروك يا زوجه اخي !”
يا لها من لحظة محرجة أخرى.
“…حتى أنت تعلمت هذا اللقب المزعج.”
لكن لم يعد من السهل القول إنه لقب خاطئ. فقبل فترة وجيزة، أصبح آلفين وكلوي زوجين قانونيًا قبل نحو أسبوعين، قال آلفين إنه سيذهب بنفسه إلى فيتسمايرك لتقديم الوثائق بدلًا من كلوي المنشغلة.
“ما الذي يجعلك مستعجلًا إلى هذا الحد؟”
“أريد أن تعترف قوانين فيتسمايرك العظيمة أننا زوجان.”
“…وهل إن لم تفعل، سأهرب منك مثلًا؟”
قال آلفين وهو يضيّق عينيه:
“تظنين أنك قادرة على الهرب؟ أنا في وحدة القوات الخاصة آسف، لكن تعقّب مدني مثلك لا يُعد شيئًا يُذكر لن تهربي إلى أي مكان.”
“كنت أمزح، لماذا تتحدث بجدية هكذا؟ اذهب وقدّمها، لم أعترض أصلًا.”
العيش مع زوج جندي أمر مطمئن، لكنه في الوقت ذاته… مخيف بعض الشيء.
في تلك الأثناء، اكتمل دخول الجمهور، وارتفع الستار عضّت كلوي شفتها السفلى من التوتر والحماس، وأمسك آلفين بيدها بإحكام.
المسرح امتلأ بأطفال يبدون في السادسة أو السابعة من العمر وبينما كان الجمهور يترقب بصمت، قفز أحد الأطفال وهتف:
“أنا دو!”
ثم قفز الأطفال الآخرون واحدًا تلو الآخر معرفين بأنفسهم:
“أنا ري!”
“مي!”
لكن يبدو أن طفلة “مي” قفزت بقوة زائدة فسقطت على الأرض انطلقت ضحكات خفيفة من الجمهور، ثم بدأ الجميع يصفقون، بعدما بدأها أحدهم بمشاعر دافئة.
وضعت كلوي يدها على جبينها وتنهدت:
“آه…”
نظر إليها آلفين بطرف عينه هو أيضًا كان يعلم أن هذا لم يكن جزءًا من التمثيل لقد كانت الطفلة قد سقطت بالفعل فظنّ أن كلوي حزنت، فقال محاولًا التخفيف عنها:
“لا بأس إنها لطيفة.”
“بالضبط.”
“هاه؟”
“قلت لهم إنهم لطيفون بما فيه الكفاية حتى دون أن يبذلوا جهدًا إن أظهروا هذه اللطافة الزائدة، قد تضر قلوب الجمهور.”
هذه المرة، كان آلفين هو من وضع يده على جبينه بينما ابتسمت له كلوي، وبدأت تتأمل الجمهور وتفكر:
أيها الأعزاء، شكرًا لكم بفضل تصفيقكم المشجع، سيكبر هذا الطفل ليقول لغيره: “لا بأس حتى إن أخطأت.” هذه الأخطاء الطفولية ناتجة في النهاية عن تقصيري بصفتي المسؤولة عن المسرحية لذا سأعتذر عن ذلك في أي وقت، فقط أرجوكم، انظروا إلى الممثلين بنظرة دافئة كما الآن.
واصل الأطفال الظهور واحدًا تلو الآخر وهم يهتفون بأسمائهم النغمية.
كان عنوان المسرحية هو: “الأغنية كالسحر”، والعنوان الفرعي: “لنصبح تناغمًا”.
بدأ الجمهور يتابع العرض باهتمام ثم قفز “دو” و”ري” في آنٍ معًا، فأصدروا نغمة غير متناغمة وبدأ الطفلان يتشاجران:
“إنه دوري!”
“لا، إنه دوري! صوتك غريب، لا تليق بي.”
استمر الشجار، وسرعان ما بدأ الأطفال بالانقسام إلى مجموعات حسب التشابه في النغمة وقفوا مرة أخرى يهتفون:
“أنا دو المنخفض!”
“دو المتوسط!”
“دو المرتفع!”
“دو الأعلى!”
“نحن مجموعة الدو!”
شعر آلفين بإحساس غريب، ووضع يده على جبينه ذكره ذلك بـ”الكوكو” (الطيور)، فانفجر ضاحكًا كما لو أنه سيجن كلوي لا تهدر شيئًا من حياتها اليومية.
وفي تلك الأثناء، تشكلت مجموعات “ري” و”مي” و”فا”. قسموا أنفسهم إلى مناطق، وبدؤوا يتحدثون فقط داخل مجموعاتهم كانت الأصوات المتشابهة في النغمة مريحة للسمع، لكنها كانت رتيبة لم تكن تناغمًا وسرعان ما شعر الأطفال بالملل.
“هذا ممل جدًا لا متعة فيه.”
“صحيح. لنتحدث مع الآخرين.”
اقترب “دو” بخجل من “ري” و”مي” اللذين تشاجر معهما سابقًا، وقدم لهما حلوى ملونة:
“ها، فلنصطلح ثلاث أيام من الشجار كافية.”
آلفين، الذي كان يعرف تمامًا مصدر هذا المشهد، كان على وشك الانهيار من الضحك كلوي، التي لاحظت ذلك، ابتسمت له.
