آلفين، وإن كان يتسم بالهدوء في حياته اليومية، إلا أنه لم يكن رجلاً لطيفًا في السرير كان يفرج عن رغباته المكبوتة وكأنه وحش أُطلق سراحه، يترك العنان لنفسه بلا حدود ومع ذلك، عندما يرى عيني كلوي وقد اغرورقتا بالدموع، كان بالكاد يتمكن من كبح جماحه ويبطئ من وتيرته.
لكن حتى في تلك اللحظات، كانت عضلاته تنتفض، ومن بين شفتيه كان يخرج صوت يشبه احتكاك الأوتار الصوتية، وكأنه يثبت أنه لا يزال يتمالك نفسه بصعوبة كان يندفع بشدة، لدرجة تجعل كلوي، التي كانت تستمتع معه، تشعر فجأة وكأنها وحدها من تتلقى هذا الفيضان من الشغف.
كانت كلوي، التي أصبحت الآن مرهقه تمامًا، ملقاة على السرير دون حراك في الحقيقة، كانت تشعر بالندم في تلك اللحظة لقد قضت يومًا شاقًا من العمل البدني، ولكنها حركت مشاعره بدافع لحظة عابرة، فدفعت الثمن غاليًا.
لو كانت حالتها طبيعية، لكانت التقطت قطعة قماش من حولها وارتدتها، قائلة إن اللباس رمز للمدنية لكن، لا مدنية ولا هم يحزنون فلا فرق بين إنسان متحضر وهمجي، ولا حتى الطموح لأن تصبح متحضرة يمكن أن يتحقق إن لم تكن على قيد الحياة أصلًا.
دفنت كلوي خدها الأيسر في الوسادة، ثم لمحت سروالها الداخلي مرميًا عند زاوية السرير.
“…….”
من صنع ذلك الشيء كان مبدعًا، لكن تنقصه العقلية العملية فقط جذبة واحدة عنيفة من آلفين، فانقطع الحزام تمامًا لا أحد يمكن أن يكون مثاليًا في كل شيء.
أم أنها كانت من الأساس مصممة للاستخدام مرة واحدة؟ هل صنعت أصلًا ليتم تمزيقها؟
كان آلفين متكئًا على الحائط بزاوية مائلة، وقد تبع بعينيه اتجاه نظراتها وكأنه شعر بالأسف، أخذ قطعة القماش المهترئة ووضعها فوق جسدها لكن كلوي لم تكن تملك طاقة لتحركها أو تزيحها.
بدأ آلفين يلامس عظمة كتفها البارزة، ثم ضغط بخفة بإبهامه على تلك المنطقة حينها، انطلق من بين شفتيها الحمر صوت يشبه الصرخة أكثر منه أنينًا كانت مفاصلها متيبسة أصلًا، فشعرت وكأن لوح كتفها سيتفتت.
يا إلهي، حالتها خطيرة فعلًا تنهد آلفين بصوت خافت، وبدأ بعدها بتدليك جسدها بلطف تجولت يداه حول رقبتها، ثم انزلقت إلى ظهرها، لتهبط بعدها إلى خصرها، وهناك، بدأ يعبث بأردافها اليسرى كأنه يعجنها.
نظرت كلوي خلفها بطرف عينها، فإذا به يضغط بإبهامه على جلدها.
“هل تعلمين أن لديك شامة هنا؟”
“حقًا؟”
أجابت كلوي بلا مبالاة، ثم عادت لتدفن وجهها في الوسادة فذلك الموضع لم يكن مرئيًا لها، ووجود الشامة أو عدمها لا يشكل فارقًا.
لكن آلفين ضغط مجددًا على الشامة الصغيرة بالنسبة له، كانت تبدو مختلفة قليلًا عندما تهتز تلك المنطقة اللحمية في جسدها النحيل، كانت تلك الشامة تجذبه وكأنها ترجوه أن ينظر إليها.
ظلت كلوي ساكنة كالميتة، لا فرق بين ما يفعله آلفين أو لا يفعله لذلك، أمسك هذه المرة بالشامة بين إبهامه وسبابته برفق التفتت إليه وهي تعقد حاجبيها قليلًا.
“لماذا تقرصها؟”
“أأقبّلك بدلًا من ذلك؟”
“…هل جننت؟ من الذي يفكر في تقبيل هذا المكان؟”
أعادت كلوي وجهها إلى الوسادة، بينما قضم آلفين الشامة برقة، ثم تمدد إلى جانبها أدار جسدها إلى الجنب، ومرر ذراعه تحت رأسها، ثم سحب البطانية التي نسيتها لتغطي جسدها البارد.
كانت عيناها الزرقاوان شاردتين، ووجهها خالٍ من التعبير لكنه كان يعلم أن رأسها في تلك اللحظات يضج بمئات الأفكار والألحان وكأنه يرغب في أن يحبها أكثر، ظل يطبع القبلات على خدها وأذنها وهمس:
“كلوي.”
