“انتبه لكلامك. فكون الدوق يستعمل عطر النوم أمر في غاية السرية.”
اقترب هارييت بسرعة من فلورا وهمس لتحذيرها.
“إذن من الغريب ألا يظهر أي من الحراس الذين يعتادون حراسة الممرات.”
عند إشارة فلورا، تردد الدوق قليلًا قبل أن يجيب.
“ذلك لأنني عندما أستخدم الدواء أبعدهم جميعًا.”
“أرأيت؟ ألم أقل إن سحب الحرس مبالغة؟ لا يمكن ضمان سلامتك في تلك الحالة.”
ضرب هارييت صدره بعصبية، وكأنه كان يعرف أن مثل هذا اليوم سيأتي. كان سيده العنيد، في تلك الأيام تحديدًا، يأمر بمنع أي خادم من الاقتراب من جناحه.
حتى عندما حاول أن يثنيه محذر بأن ذلك خطر شديد، لم يكن ينصت. كان يبرر الأمر بأن مجرد ضوضاء خفيفة تجعل رأسه يوجعه. ثم يضيف دائمًا أن الأقوى في هذا القصر هو نفسه، فما من مشكلة تستحق القلق.
حتى الآن لم يكن يستشعر أي خطورة.
“ما دمت حيًّا فهذا يكفي.”
“يكفي ماذا؟ لقد كنت على وشك أن تذهب مباشرة إلى العالم الآخر.”
أومأ هارييت بحركة مبالغ فيها، مشيرًا إلى عنقه، لكن الدوق ظل غير مبالٍ، وكأن احتراق قلب معاونه ليس من شأنه.
كان استعمال الدوق لعطر النوم بانتظام أمرًا في غاية السرية. حتى فلورا، التي أقامت هنا لأكثر من نصف عام، لم تكن تعلم بذلك.
مع ذلك أمالت رأسها متعجبة، فهناك ما بدا غير منطقي.
“مهما يكن، فقد كانت رائحة عطر النوم قوية جدًا. ليست كمية عادية لمجرد نوم مريح.”
حتى لو كان قد تناوله مباشرة، إلا أن حالته في الليلة الماضية كانت أبعد ما تكون عن الطبيعية.
“لو كان للاستعمال من أجل النوم فقط، لما فقد وعيه بتلك الدرجة. وبما أن الترياق لم ينفع أبدًا…….”
“أتعنين أن ثمة احتمالًا لاستخدام دواء آخر؟”
تلقف كلود كلماتها بصوت منخفض.
في الواقع، كان في كلام هارييت شيء من المنطق. فالأدوية التي كان يستعملها عادةً كانت بكميات دقيقة للغاية، ولم تكن ذات فعالية كبيرة.
والسبب في عدم زيادته للجرعة هو أن مسحوق راهيل معروف بكونه شديد الإدمان، وإذا تجاوزت الكمية حدًا معينًا فقد يؤدي إلى الجنون، كما حذّر الطبيب المسؤول.
لذلك كان يحصل دائمًا على جرعات محددة بدقة، حتى وإن اضطر للاستيقاظ مرات عديدة.
“على أية حال، لا يمكن أن يغطّ المرء في نوم كالموت بسبب عطر النوم وحده.”
هكذا استنتج الدوق ساخرًا من نفسه. بدا أن المتسللين استعملوا مسحوقًا جديدًا إلى جانب العطر الذي كان يستخدمه عادة.
وذلك يثير التساؤل: كيف عرفوا؟ ومن أين حصلوا عليه؟
فتحت فلورا فمها بهدوء.
“ربما عبث أحدهم بدوائك يا سيدي.”
“ذلك مستحيل. فعدد الذين يعلمون أنك تتناول الدواء لا يتجاوز ثلاثة أشخاص في هذا القصر. والأهم أن كبير الخدم ليس من النوع الذي قد يقدم على فعل كهذا.”
كان هارييت واثقًا أن ديربريك، الذي ورث منصب كبير الخدم في هذه العائلة جيلًا بعد جيل، لا يمكن أن يفعلها.
“ليس بعد الآن.”
هزت فلورا رأسها بعزم، وعينيها تلمعان.
