أدرك كلود من سؤالها القصير حقيقة لم يفهمها من قبل.
لقد ظنّت فلورا أن كل ما فعله من أجلها، حتى جلبها إلى هذا المكان، كان بدافع الحنان أو ربما بدافع المودة.
لقد أولت اهتمامًا كبيرًا لما اعتبره هو مجرد بادرة بسيطة لا أكثر.
وحين فكّر في الأمر بهدوء، فهم أخيرًا لماذا لم ترفضه تلك الليلة.
إنها ببساطة لم تعرف يومًا ما يعنيه الدفء الحقيقي، ولهذا أساءت الفهم.
تملّكه إحساس غريب جعله يصمت طويلًا.
(فما المشكلة إذًا؟)
لقد بلغ حدّه من محاولات النوم القسري، وكل ما أراده في تلك اللحظة هو أن يتخلّص من ذلك الشعور المظلم الذي خلّفته ذكريات الماضي.
وخطر بباله تفكير ما كان ينبغي أن يجرؤ عليه، لكنه في النهاية استسلم له.
مدّ يده دون وعي، وأطراف أصابعه لامست برفق جانب شفتيها.
ثم تمتم بصوت منخفض قرب أذنها بنبرة هادئة لكنها حادة المعنى.
“كل ما في هذا المكان ملكي… وإن رغبت، يمكنني أن أحتفظ بك هنا إلى جانبي.”
تأمّلت فلورا كلماته، محاولة فهمها.
فهي بدت وكأنها إجابة غريبة عن سؤالها السابق، ومع ذلك لم تعرف كيف ترد.
“وهل… ستفعل ذلك؟”
“إن أنا أردتُ.”
خفض رأسه لينظر إليها مطولًا.
ولوهلة شعر بانقباض داخلي غريب، إذ أدرك أنه الوحيد الذي يرى ذلك الارتباك الصغير على وجهها الهادئ عادة.
“أنا من وعدكِ بحياة جديدة.”
قالها وهو يراقب تاج رأسها المتردد.
كان سهلًا عليه أن يصطنع مشاعر مقنعة، فالحنان بالنسبة له مجرد وسيلة لطمأنينة مؤقتة.
مدّ ذراعه بهدوء، وأمسك بمعصمها، ثم قرّب شفتيه منه بوقار يشبه تعامل النبلاء، ليلمسها بلمسة خفيفة كنسمة ليلية.
ارتجف جلدها لوهلة، وتورّد موضع لمسته برقة.
أخذ كلود يتأملها بهدوء.
كانت فلورا تبدو كمن لا يدرك حقًا ما يشعر به.
“قولي لي، ما هذا الشعور الذي يراودك الآن؟”
لكنها لم تجد إجابة.
فلم تعرف يومًا كيف تعبّر عن إحساسها في لحظات كهذه، ولا أي كلمة يمكن أن تصف اضطراب قلبها.
اقترب منها أكثر، وصوته أصبح أهدأ، كأنما يختبر حدودها.
“إن عبّرت لك عن مشاعري… فكيف ستشعرين؟”
ارتجف صوتها قليلًا وهي تهمس:
“سيدي… إنني هنا فقط… لأحميك.”
ابتسم بخفوت، وقال ببرود نبيل:
“وأنا من يقرر كيف يكون ذلك.”
سادت لحظة صمت ثقيلة بينهما، امتزج فيها التوتر بالعجز عن الفهم.
كانت عيناه ثابتتين، عميقتين كأنهما تحملان وعدًا خفيًا.
أخفض رأسه قليلًا، وصوته هذه المرة بدا أكثر دفئًا.
“أن تحميني، يعني أيضًا أن تكوني إلى جانبي… حتى في الليالي التي لا أستطيع فيها مواجهة نفسي.”
اقتربت يد كلود من جانبها كما لو أنها تبحث عن موضعها الطبيعي، ثم قبض عليها بقوة.
شهقت فلورا بخفة دون وعي، ومال جسدها نحوه.
كانت حركته متوترة، وكأن في داخله شيئًا يشتعل شيئًا فشيئًا. لم يكن كما في البداية، هادئًا ومتزنًا، بل بدا كمن يحاول التخلّص من عطش عميق لا يُروى بسهولة.
