كان الاثنان مستلقيين على الأرض بين المكتب والسرير كانت ملامح كلوي، التي تمددت فوق جسد آلفين المتهدل، عابسة وبينما كانت تنظر إلى ساق السرير المكسورة، قال آلفين:
“سأشتري لكِ واحداً جديداً.”
“…”
في أحد الأيام، عندما قال آلفين وهو يحتضنها في هذا المكان: “ماذا لو انهار السرير؟”، ظنت كلوي أن الأمر مجرد مزحة ولكن ذلك حدث فعلاً.
عندما هبط مجال رؤيتها فجأة وشعرت بالصدمة تسري في ظهرها كله، فزعت كلوي كان جسدها المشتعل بحرارة يبرد دفعة واحدة، أما آلفين فكان مختلفاً لا تدري ما الذي أثاره، لكنه أصبح أكثر عنفاً.
“آلفين، أنت شخص غريب حقاً.”
“بماذا؟”
“قاسٍ لكنك دافئ، ودافئ لكن… قاسٍ جداً.”
نظرت كلوي إلى الجهة الأخرى هذه المرة، نحو المكتب المقابل لساق السرير المكسورة البارحة، عندما انهار السرير، رفعها آلفين ووضعها فوق المكتب حاولت أن تتملص.
“المكتب… آه، لا يمكن…!”
“هاه، سأشتري لكِ واحداً جديداً.”
وعندما تذكرت ما حصل قبل ساعات فقط، نظرت إليه بعينين جافتين، فقال آلفين بخجل:
“لكن المكتب لم يتضرر.”
“نعم، شكراً جزيلاً.”
ذلك المكتب كان هدية من ماركيز ويلينغتون، الذي طلب صنعه خصيصاً من أفضل حرفيّ في العاصمة في الحقيقة، لطالما رأت كلوي أن المكتب مبالغ فيه فوجود مكتب جيد لا يضمن عملاً جيداً، ثم إنه لا يتماشى إطلاقاً مع جو هذا المرسم البائس.
ولكن حين نظرت إلى المكتب الذي لا يزال سليماً بخلاف السرير، غيرت رأيها ربما من الأفضل استخدام أثاث جيد فعلاً.
من جهته، كان آلفين راضياً عن هذا الوضع كلوي، التي كانت بين ذراعيه طوال الليل ولم تجد مكاناً لتنام فيه سوى فوقه، كانت لا تزال ممددة على جسده حتى بعد استيقاظها.
لكن ترك المرسم على حاله لم يكن خياراً وبينما كان يعبث بمؤخرتها الناعمة، قال:
“كلوي، هيا نذهب لاختيار سرير جديد.”
لم تجب على الفور فكّرت قليلاً ثم قالت:
“السرير مهم، لكن دعنا نبحث عن منزل أولاً.”
“منزل؟”
“نعم أليس الوضع مزعجاً قليلاً مؤخراً؟”
في كل الأحوال، كان من الضروري وجود مساحة معيشية إضافية أحياناً قد تحتاج إلى استقبال ضيوف مهمين كما بدأت تشعر بالذنب لأنها تركت الدجاج عند جوليا لفترة طويلة.
لكن لو لم يكن آلفين موجوداً، لربما استمرت في المماطلة فهي كانت تشعر بالذنب في كل مرة تنظر إليه كأنها تزج بشخص ضخم في صندوق لا يناسب حجمه.
عندما سمِع آلفين كلامها، كرّر ما قاله عن السرير والمكتب للمرة الثالثة:
“سأشتري لكِ واحداً.”
فانفجرت كلوي ضاحكة، فطبع قبلة على شفتيها وسألها بحذر:
“لكن، أليس هذا المرسم غالياً على قلبك؟”
“هم؟ لا، ليس تماماً… على أي حال، لن أتخلص منه لأنني عندما أكون هنا أشعر أنه يجب أن أعمل.”
“هل تنوين الاستمرار في العمل هنا؟”
“نعم لماذا؟”
بدأ وجه آلفين يزداد جدية، مما أثار دهشتها هل تراه يظن أنني أبدو رثة جداً؟ أو ربما يرى مشكلة في كوني أشتري منزلاً آخر؟
لكن كلماتها أيقظت في آلفين مشاعر معقدة فقد تخيل مشهداً ما.
