بعد أن استمع هاريَت إلى الفارس الذي جاء يقول إنّه مرسَل بأمر من الدوق، عرف مجريات الأمور السابقة واللاحقة، ثم توجّه متأخرًا إلى قاعة انتظار بيت الدوق.
لكنه أمال رأسه مستغربًا.
طرق الباب مراتٍ عدّة، غير أنّه لم يسمع أي حركة في الداخل.
“إلى أين ذهبت بحق السماء؟”
راح يجول عند مدخل غرفة الانتظار، باحثًا عنها طويلاً، لكن الغريب أنّه لم يرَ أي أثر لفلورا.
“هناك شيء غير طبيعي…”
وما إن خطر بباله طبعها المتهوّر والعنيد، حتى بدأ القلق يتسلّل إلى صدره.
حاول أن يكبح قلقه بابتسامة خفيفة وقال في نفسه: لا يمكن، لا بد أنها لم تُحدث مشكلة في هذا الوقت القصير.
لكن في النهاية، راح يتلفّت في كل اتجاه بحثًا عنها.
غير أن سرعة بحثه كانت بطيئة، إذ بدا أن الحفل الرئيسي على وشك أن يبدأ، وقد غصّ المكان بالنبلاء الذين لم يشهدوا مثل هذا الاحتفال منذ سنوات، فازدادت الضوضاء في القصر.
عندها قرّر أنّ الأمر لا يمكن أن يستمر هكذا، فاستدار متجهًا نحو الجزء الخلفي.
هنالك، بدا الطرف المقابل مضطربًا على نحو غريب.
حين سمع ضجة الناس في ذلك الاتجاه، أسرع هاريَت نحوهم، وما إن رأى المشهد بعينيه حتى فغر فاه من الدهشة.
“آااخ!”
صرخة مدوّية انطلقت من فم رجلٍ سقط على ركبتيه فوق أرضية الرخام البيضاء بعدما تلقّى دفعة قوية.
لكن فلورا لم تعبأ به، بل رفعت تنورتها فجأة إلى مستوى الفخذين.
الرجل الذي كان يتلوّى ألمًا فتح عينيه متسعًا حين لمح بياض بشرتها، غير أنه جَمَد في مكانه في اللحظة التالية، إذ كانت نصل بارد من سيفٍ صغير قد وُجِّه مباشرة إلى عنقه.
“م… ما الأمر؟”
“أخرج ما تخبئه، حالًا.”
قالت فلورا وهي تضغط بنصل الخنجر على رقبته أكثر، بعد أن أخرجته من داخل فخذها.
لقد كانت تخفيه في غِمد صغير مثبتٍ داخل ثنايا ثوبها تحسّبًا لأي طارئ، دون أن تراه خادماتها.
تراجع الرجل مرتجفًا، وقد بدت عليه الدهشة والذعر، وصاح وهو يتلعثم وتتناثر قطرات لعابه:
“سيدتي! لِمَ هذا التصرف؟! أنا فقط…”
“لِمَ اقتربتَ مني؟ أرِني ما تخبئه في صدرك فورًا.”
حدّق الرجل بنصل الخنجر اللامع، وأدرك من عينيها الجادّتين أنها لا تمزح، فبدأت يداه ترتجفان وهو يحرّك أصابعه بحذر.
“ه… هذا، كنت فقط أودّ إعادة المنديل الذي أسقطتِه قبل قليل…”
مِنديل؟
قالها وهو نصف مذهول، ثم أخرج من جيبه منديلًا أبيض ناعمًا يشبه ما تستعمله السيدات.
لكن فلورا نظرت إليه بعينين حادتين، واشتدّ قبضها على السيف أكثر.
الشك زاد في داخلها، فهي لم تكن تحمل أي منديل حين جاءت إلى هنا.
“كفّ عن الكذب، إن كنت لا تريد أن تموت، فقل الحقيقة.”
“آااخ! أيتها المجنونة! أرجوك، لا تقتليني!”
حين شدّت على معصمه وأمالت الخنجر قليلًا، أطلق الرجل صرخة غريبة متشنّجة، متخبطًا بجسده.
التعليقات لهذا الفصل " 34"