انفتحت جفونها فجأة قبل أن تشرق الشمس حتى. جلست بسرعة وضمّت جسدها، لكن المكان كان هادئًا للغاية.
وبينما كانت فلورا تتحسس بجانبها باحثة عن سيفها، تنهدت سريعًا حين أدركت أن لا شيء هناك. لم يستغرق الأمر وقتًا طويلًا لتتذكّر أنها لم تعد في فيلهايم.
ورغم أنها جاءت إلى هنا منذ حوالي شهر، فإن فلورا لم تستطع النوم بشكل سليم حتى الآن. لم تسمح لنفسها بالاسترخاء ولو للحظة، وظل ذلك مستمرًا حتى لحظة نومها.
‘لن تحتاجي لهذا السيف بعد الآن، لذا سأحتفظ به من أجلك.’
عندما رأته في المعسكر لأول مرة، شعرت فلورا بانطباع بارد وموحش ينبعث من الدوق.
لكنها الآن كانت مشوشة قليلًا. فقد أخذ سيفها بابتسامة تبدو لطيفة إلى حدٍّ ما.
خصوصًا تلك النظرة في عينيه، وكأنه يراقب شيئًا مثيرًا للاهتمام، وصوته الذي كان يفحصها بتأنٍ. حتى بالنسبة لها، المعتادة على سخرية إيان، كان التعامل مع هذا الرجل أمرًا يصعب تحديده.
كان زي الخادمة الذي أحضرته لها ماري لتعمل كخادمة في قصر دوق هاينست، حسب أوامر الدوق.
كان العمل كخادمة صعبًا للغاية بالنسبة لها لتعتاد عليه. لم تكن تعرف ما الذي يدور في رأس الدوق حين عيّنها في هذا العمل، لكنها لم يكن أمامها خيار سوى أن تطيع.
وارتدت فلورا زي الخادمة بتردد. ورغم أنه كان زي خادمة يتميز بسهولة الحركة، إلا أن التصميم ما زال يغطيها حتى الكاحلين، وكان ملمسه على بشرتها مزعجًا لها.
وبعد أن ربطت شعرها، الذي اعتادت تركه منسدلاً كل يوم، على شكل عقدة مشدودة، اكتمل مظهر “الخادمة المثالية”.
ظهرت في مرآة الحائط امرأة غريبة عنها. لم يتبقَ أي أثر لتلك التي حملت السيف وأسقطت الأعداء.
وفكّرت أنها كان يجب أن تطلب بنطالًا مثل الذي يرتديه الخدم، بينما كانت تتوجه إلى قاعة الطعام المخصصة للموظفين في المبنى الرئيسي.
“آه! فلورا، هنا.”
رفعت ماري، التي رحّبت بها أولًا، يدها وسحبت الكرسي المجاور لها، مشيرة لها أن تجلس. كان حوالي عشرين خادمة قد جلسن بالفعل حول الطاولة.
وربما لأنه مرّت بضعة أسابيع على بداية عمل فلورا كخادمة، لم يعد وجودها يثير استغراب أحد.
لم يهتم الخدم الآخرون كثيرًا بهوية فلورا، ربما لأنهم ظنّوا أن السيد أحضر خادمة كانت تؤدي أعمالًا بسيطة على الحدود الغربية.
في البداية كانت هناك بعض الأسئلة، لكن الخادمة الجديدة كانت قليلة الكلام، وسرعان ما خمد الفضول تجاهها.
“أوه، هكذا يجب أن تربطيه.”
“آه…”
اليوم أيضًا، لاحظت ماري شيئًا، ومدّت يدها نحو مئزر فلورا.
تشنّجت فلورا وحاولت التراجع في اللحظة الأخيرة، لكن لمستها على خصرها كانت طبيعية جدًا لدرجة أنها لم تلحق برد الفعل.
فكّت ماري الشريط المربوط بتراخٍ وربطته بإحكام مجددًا، ثم ابتسمت بإشراق.
“هكذا تمامًا. كلما رأيتك، زاد اقتناعي أنكِ لستِ جيدة في هذه الأمور، فلورا.”
كانت ماري تنظر إلى فلورا كما لو أنها أختها الصغرى التي تفتقر إلى المهارة، رغم أنها علمتها ذلك مرارًا، وابتسمت.
وكانت ماري ودودة جدًا، فبعد أن قدّمت نفسها قبل أسبوعين، بدأت تنادي فلورا باسمها وتعتني بها كثيرًا. أما فلورا، التي لم تكن تملك أي مهارات اجتماعية، فكانت تشعر بالحرج كل مرة ترفض فيها، ومع ذلك كانت الأمور تتكرر كما هي دائمًا.
“شكرًا، لكنني سأربطه بنفسي من الآن فصاعدًا.”
“حسنًا.”