“لقد سمعت كلامهم. كانوا مطمئنين لأن المعلومات لديهم مؤكدة.”
“ماذا…….”
“لقد اختاروا ليلة تناولك للدواء بالذات ليتسللوا. وهذا يعني أنهم كانوا يعرفون مسبقًا.”
ارتبك هارييت وأخذ يتمتم بوجه مرتبك.
“إن لم أكن أنا…… فهل يعقل أن يكون كبير الخدم؟ لا، هذا مستحيل…….”
لكن فلورا التقطت شيئًا مريبًا في كلماته.
“إذا كان كبير الخدم يعرف، فهل كانت رئيسة الوصيفات السابقة تعلم أيضًا؟”
اختفى لون الدم من وجه هارييت.
“……السيدة ميلادي…….”
تلك الوصيفة التي طُردت من هذا القصر منذ نصف عام.
ساد صمت ثقيل.
تسرب المعلومات يعني أن هناك معاونًا آخر داخل القصر، غير من أفشى السر.
فتحدثت فلورا بحذر.
“ربما هناك خائن مختبئ في هذا القصر.”
عندها تلاقت نظرات الاثنين الآخرين في صمت.
“وما الضمان أنك لست أنتِ؟ فأنتِ وحدك من شاهد أولئك القتلة. ما عدا الجثث، لم نجد أي أثر.”
“……هل تشكّون بي؟”
“إن لم تستطيعي إثبات أنكِ بريئة، فلن تفلتي من الشبهة أيضاً.”
كان ذلك شكاً منطقياً بحد ذاته. فحتى لو أنها دخلت الغرفة صدفة بعدما استوعبت الموقف أولاً للتخلص من القتلة، فهي في النهاية خادمة تسللت بعد ذلك إلى سريره.
هاريت، هو الآخر، هز رأسه موافقاً على كلام الدوق وقد بدا مقتنعاً.
“لقد محوتِ بيدك الفرصة الوحيدة لكشف من يقف وراء الأمر، والآن صرنا أكثر عجزاً عن معرفة الحقيقة.”
كان يمكنها أن تترك واحداً منهم على قيد الحياة، لعلهم يجدون خيطاً صغيراً يقود للحقيقة. لكن قتلها للجميع بلا استثناء كان بالفعل إفراطاً.
“لم أرَ أي جدوى من إبقائهم أحياء. لو لم أقتلهم، لربما كنت أنا الميتة الآن.”
“ذلك مجرد احتمال لا أكثر.”
“في موقف يصعب الحكم فيه على قوتهم، لم يكن بوسعي أن أخاطر.”
“أو لعل الأمر لم يكن إلا لأنك لم ترغبي بذلك؟”
للحظة، ارتجفت عينا فلورا بشكل طفيف.
كلود لمح فيها تمسكاً واضحاً بالحياة.
وتذكر فجأة أنها لطالما كانت، منذ زمن بعيد، تميل إلى مواجهة الخطر بأي طريقة بدلاً من التراجع.
غمرته مشاعر متناقضة. حين جلبها إلى هنا لأول مرة، كان يملك خطة واضحة: أن يحوّل فلورا إلى امرأة عادية ويقدمها للإمبراطور. لكنه أدرك الآن ما كان يتغافل عنه.
هي لم تتغير قط، ولن يكون هناك مجال لتغيرها أبداً.
اجتاحه شعور بالفراغ، وزاد من ثقله هذا الوضع العبثي حيث أصبح مديناً لها بحياته. صداع ثقيل أخذ يضغط على رأسه.
“سنرى مع الوقت. إن كان الفرسان قد عجزوا حقاً عن ملاحظة اقتحام القتلة، أم أن الأمر كان حركة مدبّرة من أحدهم.”
ما زال كلود لم يتخلَّ كلياً عن شكوكه نحوها. فحتى لو صدق ما قالت، فلا يكفي أن يبرر قضاءها ليلة كاملة معه بعد ذلك.
أما محاولة اغتياله، فذلك لم يكن جديداً عليه. لم يكن بحاجة للارتجاف خوفاً. ما بقي هو رد الدين بالمثل.
تخلص من الأفكار المرهقة داخله، وحوّل نظره عنها بلا مبالاة.
