كانت فلورا نائمة في السرير الذي أصبحت معتادة عليه إلى حدٍّ ما، حين فتحت عينيها فجأة في وقت متأخر من الليل بعد منتصفه بكثير.
عبست جبينها وركّزت حاسة الشم على رائحة معدنية خفيفة جاءت من مكانٍ ما.
“رائحة دم…”
لم يكن هناك شك في هذا العطر الخافت الذي تسلل إلى أنفها — إنه بالتأكيد رائحة دم.
وكانت قادرة على تمييزه فورًا، لأنها اعتادت استنشاق هذه الرائحة كل يوم طيلة ثماني سنوات.
فلورا، التي نهضت دفعة واحدة، انخفضت بجسدها كالوحش، وألقت نظرة هادئة على غرفتها الساكنة.
ثم مدت يدها نحو الخلف غريزيًا، لكنها سرعان ما تراجعت بتعبيرٍ خائب، تتلمّس فراغًا حيث كانت توجد ذات يوم سلاحها.
لقد سُلب منها سيفها منذ زمن، ولم يعد بحوزتها أي سلاح.
“اللعنة…”
فلورا، التي تفوهت بشتيمة نسيتها منذ شهور، تحركت برشاقة وهي لا تزال منحنية، وألصقت ظهرها وأذنها بباب غرفتها.
لكن لم يصلها أي صوت من خلف الباب.
ومع ذلك، فإن حاسة الشم المدربة لديها لم تخطئ — كانت الرائحة حقيقية.
وضعت يدها على مقبض الباب وأدارته بهدوء، وفتحته بمقدار شبر فقط.
كان الممر ساكنًا تمامًا، ولم يكن هناك أحد في الأرجاء.
بعد مراقبة الخارج لبعض الوقت، أخذت تبحث عمّا يمكن أن تستخدمه كسلاح، لكنها لم تجد غير سكين ورق صغيرة بحجم كف اليد، فاحتفظت بها مضطرة.
وما إن خرجت إلى الممر، حتى ازدادت رائحة الدم قوة لدرجة جعلتها تعقد حاجبيها من شدة الاشمئزاز.
منذ متى أصبحت رائحة الدم مقززة هكذا؟
غطّت أنفها بكمّ ردائها، وقبل أن تخطو خطوة، رأت رجلاً ملقى في نهاية الممر.
ولمّا لاحظت أنه يرتدي ملابس يومية كمن يعمل في القصر، شعرت بمعدتها تنقلب.
اقتربت بخفة دون أن تصدر أي صوت، ونظرت بعينين ثقيلتين إلى وجهه فوق عنقه الملتوي بشكل بشع.
كان أحد الخدم الذين لم تكن تعرفهم جيدًا، لكنه كان يحمرّ خجلًا كلما التقت به ويقدّم لها بعض الحلويات أحيانًا.
تسللٌ خارجي.
وصلت إلى هذا الاستنتاج، وبدأ قلبها الساكن ينبض بشدة. أغلقت عينيه الواسعتين بدهشة الموت، ثم بدأت تتحرك بهدوء.
رؤية الجثة جعلتها تفكر فورًا في الخادمات الأخريات.
لم يكن هناك قطرة دم واحدة في هذا المكان، لذا لا بد أن مصدر هذه الرائحة القوية في مكان آخر.
لكنها سرعان ما هدّأت نفسها وهزت رأسها.
في مثل هذا الوقت، لا أحد من الخدم سيكون خارج غرفته — فالكل نائم على الأغلب.
وحتى لو كان هناك متسللون، فمن المستبعد أن يتكبدوا عناء الذهاب إلى غرف الخدم.
“إذًا الاحتمال الوحيد المتبقي…”
بطريقة طبيعية، اتجهت نظرات فلورا نحو غرفة السيد في أعلى الدرج المركزي.
غيرت وجهتها بسرعة وبدأت تتحرك على عجل.
وما إن وصلت إلى نهاية السلم بهدوء، حتى رأت منظرًا غريبًا بعينيها.
كان باب غرفة الدوق، سيد القصر، مفتوحًا على مصراعيه.
ومن هناك، انبعثت رائحة الدم الكثيفة.
دق جرس الإنذار في رأسها بشعورٍ سيئ.
انخفضت بجسدها وصعدت درجة واحدة فقط، ثم تفقدت الممر يمينًا ويسارًا.
لم يكن هناك أحد، لكن من داخل غرفة السيد، شعرت بوجود حركة خفيفة.
