نهضت كلوي بجسدها المبلل بالعرق بعد أن كانت تلتصق بآلفين حتى لحظات قليلة مضت، وبدأت ترتدي ملابسها كان آلفين يتأملها بوجه يغشاه النعاس قبل أن يقول بتردد:
“لمَ لا ترتدينها لاحقًا؟ جسدك بارد، وهذا يشعرني بالراحة.”
فردّت وهي ترتدي ثيابها:
“بل ارتدِ أنت أيضًا شيئًا اللباس رمز من رموز الإنسان المتحضّر، كما يقولون.”
كان جسده الممشوق دائماً ما يُربك النظر إليه، لكن جماله الصارخ، وكأنه تمثال منحوت، كان يجعلها تتجاوز الحرج وتحدّق فيه مرارًا كانت كلوي تفكر أحيانًا بأن الإنسان قد يشعر بالجمال حتى في وجه الهيبة والقوة.
ضحك آلفين بصوت خافت، ثم نهض من السرير جلست هي عند المكتب، تتابع بعينيها فخذيه القويتين
قطّب آلفين حاجبيه هل تفعل هذا عمدًا لتغاظه؟! بدت وكأنها أصبحت قطعة واحدة مع المكتب.
وحين شردت ببصرها نحو النافذة، قال آلفين وهو يحدق فيها:
“كلوي.”
“نعم؟”
“اقتربي قليلاً.”
“… لماذا؟”
“لنفعلها مجددًا.”
فضحكت كلوي وهي تهز كتفيها بدهشة:
“هل أنت جاد؟”
“أجل أنا مستعد ادخلي.”
رفع آلفين الغطاء قليلاً، فألقت عليه نظرة جانبية، ثم أعادت نظرها إلى الخارج وقالت:
“أنت من يجب أن يدخل، لا أنا.”
“ماذا؟ هذا ما أفعله الآن…”
“قلت لك، أنت من يجب أن يدخل، فكيف لي أن أدخل أنا؟”
“…”
ظل آلفين ممسكًا بالغطاء لحظة وهو يفكر، ثم أغلق فمه عاجزًا عن الرد هذا هو المعنى الحرفي، وهو في ذات الوقت كسرٌ للمعنى ذاته عض على شفتيه محاولًا ألا يضحك وهو يتمتم:
“ما الذي تحتويه هذه الرأس الصغيرة؟”
ثم فكر: لا يبدو أنها بريئة تمامًا لكنه لم يكن يملك أن يلومها، فهو رجل بالغ وقد فهم المعنى، وحين يُفهم، لا مجال للإنكار.
نهض من مكانه واحتضن كلوي التي كانت تضحك، ودخلا معًا تحت الغطاء مجددًا، وبدأت يده تتسلل تحت ملابسها.
“آلفين، أنا مرهقة.”
“أعلم، لكنك تقولين ذلك بطريقة مثيرة. هل تحاولين استفزازي عمدًا؟”
كان يتحسس بلطف جسدها الناعم، فدفعت يده وهي تضحك ضحكة خفيفة كمن أنهكه التعب تمامًا.
لكنه بدلاً من أن يبتعد، ضمّها إليه بقوة كان شعرها الأسود قد طال حتى غطى رقبتها، ومدّ يده خلف أذنها ليمرر الشعر برفق، وتحول ما كان لمسة حميمية إلى لمسة حانية ثم ناداها بصوت دافئ:
“كلوي.”
“نعم؟”
“أين كنتِ تسكنين في إيدلين؟”
“في العاصمة فيها قاعات عروض كثيرة، والثقافة الفنية فيها نشطة.”
هز آلفين رأسه ثم سأل بحذر:
“وهل والداك هناك أيضًا؟”
هزت كلوي رأسها نفيًا، ثم حرّكت شفتيها بصوت خافت: توفيا.
عادة، في مثل هذه الحالات، يتوقف الحوار عند تقديم العزاء هذا ما جرت عليه الأعراف.
لكن آلفين لم يبدو عليه أنه ينوي التوقف.
“هل لديك أي أقارب آخرين؟”
“…”
“ألا يوجد أحد؟”
تساءلت كلوي في سرها عن سبب هذا الفضول المفاجئ، لكنها هزت رأسها بعد أن تأكد آلفين من عدم وجود أي رابط عائلي، دخل في صمت لحظة، ثم استأنف الحديث القديم الذي كان قد أشار إليه من قبل:
“كلوي، أعملكِ الأصلي، هل من الصعب ممارسته في فيتسمارك؟ لقد قلتِ إنكِ كنتِ تزورينها أحيانًا.”
بدت كلوي حائرة من كلامه المتزايد غرابة نهضت من حضنه وجلست، فجلس هو أيضًا مستندًا إلى ركبته.
“ألا توجد قاعات عروض في فيتسمارك أيضًا؟”
“…”
“أنا لا أمانع في الذهاب إلى إيدلين، لكن التسريح من الجيش أمر معقد ولا أقصد أن نستقر في فيتسمارك، فقط أفكر بصوت عالٍ.”
