الفصل 5
شعرت تيا بخفقانِ قلبِها يَدُقّ بقوّة.
لكنّ ذلك لم يكن بسبب الخوف من المستقبلِ المروّع الذي حدّثتها عنه وينتر قبل قليل.
“أنا……؟”
بل كان بسبب الأمل.
<صحيح. لإنقاذِ عائلةِ فلاديزيف، أنا بحاجةٍ إليكِ.>
توقّعٌ بأنّها، حتى وإن كانت تُعَدّ “معيبةً” في العائلة، يمكنها أن تفعل شيئًا لأجل العائلة.
<إنّه أمرٌ لا يستطيعُ أحدٌ سواكِ أن يقومَ به.>
ذلك القولُ، الذي سدَّ الفجوةَ في قلبها تمامًا، جعل تيا تنهضُ واقفةً بقوّةٍ بجهدها الخاص.
“سأفعل! لا، دعيني أفعل ذلك!”
وعند جوابِ تيا الشجاع، ارتسمت أخيرًا على شفتي وينتر ابتسامةٌ راضية.
***
بعد ثلاث ساعات.
وُضِعَت الخطةُ العظيمةُ لوينتر وتيا من أجل إنقاذِ عائلة فلاديزيف.
1. منعُ الوباءِ.
2. التخلّصُ من العدوِ الخفيّ.
3. كسبُ حلفاء (مُعينين).
“إنّه مثالي!”
نفخت تيا الهواءَ من أنفها بفخر.
بينما كانت وينتر، التي أنهكها التكلّمُ بلغةٍ مبسّطة لتفهمَها تيا، ملقاة في الفراغ كما لو أنّها تتمدّد بلا مبالاة.
<أنتِ…… هذه المرّة حقًّا فهمتِ، صحيح؟>
“طبعًا! فأنا ذكيّة لدرجة أنّني أنهيتُ قراءةَ الكتب بنفسي!”
<فتاةٌ لا تُجيدُ حتّى الجمعِ، وتزعم أنّها ذكيّة…>
“كُح… في الواقع أنا ضعيفةٌ قليلًا في الحساب…”
كانت وينتر ممدّدةً في الهواء، كأنّها في غرفة منزلها، تستندُ بيدها على رأسها بإهمال، ثمّ سألت فجأةً.
<الأول. ما هو المكوّنُ الأساسيّ لعلاجِ وباءِ “وسامِ رسولِ الموت”؟>
بدأ وقتُ الاختبار على نحوٍ مفاجئ.
لكن تيا رفعت يدَها عاليًا وصاحت بثقةٍ.
“بيب! فالانتشو!”
<……ينقصُ أهمّ ما في الأمر. كم مرّةٍ قلتُ لكِ إنّه “فالانتشو المشبع بالقوّة الإلهيّة”؟>
“آه، صحيح. ولهذا قلتِ إنّه لا يمكن الحصول عليه إلّا من المعبد.”
ولحسنِ الحظ، كانت وينتر تعرفُ الأعشابَ الطبيّة القادرةَ على معالجة الوباء!
في بداية تفشّي الوباء،
لسببٍ ما، أرسلت العائلةُ الإمبراطوريّة كميّةً كبيرة من نبتة فالانتشو إلى الشمال.
لكن كان ينقصها شيءٌ واحدٌ أساسيّ.
إذ لم يكن يكفي أن تكونَ النبتةُ مجرّد عشبةٍ، بل كان لا بدّ أن يملأها الكاهنُ بالقوّة الإلهيّة كي تُعالَجَ العدوى تمامًا.
والقوّةُ الإلهيّة هي طاقةٌ نبيلةٌ منحها الإلهُ للناس من أجلِ شفاء البشر.
ولذلك لا يستخدمُ الكهنةُ تلك القوّةَ إلّا عند معالجةِ الناس.
وهذا يعني أنّه حتى لو ذهبت تيا وأحضرت فالانتشو وطلبت من كاهنٍ أن “يغمرها بالقوّة الإلهيّة!”، فسيجيبها بالرفض متذرّعًا بالقوانين.
<الثاني. لماذا لا يمكننا أن نُخبِر الكهنةَ أو أيَّ شخصٍ آخر بأنّ “الفالانتشو المشبع بالقوّة الإلهيّة هو علاجُ الوباء”؟>
“بيب! بسبب الحَظر، لا يمكن البوحُ بما يتعلّقُ بالمستقبل!”
<إجابةٌ صحيحة. إنّ حديثي عن إبادةِ عائلة فلاديزيف، أو عن كون الفالانتشو المشبع بالقوّة الإلهيّة هو العلاج، كلّها معلوماتٌ عرفتُها من المستقبل. وبموجبِ قوانين الروح العُظمى، ما يُعرَف من خلال العودةِ بالزمن لا يجوز البوحُ به لأحد……>
لكن وينتر توقّفت فجأةً عن الكلام.