تسللت فلورا لتنظر إلى الداخل، فرأت ظلالًا داكنة.
واحد، اثنان… ثلاث ظلال ترتجف بخفة.
كان ثلاثة أشخاص يحيطون بسرير كبير، حيث يرقد أحدهم بلا حراك — كان الدوق نفسه.
“لماذا سيدنا نائم؟”
إنه رجل لا يُضاهى في السيطرة على جسده، ولا يمكن أن يغفل عن الإحساس بالخطر حتى لو كان نائمًا.
الأمر غير منطقي.
وهي تحاول الاقتراب بحذر، شعرت بعطر ناعم يتسلل إلى أنفها، فسارعت إلى تغطية أنفها بياقة ردائها.
العطر الباهت المتبقي هو رائحة زهور راهيل.
وأخيرًا، فهمت لماذا لم يكن هناك أي من فرسان الحراسة في الممر.
زهور راهيل، التي تُرى بكثرة في الغابات، جميلة وتُستخدم للزينة غالبًا، لكن مسحوقها إذا أُشعل بالنار يتحول إلى مخدّر منوم.
سقطت فلورا في الحيرة — فهي لا تعرف قوة أولئك الأشخاص، ولا يمكن أن تتحرك بتهور.
كان من المحتمل أن يكون الدوق قد تعرّض لهجوم بالفعل، فقررت أن تترقب اللحظة المناسبة.
“المعلومة لم تكن خاطئة. كل شيء سار بسهولة.”
قال أحدهم بصوتٍ أجش من وسط الظلام.
“لقد دفعنا ثمنًا باهظًا، فلا بد أن تكون صحيحة.”
“أمرٌ سهل أكثر مما ظننت، وسنحصل على مكافأة دسمة أيضًا.”
ما الذي يتحدثون عنه؟
لم تفهم شيئًا من الحوار، لكنها تأكدت أن عددهم ثلاثة.
ثم، عندها، تمايل ستار السرير، وانعكس ضوء القمر على شيء طويل لامع.
سيف!
لم يكن هناك وقتٌ للتفكير.
في اللحظة التي حاول فيها أحدهم طعن صدر الدوق، ألقت فلورا سكين الورق بقوة.
تشانغ!
دوّى صوت تمزق حاد للهواء، ثم تبعه صرير مزعج صدح في الغرفة.
“ماذا… ما هذا؟!”
“من هذا؟!”
تحت تأثير الضربة التي تلقاها السيف، التفت أحد الرجال بسرعة وصاح غاضبًا. وكان الآخرون بدورهم في حالة من الذهول بسبب ما طار نحوهم فجأة.
تقدمت فلورا بلا تردد بين المرتبكين، وسددت ضربة قوية إلى كاحل أحدهم، مما جعله يسقط أرضًا. سُمِع صوت كسرٍ حاد، وسقط الرجل على ظهره.
في هذه الأثناء، وبينما كان أحدهم يحاول النهوض ليرفع سيفه، ضربت فلورا معصمه بظهر يدها ضربة قوية.
وفي اللحظة نفسها، التقطت السيف الذي أفلت من يده، وطعنته في بطنه. تناثر الدم بلون قرمزي على السجادة المفروشة بدقة.
“آهغ!”
تعالت أنين المعتدين من كل جانب بسبب الهجوم المفاجئ.
آخرهم، وقد أصيب بالذعر بعد سماعه لصراخ زملائه، بدأ يلوح بسيفه عشوائيًا في الظلام. صوت السيف وهو يشق الهواء بدا مهددًا.
فلورا ركزت على الصوت، ثم انطلقت بجسدها في حركة دائرية مقتربة منه، وضربته بمرفقها في أعلى معدته، ثم واصلت الركلة إلى أسفل بطنه.
ارتطم الجسد بالحائط وسقط على الأرض بلا حراك، رأسه مائل للأسفل.
بسبب سرعتها في التحرك، شعرت بأنفاسها تتسارع، لكن لم يكن هناك وقت للراحة.
بما أنها حيّدت المعتدين، حان وقت القيام بما يجب.
صعدت فلورا على جسد الرجل الأول الذي سقط، وضغطت السيف على عنقه.
“قُل لي من أرسلكم.”
“هاه… تظنين أنني مجنون لأتكلم؟”
بدأ الرجل الملقى على الأرض يتلوى محاولًا التحرر.
عندها، ضغطت فلورا السيف بشكل أعمق على عنقه. سال الدم من جلده ليقطر على النصل.
