ورغم أن معظم الخدم شعروا بالشفقة تجاه فلورا، إلا أن هناك من شعر بعكس ذلك بطبيعة الحال. ومن بين هؤلاء، كانت فلورا خادمة مزعجة للغاية بالنسبة لسيلين.
“خادمة أحضرها السيد بنفسه؟”
كانت منزعجة بشدة من هذه الخادمة الجديدة التي تحتل أدنى مرتبة.
تمامًا كما كان هارييت يشعر بفخر لكونه مساعد دوقية هاينست، كانت سيلين أيضًا تشعر بالفخر لمكانتها كخادمة في هذا القصر.
وظهور فلورا، التي دخلت المكان بلا حتى رسالة توصية وتبدو كمتشردة، كان يثير أعصابها كلما رأتها.
“بدلًا من التسبب بالمشاكل للناس الأبرياء لأنكِ لا تستطيعين أداء العمل، ألا يجب أن تذهبي بسرعة وتحاولي فعل شيء ما؟”
رغم أن كلامها بدا كسؤال للوهلة الأولى، إلا أن الجميع فهم بسهولة ما فيه من استياء.
لكن بالنسبة لفلورا، التي قاتلت في ساحة معركة بين الحياة والموت، كانت الصراعات بين النساء مجرد تفاهات لا تستحق الانتباه.
“سأفعل ذلك.”
وبوجه خالٍ من التعبير كالعادة، أومأت فلورا برأسها قليلًا وغادرت.
ربما بسبب التلاسن الحاد الذي حدث للتو، أصبح الجو ثقيلًا، وغادرت بعض الخادمات واحدة تلو الأخرى، من بينهن ماري. وجلست سيلين على كرسيها بتعجرف، راضيةً لأنها أبعدت فلورا.
منذ البداية، كانت سيلين، المدعومة من كبيرة الخدم، تميل إلى المواجهة حتى بين الخادمات. وبدا عليها السرور حين رأت الجميع يراقبون تحركاتها، فبدأت بالكلام ببطء.
“سمعت شيئًا… عن فلورا. يقولون إنها امرأة جاءت من فيلهايم الغربية.”
ورغم أن هذه كانت معلومة يعرفها الجميع، إلا أن نبرتها كانت غريبة. وكأنها كانت بإشارة متفق عليها، التقطت صديقاتها المقرّبات من الخادمات كلماتها.
“فيلهايم؟ إنها منطقة الحدود، أليس كذلك؟ سمعت أن الوضع هناك مدمر لدرجة أن حتى النبلاء الذين عاشوا هناك لم يتمكنوا من العودة. من أين أحضروها بحق السماء؟”
وبما أنها منطقة حدودية، فقد غادر نبلاء تلك المنطقة منذ زمن، حتى قبل بدء الحرب.
وحين انتبهت أن الخادمات اللواتي كنّ يأكلن بهدوء قد صغين السمع، فتحت سيلين فمها بسخرية:
“من أين؟ إن كانت خادمة أحضروها من هناك، فالأمر واضح.”
وأجابت سيلين على الأسئلة التي همسن بها صديقاتها بصوت خافت، ثم التفتت برأسها بسخرية:
“من القاعدة العسكرية في فيلهايم. لا يوجد غيرها مكان عملت فيه كخادمة، أليس كذلك؟”
لم تكن ساحة المعركة تضم الفرسان والجنود فقط. بل حتى هناك، كانت التراتبية الطبقية قائمة.
ومع استمرار الحرب، ظهرت خادمات كنّ يعتنين بالفرسان من النبلاء.
لكن أعدادهن كانت قليلة، وكثير منهن فقدن حياتهن في الفوضى، لذلك كان من النادر للغاية رؤية خادمات عائدات من الوحدات العسكرية في العاصمة.
“حسنًا، كل النبلاء هناك انتقلوا للعاصمة، فلم يتبقَ سوى القاعدة العسكرية. لكن هناك…”
وكأنها كانت تنتظر هذه اللحظة، أكملت سيلين الجملة بدلًا من الخادمة التي لم تستطع إتمامها.
“ألا يعرف الجميع ما نوع الخادمات اللواتي يعملن في القواعد العسكرية؟ في الليل، على الأرجح كنّ يخدمن الفرسان والجنود… في الفراش، أليس كذلك؟”
وعند سماع هذه الكلمات، تجمّدت باقي الخادمات اللواتي كنّ يستمعن بصمت.
ورغم أن هذا كان بلا أي أساس، إلا أن الشائعات التي تدور حول خادمات يعملن وسط الرجال في ساحة المعركة، لم تكن يومًا جيدة.
فشائعات، لا أحد يعرف من أين بدأت، كانت تنتشر علنًا منذ زمن طويل. أضف إلى ذلك أن الحرب استمرت 8 سنوات.
حتى أولئك الفرسان النبلاء كانوا رجالًا يملكون رغبات، فكيف بالجنود العاديين؟ لم يكن هناك من قد يعيش مثل قديس متبتّل لثماني سنوات. ويمكن معرفة السبب بمجرد النظر إلى كثرة بيوت الدعارة التي كانت تظهر قرب القواعد العسكرية.
وفي مثل هذا الواقع، من غير المنطقي أن يترك أولئك الرجال خادمة تتمايل أمامهم وشأنها. سواء برضاها أو رغماً عنها، كانوا سيأخذونها إلى الفراش بطريقة ما.
ولأن سيلين لم تتخيل قط أن فلورا كانت جندية قاتلت على أرض المعركة، فقد ظنّت أن الخادمة الجديدة لفتت انتباه الدوق بمظهرها الجميل فقط.
“هاه… مقرف. لابد أنها كانت تنام كل ليلة مع هذا الرجل وذاك.”
