كان يتساءل ما الذي سيتحجج به اليوم، وها هو يعيد ذات الموضوع. بل الأصح: موضوع مملّ للغاية.
“ما زلت تحب هواية السؤال عمّا تعرفه مسبقًا.”
“أظن أنك مللت رؤية الجنود بعد أن قضيت وقتًا طويلًا في الجنوب… لكن يبدو أن تلك الفتاة راقت لك على نحو خاص.”
ارتسمت على عينيه الضيقتين، كعيني ابن عرس، نظرة ماكرة جعلت كلود يسخر في سره.
كان الماركيز قد حاول أن يضم الجندية التي لفتت انتباه الإمبراطور إلى خدمته، لكن تدخل كلود أفشل خطته، فبقي يثير الموضوع كلما سنحت له الفرصة.
“أمم… بما أن جلالته مهتم بها إلى هذا الحد، فلا بد أن جمالها باهر.”
“أما أنا، فلا أنكر أنني أطمع بالنوابغ أيضًا…”
رد كلود بلا أي انفعال.
“آه… إذن مؤسف حقًا. لا تتعلق بها كثيرًا. فهي في النهاية تخص جلالته. ومهما بلغ جمالها، فإن مجرد أن يتطلع أحد رجاله إلى ما هو ملك للإمبراطور، يعد خيانة.”
قاد الماركيز الحوار وكأنه مصمم على إغاظة كلود.
ولا شك أنه تعمّد انتظارَه في هذا الممر المؤدي إلى لقاء الإمبراطور.
“كأنك يا ماركيز… تتمنى حقًا أن يحدث ذلك.”
“لا. إنما خشيت أن يتلوث اسمك بسبب امرأة تافهة.”
ثم مال الماركيز برأسه قليلًا وهو يمعن النظر في وجه كلود.
“يا للعجب… لم تنم جيدًا على ما يبدو. وجهك شاحب جدًا.”
كان في كلامه إيحاء خبيث. لكن كلود لم يتأثر، بل واجهه بابتسامة ماكرة مألوفة.
“مشغول للغاية بترتيب ما خلفته الهزيمة، حتى لم يتسنَّ لي النوم.”
تقطّب حاجبا الماركيز بحدة.
“انتبه لكلامك. لم تكن هزيمة، بل نهاية حرب بسلام.”
حذّره بجدية وهو يذكّره أن الإمبراطور حساس جدًا تجاه هذه الكلمة.
لكن كلود كان قد تعمد قولها ليستفزه، فأجاب مبتسمًا:
“في النهاية… خسرنا. فما الفائدة من الجدال؟”
“إياك أن تردد هذا أمام جلالته! أتجهل أن ذلك يعد إساءة إلى العرش؟”
“المهم أننا حصلنا على بعض السلام… أليس كذلك؟”
كان كلامه في الظاهر مهذبًا، لكن الغطرسة سالت من بين كلماته.
مجرد صبي أحمق مغرور…
كاد الماركيز يصرّح بما يفكر، لكنه كتم غيظه وضحك بوجه مصطنع.
“دوق، فلنكن صريحين قليلًا.”
“بشأن ماذا؟”
“ألا يؤلمك عار الهزيمة الذي لحق بالإمبراطورية؟”
“وهل تريد يا ماركيز أن نشعل حربًا جديدة إذن؟”
“أنا شخصيًا… لا أزال أستيقظ في الليل مغتاظًا!”
“أما أنا… فأرى أنه يجب أن ننسى.”
قاطع كلود كلامه فجأة، دافعًا إياه للصمت.
ارتجف وجه الماركيز غضبًا، لكنه تمالك نفسه وسأل من جديد:
“ماذا قلت؟”
“قلت إنك أنت الغريب يا ماركيز. أنت من بعث برسالة إلى جلالته تطالب بإنهاء الحرب، والآن تتحدث وكأنك تريد إشعالها مجددًا… أليست هذه التقلبات منك خفة لا تُغتفر؟”
كان من الطبيعي أن يكون كلود معارضًا للحرب.
فلم يتوقع أحد أن الدول المجاورة ستتحد ضد الإمبراطورية، بعدما استهان الإمبراطور الشاب بالحرب معتمدًا على قوة جيشه الهائلة.
ومن هناك امتد الصراع أكثر مما ظنوا، وأصبح طويل الأمد.
العاصمة ما زالت غارقة في اللهو والترف، بينما الشعب في الأطراف وحده يتلقى الضربات القاسية.
في البداية، كانت حماسة الإمبراطوريين مشتعلة بالولاء، لكن مع مرور الوقت بدأت أصوات التذمر تتصاعد حتى بين النبلاء، متسائلين عن جدوى هذه الحرب.
ثم اختل التوازن فجأة.
ووصل خبر انهيار السواحل الشرقية تحت هجوم الأساطيل الضخمة.
حينها ارتاع الإمبراطور.
فالجنود الأعداء كانوا على وشك التقدم مباشرة إلى العاصمة.
مرتعبًا، بادر بنفسه إلى رفع الراية البيضاء، وأرسل رسولًا يعلن رغبته في إنهاء الحرب.
وبعد ثمان سنوات من القتال المُرهق، قبلت الدول الأخرى عرضه على مضض.
