إيديلين وفيتسمارك في طور إبرام اتفاقية سلام حادثة اغتيال وفد إيديلين التي وقعت قرب الحدود أدّت إلى إطلاق رصاصة واحدة في يوم من الأيام،رثم أخذ الاشتباك يتوسع شيئاً فشيئاً، حتى بات مسألة مصيرية للدولتين.
أنا ممتنة لأن أيًّا من الدولتين لم تُمحَ في وجه تلك الأزمة لأنني، أنا التي جئت من فرقة مسرحية متنقلة، أعلم جيداً ماذا يعني أن يفقد المرء موطئ قدمه في الحياة.
بالطبع، أنا وأهل القاعدة دأبنا على تحذير سكان الجبهة من أن المكان خطر لكن، هل من المعقول أن يكون السكان أنفسهم يجهلون ذلك؟
رغبتهم في عدم مغادرة موطنهم لم تُخلّ يوماً بالقانون أو الأخلاق وأنا ولدت وفيّ من الإنسانية ما يكفي لاحترام رغبة الغير.
ومع ذلك، فحتى بعد اجتيازهم هذا الجحيم من الحرب، يبدو أن الأسر الملكية للبلدين لا تزال تتنازع على المبرر الأخير إيديلين تصرّ على أن يعترفوا بأن وفدنا هو من قُتل على أيديهم، وفيتسمارك ترفض الاعتراف رفضاً قاطعاً.
وقد دخلوا منذ شهور في مشادات لفظية، يراهنون فيها على كبريائهم في محاولة لتقنين هذا الخلاف.
سلالة ملكية لئيمة، أقسى من الفنانين أنفسهم هذه مجرد مزحة، فأنا أيضاً أؤمن بضرورة إظهار الحقيقة بشكل واضح لا لبس فيه ولا حاجة لأحد أن يعترف بفعل لم يقترفه.
وفي الوقت نفسه، لا أطلب من الأسرة المالكة في إيديلين أن تتخلى عن كرامة وفدنا ما أرجوه منهم هو شيء واحد فقطرأن يستمروا في الجدال بالكلمات، كما هم الآن.
أود أن أهمس في آذان الملوك بهذه الوسيلة المفيدة التي وهبها الله للبشر ألا تفهمون بعد؟ كان يجب أن تنظروا إلى وجوه بعضكم البعض منذ البداية.
أن تجتمعوا وجهاً لوجه على طاولة واحدة ما كان من داعٍ لأن يموت هذا العدد الكبير من الناس أرجوكم، قدّموا اعتذاراً صادقاً للجنود وعائلاتهم.
– كلوي ليبيرتا، تدون في عاصمة إيديلين بعد الحرب
***
طرقت كلوي وجوليا باب القصر الكبير توقعتا أن يفتح لهما خادم أو ناظر، لكن من ظهر كان بنجامين عبس حين رأى الدجاجات بين أذرع صديقتيه.
استبقت كلوي الأمر قبل أن يطلق بنجامين سهام كلماته.
“هل هذه منطقة يمنع فيها دخول الحيوانات؟”
سألت كلوي بنبرة ماكرة، فأجاب بنجامين فوراً:
“نعم أكرهها بشدة.”
“بنجامين، هذه دجاجة عجوز أيامها معدودة أحترم ذوقك، لكن أليس من الواجب أحياناً أن نبدي بعض الاعتبار الاجتماعي؟”
“…أصبحتِ أغرب بعد عودتك من ساحة الحرب.”
تنهد بنجامين، ولمّا لاحظت جوليا وكلوي أنهما حصلتا على الموافقة، أطلقتا الدجاجات وهي تبتسمان بسعادة.
كان أندريا قد سبقتهم وجلس في فناء القصر يحتسي الشاي لوّح لهن بسعادة، ثم تمتم وكأنه لا يصدق ما يرى:
“بشرتك أصبحت سمراء فعلاً، إذن.”
كانت كلوي تسمع هذا التعليق منذ أربعة أشهر.
عندما عادت إلى العاصمة، اختلفت ردات فعل أصدقائها جوليا انفجرت بالبكاء، وبنجامين ناول جوليا منديلاً ثم عانق كلوي بخفة، أما أندريا، الذي ظنّت أنه سيبكي أكثرهم، فقد حدّق بها مذهولاً وقال:
“…لقد اسمرّت بشرتك قليلاً، أليس كذلك؟”
في القاعدة، اعتادت سماع أسئلة مثل: “هل أنتِ مريضة؟”، لكن عيون أصدقائها الذين رأتهم بعد غياب طويل كانت ترى شيئاً آخر.
