4
ماري، التي كانت مسؤولة عن إرشاد فلورا، كانت تسرع في خطواتها بينما تلقي نظرات جانبية على المرأة التي كانت متيبسة كالشجرة.
كان من الغريب جدًا أنها لم تُظهر أي مشاعر حتى عندما دخلت إلى القاعة الفخمة التي كانت ستترك غيرها مذهولًا من جمالها.
‘تبدو كشخص مختلف تمامًا الآن… كم هي هادئة. من تكون يا تُرى؟’
كانت ماري فضولية للغاية بشأن هوية هذه المرأة التي أحضرها ذلك السيد المتحفظ، الذي لا يسمح حتى للفتيات النبيلات، اللواتي يختلقن الحجج لرؤية وجهه لمرة واحدة، بالدخول إلى المنزل، فضلًا عن غيرهن من النبلاء.
وبينما كانت تحرك شفتيها بلا توقف بدافع الفضول، وصلا أخيرًا إلى الغرفة. وعندما توقفت، رفعت المرأة عينيها المنخفضتين ببطء.
“لقد وصلنا. على الأقل، هذا ما أمر به المساعد. ستبقين هنا الليلة.”
بعد المرور عبر الدرج المركزي وعدة ممرات طويلة، وصلا إلى غرفة صغيرة ملحق بها حمّام خاص.
في وسط الغرفة، المكسوة ببلاط أبيض لامع، كان هناك حوض استحمام رخامي، لامع السطح إلى حدّ أن المرء يشعر بانزلاقه بمجرد النظر إليه.
حين بدأت الخادمة تعبث ببعض الأحجار اللامعة، بدأ الماء الساخن يتدفق مباشرة في الحوض. ومن الطبيعي أن تتسع عينا فلورا، التي لم تكن قد استحمت من قبل سوى في بحيرة قرب المعسكر.
“أم… يبدو أنك بحاجة إلى خلع ملابسك…”
قالت ماري ذلك بحذر، وهي تراقب المرأة التي لم ترفع عينيها عن الماء المنساب من الأحجار السحرية. ربما بسبب ذاكرتها عن الموقف العنيف الذي حدث سابقًا حين سقطت على الأرض بسبب قوة هذه المرأة، ترددت في أن تلمسها.
فوجئت فلورا بكلمات الخادمة، وتمسكت بياقتها كما لو كانت حياتها متوقفة عليها.
وحين أظهرت المرأة التي نادرًا ما تُبدي أي تغير في تعبيراتها، رد فعل حساس بهذا الشكل، كانت ماري هي التي تفاجأت هذه المرة.
ثم، وكأنها قرأت السؤال في عيني فلورا وكأنها تطلب منها المغادرة، ابتسمت ماري ابتسامة محرجة.
“لا داعي لكل هذا الحذر. كما قال السيد هاريت، أنا هنا لأساعدك. كلانا نساء، فما المشكلة؟ وأنتِ بالتأكيد لا تعرفين كيف تستخدمين هذا، لذا سأساعدك فقط اليوم. آه، وإن كنت لا تزالين غير مرتاحة، فسأدير ظهري.”
وقبل أن تسمع أي رد، أدارت الخادمة ظهرها بسرعة، أما فلورا، فبعد أن حدّقت في ظهر الخادمة للحظات، بدأت تفك أزرار قميصها بتردد.
وحين انتهى صوت الملابس وهي تسقط على الأرض تمامًا، استدارت ماري وفتحت عينيها بدهشة حين رأت فلورا عارية.
جسد المرأة، الذي كان منحنيًا قليلًا مع تقاطع ذراعيها لتغطية صدرها، أزال فورًا افتراض ماري بأنها ستكون نحيلة فقط.
رغم أنها امرأة مثلها، إلا أن جسدها كان جميلًا بما يكفي لجذب أيّ أنظار. ما بين صدرها المرفوع ومؤخرتها الممتلئة التي تُثير الغيرة، لم يكن هناك أي دهون زائدة.
ذراعاها وساقاها النحيلتان بدتا مشدودتين، مما يوحي بأنها كانت تتمرّن، وبطنها المسطح بدت عليه عضلات مرسومة وكأنها قد ترتدّ لو تم لمسها بالإصبع.