“هم؟”
“ناديني بـ ‘جلالتك’.”
“…لماذا فجأة؟”
هل يريدها أن تخاطبه بلغة رسمية الآن؟ نظرت إليه كلوي مستغربة.
كان آلفين يشعر أن سماعها تناديه هكذا سيمنحه شعورًا مثيرًا لا يمكن تحمله أحيانًا كان يتمنى أن تلاحقه بنفسها، أو أن ترتمي في حضنه أولًا لكنه لم يعطِ سببًا واضحًا، بل أصر قائلاً:
“فقط، جربي.”
“لا.”
“إذًا قولي ‘مولاي’.”
لم يكن آلفين يحب كثيرًا لقب “مولاي” لم يرغب في التباهي بأصله الملكي، ولم تكن له أي ذكريات طيبة مع العائلة المالكة.
لكن يومًا ما، حين غطت كلوي عينيها وقالت له “مولاي”، وجد نفسه يبتسم لا إراديًا يبدو أن وقع الكلمات يختلف حسب من يقولها، وحسب مكانة هذا الشخص في القلب.
مع ذلك، هزّت كلوي رأسها بوجه غير متحمس شعر آلفين ببعض الخيبة، لكنه لم يُلحّ، بل اكتفى بالتحديق في السقف ورفع كتفيه عندها فقط—
“جلالتـك…”
قالتها كلوي بصوت أنفي قليلاً لم تعتد عليه، فحدق فيها آلفين، ثم انفجر ضاحكًا بتنهيدة.
“أنتِ… كنتِ تعرفين تمامًا لماذا طلبت منكِ هذا، أليس كذلك…؟”
هي دائمًا تتظاهر بالجهل عن قصد ابتسمت كلوي بخفة وهي تحدق في الفراغ كان يشعر بالغبن، لكنها من بدت أكثر برودًا فطلب مجددًا:
“قوليها مرة واحدة بعد.”
لكن كلوي عادت إلى وجهها الجاد المعتاد وهزّت رأسها.
“لا ، كفى.”
هزّ آلفين كتفها النحيل بخفة، لكنها لم تجبه ولم يستسلم هو بسرعة هذه المرة، بل ظل مصرًا لفترة إلا أن كلوي جذبت الغطاء حتى ذقنها، وكأنها تستعد للنوم ثم باغتته مجددًا بنبرة خبيثة:
“جلالتـك، كفاك أوامر إن طلبت مرة ثالثة، سأغضب حقًا، هل تسمع؟”
“آه، أنتِ حقًا…”
عَضّ آلفين على أسنانه وضغطها إليه في عناق قوي وعلى سرير ضيق، ظل الاثنان يتقلبان معًا كان جسدها الأبيض مثل خشب القضبان يتمايل كيفما حرّكه كلوي كانت تضحك بضحكات تشبه الصراخ، من شدة التعب.
“سيسمعوننا.”
غطّى آلفين شفتيها بكفه الدافئ، ثم أعادها إلى وضعية الهدوء رتّب لها خصلات شعرها التي تشابكت، ثم أسند ذقنه وقال:
“كلوي أحيانًا أشعر أنني قد أفقد عقلي بسببك.”
أومأت كلوي برأسها، بوجه يبدو عليه الرضا التام.
“أسمع ذلك كثيرًا من الطبيعي أن يحصل ذلك.”
لكن هذه المزحة الجافة، التي لم تكن ممتعة، جعلت آلفين يصمت لوهلة رفع ذقنه ببطء، وعيناه الضيقتان عكستا الشك في صوته المنخفض:
“من قال لكِ ذلك أيضًا؟”
“…….”
ارتجف جسد كلوي، الذي كان مسترخيًا، فجأة شعرت فورًا أنها قالت شيئًا خاطئًا فابتسمت بلطف وبدأت تشرح.
“آلفين، عبارة (سأفقد عقلي بسببك) تُستخدم أحيانًا بمعنى جميل، لكن أحيانًا تُقال بمعنى سيء أيضًا.”
“…….”
“يعني مثل قول: (سأجن بسبب هذا الإنسان)، وكنت أعنيها بهذا المعنى.”
هذه المرة، لم يحاول آلفين تزيين الأمر بوصفها حبيبته بل أومأ برأسه وكأنه يعترف بذلك هو الآخر.
“في الحقيقة، فكرت مرة أنه لو كنتِ جندية، لكنتِ أثرتِ تمردًا ضدي.”
“مستحيل، أنا لا أفعل هذا أبدًا.”
