على خلاف الأشخاص في القاعدة الذين خرجوا يتبادلون الأحاديث بكل هدوء، كانت الأوضاع في الخارج مروّعة الضحايا الملقون على الأرض كانوا يرتدون بزات عسكرية من إيدلين وبيتسمارك بنسب متساوية تقريباً هذا ما يُسمى بالجحيم حقاً.
كان الأطباء يبحثون عن الناجين، وكانت فرق التفتيش تغطيهم ببنادق مزوّدة بالحِراب حتى كلوي أخرجت خنجرها من بين ثيابها وذهبت تحدّق في نصله بتركيز.
أحياناً، عندما يقوم المرء بعمله الأساسي وعمله الجانبي في الوقت ذاته، قد تأتي لحظة يصبح فيها العمل الجانبي هو الأساسي كانت في السابق كاتبة مسرحية، أما الآن فقد أصبح عملها هذا، الذي بدأ كعمل جانبي، مهنتها الحقيقية، وبدأت تؤديه بصمت.
سارت بين جثث القتلى من جانب إيدلين، تنتزع شارات الأسماء وتجمع المقتنيات الشخصية كان ألفين يحدّق بها بصمت، ثم قال ما كان يرغب بقوله منذ وقت طويل:
“غريب أمرك، لا تفعلين شيئاً إلا الجلوس قرفصاء.”
عندما تكون جاثية، كانت تبدو بشكل غريب أكثر هدوءاً، لكن في الوقت ذاته، كان مظهرها يبعث على الحزن، ما جعل قلب حبيبها يشعر بعدم الراحة قرر ألفين أنه لا بد أن يعيدها إلى مقعدها خلف المكتب مجدداً، بأي طريقة كانت.
كلوي ضحكت بسخرية وهي تفتش الجيب الداخلي لرداء إحدى الجثث، وكأن الأمر لا يستحق التعليق.
عقد ألفين حاجبيه فقد يسبب لمس جثة متحللة عدوى عندما كان يتصفح الكتب القديمة، كان يرتدي قفازات ويكتم عطسته، أما الآن، فلم تكن لديها أدنى خشية وهي تعبث بالجثث.
ذهب ألفين إلى الأطباء وأحضر زوجاً من القفازات عندما قدّمها لها، ابتسمت له بصمت.
كانت قد عثرت للتو على قلادة وانتزعتها من الجثة، راحت ترفعها نحو أشعة الشمس وتتفحصها بدقة لو رآها أحد لا يعرفها، لظنها دون شك نبشة قبور ناشئة.
كان هناك خاتم معلق بخيط جلدي رديء بدا عليه الصدأ، مما يدل على أنه ليس من الأحجار الكريمة الحقيقية ترى، هل كان خاتم زواج؟ أم خطوبة؟ عندما نظر إلى حجمه، راوده الظن أنه خُصص لطلب يد الحبيبة.
وقد لفت الخاتم نظر ألفين أيضاً كان يحدق في الخاتم وأصبعها البنصر الطويل والنحيل.
ربطت كلوي الخاتم بقطعة قماش مطرزة باسم الجندي، ووضعت كل ذلك في كيسها الممتلئ ثم انتقلت بجلستها إلى موقع آخر وبدأت تتحدث:
“ألفين، هناك أمر يراودني من وقت لآخر.”
“ما هو؟”
“هل من الأفضل أن أرسل هذه المتعلقات إلى عائلاتهم، أم أن لا أفعل؟”
“…….”
كانت كلوي تؤكد دوماً، وكأن بها مسحة من الوسواس، أنها لا تقوم بهذا العمل بدافع الواجب أو الإحساس بالمسؤولية لم تكن صاحبة روح خدمية نبيلة، فهذه مسألة أخرى لكن المستلم لهذه المتعلقات سيكون له مشاعره الخاصة.
عندما تطول فترة الانتظار دون معرفة مصير من تحب، قد يفضل بعض الناس أن يسمعوا خبراً عن وفاته على أن يظلوا معلقين هل ما زال حياً؟ ماذا لو كان يعاني؟ أين يمكن أن يكون؟ هذا النوع من الأمل المؤلم يُرهق الإنسان.
بمعنى آخر، حتى حياة الأحياء تتدمر.