“اكتشف أي بيت نبيل التحقت به السيدة ميلادي بعد أن غادرت هذا المكان.”
“أمركم يا سيدي. لن يستغرق الأمر أكثر من يوم.”
قالها هاريت وخرج، واثقاً أن تتبّع خطواتها في العاصمة لن يكون صعباً.
أما فلورا، التي بقيت وحدها معه، نظرت إليه بارتباك متسائلة عن مصيرها. كانت تخشى أن يفتح من جديد موضوع ليلة الأمس. الآن وقد عرف أنه كان تحت تأثير الدواء، فلا بد أنه أدرك أن الخطأ لم يكن منها.
لكن الدوق لم يزد بكلمة. اكتفى بأن نهض من مجلسه، ثم ألقى عليها نظرة سريعة وسأل:
“هل لديكِ ما تقولينه بعد؟”
“ليس تماماً، ولكن…”
“إن لم يبقَ ما تقولينه، فاخرجي إذن.”
أشار بعينيه نحو الباب وهو جالس خلف مكتبه. بنبرة باردة أفقدها الحجة.
لقد كان أمراً صريحاً بالطرد.
✦✦✦
خرجت فلورا وأغلقت الباب بهدوء.
خطواتها كانت ثقيلة وكأن قدميها لم تعودا لها. اضطرت إلى الاستناد على الجدار وهي تمشي ببطء.
لماذا؟
كانت تتوقع أن يستدعيها الدوق بعد أن صار شخصاً آخر بين ليلة وضحاها. لكنها لم تتوقع أن يكتفي بسؤالها عن الملابسات دون أن يواجهها بالأسئلة الأهم.
كأنما أراد أن يلمّح بوضوح أن ما حدث البارحة مجرد خطأ عابر لا أكثر.
إحساس بالمرارة اجتاحها، فعضت شفتها لتكتشف لسعتها وهي متورمة.
وضعت أصابعها عليها، فعادت لذاكرتها تلك الليله.
رجل يختلف في الليل عن الصباح تمام الاختلاف.
كانت تشعر بوجود شيء مشترك بينهما، لكنها لم تعد واثقة الآن. ربما كان خطأها منذ البداية أنها أحست نحوه بتلك الألفة.
هل كان عليّ ألا أنقذه؟
سؤال تسلل بسهولة إلى ذهنها.
لماذا هرعت لمساعدته؟
كم مرة مرت بجوار رفاق ينهارون أرضاً دون أن تلتفت؟ لكنها هذه المرة، وما إن استنشقت رائحة الدم، حتى اندفعت إلى سيدها بلا وعي.
والآن، كلما فكرت في ذلك، ازدادت دهشة من نفسها.
وبينما كانت غارقة في أفكارها، سمعت صوتاً يناديها:
“فلورا، ها أنتِ هنا.”
ظهرت ماري من الجهة الأخرى من الممر مسرعة نحوها.
“لقد سمعت بما حصل. هل أنت بخير؟”
“أنا بخير.”
“لقد ارتعبت عندما سمعت الخبر. توني أخبرني أن السيد استدعاك وحدك. لماذا دعاك؟”
كان وجه ماري جدياً على نحو غير معتاد، وكأنها قد علمت بكل ما جرى.
رغم كل محاولاتهم للكتمان، لم يكن ممكناً إخفاء الأمر عن مسامع الخدم الذين يعيشون معاً، وقد تسرب الخبر بلا شك.
“لا شيء مهم. فقط أراد أن يسألني إن كنت قد سمعت شيئاً في غرفتي القريبة من مكان اكتشاف الخادم.”
كان الدوق قد أمرها بكتمان ما جرى مع القتلة، حتى لا يثير القلق بين الخدم. لذا لجأت إلى حجة مناسبة.
“صحيح، لقد سمعت أنا أيضاً. يقولون إنه خادم جديد لم يمضِ وقت طويل على قدومه… مؤسف حقاً.”
تنهّدت ماري متعاطفة مع الخادم الوحيد الذي لقي حتفه، ثم فجأة اتسعت عيناها وهي تنظر إلى أسفل نحو فلورا وكأنها رأت شيئاً مريباً.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 22"