كلوي، التي طالما تجاهلت التعليقات، سألت أندريا لأول مرة:
“هل لا تليق بي؟”
“لا، بل العكس تبدين أكثر صحة من قبل.”
“آه، هكذا إذاً؟ لكن لماذا (أكثر صحة) فقط؟”
“لأنك لا تبدين قوية جداً كذلك.”
ارتبك أندريا تحت نظراتها الباردة، فانفجر بنجامين وجوليا بالضحك ثم ارتشف الرباعي شايهم بنعومة، وتأملوا الدجاجات تتجول في القصر.
كانت تلك الدجاجات تقيم حالياً في قصر جوليا، لأن كلوي باعت قصرها قبل توجهها إلى الجبهة، ولأن مرسمها تحت الأرض لم يكن مناسباً لتربية الدواجن.
رغم أن جوليا استضافتها، لم يفهم أي من الثلاثي الميسور الحال هواية كلوي الجديدة.
صحيح أن البعض يربي الدجاج، لكن غالباً لأغراض المعيشة وكلوي لم تكن عاجزة عن شراء البيض.
“لماذا جئتِ بهذه أيضاً؟”
سألها أندريا بدهشة، فأجابت كلوي بنبرة حادة:
“لأربيها وأذبحها لاحقاً.”
“يا إلهي، هذا قاسٍ جداً.”
“إذاً لا تأكلي الدجاج بعد الآن.”
“هذا أكثر قسوة.”
وبعد أن أرهقتها بتعليقات لاذعة، أجابت كلوي أخيراً إجابة جادة قالت إنها فقط تعلقت بها وأخذت تربيها.
أندريا، التي أثارها ذلك الجواب، سألت:
“إذاً، هل سميتِها أيضاً؟”
أشارت كلوي إلى كل واحدة بلا مبالاة وقالت:
“كوكو1، كوكو2، كوكو3. مجتمعات: الكوكوات.”
لكن المدهش كان تعليق أندريا:
“يا لها من تسمية تعبّر عنكِ ككاتبة مسرحية، يا كلوي.”
“…هذا؟ لماذا؟”
فوجئت كلوي بهذا الانطباع، فأوضح أندريا:
“أنتِ دائماً تسمّين الشخصيات في النصوص مثل: عابر 1، عابر 2، عابر 3.”
“…هل يزعج هذا الممثلين؟”
“لا بين أهل المهنة هذا مقبول.”
“أشكرك هذه روح الزمالة الحقيقية.”
لكن كلام أندريا ظل عالقاً في ذهن كلوي، فقررت أن تسمي الكوكوات بأسماء حقيقية.
الدجاجة صاحبة الصوت الأعلى سُميت جوليا.
الدجاجة التي تنقر الآخرين بمنقارها سُميت باني.
والتي كانت نشطة جداً حتى بدا وكأنها قد تطير، سُميت أندريانا – مع تعديل بسيط كونهن جميعاً إناث.
لكن الثلاثي لم تعجبهم التسمية المستندة إلى أسمائهم.
“كلوي، كيف تتركين ككاتبة أسماء كهذه بلا أي مجهود؟”
“…….”
وهكذا، لم تستطع إرضاء الجميع مهما فعلت.
بينما الأربعة يتبادلون الحديث في مشادة لطيفة، خرج كبير الخدم ببعض الكتب.
كانت دواوين بنجامين الشعرية التي نُشرت حديثاًروكان هذا هو سبب اجتماعهم اليوم – للاحتفال بصدورها.
تأملت كلوي الغلاف الفاخر وهمست:
“يا لها من طبعة أنيقة يبدو أن الفن يحتاج المال أيضاً.”
فضحك الثلاثي من عبارتها التي اعتادوا عليها لكن عندها، بدأت كلوي تتصرف بغرابة أخرجت قلماً من جيبها وكتبت اسمها على الغلاف بخط واضح وكبير.