إذ إنّ تيا، رغم أنّها أجابت بشكل صحيح، بدت مجددًا وكأنّها لم تفهم، فأمالت رأسها بحيرة.
يبدو أنّ الشرحَ قد طال أكثر مما يلزم.
<الثالث. العدوّ الحقيقيّ لعائلة فلاديزيف هو؟>
انخفض صوتُ وينتر بجدّية، وارتسم التوتّر على ملامح تيا.
فالسببُ الجذريّ لفناء عائلة فلاديزيف لم يكن الوباءَ ولا البرابرة.
<لقد شنّ البرابرةُ غزوًا واسعَ النطاق، وكانوا على غير العادة مسلّحين بأسلحةٍ حديثةٍ من الإمبراطوريّة.>
والعائلةُ الإمبراطوريّة لم ترفع الحظرَ عن الشمال حتى النهاية.
أما الأسلحةُ الحديثةُ التي امتلكها البرابرة، فكلّها كانت تقفُ وراءها يدٌ سوداء.
وبوجهٍ حازم، نطقت تيا بالاسم.
“الماركيز مونتيس.”
<……إجابةٌ صحيحة. إنّ خال وليّ العهد، الذي سيُصبح لاحقًا إمبراطورًا، هو عدوُّنا الحقيقيّ. حتى لو عالجنا الوباء، فطالما ذاك الرجلُ ما زال في موقعه، فلن تكون عائلةُ فلاديزيف آمنة.>
لذلك كان لزامًا إسقاطُ الماركيز مونتيس، أو، إن لزم الأمر، اغتيالُه.
وبينما كانت وينتر تُخفي عن الطفلةِ خطّةً مشبَّعةً برائحةِ الدم، طرحت سؤالًا جديدًا.
<الرابع. لماذا علينا أن نكسبَ حلفاء؟>
من السؤال الرابع ارتفع مستوى الصعوبة فجأةً.
تيا أخذت نفسًا عميقًا وهي تُظهِر ملامحَ من كان يتوقّع سؤالًا في الامتحان.
لكن وينتر لم تتوقّع أن تُجيب تيا عن هذا السؤال.
فهو معقّدٌ سياسيًّا على طفلةٍ صغيرة.
“الماركيز مونتيس يستندُ إلى العائلةِ الإمبراطوريّة. أمّا عائلةُ فلاديزيف فهي تُعَدّ كالملِك في الشمال، لكن بسبب البيئةِ المنغلقة لا تستطيع أن تُؤثّر كثيرًا خارج حدودها. لذلك نحتاجُ إلى حليفٍ يقفُ في وجهِ مونتيس، ويتحرّكُ في العاصمة من أجلِ عائلة فلاديزيف!”
ولشدّة انهماكها، راحت تيا تقذف الكلمات بسرعةٍ متلاحقةٍ حتى كاد نَفَسُها ينقطع، ثمّ أخذت تُلهث.
فاغرةً فمها، نظرت إليها وينتر، بينما رفعت تيا كتفيها بفخرٍ وملامحها كلّها ثقةٌ واعتداد.
وبعد قليلٍ، سألت وينتر مجددًا.
<……و الحليفُ هو؟>
“الماركيز مونتيس يستندُ إلى العائلةِ الإمبراطوريّة. أمّا عائلةُ فلاديزيف فهي تُعَدّ كالملِك في الشمال، لكن─”
<أتظنّين أنّ الحفظَ عن ظهر قلبٍ بلا فهمٍ كافٍ؟!>
“جـ-جدّتي قالت! إن لم أفهم، فاحفظ!”
<أيُّ طريقةٍ صعبةٍ لتقولي إنّكِ لا تفهمين.>
مجرد التفكير أنّها ستضطر إلى تنفيذ الخطط والمكائد مع طفلةٍ كهذه جعل المستقبل يبدو مظلمًا على وينتر.
“لكن وينتر. من يكون الحليف؟ مَن علينا أن نكسبه إلى صفّنا؟”
تردّدت وينتر لحظةً.
فالحليفُ يجب أن يكون صاحبَ نفوذٍ وسطَ السياسةِ المركزيّة، قادرًا على كبحِ الماركيز مونتيس، ولديه في الوقت نفسه روابط مع نبلاءِ الشمال ليكون جسرًا يصلُ بين العاصمة والشمال.
‘وفوق ذلك، إنّه يعرفُ الكهنة أيضًا.’
بالنظر إلى أنّ الشمال سيُعزل بسبب الوباء، فلن يكون هناك شخصٌ أكملُ من هذا.
ومع ذلك ظلّ وينتر متردّدًا طويلًا، ثمّ قال أخيرًا بلهجةٍ لا تخلو من عدم الرضا.
