حين تجمّدت كلوي في مكانها، شعر بالحرج، فتسلّق النافذة ودخل بنفسه لكنها لم تنبس ببنت شفة كان ذلك فقط بسبب الصدمة، ومع ذلك، وبينما كان يتفحّص ملامح وجهها، قال:
“هل أنتِ غاضبة كثيرًا؟”
أعرضت بنظرها عن عينيه، وظلّت تحدق في نقطة معينة كانت تحدق في طرف ثوب آلفين الملطخ بالدم حكّ رأسه وقال:
“آسف، لم أكن أرغب في المجيء هكذا، لكن لم يكن أمامي خيار آخر…”
لم يكن بإمكانه العودة إلى سكن فيتسمارك بهذا الشكل لم يكن يريد أن يقلقهم، لكن كلوي كانت الوحيدة التي يستطيع أن يطلب منها ملابس جديدة.
وقبل أن يبدأ في شرح الموقف، تقدّمت إليه كلوي التي كانت متجمّدة، ثم وبحركة حادة، مزّقت قميصه من على جسده.
“كلوي؟”
كانت لا تزال صامتة، وكأنها نسيت كيف تتكلم، تفتّش بعينيها وجسديًّا كل موضع في جسده قال آلفين، محاولًا تهدئتها وقد بدا عليه بعض الحرج:
“هذا ليس دمي.”
حاول أن يُبعدها، لكنها هذه المرة مدت يدها إلى بنطاله، وبدأت تفك حزامه بحركات خالية من الوعي أمسك آلفين البنطال بغريزته، ثم تركه وهو يضحك بخفة.
كان من المفترض أن تغضب عليه لأنه يضحك في موقف كهذا، لكنها كانت منشغلة تمامًا بأمر آخر تحققت من فخذيه وحتى داخلها، ثم سحبت ملابسه الداخلية أيضًا وفي لحظات، جعلت حبيبها القويّ يقف أمامها عاريًا تمامًا انتقلت خلفه وتفحّصت ظهره، ثم عادت إلى الأمام حدّقت في مركز جسده وسألت بصوت كأن صاحبه نصف واعٍ:
“…لم تُصب إذن؟”
مسح آلفين وجهه بيده كما لو كان يغسل التعب عن ملامحه دون ماء، ثم ابتسم قائلاً، بعدما أدرك ما كانت تحدق به
“كلوي، الإصابة في هذا الموضع ستكون خطيرة جدًا.”
حينها فقط عادت التعابير إلى وجهها، لكنها لم تكن تعابير عادية، بل بدت مخيفة نوعًا ما عضّت شفتها بشدة، ثم ضربته على ساعده ضربة خفيفة وقالت:
“هل تظن أنّ هذا وقت للمزاح؟”
“قلت لكِ من البداية إنه ليس دمي.”
قال ذلك، لكنها كانت قد ولّت ظهرها له وعبس وجهها اقترب منها آلفين وانحنى مبتسمًا، لكنه فوجئ كثيرًا كانت حبيبته، التي تكره إظهار ضعفها أمام الآخرين، تلمع عيناها بالدموع.
وقبل أن يتمكن من الاعتذار، مسحت كلوي دموعها بظهر يدها كانت نظرتها تقول: “لا تلمسني، لا تهتم بي، فهذا لا شيء”. كان من الأفضل لو صرخت أو غضبت لكن صمتها جعل آلفين أكثر حرجًا.
“…كلوي، أنا آسف.”
ظلّت تحدق في زاوية الطاولة لفترة أمسك آلفين بمعصمها وكأنه يعتذر مرة أخرى، لكنها نزعت يدها وقالت:
“سأذهب لأحضر لك ملابس.”
حكّ رأسه وهو يشعر بالحرج. كلوي التي لم ترفع صوتها ولو لمرة واحدة، دفعت الباب وغادرت الغرفة، وكأنها حاصرت قائد جيش العدو دون عناء.
كان آلفين قد دخل عبر الجدار والنافذة دون أن يراه أحد، لكن كلوي كانت مدنية، وكان عليها مواجهة أكثر من حارس في طريقها إلى المستودع.
وحين عادت تحمل ملابس رجالية وعبرت الممر، نظر إليها أحد الحراس، متنقّلًا بنظره بينها وبين الملابس التي تحملها، ثم ألقى عليها نظرة ذات مغزى.
عادةً ما كانت كلوي ستتجاهل ذلك لكنها كانت في مزاج سيّئ للغاية فأنزلت عليه غضبها الذي لم تتمكن من إنزاله في غرفتها.
“ماذا؟”
“…هاه؟”
“ما بك؟”
نظرت إليه بنفور وقالت في سرّها: نظرتك تلك تزعجني جدًا فيها خيال مزعج، وكأني أنا محوره لن أتدخل في أفكارك، فلك الحرية في ذلك لكن حين تنظر إلى الناس، فلنحرص على أن تكون النظرات محترمة.