لكن البعض الآخر قد يفضّل التمسك بالأمل، حتى لو كان زائفاً، على أن يواجه حقيقة الموت أحياناً، يستطيع الإنسان أن يصمد فقط بذلك الأمل وإن كان الأمر كذلك، فربما سيلومونها للحظة عندما تبلغهم هذا النبأ المؤلم كانت كلوي تفهم ذلك أيضاً تقبّل موت من تحب أمر مؤلم على الجميع.
تابعت كلامها بهدوء:
“أقصد أولئك الموجودين في القاعدة، جنود بيتسمارك.”
“نعم.”
“حين كنت أتصرف بحدة أحياناً، لم يكن ذلك لأنني أكرهكم جزئياً، لم أكن أريد أن أبدو ضعيفة… لكن أكثر من ذلك، كنت أعلم أن تقاربنا لن يزيدنا إلا تعبًا لا أستطيع أن أقدم لكم شيئاً على أية حال.”
عندما اعترفت بذلك، ابتسم ألفين ابتسامة خفيفة ما من أحد لم يكن يدرك حقيقة مشاعرها.
ومع ذلك، كانت كلوي تشعر بالذنب على ما بدر منها في القاعدة حتى عندما يبذل المرء قصارى جهده، يبقى شيء من الخجل في القلب وربما، بعد أن رأت كل هذه الجثث، شعرت بالفراغ أو التواضع.
“لم يكن عليّ أن أكون قاسية إلى هذا الحد لا بد أنكم رأيتموني شخصاً غريب الأطوار، أليس كذلك؟ لكن لا بأس، لا يهم.”
“…….”
“لكن، ألفين… أنت كنت تعرف مشاعري منذ البداية، أليس كذلك؟”
أومأ ألفين برأسه.
“أجل، كنت أعلم.”
“كنت أتمنى لو أنكم جميعاً تعودون سالمين إلى بيوتكم.”
“سيحدث ذلك أعدك، كلوي.”
قالها ألفين بثقة، وكأنه يعلن وعداً كلوي لم تفهم تماماً على ماذا يستند في هذه الثقة، لكنها أومأت بصمت حتى أكثر المتشائمين في ميادين الحرب بحاجة إلى أمل صغير.
نظرت كلوي إلى الأرض البعيدة بعينين صافيتين، ثم مضت نحو الجثة التالية.
كان أطباء القاعدة قد فقدوا طاقتهم بينما كانوا يعالجون الجرحى ممن لديهم فرصة للنجاة قضوا نصف يوم منحنين دون أن يعتدلوا مرة، ومع ذلك، ما زال هناك صف طويل من المرضى بانتظار المساعدة.
كانت كلوي تعاني من المعاناة ذاتها نظرت إلى أكياس القماش المربوطة بإحكام وإلى الجثث بالتناوب ثم تمتمت بصوت خافت نحو فرقة التفتيش وكأنها وصلت إلى طريق مسدود:
عندها، قام أحد أفراد الفرقة بتغطية صدره بعضلاته المتفجرة، مشكلاً إشارة تقاطع بذراعيه، وقال:
“لمَ تخلعين ملابس الناس؟!”
“ألا ترى أن تظاهرك بالخجل الآن أمر في غاية الوقاحة؟”
أمام هذا الوضع الذي لا تبدو له نهاية، عاد أفراد القاعدة إلى نفس النتيجة التي اعتادوا عليها: يجب أن ننجو نحن أولاً.
جلسوا على الأرض كالمنكوبين وتناولوا وجبة خفيفة.
ثم بدأوا في التفكير في أمر آخر بدأ الظلام يحل، ولم يكن لديهم مكان يبيتون فيه.
لم يكن النوم في العراء بالأمر الكبير عليهم؛ فقد أصبحوا جميعاً ذوي خبرة لكن ما أزعجهم حقاً كان شيئاً آخر:
“آه، استطعت أن آكل، لكن لا أريد أن أنام بين الجثث.”
“ولا أنا في الحقيقة، أنا أؤمن بالأشباح.”
كانت كلوي تستمع إلى همساتهم بوجه متجهم، ثم سألت ألفين:
“من الأفضل أن نذهب إلى المعبد، أليس كذلك؟”
“لا أريد أن أذكّرك، لكن أسفل ذلك المكان أيضاً توجد جثث.”