“هل ستأكلين وتنامين هنا أيضاً؟”
“إذا كنت مشغولة… ربما أحياناً؟”
“يعني أنك ستفعلين ذلك كثيراً.”
“…”
“إذا أصبح لديكِ منزل، هل ستذهبين إليه وتعودين؟”
ضحكت كلوي بخجل هي لا تخرج كثيراً عندما تنهمك في العمل وعندما رأى آلفين تعبير وجهها، شعر بإحساس قوي من التكرار، وسألها كما لو كان في القاعدة:
“هل تحاولين طردي الآن؟”
“ما هذا الكلام؟ أريدك فقط أن ترتاح في مكان أوسع.”
“أليس هذا ما يُطلق عليه… انفصال؟”
“آلفين، حسب قانون الزواج العظيم في إيدلين، نحن غير متزوجين…”
وما إن بدأت بقول “الزواج العظيم” حتى كمّم آلفين فمها بقبلة وفكّر في نفسه: وهنا لدينا عائق آخر.
نظر إلى السرير المحطم بوجه معقّد.
أما طريقة كلوي في شراء منزل، فكانت بسيطة جداً كانت تذهب إلى معارفها وتطلب منهم بيع أحد منازلهم ذلك ممكن لأن الماركيز والرفاق كانوا جميعاً أثرياء.
وكانت جميع المنازل التي اقترحها التوائم الثلاثة في قلب العاصمة وكانت واسعة جداً أرادت كلوي منزلاً هادئاً ومريحاً، لكن لسبب ما تجاهل الجميع كلامها وتحدثوا مع آلفين فقط.
البداية كانت مع أندريا:
“لماذا لا تختار منزلاً واسعاً؟”
“هذا أكثر كلام أعجبني منذ أن جئت إلى إيدلين.”
لكن كلوي اعترضت على الفور:
“سيكون التنظيف صعباً.”
“هل قلت إنكِ من ستنظفين؟ سأستأجر خادمة.”
ثم رفع أندريا إبهامه لآلفين كما لو كان يزوّج ابنته.
وتكررت المواقف مع جوليا أيضاً فقد عرضت عليها قصرها المفضل، وقالت إنه مثال للفخامة.
“جوليا، ألا تشعرين بعدم الاستقرار في مكان كهذا؟”
لكن جوليا تجاهلتها وسألت آلفين:
“ما رأيك؟ أليس رائعاً؟”
“راقي.”
“أرأيتِ ؟ أرأيتِ؟”
لكن كلوي لم تستسلم وأصرت على رأيها:
“جوليا هذا المكان صاخب جداً أنا أحب الشوارع الهادئة.”
“أليس المرسم كافياً للأماكن الهادئة؟ فأنتِ تقضين معظم وقتكِ هناك على أية حال.”
أومأ آلفين نيابة عن كلوي:
“للأسف، يبدو أن الأمر كذلك.”
“آلفين، لا بد أنك تعاني كثيراً معها قد لا يبدو الأمر هكذا، لكنها تحتاج الكثير من الرعاية لا تأكل جيداً حين تكون مشغولة.”
“للأسف، يبدو أن هذا أيضاً صحيح.”
ونسيت جوليا أنها كانت بحاجة لتوفير صوتها، فاستمرت في الحديث بحماس، بين القلق على كلوي والشكوى منها، فيما بقي آلفين يضحك ويرد بين الحين والآخر وبعد وقت طويل، التفتت إلى كلوي وسألتها:
“بالمناسبة، هل ستأخذين جميع الدجاج؟ ألا يمكنني الاحتفاظ بواحدة؟ لقد تعلقت بها.”
“…هل أستطيع قول رأيي الآن؟”
ويبدو أن التوائم كانوا في غاية السعادة بهذه الفرصة لمضايقتها ولاحقاً، بدا أن آلفين أيضاً استمتع بذلك.