“آه، كلوي… هل سيدرك الناس أن هذه القصة اللطيفة وُلدت في ساحة معركة؟”
“من يعلم؟ إن كانوا أذكياء إلى هذا الحد، فليصبحوا نقّادًا فنيين.”
ثم قفز “دو” و”مي” وقد أنهوا المصالحة، وتبعهم “صول” وهو ينظر حوله ازدادت النغمة غنىً أصبحوا في تناغم.
حين غنّى “دو” و”مي” و”صول”، رغب “ري” بالانضمام، فقفز بعد تردد لكن النغمة اختلت مجددًا أصبحت نغمة نشاز فشعر “ري” بالحزن الشديد، وبكى من الوحدة ولم يكن شعور “دو” جيدًا وهو يرى ذلكمدّ له يده وتنازل.
“أتريد أن تبدأ أنت هذه المرة؟ سأنتظر فلنكن أصدقاء.”
“نعم، شكرًا لك.”
أطلق “ري” صوته بقوة، وتبعه “دو” باسمه ثم أطلق الآخرون أصواتهم تباعًا لحنٌ وإيقاع.
عزف عازف محترف على البيانو بتناسق مع الأصوات أمسك الأطفال أيدي بعضهم البعض وغنّوا بأعلى صوتهم أغنيةً ألّفتها كلوي.
كانت هذه المسرحية رسالة من كلوي للجمهور، لكنها كانت أيضًا حديثًا أرادت أن تقوله لنفسهالقد ظنت يومًا أنها يجب أن تبقى دائمًا على الحدود أن تفهم أكبر عدد ممكن من الناس.
لكنها الآن تعترف بتواضع أنها مجرد مفتاحٍ على لوحة البيانو.
هل كان ذلك قبولًا منها بحدودها كفنانة؟ لا فهناك دائمًا طريقة.
ستظل كلوي دائمًا تُصغي لأصوات الآخرين، واضعةً احتمال الخطأ في حسبانها لكنها، حين يأتي دورها، لن تتردد في التعبير عن صوتها.ة ستضغط على المفتاح بشجاعة.
فإذا استمعت للنغمة المقابلة وأتقنت التوقيت، سيستمع لها الآخرون أيضًا الأصوات المتناغمة ستتكامل وتصبح تناغمًا والأصوات غير المتناغمة، إن صبروا وتفاهموا، ستصنع لحنًا.
هكذا، سيكونون في النهاية موسيقى ثرية.
وسط غناء الأطفال الذي ملأ القاعة، ذهبت كلوي تتأمل وجوه الجمهورلم يتمكن الناس من ترديد الأغنية التي يسمعونها لأول مرة، لكنهم كانوا يصفقون ويتفاعلون مع الممثلين شاهدت كلوي كيف ينجذب عالمها إليهم ويصبح جزءًا منهم نظرت إليهم وفكّرت، أنها ستتمكن يومًا ما من رسم عالمٍ آخر.
يحدث أن يشعر المهرّجون بالحزن خلف الكواليس ليس لأسباب عظيمة، بل فقط لأنهم لم يتمكنوا من إضحاك أو إبهار الجمهور ذلك اليوم لكن الجمهور كان سعيدًا جدًا اليوم، فكم كانت كلوي مهرّجة سعيدة.
هل يعني ذلك أن كل شيء كان مثاليًا؟ لا، كانت هناك أوجه نقص لكنها لم تكن تشعر بالأسى حيالها فحين تتذكر نفسها قبل سنوات وتفكر: لماذا كنت عاجزة هكذا؟ فإن ذلك ليس أمرًا سلبيًا إن هي ندمت على الماضي، وحلمت بمستقبل أفضل، فإنها بالتأكيد ستتطور.
“مبروك، كلوي كان عرضًا رائعًا وجميلاً.”
حين انتهت الأغنية وصفق الجمهور، طبع آلفين قبلة على خدها ينقل من خلالها مشاعره العميقة.
ذلك المسرح الذي طالما حلمت به واشتاقت إليه.
آلفين، هذه الأغنية هي أغنيتنا هي قصة كيف تحوّلنا من خصمين إلى صديقين شعرت كلوي فجأة بغصة ودمعت عيناها.
كانت تنظر إلى الأسفل وهي تبكي وتفكر، بأنها على الأرجح لن تتجاوز والدها الشاعر فقد أصبح لديها القليل جدًا من الكلمات بعدما قامت بتصفية كل ما لا يلزم.
لكن ذلك لا يزعجها فالقصص الخيالية تُكتب بلغة بسيطة وسهلة أصلًا.
قررت كلوي أن تهدي آلفين كلمة واحدة، الكلمة الوحيدة التي لن تتخلى عنها حتى آخر يومٍ في حياتها:
“آلفين، شكرًا لك. أنا… أحبك كثيرًا.”
“…وأنا أيضًا أحبك، كلوي.”
ضمّها آلفين إليه بقوة، وفي تلك اللحظة، خرج الممثلون من المسرح وأُسدل الستار.
انتهت المسرحية لكن حياة الناس لم تنتهِ بعد.
كلوي وآلفين مسرحهما الحقيقي بدأ للتو.
• النهـاية الرئيسية •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 68"