بعدما بذلت فلورا جهدًا كبيرًا لبعض الوقت، بدأت جفنا الدوق المغلقان بإحكام يرتجفان بخفة. وسرعان ما ارتفعت رموشه، وانعكست صورتها في عينيه الرماديتين الباردتين.
“سيدي، هل استعدت وعيك؟”
سألت فلورا وهي تراقب ردة فعله.
فتح عينيه وأغلقهما ببطء دون أن يجيب. كانت تلك علامة على أن الدواء بدأ يعطي مفعوله، وإن كان مؤقتًا.
شعرت فلورا ببعض الارتياح وسحبت يدها، ثم بدأت تشرح له الوضع:
“كان هناك غرباء اقتحموا القصر واستهدفوا حياتك، سيدي.”
لكن حالته لم تكن طبيعية.
اتساع حدقتيه كان بطيئًا، ونظراته ضبابية، وكأنه لا يفهم ما تقول.
“سيدي…؟”
مالت فلورا بوجهها إلى الأمام، ونادته مرة أخرى.
بحلول هذا الوقت، كان ينبغي له أن يستعيد وعيه تمامًا، ومع ذلك لم يُظهر أي استجابة تُذكر.
عندما نادته عدة مرات متتالية، بدأت عيناه الغامضتان تتركزان ببطء عليها.
هل عاد إليه وعيه أخيرًا؟
همّت بالكلام، لكن فجأة امتدت يده الكبيرة وأمسكت بخدّها.
ارتعشت كتفاها قليلاً من برودة لمسه، وكان يمرر إبهامه على خدها بلطف حتى وصل إلى الجرح.
في لحظة، غيّرت ملامحه تعبيرها.
“لقد تأذيتِ…”
بدت عليه نظرة أسف عميق.
“لا بأس، هذا لا يهم. علينا الآن أن نستدعي الفرسان فوراً—”
لم يكن هناك وقت للمشاعر. إذا بقي القصر هادئًا هكذا، فهذا يعني أن الفرسان أيضًا تأثروا بعطر النوم.
كان على أحدهم أن يتحرك.
عندما حاولت فلورا النهوض ومغادرة السرير لتفقد الوضع، أمسك بمعصمها بقوة وسحبها نحوه، حتى سقطت على السرير جالسة.
في غفلة منها، وجدت نفسها في أحضان الدوق، مرتبكة. برودة جسده وتنفّسه على خدها جعلها تشعر بالارتباك الشديد.
أدارت رأسها بهدوء وتحدثت بصوت هادئ:
“…سيدي، من فضلك دعني أذهب.”
حاولت التراجع، لكن ذراعيه القويتين التفّتا حول خصرها بإحكام.
ثم رفع ذقنها بيده برقة، لكنها ارتجفت وتراجعت، دون جدوى.
قال بصوت منخفض عميق:
“…الدم.”
ماذا؟
ما الذي قاله؟
قبل أن تتضح الصورة، شدّ قبضته على ذقنها ورفع وجهها قليلاً، ثم دفن أنفاسه الساخنة على شفتيها.
في لحظة، أصبح عقلها خاليًا تمامًا.
لم تستطع استيعاب ما يحدث، وبالكاد استجابت لما يحصل.
بلا وعي، تباعدت شفتيها، وفي تلك اللحظة اندفع لسانه الدافئ إلى داخل فمها بقوة.
فلورا، التي لم تكن تعرف كيف تتعامل مع هذه المواقف، أصابها الذهول.
لم يسبق لها أن لامست جسد شخصٍ بهذا القرب من قبل، والآن كان يتوغل بعمق داخلها.
“…آه، سي…سيدي…”
نادت أخيرًا، لكن صوتها قُطع فجأة.
كان يضغط على مركز ذقنها، مما فتح فمها أكثر، فتعمّق في تقبيله.
استوعبت بعد وقت طويل أن ما يحدث بينهما هو قبلة.
رغم أنها انجرفت للحظة، إلا أن الأمر بدأ يصبح خطيرًا.
استجمعت قوتها، ودفعته بقوة من صدره.
عندما انقطعت خيوط اللعاب التي كانت تصل بين شفتيهما، ظهرت عيونه الرمادية الغاضبة.
ما الذي يجري…؟
لماذا يتصرف هكذا؟
من المفترض أن زهور “راحيل” الزرقاء تُستخدم كمضاد لتأثير عطر النوم…
لكن يبدو أن هناك خللًا ما.
