1
المقدمة
دو دو دو…
صوت حوافر الخيول يهزّ الأرض واقترب منها حتى أصبح على مسافة قريبة جدًا.
وسط الناس الذين بدأوا يهمسون ويتحدثون، سحبت فلورا طرف عباءتها المقلوبة قليلًا لتخفي وجهها.
هل كُشِف أمري بالفعل؟
تحركت بخفة بين الحشود المضطربة، واستغلت لحظة انشغال الجنود عند بوابة القلعة بالتطلع نحو المدخل، فتسللت إلى الدرج المؤدي إلى أعلى السور.
خطوات ثقيلة تُحدث ضوضاء على الدرج الحجري، ترددت أصداؤها في الممر الضيق.
وفي اللحظة التي وطأت فيها قدمها آخر درجة، انسكب ضوء الشمس بقوة.
وبينما كانت تحدق بعينين ضيقتين من شدة الضوء، رفرفت العباءة السوداء بقوة في رياح الشتاء الباردة.
لا يعقل…
اتسعت عينا فلورا فجأة، حين رأت الرجل الذي لا يجب أن يكون هنا أبدًا.
“لا شيء يفلت من توقعاتي.”
استدار الرجل الذي كان يحدّق فيما وراء السور ببطء.
في نهاية نظراتها التي صعدت مع عباءته المتمايلة، كانت خصلات شعره الفضي تتناثر تحت ضوء الشمس وتتراقص بنعومة في النسيم الخفيف.
“لأجلك وحدك أقمت هذه الجلبة كلّها.”
قالها دوق هاينست، كلود، وهو يتهكم، بينما ينظر إلى فلورا التي تجمدت عاجزة عن الكلام.
كان يبدو وكأنه قد توقع تمامًا إلى أين ستتجه خطاها، يقف بثقة وهدوء مطلق.
“… كيف… وصلت إلى هنا…؟”
خرجت الكلمات المرتبكة من شفتيها المشدوهتين أولًا.
لم تكن تفهم ما الذي حدث.
بمجرد عبورها بوابة القلعة، كان من المفترض أن تنتهي علاقتها بالعاصمة باشانت، وأن لا ترى وجه ذلك الرجل مجددًا.
“يبدو أنكِ مصدومة إلى حد بعيد.”
استل الدوق سيفه فجأة، ووضعه فوق عنقها كتهديد حاد.
“قلتُ لك إنني لا أسمح لكِ بالرحيل.”
طرف النصل البارد دفع قلنسوتها بلطف، فانزاحت، لتنسدل خصلات شعرها البلاتينية المخفية.
وتسلقت نظراته الحارة عنقها المكشوف الأبيض لتستقر على وجهها المتيقظ والحذر.
وجهها الأبيض الباهت،
عيناها الزرقاوان الصافيتان كالبحيرة،
وشعرها البلاتيني الذي كان ينهار تحت قبضته…
رفع طرف إحدى خصلاتها التي كان ينهل منها كل ليلة، ولفّها حول مفصل إصبعه ببطء، قابضًا عليها بشدة.
كان ملمسها الرقيق تحت راحته يبعث في نفسه متعة عميقة.
تشينغ!
في تلك اللحظة، شق صوت احتكاك حاد الهواء.
فلورا، التي سحبت سيفها بسرعة خاطفة، ضربت سيف الدوق مائلة إياه جانبًا.
وبفضل ذلك، أوجدت مسافة كافية بينها وبينه، ثم ثبتت قدميها وظهرها في مواجهة الحافة، وضغطت بأصابعها على قبضة سيفها بقوة.
“لن أعود.”
انقبضت جبين الدوق الوسيم قليلًا، ثم ارتفع طرف شفتيه كأنه فهم ما تنوي عليه.
“أعترف أنكِ قوية… لكن ليس أمامي.”
تحدث بنبرة هادئة، وهو ينظر إليها وهي تمسك بسيفها الصغير.
رآها كقطة صغيرة تنفش فروها في وجه خصم كبير.
كان شكلها يبدو لطيفًا في عينيه، حتى أنه أطلق تنهيدة خفيفة.
“حتى وإن أبرزتِ مخالبك، فلن تكون أكثر من دغدغة بالنسبة لي.”
عضّت فلورا على شفتها.
رغم أن كلاً منهما لم يتبادل سوى ضربة واحدة، إلا أن يدها التي كانت تقبض على السيف راحت ترتعش بوضوح.
“دعينا ننهي الأمر هنا. أعلم تمامًا لماذا تفعلين هذا.”
نبرته التي تساقطت بتعجرف كانت ثقيلة.
وكأن كل محاولاتها للهروب، والتي لم تكن قليلة، قرر أن يمحوها كلها بجملة واحدة.
ثم ظهرت ابتسامة مشرقة على وجه الدوق، كأنها ختم لكل شيء.
“لقد تخلّيت منذ وقت طويل عن فكرة تسليمك للإمبراطور.”
امتدت يد الرجل الكبيرة نحوها. كانت حركة تبدو لطيفة للوهلة الأولى، لكن فلورا لم تُسقط حذرها.
“لذا، توقفي عند هذا الحد وتصرفي بلطف.”
“…”
بدلًا من الرد، استدارت فلورا بخفة وقفزت فجأة إلى حافة سور القلعة. ارتفع حاجب الدوق بامتعاض.
“ما الذي تفعلينه؟ هل تفكرين بالقفز من هنا؟”
“تظن أنني لا أستطيع؟”
تقلّصت ملامح عينيه المنحنية على الفور.
المرأة التي تلوّح له بالانتحار بدلًا من العودة إليه، بدأت تثير في داخله ضيقًا متزايدًا.
