فلما انحنت فلورا بأدب وغادرت الغرفة، دخل هاريت على الفور وكأنه كان ينتظر اللحظة.
ألقى نظرة سريعة على الخنجر الذي كان بيد فلورا، ثم خطا بسرعة نحو كلود وسأله:
“لِمَ أعدت لها ذاك السلاح يا مولاي؟ ماذا لو تسببت في مصيبة أخرى؟”
فأجاب كلود ببرود:
“تبدو وكأنها قد عقلت. ثم إن عندي ما أريد التحقق منه.”
قبل أيام قليلة، في مثل هذا الوقت، كان كلود قد استدعى طبيب العائلة “إينوك” ليفحص حالته.
قال له إينوك بعد الكشف إنّه نام أكثر من ثماني ساعات دون أن يستيقظ ولو مرة واحدة.
لكن النتيجة كانت صادمة:
_ «لا يوجد أي أثر لتناول أدوية أخرى، يا مولاي».
كان هذا معاكساً تماماً لتوقعاته. فقد كان كلود مقتنعاً أن أحداً استغل نومه وفعل شيئاً ما، لكنه فوجئ بكلام إينوك.
_ «لكن يبدو أنكم استنشقتم من بخور النوم ما يعادل ثلاثة أضعاف الكمية المعتادة.»
– “إذن السبب في نومي كالقتيل هو الإفراط في الاستعمال؟”
– “الأمر غريب بعض الشيء…”
توقف إينوك لحظة ثم تابع بجدية:
_ «من السهل الظن أن زيادة جرعة بخور النوم تجعل النوم أعمق، لكن الأمر يختلف مع زهرة “راحيل”.»
كان هناك الكثير من الأعشاب والمواد العطرية التي تساعد على النوم ويمكن شراؤها بسهولة، لكن إينوك اختار زهرة راحيل لعدة أسباب:
أولاً: لأن خاصيتها في التنويم لم تكن معروفة إلا نادراً.
ثانياً: لأنها عشبة خطيرة لا يُنصح باستخدامها في الأبحاث الطبية.
ثالثاً: لأنها كانت العشبة الوحيدة التي أظهرت بعض الفعالية مع حالة الدوق.
_ «لقد قلت لك من قبل… زهرة راحيل شديدة الإدمان، وإذا زادت الجرعة قليلاً فقط قد تُسبب هلاوس وتدفع المصاب إلى الجنون.»
– “إذن… من الممكن أنني قد نهضت بلا وعي؟”
– “قد يبدو الأمر وكأنكم غطستم في نومٍ عميق، لكن أؤكد لكم أنكم لم تكونوا قادرين على النوم بهدوء.”
وأضاف الطبيب أنه وإن لم يستطع الجزم، إلا أن التسمم بتلك الدرجة لا بد أن يؤدي إلى يقظة جسدية من نوع ما.
– “هل يُحتمل أن أستيقظ وأقوم بأفعال ثم لا أتذكر شيئاً؟”
– “غير مستبعد تماماً.”
حينها تذكّر كلود أنه، عندما أفاق، وجد فلورا بين ذراعيه. فهل يا ترى هي من اقتربت منه، أم أنه هو من جذبها بلا وعي؟
لكن الفكرة لم تستقم في ذهنه. فهي تملك من القوة ما يمكّنها من الإفلات أو المقاومة، فكيف لم تفعل؟
_ «منذ أن استعملت هذا الدواء لم تتمكن من نومٍ هادئ قط. زيادته لا تجلب أي فائدة.»
وكلما شرح الطبيب أكثر، ازدادت حيرة كلود.
_ «غريب… حتى لو كنت قد استيقظت مسموماً، إلا أنني شعرت يومها بأفضل حالاتي.»
ذلك اليوم بالتحديد، شعر جسده بخفة نادرة، وذهبت صداعاته المزمنة، وصار ذهنه صافياً على غير العادة. لقد كان يظن أن السبب هو الدواء، لكن الطبيب أزال هذه الفرضية.
_ «كما تعلم يا مولاي، هذا الدواء لم يكن إلا وسيلة لتخفيف الأعراض، لا أكثر. إن كنتم قد حظيتم بنومٍ عميق لأول مرة منذ عام، فلا بد أن هناك سبباً آخر.»
حينها، عاد كلود بذاكرته إلى فلورا. فما بقي عالقاً في ذهنه هو أنه كان يحتضنها.