ارتجف جسدها للحظة، والتبست مشاعرها بين الخوف والارتباك.
ابتسم كلود بخفوت وهو يراقب ارتباكها.
“من ردّة فعلك، يبدو أن الأمر لا يزعجك كثيرًا.”
لم تعرف فلورا كيف ترد. كان صوته ثابتًا، لكن في نبرته دفء خفي أربكها أكثر مما طمأنها.
اقترب منها أكثر، حتى كادت أن تسمع أنفاسه القريبة، وقال بصوت منخفض:
“إن كنتِ لا تريدين هذا، فيمكنكِ قول ذلك الآن.”
لكنها لم تنطق. بقيت ساكنة، مترددة بين ما يجب أن تقوله وما تشعر به فعلًا.
أخفض رأسه قليلًا حتى لامست جبهته شعرها، وصوته صار أهدأ:
“لقد وعدتكِ بحياة جديدة، فلورا.”
كانت عيناه تشعّان بحرارة غريبة، مزيج من التصميم والحنين.
قالت بصوت خافت:
“أنا هنا لأحميك… هذا كل ما أريده.”
ابتسم وقال ببرود:
“وأنا من يقرر ما يعنيه ذلك.”
ساد صمت طويل، لم يسمع فيه سوى أنفاسهما المتقاربة.
ثم أضاف بصوت هادئ:
“أن تكوني قربي، لا يعني فقط أن تحميني من الآخرين… بل يعني أيضًا أن تبقي معي، حتى في الليالي التي لا أستطيع فيها مواجهة نفسي.”
تراجعت فلورا بخطوة، لكن نظرته الثابتة لم تتركها.
في تلك اللحظة، لم تكن تعلم إن كانت تخافه أم تشفق عليه. بدا لها كما لو أن قلبه يحترق من الداخل، لكنها لم تفهم إن كان ذلك الحريق بسببها أم بسبب ماضيه.
مدّ يده برفق، وللمرة الأولى لم يكن في لمساته تهديد أو رغبة في السيطرة، بل شيء يشبه الرجاء.
“فلورا…”
همس باسمها وكأنه يخشى أن يتلاشى صوته في الهواء.
“لا أريد أن أؤذيك، لكن أحيانًا لا أعرف طريقًا آخر لأبقى على قيد الحياة.”
ترددت كلماته في أذنها، مؤلمة كاعتراف.
أرادت أن تقول شيئًا، أن تطمئنه أو تهدئه، لكنها لم تجد كلمات مناسبة.
في النهاية، لم يكن بينهما سوى صمت طويل، امتلأ بكل ما لم يُقال.
—
وفي الصباح التالي، كان كلود أول من استيقظ.
فتح عينيه بهدوء، وشعر بأن كل شيء في داخله ساكن على نحو غريب. لم تكن هناك فوضى، ولا حيرة. فقط وضوح بارد يملأ رأسه.
نظر إلى فلورا التي كانت تغفو بجانبه بهدوء، تتنفس بانتظام، وكأنها لم تعرف شيئًا مما دار في قلبه طوال الليل.
ابتسم بخفة دون أن يدري السبب، ثم نهض من السرير وجلس عند طرفه.
حرّك عنقه ببطء ليخفف من توتر عضلاته، ثم مدّ ذراعيه كمن يتهيأ لبداية يوم جديد.
لم يشعر بالتعب، بل بشيء يشبه الارتياح، كما لو أن عبئًا كان على صدره وقد زال أخيرًا.
التفت نحوها، فرآها تضم الغطاء حولها وهي تهمهم في نومها بصوت واهن.
كانت ملامحها في تلك اللحظة هادئة تمامًا، خالية من الخوف، مما جعله يتنفس بعمق.
نهض من مكانه وسار نحو الطاولة، تناول كوب الماء وارتشفه ببطء.
ثم قال بنبرة جافة وهو ينظر إلى الباب:
“حين تستيقظ… أخبريها أن بإمكانها المغادرة الآن.”
كانت تلك هي طريقته في إنهاء أي ارتباط، مختصرة، وباردة، وكأن شيئًا لم يكن.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 40"