على ملامح وجهه الوسيم أخذ الإحباط يتسلل ببطء، فما كان من فلورا إلا أن أطبقت شفتيها.
من الواضح أنه لا يتذكر ما جرى في الليلة الماضية، بسبب شتيمته التي خرجت بلا وعي.
جريان المشاعر الدقيقة شكّل تناقضاً صارخاً مع أشعة الشمس الدافئة التي غمرت غرفة النوم.
كلود شدّ فمه بقوة ليكبح الكلمات التي كان يريد أن يتفوه بها.
(امرأة كانت تتعامل مع الجنود في المعسكر…)
في تلك اللحظة، عاد إلى ذهنه ما سمعه سابقاً من إشاعة.
رغم أنه لا يبدو كذلك إطلاقاً، إلا أن الموقف جعله يشك للحظة.
غير أنه سرعان ما طرد هذا التفكير السخيف، مذكّراً نفسه أنه بذلك لن يختلف عن الآخرين.
ومع ذلك، كيف تجرؤ خادمة وقحة على التسلل إلى غرفة سيدها؟
لقد كان يكره أكثر من أي شيء البشر الذين يتجاوزون حدودهم.
حتى وإن كان قد نام معها، فلن يكون هو من يتساهل مع خادمة تتسلل خفية إلى غرفة سيدها.
بل حتى شعر بالخيانة، كأنه تلقى طعنة في الظهر بعد كل المودة التي أظهرها.
عينيه اللتين كانتا تنظران إلى الخادمة التي تجاوزت الحد، بردتا فجأة.
قال بنبرة باردة:
“لا أعرف ما الذي توقعتِ أن تحصلي عليه من فعلتك، لكن ما ترجينه لن يحدث أبداً.”
وكأن ما حدث لم يكن له أي وجود، خرجت كلماته كحديث مع نفسه، فشعرت فلورا فجأة بإنهاك شديد.
ومع ذلك، فتحت فمها مترددة كي تشرح وتزيل سوء الفهم.
“… في الحقيقة الأمر هو…”
لكنه قاطعها بقسوة:
“اخرجي من غرفتي حالاً.”
أدار رأسه بعيداً، وكأنه لا يريد أن يسمع كلمة أخرى.
فلورا، التي فتحت شفتيها محاولةً أن تقول شيئاً، توقفت في منتصف الطريق.
لم يعد الرجل الذي كان بعينيه أثر إنسان جريح موجوداً أمامها.
غمرها شعور غريب، فرفعت اللحاف بخفة وهي مثقلة بالعجز.
وحين اعتدلت جالسة، انزلق الغطاء عن كتفيها.
ذلك المنظر جعل كلود يشعر بشد مؤلم في أسفل جسده، فزمّ ما بين حاجبيه.
من بين ثنيات الشرشف الرقيق، ظهرت بشرتها الشاحبة على نحو خاطف.
ذراعاها وساقاها الطويلتان، الممشوقتان والمدرّبتان كجسد جندي، ملأتا مجال بصره.
ألم يكن ينقصه النساء لهذه الدرجة؟ وإلا كيف يفسَّر أن جسده ما زال يستجيب حتى الآن؟
ولم يلتفت إليها مرة أخرى حتى جمعت ثيابها وغادرت.
وما إن خرجت فلورا من الغرفة حتى دوى صراخ امرأة في الممر.
كان ذلك إيذاناً بأن صباح القصر قد بدأ.
—
في الطابق الثاني، كان صراخ الخادمة التي اكتشفت جثة أحد الخدم هو ما فجّر بداية صباح مشؤوم داخل القصر.
أسرع الخدم المكلَّفون بالتبليغ، وما إن دخلوا غرفة الاستقبال المتصلة بغرفة النوم حتى شهقوا حين رأوا الدماء المبعثرة تغطي الأرضية.
كان كلود واقفاً وسط المشهد، يتأمل المكان بوجه بالغ الجدية.
وفي خضم الضجة، سُمع وقع أقدام بالخارج قبل أن يندفع هاريت إلى الداخل.
“سيدي! هل أنتم بخير؟”
“لا داعي للضجيج.”
أشار كلود بيده في الهواء مهدئاً رجاله.
لم يكن يتوقع هذا الموقف، فأصابه بعض الارتباك.
عندما سمع صرخة الخادمة، لم يظن أن الأمر يستحق الاهتمام، فاتجه نحو الحمام.
لكن قبل أن يصل إلى هناك، بدأ يشتم رائحة الدم المتزايدة، فأدرك أن شيئاً ما وقع بالفعل.