_ «أنصحك أن تستغل هذه الفرصة لإيجاد وسيلة بديلة. سأجهز لك جرعات سائلة مؤقتاً، لكن حان الوقت لتقليل الاعتماد على الدواء.»
قال الطبيب ذلك ثم غادر.
التفت هاريت إلى سيده وقال:
“مولاي، لا أستطيع أن أفهم. لماذا توكل أمر حراستك إلى فلورا بينما عندك كل هؤلاء الفرسان؟”
خرج كلود من شروده، وحدّق بعينيه الباردتين:
“أتريد مني أن أنام بينما عشرات العيون تراقبني؟ هل تظن أن النوم سيأتي؟”
“هذا صحيح، ولكن… فلورا بالذات؟”
“لقد تغلبت بمفردها على أربعة مقاتلين مهرة.”
“لكن بارين أيضاً قادر على ذلك. يمكننا استدعاؤه برسالة عاجلة.”
“وإن أمرته بالصعود الآن، فهل تظن أن النبلاء الآخرين سيسكتون؟”
كان بارين، قائد فرسان هاينست، لا يزال في الجبهة الجنوبية بأمر كلود.
صحيح أن الجنود الذين جُندوا من الإقطاعيات عادوا بعد الحرب، لكن العديد من الجنود المتطوعين اختاروا البقاء، فضمّهم كلود إلى جيشه الخاص.
لم تكن ثروة الدوق وحدها السبب في استيعابهم، بل أيضاً السياسة الغامضة للإمبراطور، الذي استدعى القادة إلى العاصمة بشكل مريب وسريع.
التاريخ مليء بحالات التطهير بعد الحروب، وحتى إن لم يحدث هذه المرة لأن الإمبراطورية خَسرت الحرب، إلا أن الحذر كان واجباً.
كان الجو في العاصمة لا يزال مشحوناً، والنبلاء التقليديون كانوا يراقبون قوة هاينست بعين الريبة.
“إن غاب بارين عن موقعه، سيغتنم النبلاء الفرصة لفتح أفواههم، وسرعان ما سيصدر أمر بضم فرساننا إلى الجيش الإمبراطوري.”
فأطلق هاريت تنهيدة مُحبطة. أدرك أن الدوق لم يختر فلورا إلا كحلٍ مؤقت.
“حتى لو اضطررت إلى حلّ جيشي، فلن أُسلم فرساني إلى أناسٍ حمقى.”
فمنذ أن أدخلهم تحت جناحه، صاروا ملكه وحده ولن يتخلى عنهم لأحد.
✦✦✦
حلّ الليل على قصر الدوق، وانشغل الخدم بإنهاء أعمالهم اليومية. أما فلورا، فاتجهت بهدوء إلى جناح سيدها.
طرقت الباب ثم دخلت، فوجدت الدوق بانتظارها وقد أنهى استعداداته للنوم، مرتدياً رداءً داكناً وهو ممدد على سريره العريض.
قال لها ببرود:
“لماذا تأخرتِ؟”
أغلقت فلورا أولًا مزلاج الشرفة بإحكام ثم أسدلت الستائر.
منذ أن أوكل إليها الدوق مهمة جديدة، صارت خدمة السهر على نومه من نصيبها بعد أن كانت من مهام يولبي.
“أنهيت عملي وجئت فورًا.”
“كأنك تحتجّين على أني حمّلتك عملًا إضافيًا.”
كان مستلقيًا على السرير دون أن يغطي جسده باللحاف، يضع يديه المشبكتين خلف رأسه في وضع مريح للغاية.
ومن الفتحة في ردائه بدا جسده المتين، المصقول بالتدريب كفارس، أكثر صلابة وكمالًا من التماثيل الضخمة المنتصبة في أروقة القصر.
خفضت فلورا عينيها بسرعة.
“ألا تفكر بتغطية نفسك باللحاف؟”
أمال رأسه باستغراب ثم التفت إلى نفسه وضحك بخفة، كأن تصرفها مضحك جدًا.
“بعد أن رأيت كل شيء، ما فائدة هذا التظاهر؟”
لم تجد ما تقوله، خصوصًا حين مد ساقيه الطويلتين عمدًا إلى الأمام فانحسر الرداء عن فخذه القوي.
شعرت أنه يتعمد استفزازها، فانطلقت تقول بلا وعي:
“لم أقل إنني أرغب برؤيته مجددًا.”