أما الختام، فكان مع بنجامين، الذي كان يعرف كيف يتحدث من وجهة نظر المستمع ليفوز بالتعاطف:
“كلوي، رؤية العالم الواسع تفتح القلب، وعندها فقط يمكننا مخاطبة الجمهور بسخاء.”
ويبدو أن آلفين انبهر بالفعل:
“الأدباء حقاً مختلفون.”
ثم التفت إلى كلوي وسألها:
“لن تستطيعي الرد على هذا الكلام، أليس كذلك؟”
“…أستطيع، لكن لا أريد أن أضيع طاقتي على كلام فارغ.”
تساءلت كلوي في نفسها إن كان غاضباً منها فقد بدا كأنه انضم تماماً إلى التوائم ليشاركهم في مضايقتها لكن بعد أن زاروا عدة منازل، سألها عن رأيها، وعندما اختارت المنزل الذي أحبّته أكثر، لم يعارض أبداً.
لكن لم ينتهِ الأمر عند ذلك فقد تجادل الاثنان مجدداً حول من سيدفع ثمن المنزل ادعت كلوي أنه منزلها، لكنه كتب اسمه في خانة التوقيع: “آلفين. ف. ف.” وقال:
“أعتقد أنني أنا من سيعيش فيه فعلياً.”
عندها فقط، أدركت كلوي الأمر:
أهذا ما كان يزعجك طوال اليوم؟
عادا إلى المرسم في ساعة متأخرة من الليل بعد إتمام شراء المنزل وما إن أضاء آلفين المكان بسحره، حتى تذكرت كلوي شيئاً كانت قد نسيته:
“آه، السرير.”
خلع آلفين قميصه ورمى به، ثم فرش البطانية على الأرض واستلقى، وفتح ذراعيه قائلاً:
“دعينا نترك التفكير فيه للغد، وهلمّي إليّ بما أن الانفصال يبدو وشيكاً، دعيني أحتضنك هذه الليلة.”
“…من يسمعك يظن أنني أطردك حقاً هل ضايقك الأمر إلى هذا الحد؟”
احتضنته كلوي وأضافت:
“يمكنك الدخول متى شئت سأعطيك مفتاحاً.”
لكن آلفين أراد شيئاً أكثر وضوحاً كان يريد أن يشعر أن وجودهما معاً دائم لم يكن يرغب في أن يكون ضيفاً في حياتها.
نظر إليها مطولاً، ثم أدخل يده في ملابسها، وأخرج القلادة التي كانت تحمل الخاتم الذي صنعه لها منذ البداية، لم يتوقع أن ترتدي الخاتم في إصبعها، بسبب أظافرها القصيرة دوماً كونها تعزف على آلات موسيقية يجعلها تكره أي شيء يعيق يديها.
حلّ آلفين عقد القلادة ووضعه جانباً، ثم أخرج قلادة جديدة، وعلّقها في عنقها كانت القلادة مزينة بخاتم مشغول بدقة، يتوسطه حجر كريم مذهل، لكن آلفين ابتسم بمرارة سواء أكان يقدّم الحلوى، أو خاتماً صهره من سلاح، أو هذه القلادة… كان يشعر دوماً أنه لا يكفي.
بدأ يفهم ما الذي دفع والد كلوي ليقول في أغنيته: “أنت تجعلينني فقيراً.” فالمحب مهما قدّم، يشعر أن ما يملكه لا يليق بمن يحب.
“كلوي.”
“…نعم.”
“لست أتفاخر، لكن لدي منزل في فيتسمارك كبير نوعاً ما.”
ضحكت كلوي بصوت خافت.
“سأبني لكِ فيه مكاناً يشبه مرسمك.”
“…”
“لا أقول إننا سنعيش هناك دائماً إذا مللتِ من فيتسمارك، نذهب إلى نانسيه وإذا اشتقتِ إلى أصدقائك، نعود إلى إيدلين فلنَعِش مثل والديكِ، الذين جابوا العالم.”
“…”
“لكن عليكِ أن تبقي معي دائماً.”
“…”
“كلوي، تزوجيني.”