وبمجرد أن فتح باب الحمام، تأكد له أن حدسه كان صائباً.
“يا إلهي، ما الذي حدث هنا؟ دماء من تكون هذه؟”
تفحّص هاريت وجه الدوق، وحين تأكد أن جسده سليم بلا جروح، أطلق زفرة ارتياح.
وبصوت منخفض، بعيداً عن آذان الخدم المرتبكين، همس لمولاه:
“هل قتلتَ أحداً في غفوة نومك؟”
فقال كلود ببرود:
“من دون ثرثرة، نظفوا الحمام أولاً.”
أسرع هاريت نحو الحمام، لكنه ما إن رآه حتى أطلق صرخة عالية وتراجع بخطوات مرتجفة.
“لا يعقل… هل أنتم من فعل هذا يا سيدي؟”
من مجرى الأحداث، بدا أن شخصاً ما اقتحم غرفة الدوق، وأن آخر قد تخلص منهم.
فخمن هاريت أن الفاعل لم يكن سوى سيده.
لكن كلود لم ينفِ ولم يؤكد، بل غرق في تفكير عميق.
وفي وسط السكون، تقدم كبير الخدم دوبريك بخطوات هادئة، وهو يضع نظارته ذات العدسة الواحدة.
“قبل حلول المساء، سأرتب لجعل هذه الغرفة نظيفة تماماً.”
أومأ كلود موافقاً.
وبإشارة من الخادم، بدأت الخادمات اللواتي تجمدن في أماكنهن بالتحرك بسرعة منسقة.
فُتحت النوافذ للتهوية، وبدأت أخريات بجمع وتنظيم الأغراض المبعثرة.
ثم دخل الفرسان وجمعوا الجثث بسرعة قبل أن يخرجوا بها.
ومع ذلك، بقي الجو في غرفة السيد خانقاً وثقيلاً.
ظل هاريت يترقب بفارغ الصبر أي توضيح من سيده، لكن لم يحظَ به.
حتى نهض كلود من شروده وأشار له ليقترب.
“أحضروا فلورا.”
✦✦✦
وبعد أن هدأت الفوضى نسبياً، انتقل كلود إلى مكتبه.
“يُرجَّح أن طريق التسلل كان عبر نافذة مفتوحة في ممر الطابق الثاني. أما الخادم الذي عُثر عليه هناك فلم يكن يحمل أي آثار مقاومة. يبدو أنه تعرّض لهجوم مباغت.”
رفع هيريوت تقريره بعدما استوعب على عجل ما حدث في وقت قصير.
ومع ذلك، لم يستطع أن يفهم السبب في وجود فلورا في هذا الاجتماع.
فالخطب خطير، وكان من اللازم أن تُدار المسألة بسرية تامة.
كلود، من دون أن يتكلم، التفت يتأمل وجه فلورا الجالسة قبالته.
تساءل إن كانت لا تزال منزعجة من طردها صباحاً، لكن ملامحها الباردة لم تتغير.
الأحداث المتتابعة التي وقعت جعلت رأسه مزدحماً.
في ليلة واحدة فقط، استطاعت مجرد خادمة أن تقلب أفكاره رأساً على عقب.
لم يكن ليتخيل أبداً أن تلك المرأة، التي ظن أنها صارت عادية تماماً، تخفي مثل تلك المقدرة.
شعر كما لو أنه تلقى صفعة على مؤخرة رأسه، إحساس يلسع ويدوّخ.
نقر بأصابعه على مسند الكرسي محاولاً ترتيب أفكاره.
المشاعر الشخصية كان لا بد من وضعها جانباً الآن.
قال هيريوت، وقد ضاق صدره:
“سيدي، سأموت من الغيظ. قل لنا شيئاً على الأقل. ما الذي جرى بالضبط؟”
فأجابه كلود بهدوء:
“اسأل المعنية بالأمر. من حلّ الموقف البارحة لم أكن أنا.”
“……ماذا؟ إذن الجثث التي وُجدت في الحمّام، لم تكن من صنيعك يا سيدي؟”
التفت هيريوت نحو فلورا بوجه متشكك.
كونه فارساً، استطاع أن يستشف من آثار القتلى أن القتلة سقطوا بضربات حاسمة ونظيفة، كلها في ضربة واحدة.
حين رمقها بعينين تسألان “هل هذا صحيح؟”، هزّت الخادمة رأسها بإيجاز، مؤكدة.
“يا للعجب…….”
أدرك عندها لماذا كانت فلورا حاضرة هنا، وزفر تنهيدة منخفضة.