“إن لم تذكر سبب مجيئك إلى هنا، سأقطع عنقك.”
رغم الألم الظاهر على وجهه، إلا أن فلورا واصلت الضغط ببرود، طالبة الإجابة.
اهتزت عيناه المرتجفتان من وراء القناع الأسود، وعندما بدأ يحرك شفتيه محاولًا النطق، شعرت بحركة طفيفة من خلفها.
تبا!
بصوت حاد، أدارت فلورا كتفها لتتفادى شيئًا طار نحوها. السكين الطائر مرّ بجانبها، لكنه أصاب الرجل الملقى تحتها مباشرة في صدره.
لم يُتح له الوقت حتى للصراخ، مات وعيناه مقلوبتان.
فلورا، التي نجت في اللحظة الأخيرة، استدارت بسرعة لترى من ألقى السكين. رجل خرج بهدوء من خلف الستار وسار نحوها.
محترف.
شعرت بالخطر فورًا، فالرجل لم يصدر أي صوت عند اقترابه.
بللت فلورا شفتيها وتحدثت بنبرة حذرة، وقد أدارت سيفها استعدادًا للهجوم:
“… لم يكن هناك داعٍ لقتل زميلك.”
لكن الرجل لم يُجب. اكتفى بنظرة طويلة نحو جثة رفيقه، ثم مال برأسه قليلًا وحدق في فلورا، وكأنه يقيم مهاراتها.
دام التحديق بينهما لفترة، كلاهما يقظ لا يتزحزح.
فجأة، قفز الرجل بخفة إلى حافة النافذة.
“لا يمكنني السماح له بالهرب.”
في لحظة خاطفة، جمعت فلورا قوتها ورمت السيف نحوه.
لكنه تفاداه بتحريك بسيط لرأسه، ثم نظر نحوها للحظة قبل أن يختفي وراء النافذة بهدوء.
أسرعت فلورا نحو النافذة لتتبعه، لكن لم يكن هناك أي أثر له في الحديقة الغارقة في الظلام.
أدركت أنه لا جدوى من المطاردة، فعادت وأغلقت كل نوافذ الغرفة بإحكام. ثم جمعت أجساد المتسللين وسحبتهم إلى الحمام، وأغلقت الباب جيدًا.
كان الأمر غريبًا. لم يأتِ أحد رغم الضجة.
حين همّت بالذهاب إلى غرفة الخادم، غيّرت رأيها.
إيقاظ الدوق أولًا هو الأولوية القصوى.
عندما عادت إلى السرير، كان الدوق لا يزال نائمًا بعمق.
وضعت إصبعها تحت أنفه، فتحسست أنفاسًا خفيفة.
الحمد لله، لا يزال حيًا.
“أسرع طريقة لإبطال تأثير العطر المنوم هي…”
أدركت ما يجب فعله، فقفزت من النافذة التي هرب منها المعتدي، وهبطت في الحديقة.
بدأت تفتش وسط العشب، وهمست:
“أعتقد أنني رأيت هذه الزهرة هنا من قبل…”
بحثت طويلاً حتى تلطخت يدها بالأعشاب، حتى لمحت زهرة زرقاء صغيرة.
اقتطفت الكثير منها مع الجذور، وعادت مسرعة إلى الغرفة.
لم يكن هناك وقت.
إذا لم يستيقظ بعد كل هذا، فلابد أن تأثير التسمم قوي.
سكبت الماء في الكأس من على الطاولة، وسحقت جذور الزهرة جيدًا داخله. انتشر لون أزرق خفيف في الماء.
أخذت الكأس إلى السرير، لكن المشكلة بدأت هنا.
“كيف أجعله يشربها؟”
لم يكن واعيًا، فلا يمكنه البلع من تلقاء نفسه.
فكرت قليلًا، ثم فتحت فمه، ووضعت بعضًا من العشب المهروس داخله.
تجعدت ملامحه بسبب الطعم المر.
وفجأة، بدأ بالسعال.
“أكف! كح كح…”
أراد أن يبصق العشب، فدفعت فلورا بسرعة بإصبعها داخله لتجبره على بلعه.
شعرت بملمس لسانه الناعم على إصبعها، وكان يتحرك ببطء معها.
رغبت في سحب يدها من الدغدغة، لكنها تماسكت حتى ابتلعه تمامًا.
حرك حلقه السميك أخيرًا، وابتلع العشب.
الانستغرام: zh_hima14
التعليقات لهذا الفصل " 18"