رغم أن نبرتها كانت باردة لدرجة تبدو لاذعة، إلا أن ماري ابتسمت بسعة دون أن تُظهر أي انزعاج. فلم يكن هناك أحد في هذا المكان لا يعلم أن الخادمة الجديدة ذات طبع جاف.
وفي هذه الأثناء، وُضعت الشوربة الدافئة والخبز الطازج على الطاولة.
“هيا، كلي جيدًا. لدينا الكثير من العمل اليوم.”
قال الطاهي مايكل وهو يقدّم الطعام بفخر. ثم، وهو يرى فلورا جالسة بهدوء، أضاف:
“ظننت أنك ستجلسين مكتئبة بعد طردك من المطبخ، لكنك تبدين بخير.”
“لا ألومك، يا شيف.”
“ما هذا الهراء! بعد كل الفوضى التي تسببتِ بها، من المفترض أن أكون أنا من يلومك، أليس كذلك؟”
رد مايكل بوجه متفاجئ، لكن الخادمة الجديدة، التي لم تتغير ملامحها حتى اليوم، حافظت على هدوئها كعادتها.
منذ أسبوعين، تغير عملها فجأة من تقطيع الحطب، الذي كانت تجيده، إلى العمل في المطبخ.
كان هارييت، الذي لم يكن يطيق حتى رؤيتها تتجول في القصر، قد أرسلها إلى المطبخ قائلًا: “اغسلي الأواني على راحتك.”
لكن ما لم يتم حسابه، هو أن فلورا لم ترَ في حياتها كوب شاي فاخر عن قرب، ناهيك عن الطبخ. وبيدين خشنين لا تعرف الرقة، كانت تُحدث الكوارث يومًا بعد يوم.
ولو كانت فقط تُسقط الأواني عن طريق الخطأ لكان الأمر مقبولًا. فالتعامل مع أدوات المطبخ الفاخرة يتطلب عناية خاصة، لكنها كانت تفتقر تمامًا لذلك، بل وكانت تُحطّم الكؤوس فقط بقوة يدها.
ولمّا لم يعد الشيف يحتمل هذا، أعطاها مسؤولية تجهيز المكونات.
لكن ظهرت مشكلة جديدة هناك أيضًا. لسبب ما، لم تكن هذه المرأة تعرف حتى أسماء المكونات الأساسية، وكانت تقضي يومها بوجهٍ خالٍ من التعبير.
وعلى الأقل، كانت جيدة في استخدام السكين، لذا طلب منها تقطيع الخضار لحساء العشاء الرسمي، لكنها فرمتها فرمًا ناعمًا كأنها تعدّ بهارات.
ومع تعبه من شرح كل شيء لها خطوة بخطوة، رفع الشيف يديه استسلامًا وطردها من المطبخ بالأمس.
“هذا قاسٍ. فلورا لم تمضِ وقتًا طويلاً هنا. إنها فقط مرتبكة لأنها جديدة.”
تدخلت ماري بوجه عابس ردًا على توبيخ مايكل.
“لقد أوقفت رئيس الخدم بصعوبة عن اقتطاعها من راتبها… وتقول إنني قاسٍ؟”
“ماذا؟ أراد أن تحاسب فقط لأنها كسرت بعض أكواب الشاي؟”
هزّ الجميع رؤوسهم، قائلين إنه شيء سخيف، لكنهم اعترفوا بأنه شيء قد يفعله ذلك الخازن البخيل.
كان هناك شخص عنيد آخر في هذا القصر، لا يقل صرامة عن السيدة ميلادي — إنه رئيس الخدم ديفيريك، الذي لم يتردد يومًا في خصم الأجور عند تلف أي ممتلكات.
“لقد تجاوزت الثلاثين قطعة. وكلها كانت غالية الثمن.”
“هاه؟”
اتسعت عينا ماري بدهشة، وغطت فمها قليلًا بيد واحدة، ثم تنحنحت محاوِلة استعادة هدوئها.
“مع ذلك، ما زال الأمر قاسيًا. من رئيس الخدم، ومنك أنت أيضًا يا شيف.”
“…أعتذر عن ذلك.”
تسلل صوت منخفض بين ماري التي كانت تعترض، ومايكل الغاضب.
فلورا، التي كانت قد انحنت برأسها، دخلت في مجال نظر مايكل الغاضب. بطريقة ما، بدا وجهها المعتذر باردًا.
لكنه هو الآخر أدرك خلال الأسبوعين الماضيين أن هذه الخادمة الجديدة ذات طبع حاد جدًا.
ورغم أنها لم تكن ماهرة في العمل، فإن شخصيتها لم تكن سيئة تمامًا. وبشيء من الحرج، دفع الشوربة نحوها.
“حسنًا… لا بأس إن لم تنجحي في عمل المطبخ، فلا تحبطي نفسك.”