فقد أراد سيده أن يعرف الحقيقة منها مباشرة، في مكان خالٍ من الأعين والآذان.
أما كلود، فبقي جالساً متكئاً يضع ساقاً فوق الأخرى، ثم أمرها ببرود:
“اشرحي.”
تنفست فلورا بهدوء وبدأت تسرد:
“كان وقت التسلل حوالي الثانية فجراً. عدد المتسللين أربعة، وجميعهم استهدفوك يا سيدي.”
“……أربعة؟ أليسوا ثلاثة؟”
ارتفع حاجبا كلود دهشة، وكذلك هيريوت الذي لم يكن يعرف تلك المعلومة.
“تمكنت من القضاء على ثلاثة، لكن الرابع أفلت مني.”
أوضحت فلورا ما وقع بأكبر قدر من التفاصيل.
ومع كل حقيقة جديدة، ازدادت وجوه كلود وهيريوت تصلباً.
لم يتخيّل أبداً أن الأمور سارت هكذا. وبرغم ذلك، ظل وجه فلورا ثابتاً وهي ترفع تقريرها.
“من هيئتهم ونوع السيوف التي استخدموها، لا يمكن بحال أن يكونوا مجرد لصوص.”
أصيب كلود بالخرس بعد أن سمع كل ما حدث في الليلة الماضية.
وبينما كان يحدّق فيها صامتاً، قال فجأة:
“إذن…… أنتِ أنقذتِ حياتي.”
“نعم.”
“ولماذا؟”
طرفَت فلورا بعينيها، متفاجئة من السؤال. لماذا؟ لقد رأت قتلة يتسللون في جوف الليل، فقاتلتهم ببساطة.
لكن يبدو أن ما شغل الدوق حقاً كان هذا السبب بالذات.
إذ أضاف متسائلاً:
“لأني سيدك؟”
كان هذا صحيحاً، فأومأت برأسها.
“وهل هذا فقط؟”
“نعم.”
رغم أنه كان جديراً بالثناء أن تنقذ حياته، إلا أن شيئاً ما جعله غير مرتاح.
فحتى الآن لم يُعثر على أي أثر للمتسللين، ولم يكن هناك سوى شهادتها. لكن الاعتماد على كلامها وحده بدا له مريباً.
سأَلها بنظرة متشككة:
“إذاً لماذا كنتِ وحدكِ مستيقظة في ذلك الوقت؟”
“……ذلك لأنني استيقظت من رائحة دم. تتبعت الرائحة، فقادتني إلى غرفة سيدي.”
“رائحة دم؟”
ظهرت على وجه كلود ملامح عدم تصديق. ولم يكن هيريوت أقل استغراباً.
“أيعني هذا أنكِ استيقظتِ من نومك فقط بسبب تلك الرائحة، وذهبتِ مباشرة إلى غرفتي؟”
“أترين أن هذا منطقي؟ لم يستيقظ أي من الفرسان المقيمين في هذا القصر، وأنتِ وحدك تنهضين من نومك لمجرد شمّ دم؟ أهذا معقول؟”
كان في كلامه الكثير من الشك، فأضاف هيريوت:
“هل هذا صحيح فعلاً؟”
أجابت فلورا دون تردد:
“صحيح.”
إذ كانت حواسها، بعد كل ما مرت به من أوقات خطيرة، قد أصبحت قادرة على التقاط حتى أضعف أثر لرائحة الدم.
“الكمائن دائماً تقع ليلاً. والوسيلة الوحيدة لاكتشاف من يقترب بصمت هي حاسة الشم.”
رغم أنها قالت ذلك ببرود وكأن الأمر طبيعي، إلا أن صفاء وجهها جعلهم يعجزون عن الرد.
أدار هيريوت رأسه غاضباً، وقال:
“إذاً، حتى وصلت الأمور لتلك الدرجة، كان سيدنا غارقاً في النوم؟ هو، مع ما نعرفه عن حذره الشديد؟”
كان اعتراضه كأن فيه لوم الدوق نفسه، فجحظت عينا كلود وخيّم الصمت.
ارتبك هيريوت على الفور وطأطأ رأسه.
تدخلت فلورا لتشرح:
“ذلك لأن سيدي كان تحت تأثير عطر النوم. اكتشفت أنه صار مدمناً عليه، فأعددت بسرعة مضاداً للتسمم…….”
لكن كلود قاطعها رافضاً:
“لا، ليس الأمر كذلك.”
هزّ رأسه نافياً وأكمل:
“ذلك الدواء ابتلعته أنا بنفسي.”
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 21"