“يبدو أنكِ تبالغين في الاعتماد على تسامحي. هل نسيتي من تكونين؟”
كلود هاينست، دوق الإمبراطورية الوحيد، والقائد العام للجبهة الجنوبية، كان في قمة هرم السلطة في إمبراطورية ريجينترا.
ولهذا، لم يكن هناك أي سبب يجعله يغضّ الطرف بعد الآن عن محاولات الهروب المتكررة من امرأة تثير أعصابه بهذا الشكل.
حتى وإن رفضت، فبإمكانه جرّها معه قسرًا. منطق واضح وصريح.
“إن كنتِ قد نسيتي، دعيني أُذكّرك. أنتِ ملكي.”
ابتسم الرجل المتغطرس، عديم الرحمة، بابتسامة مشرقة.
“بكلمات أبسط؟ أنتِ امرأة التقطُها بنفسي. وهذا يعني… أن تطيعي أوامري دون نقاش.”
كلماته الباردة اخترقت قلبها.
ابتلعت فلورا ألمها بصعوبة، ورفعت بصرها عن وجهه نحو السماء.
في السماء الزرقاء الصافية الخالية من الغيوم، كان صقر أبيض ضخم يحلّق في دوائر، ريش ذيله العميق الزرقة يلمع تحت الشمس.
تفتحت شفتيها المنغلقتين بخفوت.
“سيدي… اسمي ليس فلورا.”
ارتجّت نظرة رمادية في عيني الرجل وهو يرفع رموشه الثقيلة نحوها.
راحت لمحة إدراك تنتشر ببطء على وجهه الوسيم الذي شابته لحظة من التوتر.
حتى هذا التغيير الطفيف كان كافيًا لتدرك أنها كانت على حق.
“… كنت تعرف من أنا منذ البداية، أليس كذلك؟”
اهتز صوتها وهي تحاول كبح وخز الألم الذي خيّم على صدرها.
الرجل الذي أمضت معه ليالي لا تُحصى، تتقاسم معه الدفء، لم يعد موجودًا.
يا لسذاجتها.
وقعت في فخ عاطفة لم تعهدها من أحد من قبل، وغفلت عن القسوة التي اختبأت تحت ذلك الوجه اللطيف.
في النهاية، مصير الكلب بعد أن يتم استغلاله… أن يُلقى في قدر يغلي.
“… وجّهي إليّ ما شئت من الاتهامات.”
قالها دون أي محاولة للدفاع عن نفسه، متقدمًا نحوها خطوة واحدة، بينما شدت هي جسدها وتراجعت بنفس القدر.
“حتى التبرير لا يستحقك؟”
تساقط الرمل بهدوء من خلف كعبيها عند حافة السور.
لاحظ الدوق الخطر الداهم فجأة، فتقلص وجهه وهو يصرخ بفزع:
“اللعنة! فقط انزلي ودعينا نتحدث!”
“لم يعد هناك سبب لأبقى بجانبك، سيدي.”
رمَت فلورا سيفها على الأرض بلا قوة، ثم فتحت ذراعيها على اتساعهما.
الرجل، الذي كان يقترب منها بحذر، تجمّد مكانه فجأة.
مرت على وجهه، الذي كان دائمًا واثقًا ومتزنًا، لمحة من التوتر واليأس.
“تبًّا! توقفي عن هذا الجنون وانزلي حالًا!”
الهدوء الزائف الذي كان يتصنّعه اختفى تمامًا.
فلورا، التي آمنت ذات يوم أنه منقذها وأحبّته بجسدها وروحها، ابتسمت له بابتسامة حزينة.
“أنت لم تعد سيدي بعد الآن.”
في اللحظة التالية، بدأ جسد فلورا الصغير، الذي كان واقفًا بلا أي دعم، يميل إلى الخلف.
وفي نفس اللحظة التي رمى فيها الرجل سيفه بعشوائية، اندفع يركض نحوها بيأس.
“فلورا!”
ركض كلود بسرعة، باسطًا ذراعيه الطويلتين ليُمسك بها قبل أن تقفز من فوق السور العالي.
لكن يده فشلت في اللحاق بها بفارق ضئيل للغاية، وكل ما لمسته راحته كان طرف عباءتها الناعم وهي تنزلق من بين أصابعه.
شعر بقلبه يهوي داخل صدره. لم يتمكن من الإمساك بشيء.
نظر إلى الأسفل، يحاول عبثًا تجاهل الصورة المرعبة التي بدأت تتشكل في ذهنه، وراح يتفقد المكان بعينين مذعورتين… لكنها لم تكن هناك.
بدلاً من ذلك، ومن خلف الغبار الكثيف الذي ارتفع بسبب السقوط، سُمع صوت صهيل حصان وهو يركض، تتبعه أصوات حوافر تشق الأرض بقوة.
رفع كلود رأسه بسرعة نحو مصدر الصوت، وفي اللحظة التي بدأ فيها يشعر ببصيص من الارتياح، اختفت كل تعابير وجهه تحت انقباض شديد.
لقد هربت.
رغم أنه وجدها بشكل دراماتيكي، إلا أنها في النهاية… هربت منه.
قبض على الحائط الحجري البارد بكل قوته.
على الجانب الآخر، كانت فلورا قد هبطت بسلام على ظهر الحصان الذي كان بانتظارها بعد أن اجتاز بوابة القلعة في الوقت المناسب.
أمسكت بزمام الحصان بهدوء، فيما راح الحصان الأبيض يرفس الأرض ويهز لبدته وكأنه يرحب بسيدته.
“أسرعي، فلورا! الفرسان منتشرين في كل مكان!”
صرخ صوت من خلفها يحثها.
كانت على وشك إدارة الحصان، لكنها غيّرت رأي
هيما: رواية جديدة~
الانستغرام: zh_hima14
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"