بصراحة، كان جسدًا يُحسد عليه، لكن تخيّل الكيفية التي تشكّل بها كان أمرًا مزعجًا. نظرة شفقة خفيفة مرت على وجه ماري وهي تنظر إلى فلورا.
“يا إلهي، لا بد أنكِ عانيتِ كثيرًا. يبدو أن سيدكِ السابق عاملكِ بقسوة شديدة، أليس كذلك؟”
انطباع ماري عندما رأت هذا الجسد المليء بعضلات غير متوقعة كان أن سيدها السابق كان سيئًا جدًا.
“سيد سابق؟”
تعلّقت نظرات فلورا بالفراغ إلى يمينها وهي تردّد كلماتها. وبينما لم يكن من الدقيق وصفه بـ”السيد”، لكن بالنظر إلى شخصية الإداري المسؤول عن الفرقة الثانية عشرة، لم يكن وصفًا خاطئًا تمامًا.
ورغم أن فلورا لم تقل الكثير، إلا أن ماري واصلت الحديث بلا توقف، تعبر عن شعورها بالأسى.
“لا تقلقي. السيد يبدو باردًا، لكنّه عادل. على عكس بقية النبلاء الذين يلجؤون فورًا إلى الضرب عند حدوث خطأ، هو ليس كذلك.”
“……”
“هيا، ادخلي بسرعة. يا إلهي، هل تدحرجتِ على أرض المعركة؟ حتى الغسيل لن ينفع مع هذه الملابس.”
تمتمت ماري بتأفف وهي تنظر إلى الملابس المغطاة بالغبار والموضوعة على الجانب. وحين همّت برفعها لترميها، انتُزعت الملابس منها فجأة.
ارتبكت ماري بسبب النظرة الحادة من فلورا، التي كانت تقول بوضوح بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إن تمّ التخلص منها.
ابتسمت ماري بتوتر، ومدّت يدها قائلة:
“آه… فهمت. سأغسلها لكِ.”
وفقط بعد أن تحدثت بنبرة لطيفة مطمئنة، خفّت قبضة فلورا. كيف يمكنها أن تنسى ما حدث قبل قليل فقط لمجرد أنها رأت وجهًا لطيفًا؟
هل كانت صيّادة أو شيء من هذا القبيل؟
رغم أن صوتها كان منخفضًا حين ردّت على هاريت من قبل، فقد بدت الآن بصوت أنثوي يتناسب مع عمرها.
ليس وجهها فقط، بل حتى صوتها جميل. لكن إن كانت في العشرين… فلماذا يبدو ذلك غير مؤكد؟
ماري، وهي تميل رأسها بتعجّب، فكّرت في تلك الملابس الغريبة التي كادت تتشاجر معها بسببها قبل قليل.
“من أين أتيتِ؟ لا تبدين من فاشانت.”
وهي تظن أنه كان سيتم اعتقالها بسرعة لو كانت تتجول في العاصمة بهذه الهيئة، سألت ماري، وترددت فلورا، المبللة كالفأر، للحظة قبل أن تردّ بصوت خافت:
“أنا من فيلهيم، في الغرب.”
“فيلهيـم؟ أوه، هذا على الحدود، أليس كذلك؟ لا عجب…”
يبدو أنها قد مرت بمنطقة معركة. وعلى عكس العاصمة حيث يمكن العيش بشكل طبيعي، كانت المناطق الحدودية في حالة خراب، وهذا جعل ماري تشعر بمزيد من التعاطف.
وبعد أن خلصت إلى أن ظروفها كانت أكثر بؤسًا مما توقعت، بذلت ماري جهدًا أكبر وهي تغسل فلورا.
—
“أنتِ تبدين أجمل بكثير الآن بعد أن أصبحتِ نظيفة.”
قالت الخادمة ذلك بنبرة مبتهجة وهي تنظر إلى فلورا التي خرجت من الحمام مرتدية فستانًا بسيطًا، بينما كانت فلورا تحدق بصمت في انعكاسها في المرآة.
كانت قد ارتدت التنانير فقط عندما كانت طفلة ترسل في مهام صغيرة داخل الثكنة، لكنها لم ترتدها مطلقًا منذ أن أصبحت بالغة.