<……شوركا. يجب أن نجعله في صفّنا.>
“حسنًا. شوركا في صفّنا!”
ردّدت تيا كالببغاء لتحفظ العبارة، ثمّ توقّفت فجأة.
شوركا؟ اسمٌ مألوف…!
أمالت رأسها متفكّرة، ثمّ شهقت بعينين متسعتين.
“إنّه أبي!”
وانتصبت بفخر، نافخةً صدرها كأنّها تقول “دعي الأمر لي”.
“لا تقلقي، وينتر. أبي أصلاً في صفّنا.”
<ولِمَ تظنّين أنّه في صفّنا؟>
“لأنّه عائلتي!”
قهقت وينتر بسخرية.
<ذاك الرجل شوركا الذي لم يُرسل عُشبةً واحدةً إلى الشمال طوال أكثر من عشر سنواتٍ من الحصار! ذاك الباردُ الذي لا دمَ ولا دمعَ له سيقفُ في صفّكِ لمجرّد أنّكِ ابنته؟>
“با… باردُ ماذا؟”
<حقيرٌ باردُ الدمِ، رجلٌ يعاملُ حتى أبناءه كقطعِ شطرنج بلا قلب.>
حدّقت تيا في وينتر بعينين حادّتين.
لم تفهم كلّ شيء، لكنّها كانت متأكّدة من أمرٍ واحد
“أأنتِ تجرّأتِ على شتمِ أبي؟”
<أوه، هل بدا وكأنّني اشتم؟ أنا لم أقل إلّا الحقيقة كما هي.>
“لقد شتمتِه ثانيةً! أنا فهمتُ كلّ شيء!”
وفجأة، ظهرت هوّةٌ عميقةٌ لا تُجسر بين الطفلةِ والشبح، بعدما كانا منذ لحظةٍ يتّفقان بحماس.
لكنّهما، وبينما يتصادمان بلا تنازل، قاطعَهما صوتُ طرقٍ خفيف.
-دقّ، دقّ.
دخلت خادمةٌ صغيرةٌ بخطًى متردّدة وقالت بخضوع.
“آنستي، إنّ السيّد الكونت يطلبكِ. هل تذهبين إليه الآن؟”
<جاءت الفرصة. لمَ لا تُعايني بنفسكِ أيّ نوعٍ من البشر هو أبوكِ الكونت؟>
كان هذا أوّلُ استدعاءٍ من أبيها بعد خمسةِ أيّامٍ كاملة.
***
ابتلعت تيا ريقها وهي ترفعُ رأسها إلى الباب.
ذلك البابُ الذي بدا هائلًا وهي في الرابعة، ما زال في الثامنة يُشعرها بالرهبة.
أرادت كتفاها أن تنكمشا وحدهما، لكنّها أجبرتهما على الانتفاض باعتداد.
كانت قد نسيت للحظةٍ بسبب حوارها مع وينتر،
أنّها بالأمس أمسكت اللصّة “إيرين” التي حاولت سرقة بيضة الروح.
وكلُّ من قابلته من الخدم والمُوظّفين لم يُقصّر في تهنئتها والإشادة بها.
‘ربّما إذن أبي أيضًا سيُثني عليّ.’
دقّات قلبها تسارعت كأنّها جرت بأقصى طاقتها.
وما إن فُتح الباب حتى انبعثت منه رائحةٌ حادّةٌ تُذكّر بحرارةِ الرملِ تحت الشمس.
دخلت الغرفة، وكانت مكتظةً بالراشدين.
لكنّ بوصلة تيا اتّجهت فورًا إلى رجلٍ واحد.
شَعرٌ أسودُ حالك كسوادها، طويلٌ منسدل، وعينان زرقاوان باردتان.
هيبةٌ خطرةٌ كزهرةٍ تنبتُ على حافّة جرف، وتعالٍ يراقبُ العالمَ من فوق.
“أبي.”
كلمةٌ واحدة اختصرت شوقها وحنينها.
خطواتها نحو أبيها كانت تحمل الفرح،
لكنّها توقّفت فجأة كأنّها غاصت في رمالٍ متحركة، حين نزلت كلماته التالية.
“ماذا كنتِ تفعلين هناك؟”
“نعم؟”
“أعني سبب وجودكِ في الغرفةِ الممنوعة ليلًا. أجيبي، تيا فلاديزيف.”
رفع الأبُ رأسه أخيرًا من بين الأوراق، ونظر إليها مباشرةً.
سابقًا ظنّت أنّ عينيه قاسيتان فحسب.
لكنّها الآن رأت شيئًا آخر…
‘إنّهما فارغتان.’
لا قسوة فيهما، بل خواءٌ كامل.
ترجمة: لينا
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 5"