“إن كان لديك شيء لتقوله، فقله.”
قالت كلوي وكأنها ستستمع، فلوّح الحارس بيديه نافيًا حتى لو كان لديه شيء، فقد أنكر.
أومأت كلوي برأسها، وقالت في سرها: أجل، لا بد أنني توهمت سبق لي أن شاهدت أندريا تؤدي مشاهد كاملة من دون أي حوار تعابير الوجه وحدها كافية لتوصيل الكثير لهذا ظننت ذلك، وإن كنت مخطئة، فأعتذر.
ربّتت بمرفقها على ذراع الحارس قائلة: “إذن، دمت بخير.”
عادت كلوي إلى الغرفة، فوجدت آلفين جالسًا على طرف السرير نظر إليها وهو يتساءل كيف يبدأ بالكلام. تجاهلت نظرته وسألته وهي تمرّ بجانبه:
“أمتأكد أنك لم تُصب؟”
“هل أُنهض مجددًا؟”
تساءل في داخله هل عليه أن يدور أمامها مرة أخرى، لكنه رأى شفتيها تتمددان بشقّ ابتسامة قسرية ارتدى ملابسه بصمت.
حين جلس على حافة السرير مجددًا، جلست كلوي على بُعد منه قليلاً تفحّص عينيها ليرى إن كانت لا تزال مبللة، ثم سألها بحذر:
“كلوي، هل كنتِ قلقة عليّ؟”
فجاء الرد فورًا:
“لا، ولا بمقدار ذرة.”
“هذا مؤلم بعض الشيء.”
فكرت كلوي في سرها: هل يمكنني فقط أن أصفعه على رأسه؟ لكنها اعترفت بسهولة:
“لأني لم أشعر بأي قلق، خرجت وتجولت ضمن نطاق مئة متر حول القاعدة.”
“…خرجتِ؟”
“نعم.”
“…وحدكِ؟”
“ومَن غيري؟ هل تظن أنني سأمسك بيد ماثيو وأدعوه للنزهة؟”
كاد يسألها لماذا فعلت شيئًا خطيرًا كهذا، لكنه صمت وهو يتأمل تعبير وجهها فقد تأكد الآن من أمر كان يشكّ فيه: إذًا، هي تعرف أن ذاك الوغد يحبها وكان من المستحيل ألا تلاحظ ذلك لو كانت تملك شيئًا من البديهة.
أمسك آلفين بأصابعها الرفيعة وقال:
“حدثت بعض الأمور، لكنني لم أؤذِ أصدقاءك.”
“أنا لا أسألك عن ذلك…”
“قتلت صديقًا لي.”
توقفت كلوي وقد كانت على وشك الانفجار، ثم نظرت إليه وبقيت صامتة لوقت طويل.
لم يكن سهلًا معرفة ما كانت تفكر فيه وهي تحدق مجددًا إلى الأمام لكنه أراد أن يعرف، فأضاف:
“ذاك الذي قلت لك إنه كان مساعدي.”
“……”
“تحالف مع ولي العهد الأول ليقتلني.”
ارتسمت على وجه كلوي ملامح تأثّر خفيفة تذكرت أن آلفين لم يكن بجانب والدته عندما توفيت لأنه كان يساعد ذلك الشخص.
“…لابد أن الأمر كان صعبًا عليك.”
قالت ذلك بصعوبة، ولم تسأله شيئًا، فاكتفى بابتسامة حزينة كان ينوي أن يقول “ليس كثيرًا”، لكنه غيّر رأيه رغم أنه لم يُظهر شيئًا أمام رفاقه، إلا أن الأمر لم يكن سهلًا عليه.
“بصراحة، لم أفهم الأمر تمامًا لكن… هل تظنين أنه كان عليّ أن أستمع له أكثر؟”
وبينما طرح سؤاله، أدرك أنه ربما كان يرغب في أن يسمع منها كلمة “لا”.
كان الأمر غريبًا هو لم يكن بحاجة لتفهّم أحد، ولا لعفو أي إله، ولا لمغفرة لم يكن بحاجة لأي شيء لكن لو قالت هي “لا بأس”، لشعر أن كل شيء سيصبح على ما يرام.
أنتِ… التي تغفرين حتى لجنود العدو التي تبكين سرًا بسببهم التي أردتِ أن تصبحي شخصًا آخر فقط لتفهمي الآخرين ما الذي ستقولينه لي الآن؟
فكرت كلوي طويلاً قبل أن تتكلم زفرت زفرة خفيفة، وابتسمت ابتسامة معقّدة، ثم حدّقت في الدفتر على الطاولة.
