كان الاثنان يستمتعان بوقت الصباح على أرض الغرفة التي فرشا عليها بطانية واحدة فقط، عندما توقفا فجأة في الوقت نفسه لقد طرق أحدهم باب غرفة العمل خرج آلفين بدلاً منها ليتحقق أولاً مما إذا كان لدى القادم سلاح، ثم قال:
“كلوي، لقد جاؤوا يبحثون عنكِ.”
“ومَن غيري يمكن أن يأتوا للبحث عنه؟”
كان هناك وجه مألوف جداً أمام الباب لقد كان خادماً يعمل في قصر مركيز ويلينغتون فتحت كلوي الورقة التي أعطاها لها الخادم.
قالت وهي تعقد حاجبيها: “همم؟”
فالماركيز لم يرسل يوماً غريباً إلى هذا المكان كان يقول إن السبب هو الخطر، لكنها كانت ترى الأمر بشكل مختلف هل السبب أنه يخشى أن يُعرف أن الفنان الذي يرعاه يعيش في مكان كهذا، فتتضرر سمعته؟
” الضيف عزيز م ولم من السهل على هذا العجوز أن يجد حجة مناسبة
أعتذر لك
لكن في المقابل ، سأحجز لك قاعه العرض كما تشائين ”
“ما الذي يقوله هذا الجد العجوز؟”
أرت كلوي الرسالة لآلفين أيضاً، لكن لم يكن هناك وسيلة لمعرفة من هو هذا الضيف.
لم يمضِ وقت طويل حتى طرق أحدهم باب غرفة عمل كلوي مجدداً خرج آلفين مرة أخرى ليتحقق ما إذا كان الشخص خطيراً أم لا فالعيش مع جندي كان متعباً بعض الشيء، لكنه أيضاً أمر يبعث على الاطمئنان.
لكن كلوي عبست بعد لحظات، فقد بدأت الأصوات تعلو في الخارج شيئاً فشيئاً.
“هل يمكنني الخروج؟”
رغم أنها لم تكن قلقة، كون آلفين يجيد استخدام السحر، إلا أنها فتحت الباب إلى نصفه فقط ثم شهقت عندما رأت عدداً من الأشخاص أكثر مما توقعت وسأل رجل في منتصف العمر كان واقفاً في مركز المجموعة آلفين:
“هل هذه الآنسة هي المقصودة؟”
لم يجب آلفين، بل اكتفى بإظهار وجه متضايق فسألت كلوي:
“مَن… من حضرتك؟”
“أنا أخوه.”
رمشت كلوي بعينيها ثم تجمدت في مكانها طوال حياتها، لم ترَ من العائلة الملكية سوى اثنين فقط: سمو الأميرة إديلين، والأمير فيتسمارك ومن بينهما، كان الأمير الثالث فيتسمارك هو الوحيد الذي تحدثت إليه حديثاً حقيقياً كان أقرب إلى “طفرة” في العائلة المالكة وهذا يعني أن كلوي لم تكن تعرف كيف تتعامل مع أحد أفراد العائلة المالكة من دولة مجاورة.
(لكن على أي حال، من الأفضل أن أركع، أليس كذلك؟)
وحين همّت بالانحناء، أمسك آلفين بمعصمها النحيل وقال:
“ما هذا الذي تفعلينه؟ ركبك ستتآكل. لا تفعلي.”
رغم أن الأمير الجديد بدا مذهولاً، إلا أنه راعى مشاعر كلوي.
“تصرفي على راحتك. أنا أفعل ذلك أيضاً. على أي حال، هذه زيارة غير رسمية.”
أومأت كلوي برأسها تعبيراً عن شكرها، ثم مدت إصبعاً واحداً بخجل. كانت تسأله: “هل أنت الأمير الأول؟”
فضحك الرجل وهز رأسه وكأن الأمر أعجبه فمدت إصبعاً آخر هذه المرة، أومأ برأسه موافقاً.
فوضعت كلوي يديها على وجهها مصدومة. لقد جاء إلى هذا المكان المتواضع ضيف نبيل جداً.
في غرفة العمل الضيقة، جلس رجلان وامرأة واحدة كان الأمير الثاني جالساً على طرف المكتب، وآلفين على السرير المنهار، أما كلوي فقد احتلت الكرسي بكل خشوع. لكنها وحدها كانت صاحبة الوجه الحزين. (آه، كان يجب أن أرحل إلى بيت آخر منذ زمن. الكسل دوماً له ثمن.)
قال آلفين بنبرة تململ للأمير الثاني:
“كيف عرفت بمكاني؟”
“سمعت أنك ستتزوج، فبدأت أزعج نائبك بالسؤال عن الطرف الآخر.”