كانت تقييمًا قاسيًا، لكن كلوي لم تكن تشعر بالظلم، بل ضحكت فحسب فهي كانت تعرف أن الجنود يلقبونها على سبيل المزاح بالجندية المثيرة للانتباه والحقيقة أنها لم تكن تهتم كثيرًا بما إذا نادوها بهذا اللقب أو ذاك، إذ إن لديها ما يكفي من الأمور التي تشغل بالها عن الانشغال بمثل هذه الأحاديث.
لكن آلفين لم يترك الأمر يمر مرور الكرام بل استجوبها مجددًا:
“أنتِ كنتِ تكذبين قبل قليل، أليس كذلك؟”
“في أي شيء؟”
“لا يمكن أن يكون الناس قد قالوا ذلك فقط بمعنى سيئ.”
“…أنت تلتقط الأمور بسرعة كبيرة لا بد من التخلص منك.”
كانت تمزح منذ البداية وحتى الآن، لكنه لعق شفته من الداخل وابتسم ابتسامة مائلة.
ما به؟ لماذا يبدو مخيفًا هكذا؟ ارتجفت كلوي مجددًا، فسألها بصوت أكثر انخفاضًا:
“من الذي قال ذلك إذًا؟”
“……”
“هل هو أحد الموجودين في القاعدة؟”
“آلفين، أقسم لك أنها كانت مزحة فقط أقسم بشرف إديلين.”
في تلك اللحظة، سقطت الثقة إلى الحضيض فذاك الشرف سبق لها أن أقسمت به حتى في ألعاب الأطفال على الرمل.
لم يبدُ آلفين مقتنعًا تمامًا، لكن بدا أن وقت المغادرة قد حان نظر من النافذة سريعًا، ثم بدأ يرتدي سرواله وأشار بذقنه إلى الملابس الداخلية الملقاة على الأرض وسأل:
“ماذا ستفعلين بهذه؟”
“سأرميها، ماذا عساني أفعل بها؟”
فكر للحظة، ثم عبس وهز رأسه.
“احرقيها.”
“لماذا؟”
هل كانت سيئة لدرجة أنها تستحق حرقًا؟ على الأرجح لا لكن آلفين لم يقصد الأمر بهذا الشكل.
“مجرد التفكير أن أحد المنحرفين قد يراها ويتخيل أشياء مقززة… يجعلني أشعر بالقرف.”
بدا أن مجرد تخيل الأمر كان كافيًا لإثارة اشمئزازه دفنت كلوي وجهها في الوسادة محاولة كتم ضحكتها كان يقلق بشأن أشياء لا تخطر على بال أحد.
صحيح أن ظروف العيش في القاعدة ليست مثالية، لكن ليس لدرجة أن ينبش أحدهم القمامة للعثور على ملابس داخلية مرمية ومع ذلك، تابعت حديثها بنبرة مازحة لأنها كانت تستمتع بالمزاح الذي بدأته.
“اتركها على الأقل ليحصلوا على بعض المتعة في هذا المكان القاحل.”
“…هل تقولين هذا بجدية؟”
سألها ذلك رغم أنه كان يظن أنها لا تعني ما تقول، لكن كلوي وجدت أن مجرد تصديقه لكلامها أمر يدعو للسخرية وقالت ضاحكة:
“أيعقل أن أكون جادة؟ لا تهتم بمثل هذه الأمور سأرميها في مكان لا يراه أحد.”
لكن آلفين ظل غير مرتاح، وبدلًا من أن يثق بها، مزق القماش بيديه إلى قطع صغيرة لم يبدو عليه أنه بذل جهدًا كبيرًا، ومع ذلك تمزق القماش بسهولة، مما يؤكد أنه صُنع ليكون لمرة واحدة في داخلها، شعرت كلوي بالأسف تجاه جوليا، وذهبت تجمع القطع بعناية في كومة صغيرة.
في الأثناء، أنهى آلفين ارتداء قميصه وذهب يراقب الخارج وما إن وضع قدمه على حافة النافذة، حتى رفعت كلوي الغطاء حتى أسفل عظمة الترقوة ولوّحت له بيدها:
“آلفين، إلى اللقاء.”
“أجل.”
“أراك غدًا.”
“…أجل.”
كان آلفين على وشك القفز من النافذة، لكنه توقف فجأة، وقد انطبعت في ذهنه صورة يدها الصغيرة تلوّح له، بأصابعها الطويلة والممشوقة اعتاد أن يرى تلك الأظافر القصيرة والمشذبة دائمًا بسبب ممارستها للعزف على الآلات الموسيقية وابتسامتها البيضاء التي تتفتت برقة كلما نظر إليها.
لم يعد قادرًا على التحمل استدار بوجه متجهم وكأن لا شيء في العالم يمكنه منعه، وسار بخطى واسعة نحوها، ثم احتضنها مجددًا وأغرقها بالقبلات كلوي بدورها أحاطت عنقه بذراعيها واستجابت له فورًا فالحقيقة أنهما لم يكونا يرغبان في الابتعاد عن بعضهما ولو للحظة.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 32"