أخيرًا فهمت كلوي ما يرمي إليه، وعرفت سبب سؤاله عن العائلة كان يتحدث عن المستقبل، عما بعد الحرب.
ضحكت بمرارة ربما يكون هذا من المواضيع التي يتحدث عنها العشاق عادة لكنه بدا لها حديثًا بعيدًا جدًا كيف يمكن الحديث عن المستقبل في ميدان لا يضمن أحد فيه حياته؟
“آلفين، لماذا تفكر بهذه الأمور من الآن؟ من يعلم متى تنتهي الحرب.”
“…”
“ثم إنك كنت دائمًا جنديًا، لا داعي لأن تغيّر حياتك لأجلي أنت قلت إنك تحب هذا العمل.”
راقبها آلفين مطولًا كلامها منطقي، لكنه بدا له باردًا بعض الشيء وكأنها لا تريد منه أن يتدخل في حياتها أيضًا شعر بالإحباط:
“أشعر أنكِ لن ترغبي برؤيتي بعد الحرب لذلك قلت ما قلت.”
ضحكت كلوي، فلم تكن تقصد ذلك، لكنها لم تستطع إنكار حالة الغموض التي تعيشها.
“آلفين، لا تفكر كثيرًا دعنا نقدر فقط أن لدينا شخصًا نشاركه الدفء في هذا الجحيم.”
لكن، لأن آلفين فتح الموضوع، لم يستطع أن يكتفي بهذه الإجابة الغامضة بدت له وكأنها تحاول التهرب.
أمال رأسه قليلًا ثم قال بنبرة جادة:
“هل تنوين حقًا تجاهلي بعد الحرب؟”
“…”
“هل ستفعلين؟”
“…”
“كأنكِ تلهين بي ثم تلقينني.”
اتسعت عينا كلوي بدهشة حقيقية كلامه كان في غير محله تمامًا لو سألت مئة شخص عن الأمر، لتفق معظمهم على أنها هي التي يجب أن تقلق الفارق الطبقي بينهما لم يكن بسيطًا.
حسب كلام آلفين، فهو أمير بعيد عن خط الخلافة لكن يكفي أنه أمير، وهي ليست سوى امرأة بسيطة من إيدلين علاقته بها لن تقوّي موقفه، بل قد تضعفه.
“أنت مَن يجب أن يقلق، لا أنا قد لا أُعجبك بعد خروجك من هنا.”
“…”
“العالم مليء بالفتيات الجميلات ذات الأصل الرفيع.”
“… هذا الكلام يزعجني حقًا.”
شعر آلفين بالإهانة هل ما زالت تراه ذاك الرجل المستهتر؟ وجهه تكفهر كيف يمكنها أن تكون باردة هكذا بعد أن تشاركا كل شيء؟ كيف تشير إلى أنه لا مستقبل لهما؟ أي معنى لهذا الحب إن كان بلا غد؟
“لا تتهربي قوليها صراحة.”
كانت محرجة، فأدارت وجهها، لكن آلفين أمسك وجهها وجعلها تنظر إليه مباشرة.
وفي النهاية، لم تجد كلوي مهربًا سوى أن تحتضنه وتكرر بأنها لم تقصد ذلك أبدًا.
ظل آلفين صامتًا، لكنه ضمها من خصرها.
ثم فجأة، توقف الاثنان في آنٍ واحد كان ثمة صوت بعيد، طلقات نارية وانفجارات.
كان آلفين أول من تحرك نهض وارتدى قميصه واقترب من النافذة.
بدأت القاعدة تعج بالحركة لم يكن من الغريب سماع صوت الانفجارات في الليل، لكن هذه المرة بدا الصوت أقرب والقادم أقرب بعد.
همست كلوي خلفه، بتوتر:
“آلفين، يبدو أنهم يقتربون.”
ثم، رأى الجميع شيئًا في السماء ومضة هائلة وفي تلك اللحظة، اختفى التعبير عن وجه آلفين.
قفز على الطاولة، ثم إلى السور وقبل أن يقفز، قال:
“كلوي، لا تخرجي إن ساءت الأمور، سأعود لأخذك.”
لكن كلوي أمسكت بذراعه لم يكن معه أي سلاح.
ارتبكت، ثم قلبت السرير، فسقطت مجموعة من الخناجر المخفية.
لم يتوقع آلفين وجودها، فابتسم بخفة، ثم ناولته إحداها:
“خذ هذه قد لا تنفع، لكن…”
“شكرًا.”
مسح على خدها، ثم قفز خارج النافذة.
وقفت كلوي في الغرفة تتأمل بعصبية.
(هل من الممكن أنهم اخترقوا الجبهة؟)
لا يمكن الجبهة لا تزال متوقفة، وهناك العديد من القوات بين ويلينغتون والجبهة.
لكن، بينما كانت تنظر، لاحَ لها وهج… ثم تفجّر ضوء أعظم على الأرض الشاسعة.
لم تعد تشك.
ساحر نيران على الأبواب.
قد تضطر لترك القاعدة هرعت نحو الممر ووجهها متجهم.
• نهـاية الفصل •
حسـابي انستـا [ i.n.w.4@ ].
التعليقات لهذا الفصل " 18"