انتقم الأمير الثاني من أليكس، الذي كان يحاول التكتّم، بأن استدعاه إلى القصر يومياً. فالأمير الثاني كان كثير الكلام بطبيعته، وإن بدأ الحديث، استطاع أن يُنهك الطرف الآخر بسهولة. لكن أليكس، كونه من القوات الخاصة، لم يكن بشراً عادياً، فقال: “فقط اقتلني بدلاً من ذلك.” كل ذلك لكي لا يكشف عن حياة القائد الخاصة.
بعد ثلاث ساعات من الشكوى عن “مكانة العائلة المالكة” إن لم تُرسل هدية زفاف، استطاع الأمير الثاني أن يعرف من هي كلوي. حينها تساءل في نفسه: (هل عليّ، كأمير، أن أذهب إلى هذا الحد؟)
“يجب أن أُسرّحه من الخدمة. إن كان لسانه بهذا الطول.”
“لماذا؟ إنه رجل كفء. عنيد جداً. …لكن إن كنت تفكر فعلاً في تسريحه، فأرسله إليّ.”
“لا تتحمس. كنت أمزح فقط.”
كلوي، التي كانت تحاول اللحاق بمجرى الحديث، شعرت فجأة بحيرة: آلفين طلب يدها أمس فقط، فكيف عرف الأمير الثاني بهذه السرعة؟
الجواب كان بسيطاً للغاية.
ففي وقت سابق، أرسل آلفين رسالة إلى الأمير الثاني يتقدم فيها بعدة مطالب، منها:
- العزل الكامل للأمير الأول.
- تحسين أوضاع أفراد القوات الخاصة.
- استعادة كرامة جنود فيتسمارك في قاعدة ويلينغتون الطبية.
- التفاوض مع إديلين لتعويض العاملين في القاعدة.
وكان بإمكان الأمير الثاني أن ينفذ كل هذه المطالب. لكن ما أدهشه هو آخر بند كتبه آلفين:
” عدم فرض أي إجراء ملكي فيما يخص زواجي “
بمعنى: “لا تتدخلوا في شؤوني.” عندها لم يجد الأمير الثاني شيئاً يقوله سوى التمتمة وهو ينظر إلى الورقة التي جلبها أليكس: (يا لهذا الوقح.)
“ألن تعود أبداً إلى القصر؟ أخي قد خسر تماماً.”
لقد زاد الأمير الثاني من جراح أخيه الأكبر الذي خسر في الصراع على السلطة.
“هل أخبرك لماذا خسر أخي هذه المعركة؟”
“…”
“لأنه جعل الجميع أعداءه.”
وهنا يكمن الفرق بين الأمير الأول والثاني. فالأمير الثاني، رغم ضعفه العسكري، لم يتوقف عن البحث عن الحلفاء طلب المساعدة من الأمير الثالث، وتحالف مع نبلاء إديلين عند الحاجة.
“أخي سيغادر القصر قريباً. لذا من الأفضل أن تعود أيضاً.”
عندما قال الأمير ذلك، نظر آلفين طويلاً إلى كلوي التي كانت تتجنب النظر إليه.
“هي لا يمكنها العيش في القصر. تكره رؤية الأمور القذرة.”
صمت الأمير الثاني للحظة، ثم نظر إلى غرفة العمل وكأنه يقول شيئاً من خلال نظراته.
فهمت كلوي المعنى، وكادت تبكي، لكنها قالت بصوت خافت ومتواضع:
“صحيح أن المكان متواضع… لكنه ليس قذراً…”
فكر الأمير الثاني وهو يبتسم خفية: (يا لها من فتاة مضحكة.)
ثم وجه كلامه إلى آلفين مجدداً:
“قد تحتاج فيتسمارك إلى سحرك مجدداً. عد إلى القصر واشتغل معنا.”
“هذا أمر يمكن التفكير فيه لاحقاً. ولا تفتعل أشياء لا داعي لها. هذه الحرب انتهت بسهولة لأن ساحر إديلين استخدم قوته لأجل السلام. لو وجه تلك القوة نحو عاصمة فيتسمارك، لما انتهت الحرب أصلاً. ذاك الشخص قادر على جلب فيضانات وجفاف أيضاً.”
ساحر إديلين، الذي كان يستمع، نظر نظرة خفيفة متوترة وفكر: (أنا لا أجرؤ على فعل أشياء كهذه أصلاً…)
لكن الأمير الثاني أومأ برأسه. لقد كان يحاول فقط، ولم يكن يتوقع الكثير. كان يعلم تماماً أن آلفين لا يملك أدنى اهتمام بالسلطة. وهذا فرق آخر بينه وبين الأمير الأول، الذي لم يكن يعرف شيئاً عن شخصية آلفين.