قهقه بخفة:
“هذا غير عادل. أنا لا أذكر أني رأيت جسدك، بينما أنت بلا شك شبعت من النظر إلى جسدي.”
“…… لا أتذكر شيئًا.”
كانت صادقة؛ فالليلة التي قضتها معه وسط الظلام لم تمنحها فرصة لرؤية جسده بوضوح، وما تراه الآن هو المرة الأولى.
ابتسم ساخرًا، كأنه يستهزئ بنفسه أكثر من سواها:
“وسط تلك الفوضى، لم يكن لديك وقت للتأمل.”
احمرّت أذناها خجلًا. لم تفهم لماذا يصر على تذكيرها بتلك الليلة مرارًا.
“إذن، كيف كان أدائي؟ لا أظن أنه كان سيئًا إلى ذلك الحد……”
لم تجب، بل أطبقت شفتيها بقوة، ويبدو أنه لم يكن ينتظر جوابًا، فاكتفى بالصمت.
جلس بعد لحظة واستند إلى السرير، ثم أخذ زجاجة صغيرة من درج الطاولة بجانبه وشرب منها.
“أغمضي عينيك متى شئت، لكن هذا لا يعني أن تتسللي مجددًا إلى سريري.”
“ليس لدي مثل هذه النية.”
كانت كلماتها دومًا مباشرة بلا مواربة، وهذا ما جعله يبتسم بخفة.
عاد ليستلقي على السرير بينما قامت فلورا بإطفاء الشمعة بأنفاسها، فغرق المكان في ظلام دامس.
جلست أسفل النافذة قرب السرير، مسندة ذقنها إلى ركبتيها. كان يكفي أن تبقى صامتة حتى يغلبه النوم بعد قليل بفضل الدواء الذي شربه.
لكن مع هدوء المكان، تسللت الأفكار المربكة إلى رأسها.
لماذا عليها أن تحرس نومه بنفسها؟
ألم تكن الليلة التي قضتها معه مجرد حادثة مزعجة؟
وهل يملك حقًا خبرة واسعة مع النساء؟
تدفقت الأسئلة بلا توقف.
وفجأة، أحست بنظراته عليها. التفتت، فإذا به ما زال مستندًا إلى ذراعه، يحدق فيها بعينيه الرماديتين اللتين بدتا أكثر لينًا تحت ضوء الشمعة.
“لا يأتيني النوم.”
“الدواء يحتاج لعشر دقائق حتى يسري مفعوله.”
“لقد مضت ساعة بالفعل.”
هل مر الوقت بهذه السرعة؟ بدا أنها غابت في شرود طويل.
“غني لي شيئًا. ربما أستطيع النوم على صوتك.”
“لا أعرف أي أغنية، ولم أغنِ من قبل.”
“أبدًا؟”
“……نعم.”
هزت رأسها إيجابًا، متذكرة أصوات الجنود وهم يعزفون على ناي العشب من الملل أثناء الحراسة، أو ميري الخادمة التي تدندن أحيانًا، لكنها لم تهتم أبدًا بحفظ الألحان.
“يا لها من حياة مملة تلك التي عشتها.”
تنهد طويلًا كمن يحدث نفسه أكثر من أحد آخر.
جلوسها على الأرض الدافئة شعرت به غريبًا، حتى الضحك مع رفاقها أو تبادل حديث عابر مع الدوق بدا لها شيئًا لم تتوقعه.
وفوق كل ذلك، مجرد التفكير أنها قبل أسبوع فقط وجدت نفسها بين ذراعيه، بدا كأنه حلم بعيد بلا واقعية.
ربما كان حلمًا بالفعل، حلمًا سببه تأثير الدواء تلك الليلة.
دفنت وجهها بين ركبتيها لتطرد هذه الأفكار.
لكن من السرير، ظل يُسمع صوت حركته تحت الغطاء، كأنه لم يستسلم للنوم بعد.
“احكِ لي شيئًا…… أي شيء ممتع.”
“……قصصي لن تروق لك.”
“دعي الحكم لي. فقط احكي ما تشائين.”
لم تجد قصة مناسبة، فتذكرت ما صنعه ميكائيل قبل أيام من فطيرة البرتقال.
رغم بساطتها، استمع الدوق بصمت، كما لو أنها لحن منوم.
حتى أشرقت شمس الصباح، لم يقتحم الغرفة أحد.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 25"