حاولت ترتيب أفكارها المبعثرة، ثم تحدثت بتماسك:
“…أنت في حالة تسمم بعطر النوم. لذلك، يجب أن—”
“اصمتي.”
قاطعها فورًا بصوت منخفض، نابض بالرهبة.
كان ذلك الصوت نفسه الذي سمعته منه أول مرة في معسكر الغرب. كان فيه رهبة تُشعرك بالخطر.
هل هو غاضب؟
ربما لأن خادمة بسيطة تجرأت على دخول غرفة نومه؟
“يبدو أن العلاج لا يعمل. يجب علينا استدعاء طبيب—”
“…فلورا.”
نادى باسمها بدقة.
شعرت بغرابة شديدة، إذ كانت المرة الأولى التي يناديها فيها باسمها.
هل بدأ يستعيد وعيه؟
نظرت إلى وجهه، لم ترَ سوى ملامح ضبابية، لكنها أحسّت من نظرته أنه ينظر إليها مباشرة.
“من شفتيك… يسيل الدم.”
“…؟”
تحسست فلورا شفتيها بأصابعها على عجل. كان هناك أثر دم خفيف لم تدرِي متى سال، فوق شفاهها المبللة بلعاب ذلك الرجل.
“هنا أيضًا… مصابة.”
وفي لحظة، ألصق شفتيه بجانب معصمها الذي أمسكه، حيث بدا كأن سيفًا قد خدش الجلد برقة، فتكاثرت حبات الدم الصغيرة على الخط الرقيق. لامس لسانه الرطب الجرح بخفة ثم ابتعد.
المكان الذي لامسته فيه شفتيه أخذ يحمى بشكل غريب.
“أنا… بخير.”
على الشعيرات الدقيقة المنتصبة فوق ذراعها الرقيقة، أنزل شفتيه بلطف بالغ. حاولت سحب ذراعها، لكنه تمسك بها بعناد ولم يتركها.
أنفاس الرجل ظلت تحتك مرارًا وتكرارًا. ومع حرارة أنفاسه الدافئة على جلدها المبتل بلعابه، عضت فلورا شفتيها.
حاولت الإفلات بكل ما تملك من قوة، لكن لم يكن ذلك كافيًا. الرجل، الذي بدا خاملاً حتى وقت قريب، اختفى كليًا. بدا واضحًا أن آثار التسمم لم تنقشع بعد، وقوته كانت هائلة.
أدركت فلورا الفارق الكبير في القوة، فتحدثت بصوت مكسور تحاول إقناعه:
“أرجوك… دعني.”
لكن الدوق لم يتوقف، وكأن كلمتها لم تصل إليه. تحركت شفتاه ببطء على الجلد عند معصمها.
توقف الرجل فجأة، ورفع حاجبيه المرتبين ببطء. نظر إليها بوجهه المنحوت، مائلًا برأسه، يحدق بها في صمت.
الغرفة، التي كانت تعتمد فقط على ضوء القمر الخافت، كانت شديدة الظلمة، لكن وجهيهما كانا قريبين لدرجة أن ملامحه بدت واضحة.
عيناه الرماديتان، الغارقتان في السكون، بدتا باهتتين، قاتمتين بشكل غير معتاد.
“هل… لا زالت تؤلم؟”
نظرت فلورا إلى ذراعها الممسكة به، الجرح الذي لعقه قد توقف نزفه تقريبًا.
لكن حين لم تجب بنعم أو لا، بدا أنه ظن أن العناية لم تكن كافية، فأعاد إلصاق شفتيه بجلدها برفق أكبر.
“آه…”
اهتز جسدها مجددًا، وقد كانت قد بدأت تهدأ قليلًا. أنفاسه الرطبة أخذت تصعد ببطء، وشفتيه اللزجتين تسيران على ذراعها الجافة.
أخرجت فلورا أنفاسها المحبوسة ببطء، رغم اضطرابها، لم يتركها الدوق.
كانت هناك مقاومة صامتة. يدها التي حاولت أن تتملص بها أُمسكت فجأة من قبله.
رفعت كوعها وضغطت على حنجرته. كان رد فعل لا إرادي يدل على أن الأمور لا يجب أن تتجاوز هذا الحد.