“فهمت موقفك. لكن تعال لزيارتنا من حين لآخر. أليس من غير المعقول أن لا تعرف حتى وجه ابن أخيك؟”
منذ طرد آلفين من القصر، تزوج الأمير الثاني وأنجب ولدين وبنتاً لكن هذا الأخ القاسي لم يرسل حتى هدية واحدة صحيح أنهما لم يكونا على علاقة ودية أساساً.
فقال آلفين فجأة بنبرة باردة:
“لقد رأيتهم.”
“من تقصد؟”
“الثلاثة.”
“…كيف؟”
فأجابه آلفين بنبرة متضايقة:
“هل نسيت أنني في القوات الخاصة؟”
بمعنى: لقد تسلل إلى القصر خلسة.
وهنا أدركت كلوي الحقيقة فجأة. (لهذا لم تكن الحراسة فعالة في القاعدة!) آلفين كان يتنقل بين جدران القصر وكأنه بيته حسناً، هو بيته في الأصل فكيف كانت ستبدو الحراسة في قاعدة طبية مقارنة بذلك؟
قال آلفين وهو يضيف كلاماً بصوت منخفض إلى الأمير الثاني الذي بدا مذهولاً:
“الثالث… سيكون من الجيد أن يخضع لتدريب عسكري ولو لمرة.”
“…لماذا؟ هل ترى فيه موهبة؟”
“من الجيد أن يعرف كيف يحمي نفسه على الأقل.”
ورغم أن آلفين أجاب بشكل مبهم، إلا أن هذا يعني أن الطفل لديه موهبة ربما بنية جسدية ممتازة.
ورأت كلوي طرف شفاه الأمير الثاني يرتفع قليلاً. (أوه… حتى أفراد العائلة المالكة لا يختلفون يبدو أنه فرح عندما سمع عن أبنائه.)
بدأت أجواء الغرفة تتغير وتصبح دافئة ومليئة بالألفة لكن آلفين لم يكن سعيداً بهذا الجو، بل أراد طرد الأمير الثاني.
“إن كنت انتهيت، فغادر.”
فجأة، عبس وجه الأمير الثاني لم يكن هو أيضاً يرغب بالبقاء في هذا الجحر الصغير وكان قد أتى إلى إديلين أيضاً لأجل تعويض قاعدة ويلينغتون الطبية، فهي زيارة مزدوجة الهدف قريباً سيعتلي العرش، وحينها لن يستطيع الخروج بسهولة.
نزل عن المكتب وهو يلعن في سره، ثم نظر إلى غرفة العمل مجدداً وهز رأسه.
“اشترِ لها سريراً على الأقل كيف تجعل امرأة ستتزوجك تنام هنا؟”
وهنا عبس وجه آلفين أيضاً. أما كلوي، التي كانت تتذكر جيداً كيف انهار ذلك السرير، فقد أرادت أن تختفي من الوجود. (آه، ألم أقل إنه كان يجب أن أرحل من هذا المكان؟)
وأشار آلفين إلى الباب بصمت وكأنه يقول له: اخرج. فغضب الأمير الثاني، الذي كان مذهولاً من مدى برود معاملة آلفين له. (يا له من وقح، ألا يستطيع مناداتي بـ”أخي” لمرة واحدة؟)
لكن، رغم كل شيء، لم يغيّر الأمير الثاني تعابير وجهه، بل قال لكلوي:
“لقد سببتُ لكِ الكثير من الإزعاج. سأرحل الآن. ومبارك لكما، وإن كانت التهنئة مبكرة.”
بحثت كلوي عن ما تقوله، لكنها اكتفت بانحناءة رأس بسيطة. ابتسم الأمير الثاني بخفة، وفتح باب غرفة العمل. وعندما خرجت كلوي لتودّعه، ارتبكت مجدداً بسبب الحشد الكبير الذي كان ينتظره.
وبعد أن اجتاح أحد أفراد العائلة المالكة غرفة العمل، ساد الصمت فيها. حك آلفين رأسه وكأنه يشعر ببعض الذنب، وكانت كلوي تحدق في الفراغ قبل أن تتحدث أخيراً:
“…لا يبدو أنه شخص سيئ جداً؟”
“لا أعلم لم أتحدث معه كثيراً منذ الطفولة.”
أجاب آلفين بشكل غامض، لكنه لم ينفِ قولها فابتسمت كلوي وقالت لنفسها:
(قال إنه لا يملك عائلة، لكن ها هو يملك واحدة.)
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 65"