“كيف كانت لتكتفي بواحد أو اثنين فقط؟ وفيلهايم هي موطن أولئك الرجال، كما تعلمن.”
وارتسمت على وجه إحدى الخادمات، التي بدا وكأنها أدركت شيئًا متأخرًا، ملامح صدمة. وبالمثل، عبست باقي الخادمات وهنّ يتذكرن أمرًا ما.
“أولئك الرجال… موجودون في فيلهايم. تعلمن، الفرقة الثانية عشرة المرعبة.”
وبمجرد أن خرجت كلمات “الفرقة الثانية عشرة” من فم سيلين، خيّم الصمت.
رغم أنهم ذبحوا الأعداء من أجل الإمبراطورية، لم تنل الفرقة الثانية عشرة احترام المواطنين. فقد كانت سمعتهم أقرب لسمعة المرتزقة الخشنين.
وكانت الخادمات، اللواتي لم يقتربن يومًا من ساحات المعارك، قد سمعن الكثير من القصص. ومن بين جميع الشائعات، كانت تلك المتعلقة بالفرقة الثانية عشرة الأكثر جذبًا للانتباه.
“لا يمكن أن تكون… قد كانت معهم؟ مع أولئك الرجال الوحشيين؟”
“هل رأيتِ بائعات الهوى ينتقين الزبائن؟ لا بد أنها كانت تتصرف بميوعة مثيرة للاشمئزاز.”
رفعت سيلين ذقنها، وكأنها تطلب الموافقة، قائلة إن كل هذه الشائعات لا يمكن أن تكون بلا أساس. وبدأت نظرات الاشمئزاز تتراكم شيئًا فشيئًا في عيون الخادمات وهنّ يفكرن في فلورا.
وبينما كانت تمعن النظر في الخادمات اللواتي بدأن بالاضطراب والانجراف، أضافت سيلين بوجه مملوء بالشفقة:
“لا أصدق السيد. من بين كل الأماكن، لماذا أحضر مثل هذه المرأة… لا شك أن فلورا خدعته تمامًا.”
فرغم مظهره البارد، كان سيدهم أكثر تساهلًا من غيره من النبلاء. لم يكن يجلد الخدم عبثًا، ولم يُرهبهم، بل عاملهم كبشر.
لقد كان مختلفًا تمامًا عن الدوق السابق، الذي لم يعامل حتى موظفيه كبشر، لذا كانت شخصية الدوق الحالي محلّ ثناء دائم.
وبدأ الخدم يعتقدون أن السيد قد انخدع للحظة بجمال تلك المرأة الهشّ. وقد بدأت هذه الفكرة تُنقش في أذهان الخادمات المتبقيات.
✦✦✦
وعندما وصلت إلى الحديقة الخلفية، وجدت حقًا كمية ضخمة من الغسيل تفوق الحد الطبيعي بمرات.
“يا إلهي، ما كل هذا؟”
صرخت ماري بدهشة عند رؤيتها الفُرش والبطانيات المتراكمة في وسط الساحة الخلفية.
وخدّاها، اللذان تظهر عليهما النمش كلما ابتسمت، كانا يتقلّبان غيظًا. حتى فلورا شعرت بالدهشة قليلًا من هذه الكمية الزائدة عن الحد.
كان كل العمل المتراكم قد أُلقي على عاتق فلورا، بعدما استهدفتها سيلين التي كانت تمدحها إن أحسنت، وتسلّمها أعمالًا زائدة إن لم ترقَ لها. حتى أخرجوا كل أغطية الشتاء رغم أن الربيع لا يزال بعيدًا، وطرحوها عليها.
“تلك السيلين… قاسية فعلًا!”
صفعت ماري تنورتها غاضبة من الحيلة الواضحة التي يمكن لأي أحد أن يراها. ومع ذلك، بدا أنها استسلمت للأمر، فرفعت أكمامها بعزم.
“لا يمكن أبدًا أن يتم هذا بمفردك. دعينا نقم به معًا.”
“إنه عملي، فلا بأس.”
وعند سماعها قول فلورا إنها ستقوم به وحدها لأنه أُسند إليها، رفعت ماري رأسها نحوها فجأة.
بدت الخادمة الجافة، التي اعتادت الرد بإجابات قصيرة، وكأنها لا تفهم لماذا قد يساعدها أحد.
“لا، ليس بخير. إن قمتِ به وحدك، فلن تنتهي حتى لو بقيتِ تعملين طوال الليل.”
“إنه عملي… سأتمكن من إنجازه بطريقة ما…”
ورغم أن كلامها صحيح، حيث أن إنجاز المهمة قبل المساء سيكون صعبًا حتى بوجود شخصين، إلا أنها لم تكن تريد أن تستعين بأحد.
“فلورا!”
“نعم.”
ماري، التي كانت تحدّق في وجه فلورا، تلك التي كانت لا تزال تستخدم لغة رسمية رغم أن عمرهما متقارب، تنهدت بعمق.
رغم أنها كانت تعرف أن فلورا عانت في المكان الذي كانت فيه سابقًا، إلا أنها لم تفهم سبب رفضها الشديد لتلقّي المساعدة.
ومع أن مساعدتها سيضعها في موقف سلبي مع سيلين، لم تستطع ماري تجاهل الأمر. فقد كانت تعليمات سيلين غير عادلة بوضوح.
“لو أن هذا العمل كان قد أُسند إلي، ماذا كنتِ ستفعلين؟”
“…”
“أكنتِ لن تساعديني حتى لو ألقت سيلين كل العمل علي؟”
ظلت فلورا صامتة وكأن شفتيها التصقتا. وماري، التي كانت غاضبة بعض الشيء، هدأت ملامحها قليلًا وربّتت على كتف فلورا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"