كانت كلوي تعلم ذلك، لكنها فكّرت أن النوم بجانب الجثث يختلف كثيراً عن النوم وعدة طوابق تفصلها عنها أرادت أن تقترح على ماثيو الذهاب إلى أحد المباني الذهاب إلى أقرب وحدة عسكرية ربما يكون خياراً جيداً ربما يكفي أن يطلبوا وضع بطانياتهم في الساحة الأمامية لا أحد سيرفض، أليس كذلك؟
بالطبع، قد يُفاجَأ الجنود في الوحدة بظهور هؤلاء المتشردين، لكن كلوي وأفراد القاعدة كانوا ممثلين متمرسين، مرّوا بالعروض الأولى والثانية والثالثة كانت تثق في قدرتها على الإقناع.
نظرت إلى الأرض التي تزحف فيها الديدان، وقالت لماثيو:
“ماثيو، لن تنام هنا، صحيح؟ دعنا نذهب إلى المعبد أو الوحدة ونعود مع الصباح.”
لكن ماثيو أشار بذقنه إلى المكان من حوله، بوجه يُظهر الحرج كان المرضى متشبثين بالأطباء، لا يدَعونهم يذهبون.
بعضهم كان يتوسل، وبعضهم يصرخ، وحتى من يصرخون ويشتمون فعلوا ذلك من شدّة التوسل كانوا خائفين من أن يُتخلى عنهم.
فالناس في المواقف الحرجة يعرفون جيداً من يملك طوق النجاة.
كان الأطباء، وعلى رأسهم آنا، يرغبون في علاج أكبر عدد ممكن من المرضى قبل أن يرحلوا.
شعرت كلوي بقشعريرة من هذا الحس المهني العالي، ومع ذلك، كان الوضع بالغ السوء، فهزّت رأسها بأسى:
“إن كنتم ستبقون، فلا بد من إشعال نار.”
“ولمَ تقلقين بشأن ذلك؟ لستِ من سيشعلها.”
“الرياح قوية جداً.”
بدأ ماثيو وعدد من أفراد الفرقة بنصب خيام مؤقتة كانوا يأملون أن يحصلوا على قسط من الراحة ولو لساعة.
وفي تلك الأثناء، كان الأطباء يصرخون بهستيريا: “أحدهم يساعدني في تقليب هذا المريض!”، “ضماد! أحتاج إلى ضماد!”، ويأمرون أعضاء الفرقة بما يشبه الاستعباد.
في أوقات العلاج، كان الطبيب هو الملك في هذه الجماعة.
كان أفراد القاعدة يلبّون كل طلباتهم بإذعان وخضوع، ويتكفّلون بالأعمال الشاقة.
ومن نظرة سريعة، بدا أن جنود بيتسمارك أيضاً كانوا يقومون بدورهم لكن، كما يُقال، اليد تميل إلى الداخل؛ فقد كانوا يهتمون أساساً بجنودهم.
يا لهم من أنانيين! يبدو أنهم لم يعتادوا بعد على روح القاعدة.
نظرت إليهم كلوي بنظرة لائمة.
بعد قليل، تم نصب خيام مؤقتة، وإن كانت رديئة الصنع و أوقد أحدهم ناراً صغيرة في الزاوية.
تجمّع أفراد القاعدة حول النار وجلسوا في دائرة.
عادوا لاجئين مجدداً خلال يوم واحد، لكن وجوههم لم تكن حزينة.
قال أحدهم إنه أصبح الآن واثقاً بأنه لن يتذمر من الطعام طوال حياته، وإنه يشعر بالذنب تجاه والدته، فضحك الحاضرون بخفة.
فقال له أحدهم بجواره: “أدركت هذا الآن؟ أيها الوقح.”، فضحك الجميع بصوت أعلى.
لكن، بينما كانوا يجهزون المكان ويتحدثون عن خطط الغد، فجأة، مزّق صراخ حادّ سكون الليل.
“…ما، ما هذا؟”
تصلّبت كلوي من الذعر، بينما أسرع ماثيو إلى رفع بندقيته من على كتفه وأخذ وضعية إطلاق النار.
كان ألفين يهم بإخراج خنجره من الجيب الداخلي، لكنه بدلاً من ذلك تناول البندقية الطويلة التي وضعتها كلوي على الأرض.
وتعالى صوت طقطقة الأسلحة وهم يوجهونها نحو الظلام.
ساد التوتر، لكن الوجوه بقيت باردة وهي تراقب بعيداً.
عندها، بدأ رجال ملطخون بالسخام على وجوههم يظهرون واحداً تلو الآخر من بين الظلام.
وكان عددهم يزداد تدريجياً.
من يكون هؤلاء؟
هل هم جنود تائهون؟ أم أن قوات بيتسمارك كانت مختبئة؟
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 37"