لم تكن تظن أن الورق والقلم ملك لها وحدها كل إنسان يملك ورقته وقلمه لكن ورقة الحياة ليست لانهائية، وما يُكتب عليها لا يمكن محوه لذا فإن ما يمكنها قوله بسيط جدًا:
“آلفين.”
“نعم؟”
“على أي حال، لا يمكنك أن تفهم الجميع.”
“…”
“لا تُخصّص صفحات من حياتك لسرد خيانة أحدهم هذا تبذير ورقتك… أثمن من ذلك بكثير.”
نفضت يده التي كانت تمسك بأصابعها، ثم غطّت ظهر يده براحتها وضغطت عليها بقوة.
نظر آلفين إلى يدها البيضاء النحيلة التي أبرز الضغط عظام أصابعها ثم ابتسم كان الأمر لا يزال غريبًا بالنسبة له.
“كيف تفعلينها في كل مرة؟ تقولين بالضبط ما أحتاج سماعه؟”
“كنت كاتبة مسرحية في وقت ما وقتها… كانت حياتي لا بأس بها.”
“آه، هكذا إذًا لكن لا يعجبني أنكِ قلتِ ذلك بصيغة الماضي ماذا في حياتك الآن غير جيد؟”
اقترب منها وهو يسأل لكنها فقط ابتسمت بخجل لم تكن زلّة لسان في الحقيقة، أفضل طريقة لمواساة أحد ليست قول: “أنت لم تخطئ”، بل: “أنا أيضًا هكذا”، أو “حياتي أسوأ من حياتك”.
لكن هذا النوع من المواساة لم يكن ضروريًا له فهو حبيب جيد، وإذا سمع شيئًا كهذا فسيعبّس وجهه ويحاول أن يواسيها هو بل حتى لو لم يكن حبيبها، فهو رجل نزيه لا يرضى أن يبني ثقته بنفسه على بؤس الآخرين.
آلفين، وقد رأى ابتسامتها المتواضعة، أمال رأسه بتعجّب، ثم وضع يديه على خديها وكأنما يمسح دموعًا غير موجودة بإبهاميه.
أمالت رأسها مبتعدة عن يده، ثم قالت محاولة تغيير الموضوع:
“بالمناسبة، آلفين.”
“نعم؟”
“قررت من اليوم أن أغيّر نمط حياتي.”
“كيف؟”
“سأصبح مثلك، شخصًا عائليًا.”
كان ذلك كلامًا مثيرًا بما يكفي ليجعله يصغي باهتمام لكنها تابعت فورًا بإلقاء قنبلة أخرى:
“يمكنك المبيت خارجًا وقت ما شئت لأني سأفعل ذلك من حين لآخر.”
“…ماذا؟”
قالت وهي تبتسم ابتسامة مشرقة:
“في إديلين، تُعقد مناسبات ليلية منتظمة للفنانين لا أحب اللهو المبالغ فيه، لكن لا يمكنني الغياب تمامًا على أي حال، لا أشرب كثيرًا، ولا ألمس العشبة الصخرية أبدًا، فلا تقلق حتى لو عرضها علي أحد، سأرفض مباشرة.”
“…”
“لكن عندما أخرج، دعنا نخبر بعضنا بالأمر مسبقًا ولو تأخرت، سأخبرك ولن أحقق معك أين تذهب أنا لست متحجرة إلى هذا الحد.”
“…”
صمت آلفين طويلًا أين هي الحياة العائلية؟ كيف غيرت نمط حياتها؟ بدا له أن حياتها مغلقة ومنفتحة في آن واحد هل تنتقم الآن؟ حكّ رأسه بحيرة.
في الواقع، لم يكن يمانع في أن يُقيد قليلًا لم يمانع إن دلّلته بل إنه الآن يشعر بالامتنان لو فعلت لكنها لم تكن تنوي شيئًا من هذا إطلاقًا.
ورغم ذلك، لم يتمكن من مساءلتها لم يشعر أن له الحق أمام حبيبته التي لم تغضب ولم تصرخ، بل فقط مسكت يده رغم أنها كانت على وشك البكاء.
قال آلفين فقط “حسنًا”، وهزّ رأسه موافقًا دون شرط، ثم عانقها وحتى لا تفاجئه بقنبلة جديدة، أغرقها بوابل من القبلات.
وفي الحقيقة، كانت كلوي في منتصف انتقام صغير، وفي منتصف نوبة دلال لكنها قررت أن تكتفي بذلك ضمته بكلتا ذراعيها، ودفنت وجهها في صدره.
في الحقيقة، مجرد أنه عاد سالمًا، دون أن يصاب بأذى، كان كافيًا لأن يجعلها تشعر بالامتنان حتى البكاء.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 46"