في الثكنة، كانت ترتدي عادةً سراويل ضيقة كغيرها من الفارسات، لذا كان ارتداء التنورة حاليًا غريبًا ومضحكًا تقريبًا.
في الحقيقة، لم يعجبها ذلك، لكنها لم تكن تملك خيارًا بعد أن أخذت ماري ملابسها لتغسلها.
“…ألا توجد ملابس أخرى؟”
وحين فسّرت الخادمة نظرتها، لفتت شعرها المجعد المربوط بإحكام حول إصبعها وابتسمت ابتسامة غامضة.
“أحضرت ملابسي بسرعة، لكنها ضيقة قليلاً، أليس كذلك؟ تحملي ذلك فقط لليوم. إنها المرة الأولى التي يُحضر فيها السيد أحدًا، لذا من المفترض أن تكون ملابسك جاهزة غدًا.”
وكما هو متوقع، رغم أن جسديهما متشابهان بالحجم، إلا أن جسد فلورا الممشوق جعل الملابس تبدو ضيقة.
شعرت ماري بالحرج دون داعٍ، وكانت على وشك الاسترسال في الحديث مرة أخرى، لكن عينيها التقتا بعيني فلورا التي التفتت عن المرآة.
وقفت ماري مذهولة، وهي تتأمل في عينيها الزرقاوين كزهور الهدرانج المزروعة بجوار المياه، حتى سألتها فلورا:
“متى يمكنني رؤيته؟”
“من؟ أوه! تقصدين السيد؟ سيناديكِ عندما يحين الوقت، لكن على الأرجح ليس اليوم. لقد ذهب للنوم فور وصوله، ويبدو أنه كان مرهقًا.”
وتركت ماري فلورا غارقة في أفكارها، ثم رتّبت الملابس البالية في يدها، ولوّحت نحو داخل الغرفة.
“لقد تأخر الوقت، ارتاحي هنا الليلة.”
وغادرت ماري الغرفة بابتسامة لطيفة، بينما بدأت فلورا تتأمل الغرفة النظيفة التي تراها للمرة الأولى.
كانت رائحة منزل النبلاء مميزة منذ اللحظة الأولى.
إن كانت رائحة الغبار الكثيف هي ما اعتادت عليه، فإن هذا المكان مغمور بعطر الأزهار. حتى الأغطية الحريرية كانت تختلف تمامًا عن البطانيات الكثيفة التي كانت تغطي بها جسدها ليلًا.
على عكس الفرسان، كانت الإمدادات المخصصة للجنود غالبًا ما تكون رديئة. ومع نقص المؤن الحاد في الحرب، كان امتلاك المستلزمات الشخصية ترفًا.
لذا، لو رأى أي فرد من الفرقة الثانية عشرة هذا المكان، لاتّسعت عيناه من الدهشة، لكن فلورا شعرت بعدم الارتياح. فبدلًا من التوجه إلى السرير الناعم، تمددت على الأرض مباشرة أمامه.
كانت السجادة البيجية المنسوجة من الصوف تداعب خدها. أغمضت فلورا عينيها تمامًا. وكان عقلها يفكر مجددًا في وضعها الحالي.
السبب الحقيقي وراء إحضار الدوق لها إلى هذا المكان.
ومهما كانت النية، فإن مجرد اختيار الدوق لها يعني أن فيها شيئًا نافعًا.
هل ستصبح فارس حراسة لحمايته؟
هزّت فلورا رأسها فورًا. فهناك الكثير من الفرسان الأقوياء لحماية دوق نبيل.
إذًا، هل سيستخدمها كجاسوسة للتسلل إلى بيوت النبلاء الآخرين؟
من المحتمل جدًا أنه جلبها ليستفيد من قدراتها. قد يُكلّفها بأعمال قذرة للتعامل مع الفصائل النبيلة المعارضة. وربما يزجّ بها حتى في أعمال غير قانونية أكثر قسوة.
ومهما يكن، فقد عقدت العزم على تنفيذ ما يُطلب منها.
في الواقع، سواء كانت الأوامر منطقية أم لا، لم تكن فلورا تبالي. ما يهمها فقط هو حماية حياتها والبقاء.
وانمحت تلك الأفكار شيئًا فشيئًا مع استسلامها للنعاس المتسلّل إليها.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 4"