تجمد الثلاثي، يراقبون تصرفها وكأنها طفلة في السابعة هل تدّعي ملكية الكتاب؟
تكلم بنجامين نيابة عن الجميع:
“كلوي، هل فعلتِ هذا خشية أن يسرقه أحد؟”
“هاه؟”
“إن كان هناك من يرغب بشدة في سرقة ديواني، فدعيه يأخذه سأعطيك نسخة أخرى.”
عندها فقط أدركت كلوي ما فعلته أمام أصدقائها.
“آه، لم يكن لهذا السبب…”
نقش الاسم على الثياب والأشياء هو هوس متأصل في الجنود وبعد سنوات قضتها معهم، اكتسبت كلوي هذه العادة.ج لذا، فهي من آثار الحرب.
حكت رأسها، ثم وضعت الديوان مقلوباً تخفي به الاسم عن أنظارهم.
ورغم أن الثلاثي بدا عليهم الشك، فإنهم لم يسألوا أكثر حين تظاهرت باللامبالاة بذكاء، غيّر بنجامين الموضوع.
وكانت الأخبار التي أفصح عنها مما كانت كلوي تتوق لسماعه.
“يبدو أن ولي العهد قد عاد.”
“…حقاً؟”
“لقد مضى على ذلك أسبوعان أو ثلاثة.”
لم يكن أحد قد سمع بذلك، فحدق الثلاثي ببنجامين بعدم تصديق.
تنهد وأوضح أكثر:
“تم اعتبار ما حدث للوفد على يد قطاع الطرق لكن فيتسمارك وافقت على دفع تعويضات لأسر الضحايا كنوع من المسؤولية الأخلاقية.”
“ولكن، لماذا كل هذا الصمت؟”
“وهل ولي العهد قائد منتصر ليُقام له حفل استقبال؟ ما بكِ؟ أتنوين تهنئته؟”
رأت كلوي أن حياة بنجامين ستكون أسهل لو كان أكثر لطفاً في كلامه لكنها لم تكن مؤهلة لتقديم مثل هذا النصح، فما يشغلها كان أهم بكثير.
“بنجامين، هل تعرف ما حدث لأمير فيتسمارك؟”
“لا بد أنه عاد إلى بلاده.”
“…….”
“لماذا؟”
“…لا شيء.”
هزت كلوي رأسها بعتمة في ملامحها رأى الأصدقاء أنها تتصرف بغرابة اليوم وهي منذ عودتها من الجبهة، كانت أحياناً تتصرف هكذا.
صحيح أن نظرتها أصبحت حادة مقارنة بأيام الاكتئاب، لكنها كثيراً ما بدت حزينة.
وكان الثلاثي يظن أن لديها حبيباً، لكنها عادت وحدها تساءلوا في سرهم: هل فقدته في أهوال الحرب؟ لم يجرؤ أحد على سؤالها، خوفاً عليها وفضولاً في آن لكن اليوم، قررت جوليا أن تختبرها.
“كلوي، أما زلتِ لا ترغبين في المواعدة؟ أعرّفكِ على شاب؟”
نظرت كلوي إليها مطولاً وسألت:
“من هو؟”
ارتبكت جوليا فهي لم تكن تنوي حقاً تقديم أحد.
بحثت في ذاكرتها عن وجوه المغنين، ثم تذكرت فناناً وسيم الوجه، لكنه كان خجولاً جداً.
وكلوي كانت قد علّقت مرة:
هو لا يخجل، بل فقط أدرك أنكم لستم طبيعيين وهرب.
سألت جوليا بخجل:
“ما نوع الشاب الذي تفضلينه؟ يكفي أن يكون وسيماً، أليس كذلك؟”
“نعم أنتِ تعلمين أنني أقدّر الوسامة كثيراً سأنتظر بفارغ الصبر.”
“…….”
“أمزح فقط قلت لكِ إن لديّ حبيباً.”
وهنا ازداد وجه الثلاثي تعقيداً.
وسألتها جوليا بحذر:
“لكن… أين هو الآن؟”
لم تجب كلوي، بل ارتشفت شايها وهي تبتسم لكنها كانت تتساءل من الأعماق:
أين أنت الآن، يا آلفين؟
هل أنت بخير؟ هل أنت بصحة جيدة؟
رفعت عينيها نحو السماء الزرقاء بنظرة مشتاقة، وأخطأ الثلاثي في فهمها، فأطرقوا رؤوسهم في صمتٍ ثقيل.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 58"