“فلورا، لا تقلقي بشأن ذلك. رئيس الخدم فقط يحب الالتزام بالقواعد، كما تعلمين.”
أومأت ماري وهي تغمز وتربت على كتف فلورا، لتنتهي المحادثة. وانتقل الحديث إلى مواضيع أخرى، وسرعان ما عاد الضجيج المعتاد.
خفضت فلورا نظرها، وهي تمسك بالسكين والشوكة الفضيتين اللامعتين. كان تناول الطعام مع الآخرين دائمًا غير مريح لها.
فكل الأحاديث التي تُقال على مائدة خدم القصر، كانت أشياء تجهلها تمامًا. معظمها كان عن فساتين الموضة، أو أخبار أحدهم، أو إشاعات.
ولأنها لم تكن مهتمة بشيء من هذا، كانت تأكل طعامها بصمت. لم تكن تفهم كيف يمكنهم التفكير في المظاهر في عالم قد يموت فيه المرء في أي لحظة.
وفجأة، توقف الضحك والثرثرة بينما كانت على وشك الانتهاء من طعامها.
رفعت رأسها بدهشة على وقع الصمت المفاجئ، لترى أن الجميع يحدّق بها بشفقة، وقد توقفوا عن الحديث في منتصفه. دفعت إحدى الخادمات المتمرسات سلة الخبز التي في منتصف الطاولة نحو فلورا بلطف.
“هل ترغبين في المزيد؟ لدينا طعام كثير، فخذي وقتك.”
“لا، شكرًا. أنا بخير.”
“لكن جسدك نحيف جدًا، كيف ستعملين بهذا الشكل؟ خذي قطعة لحم أيضًا.”
“أنا بخير حقًا. لقد أكلت ما يكفيني.”
وضعت فلورا الملعقة على الطاولة بصوت خافت، وأجابت وهي ترفع ذقنها قليلًا.
لم تفهم لماذا أصبح الجميع فجأة حريصًا على إطعامها، لكنها كانت قد أكلت كمية مناسبة. ما لم تدركه هو أن الجميع بدأوا يقلقون عندما رأوا كيف التهمت طعامها مباشرة عند جلوسها.
“إذًا، ما العمل المطلوب مني؟”
وقفت فلورا من كرسيها وخطت خطوة للوراء بوضعية مستقيمة. نظرت الخادمات إليها بحسد لمظهرها المنتصب وقوامها المتناسق.
“أعتقد أن كبيرة الخدم ستـ—”
“العمل المطلوب منكِ اليوم مُعدّ في ساحة الملحق الخلفية، ستعرفين ما هو عندما تصلين هناك.”
جاء الرد على سؤالها المفاجئ من إحدى النساء الثلاث اللواتي دخلن للتو.
وكانت فلورا قد تعرّفت على تسلسل الخدم في القصر منذ أن وصلت. ومع حدّة ملاحظتها، لم يكن من الصعب عليها حفظ الوجوه والأسماء.
التي ردت عليها كانت سيلين، تلك التي تمشي دائمًا ورأسها مرفوع بفخر.
“لست متأكدة ما إذا كنتِ ستتمكنين من أدائه بشكل لائق، بالنظر إلى مدى رداءة عملك حتى الآن…”
“أتُراها ستحوّل أغطية السرير إلى خرق هذه المرة؟”
تدخلت الخادمات اللواتي يتبعن سيلين عادة، وضحكن من خلفها بينما أضافت تعليقها.
“لكن… فلورا ما زالت جديدة على هذا المكان.”
“ماري، يبدو أنكِ أصبحتِ صديقة مقربة جدًا من أقل خادمة مرتبة؟ على ما يبدو لم تعودي تعرفين متى تتدخلين ومتى لا.”
تحدّق عينا سيلين بحدة وكأنها تظن أن ماري تُدافع عن فلورا.
وساد جوٌ مشحون مكان الإفطار الهادئ.
كانت سيلين تتودد دائمًا لكبيرة الخدم، لكنها في غيابها تتصرف كمثل الثعلبة التي تتصنع القوة، فتتحكم بالخادمات الأخريات وتضطهدهن، مما جعل الجميع حذرين منها.
وحين لاحظت فلورا أن ماري بدأت تشعر بالضيق، رفعت رأسها وحدّقت في عيني سيلين.
“هل هذا العمل حقًا بأمر من كبيرة الخدم؟”
“تتحدثين وكأنكِ تشككين بكلامي؟”
“ليس هذا ما أعنيه.”
“لقد عدنا للتو من لقائنا بها. قالت إنه حتى لو لم تتمكني من إنجاز عمل المطبخ، فعلى الأقل يجب أن تكوني قادرة على أداء الغسيل. ها!”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 7"