“سيدي، أنت لست في وعيك الآن.”
تحرك حاجباه الكثيفان قليلًا. حين قابلت عيناه الرماديتان، اللتان كانت تلمعان بألم خافت، شعرت بقشعريرة تجتاحها.
“أنتِ أيضًا… لم ترغبي في هذا.”
فجأة، قالها وهو ينظر مباشرة في عينيها، وبصوته العميق اخترق أضعف نقاطها.
هل عاد إلى وعيه أخيرًا؟
لكن عينيه لا تزالان ضائعتين، كما لو أنه شخص تائه في حلم أو مخدر.
“لم تعيشي هكذا لأنك أردتِ ذلك… أنتِ أيضًا تكرهين هذا.”
رغم أنه بدا وكأنه استعاد بعض إدراكه، ظل يتمتم بكلمات غير مفهومة.
“ولم تريدي القتل… كان لا بد منه فقط.”
في تلك اللحظة، شعرت فلورا وكأن قلبها سقط من مكانه.
كما لو أن كل شيء كانت تخبئه في أعماقها قد كُشف بكلمة واحدة منه.
“كيف… كيف عرفت، سيدي؟”
لأول مرة، يسألها أحد عن هذا. ولأول مرة، ترى على وجه أحدهم ملامح حزن حقيقي بسبب ذلك.
كل يوم كانت تشهد جحيما يموت فيه الناس بالجملة. البعض يُطعن، البعض يُمزق في الفخاخ.
إن لم تقتل، فستصبح هي من يُقطع أطرافه ويُكسر عنقه. كان ذلك روتينها اليومي. لم تخبر أحدًا، ولم يعرف أحد ما في داخلها.
ارتجفت عيناها.
“كيف… علمت بذلك يا سيدي؟”
“…لأني أنا أيضًا، لم أرد ذلك.”
إذن…
صورتها، التي عاشت على هذا النحو رغمًا عنها، كانت تنعكس في عينيه.
الخوف المكبوت، الألم، والعجز عن التغيير.
وكانت تعرف تلك النظرات جيدًا. رأتها في وجوه الكثير من الفرسان في المعسكر.
بعد أول مرة يقتل فيها أحدهم، كانوا ينقسمون إلى نوعين:
أحدهم يغرق في نشوة الانتصار ويتعلق بالقتل،
والآخر يتعذب بالندم والذنب.
والدوق الآن، بملامحه، كان من النوع الثاني تمامًا.
رؤيتها لتلك الأشياء المألوفة في عينيه جعلها تفقد الكلمات.
فهي أيضًا، في أول مرة أخذت فيها رأس عدو، جلست في ركن ما وهي ترتجف لساعات.
“لم تعودي مضطرة لذلك.”
صوته، الذي كان يبعث الرهبة سابقًا، صار يحمل شيئًا من الحنان الآن.
رنينه اللطيف والدافئ بدأ يطرق شيئًا في داخلها.
“لن أدعك تموتين.”
صوته كان حزينًا للغاية.
تلك النغمة المنخفضة، الغريبة في هشاشتها، آلمت قلبها.
كيف يمكنها أن تشعر بالتشابه مع رجل ظنت دومًا أنه يقف في ضفة بعيدة؟
الدوق هاينست، القائد الأسطوري الذي لم يخسر معركة في الجبهة الجنوبية، الرجل الذي واجه الموت بشجاعة لا مثيل لها.
رؤية جانبٍ آخر من رجل كان يبدو لا يُقهر أمام الآخرين… كانت تجربة غريبة بحق.
أعادها إلى الواقع ذلك الإحساس الرطب المفاجئ.
في غفلةٍ من تركيزها، أمسك الدوق بمعصمها مجددًا وبدأ يداعبه برقة، كأن مخلوقين جريحين يلعقان جراح بعضهما للمواساة.
وضعت فلورا يدها على وجنته دون أن تشعر، فأمسك بظهر يدها وراح يدلكه بوجهه.
ومع ذلك، بصوته المهيب الذي لا يُقاوم، قال:
“ابقي إلى جانبي. هكذا فقط ستكونين بأمان.”
وحين همّت فلورا أن تقول شيئًا، وهي ترفع رأسها لتنظر إليه، التقت عيناها بعينيه.
كان طعم الدم المعدني يلفّ لسانها… يبدو أن الجرح قد انفتح مجددًا.
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 19"