أنا مستعد لأن أفعل أي شيء لأجلكِ إذا أردتِ، أوقف الحرب فقط، أرجوكِ، أعطيني هدية واحدة: وعداً بأن تبقي معي إلى الأبد.
بدأت كلوي تلمس الخاتم بملامح يصعب فهمها في الحقيقة، كانت تفكر طيلة اليوم بأفكار مشابهة فعملية البحث عن منزل جديد ذكرتها بالزواج وكان أصدقاؤها أيضاً يتحققون مراراً من نوايا آلفين.
لكنها ظلت صامتة طويلاً أثناء الحرب، كانت تتهرب من أي وعود أو خطط مستقبلية ولم يكن ذلك فقط بسبب ظروف الحرب.
“…هل ستكون بخير فعلاً؟”
“ماذا تعنين؟”
“أنا لا عائلة لي، لذا يمكنني أن أقرر كما أشاء، لكنك أنت…”
لم تكن عائلته عادية فهو ابن الملك فهل هذا ممكن حقاً؟ لكن آلفين قاطعها بسرعة وقال:
“أنا أيضاً لا عائلة لي أنا يتيم.”
“…أهذا نوع من الأسرار الغامضة؟”
كانت تعرف أن علاقته بأسرته ليست جيدة وتعرف سبب ذلك لكن الجميع يعلم أن ملك فيتسمارك لا يزال حياً فهل يعقل أن تنكر وجوده فجأة؟ لم تستطع قول ذلك، لكنها ضحكت.
“هل كل من يرتبط بك بالدم هو عائلتك؟ العائلة الحقيقية، بالنسبة لي، هم أنتِ والجنود أما الباقي، فلا يهمونني.”
لكن كلوي لم تجب بسرعة، وظهر التوتر في عيني آلفين كان يعلم أنه لا يمكن إجبارها، ويعلم كم يبدو يائساً، لكن رغم ذلك، استشهد بوعدها القديم على الجبهة.
“كلوي لقد وعدتني بأنك ستكونين لي تماماً وعدتني.”
“…”
“إن رفضتِ هذا الآن، فسيُعد ذلك احتيالاً باسم الزواج.”
“كم سنة عقوبته في فيتسمارك؟”
“…كلوي.”
عندما ضيّق حاجبيه بسبب مزحتها غير اللائقة، أدارت وجهها وهي تضحك، وبدأت تلمس الخاتم مرة أخرى راقبها آلفين بعينين مضطربتين.
ثم فجأة، خلعت القلادة فتجمد وجه آلفين وبدت عيناه الزرقاوان كأنهما غارقتان في حزن عميق كأن رصاصة أصابت قلبه مباشرة ما ملأ مكانها هو اليأس.
ماذا لو رفضتِ هذا؟ ماذا أقدّم لتقبليني؟ فقط أخبريني.
نظرت كلوي إلى آلفين، ثم ابتسمت مجدداً، وأدخلت الخاتم الذي صهره من سلاحه في القلادة الذهبية وقالت:
“لماذا أخذتَه مني؟ أعجبني هذا الخاتم أيضاً لم أتلقَّ خاتماً من صنع يد أحد من قبل.”
“…كلوي.”
“والآن، علّقه لي من جديد.”
“بكل سرور.”
أخذ آلفين القلادة منها، وعلّقها مجدداً حول عنقها الأبيض النحيل ثم قبّل أذنها وعنقها وضمّها إليه وشعرت كلوي بنبضات قلبه العنيفة.
“لماذا ينبض قلبك بهذه السرعة؟”
“لأنني سعيد كلوي، في الحقيقة… أنت تخيفينني.”
“ماذا لو خاف الحاكم؟”
“الحاكم أيضاً بشر.”
ضحكت كلوي، واحتضنته بشدة شكرها على قبولها، وشكرته على تقدّمه للزواج لا تزال هناك مخاوف: هل هذا فعلاً بخير؟ لكنها لا تستطيع الرفض لأنها تحبه.
قررت كلوي ألا تقلق بعد الآن وأدركت في اليوم التالي أنها لم تكن بحاجة للقلق أساساً.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 64"