“هذه ليست إلا هدنة فحسب، ألا تدرك أن الجبهة الشرقية قد انهارت؟ العاصمة نفسها كادت أن تقع في خطر. ما فعلتُه كان نصحًا من أجل المصلحة العليا فقط…”
“وهل حقًا كان هذا قصدك؟ أليس وراء كلامك معنى آخر؟”
ذلك الذي يتملق الإمبراطور ويتدخل في قراراته ليس سوى منافق.
“يا دوق، أبهذا القدر قلبك ضعيف؟ أتخاف من مجرد حرب؟”
“إنها سلام جرى الحصول عليه بعد عناء. نصف الفرسان والجنود الذين خرجوا قد لقوا حتفهم.”
ابتسم كلود وهو يتابع حديثه.
“لا عجب، فأنت بقيت داخل القلعة طوال الوقت، لذا من الطبيعي ألا تعلم شيئًا.”
“عائلتنا لم تشارك في الحرب حفاظًا على سلامة جلالته.”
ضحك كلود بسخرية من حجج سيد البيت الذي يُلقب بـ “عائلة السيف”.
ثماني سنوات من الدماء والضحايا، وهو في أمان خلف الأسوار، يتنعم بالراحة ثم يتذرع بالولاء للإمبراطور.
اشتعل وجه الماركيز غضبًا وارتعشت شفتاه، قبل أن يلفظ جملته الحاسمة.
“دوق هاينست، لستَ أنت من يملك حق الكلام في هذا.”
“ماذا تقصد؟”
“لا تنكر أنك كنت حاضرًا في ذلك اليوم.”
عندها، تغير وجه كلود الذي كان حتى اللحظة هادئًا وباردًا.
وكان ذلك بالضبط ما توقعه الماركيز.
لقد كان يعرف أن الدوق المتعجرف، الذي لا يكلّ عن النظر إلى الناس من علٍ، سيُظهر رد فعل عنيفًا عند ذكر تلك الحادثة.
“معركة فيزانتيم… يا لها من مأساة مؤسفة.”
“…”
“كثيرًا ما يقول العامة إن النبلاء منافقون. وأعترف أن في ذلك بعض الصدق. لكن شخصيًا… لا أظن أنني كنت سأتمكن من ارتكاب فعل كهذا، ثم أخلد إلى النوم مرتاح البال.”
“كُف عن المراوغة، وادخل في صلب الموضوع.”
زمّ كلود على أسنانه وتخلى عن أي مظهر من مظاهر اللباقة.
“تجاهل قلق جلالته هو خيانة بحد ذاتها. أعتقد أنك فهمت قصدي جيدًا. وآمل أن تُحسن تقدير الأمور في اجتماع مجلس الحكم القادم.”
ثم أدار ظهره وضحك ضحكة ساخرة وهو يبتعد.
اختفى أثر الابتسامة عن وجه كلود تمامًا، وهو يحدق في ظهر الماركيز بيشوروم المتنحي بعيدًا.
✦✦✦
تابع كلود السير حتى وصل إلى قصر الإمبراطور.
وعند رؤيته، اعتدل الحرس المكلّف بقاعة الاستقبال ورفع رمحه بتوتر.
“جلالته بانتظارك.”
انحنى الخادم أمام كلود. لم يكن شاحب الوجه، مما يعني أن اليوم لم يشهد كارثة كبيرة… بعد.
“دوق هاينست يدخل.”
تردّد الصوت الجهوري، وانفتح الباب الثقيل الموشّى بنقوش الأسد الذهبي بصوت مدوٍّ.
فجأة غمرت المكان أنوار الثريا الباهرة، أشد إشراقًا من شمس الظهيرة.
وكانت الخادمات منشغلات بجمع شظايا مزهريات محطمة هنا وهناك.
من الواضح أن شيئًا ما قد حدث بالفعل.
ثبت كلود نظره نحو العرش الممتد عند نهاية السجادة السوداء، وبدأ بخطوات ثابتة.
وتحت تلك الأنوار، برز شعر الإمبراطور الأحمر، علامة دماء آل ريجينترا الملكية.
كان مغمض العينين، يتلذذ بنسيم مروحة غريبة الطراز.
وما إن فتح عينيه ببطء، حتى لمح كلود، فارتسمت على وجهه ابتسامة ارتياح سريعة، لكنه سرعان ما محاها حين سمع سعالًا من جانبه.
“دوق، لقد انتظرتك.”
“أتشرف بلقاء شمس ريجينترا الساطعة.”
“اجلس أولًا.”
أمر الإمبراطور، فسارع الخادم إلى إحضار كرسي أنيق ووضعه باحترام خلف كلود، ثم انسحب.
جلس الدوق، أصابع يديه متشابكة فوق فخذيه، عريض المنكبين، وصدره يزدان بالأوسمة التي تلألأت مع ضوء الشمس الداخل من النافذة.
هيبة تكاد تُعتبر تحديًا صريحًا، لا يجرؤ إنسان عادي على إظهارها أمام الإمبراطور.
حتى وصيفات البلاط اللواتي كن يترقبن في الجانب، لم يستطعن منع أعينهن من الانجذاب إلى الرجل الوسيم طويل القامة.
وقبل أن يبدأ كلود بالكلام، باغته صوت الإمبراطور.
“إذًا يا دوق… كيف حال فلورا هذه الأيام؟”
في تلك اللحظة شعر كلود بغضب شديد يتصاعد في صدره.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 26"