الفصل الثاني
في صورة “عائلتنا” التي رسمتها تيا ذات الأربع سنوات، كان هناك دائمًا أربعة أفرادٍ من العائلة معًا.
أوّلهم كان الأخ الثاني، ليف فلاديجيف، صاحب الجسد الضعيف.
كان يَفزع حتى من أصغر الأصوات، لكن بالنسبة لتيا، بدا لها شجاعًا أكثر من أيّ أحد في العالم، وهو يبتلع دواءً مُرًّا لدرجةٍ تجعل لسانها ينكمش.
ولم يكن ذلك فحسب.
“تشه… هذا لكِ وحدكِ، يجب أن لا يعرف به أحد.”
كلّما جاءت تيا إليه، كان ليف يُخفي الحلوى التي يحصل عليها مع دوائه، ثمّ يضعها في فمها بعيدًا عن أنظار الكبار.
كانت الحلوى قد ذابت نصفها بحرارة يده وأصبحت لزجة، لكن تيا لم تذق حلوى أحلى منها قط.
الثاني هو شقيقها الأكبر روديون فلاديجيف، الذي يكبرها بسبعة أعوام.
في اليوم الذي غادرت فيه تيا إلى الشمال، تعلّق روديون بنافذة العربة وكرّر وعده مرارًا.
“تيا، ابقِي مع جدّتنا في الشمال، وسآتي لاصطحابكِ للمنزل. حتى ذلك الحين عيشي بسعادةٍ كبيرة أكثر من أيّ احد، مفهوم؟”
وكأنّها تتذوّق آخر قطعة بسكويت بحرص، كانت تيا كلّ ليلة تنتظر وعد شقيقها بصبرٍ شديد، لتحتمل حياتها الغريبة في الشمال.
الثالثة كانت أمّها التي رحلت عن العالم بسبب المرض.
حتى حين كان جسدها يُفتَك به الداء، كانت تضمّ ابنتها بين ذراعيها وتحدّثها عن “أبيها الطيّب”.
“أبوكِ، في الحقيقة، رجلٌ شديد البكاء. حتى يوم وِلادتكِ، بكى كثيرًا.”
لكن على خلاف كلام أمّها، لم ترَ تيا والدها يذرف دمعة، بل لم يبتسم حتى ابتسامة واحدة.
ومع ذلك، كلّما رسمت وجه أبيها، كانت تُطلِق العنان لخيالها وتُصوِّره بوجهٍ مبتسم.
والآن، بعد أن بلغت تيا الثامنة، ظهرت الجدّة في صورة “عائلتنا”. بهيئةٍ ضخمة كأنّها ستبتلع العائلة الملتفّة حولها دفعةً واحدة.
ظلّت تيا تُمعن النظر في الصورة المكتملة وهي في العربة التي تتّجه بها نحو العاصمة.
أكان ذلك بفضل الحماسة للقائها عائلتها عمّا قريب؟
رغم أنّ الرحلة استمرّت يومًا كاملًا عبر عدّة بوّابات، لم تشعر بأيّ مشقّة.
وحين وصلت تيا أخيرًا إلى العاصمة، كان أوّل ما استقبلها…
“السيّد في القصر حاليًّا، ولن يعود قبل الفجر.”
“السيّد الأكبر مدّد إقامته في الأكاديميّة، ولن يرجع قبل شهر.”
“السيّد الأصغر ليس على ما يرام، لذا أوصى بألّا يدخل أحد غرفته في الوقت الحالي…”
لم يكن هناك سوى خدمٍ غرباء.
‘يبدو أنّ الجميع مشغولون جدًّا.’
لم تُحبَط تيا، بل بدأت تستكشف القصر لقضاء وقتها.
فبعد أربع سنواتٍ من الغياب، تغيّر البيت كثيرًا، وكان فيه أماكن عديدة تستحقّ الاستكشاف.
وفي اليوم الثالث…
‘هل يتجنّبونني يا ترى؟’
غياب روديون لوجوده خارج المنزل، ومرض ليف، أمر يمكن تفهّمه.
لكن تيا لم ترَ حتّى ظلّ أبيها.
لماذا؟
كان الجواب واضحًا.
‘لأنّني ما زلتُ لستُ مُستَحْضِرةَ أرواح.’
أخرجت تيا القلادة المُعلَّقة في عنقها، المصنوعة من حجر الأرواح.
حجر الأرواح، الذي يُقال إنّه يستدعي الأرواح.
لكن، كما في كلّ مرّة، لم يَعد إليها سوى الصمت المألوف.
‘لا بأس! فأنا أيضًا ابنة آل فلاديجيف. يومًا ما سأصبح مُستَحضِرةَ أرواح، بلا شك.’
وكعادتها، شدّت على نفسها بشجاعة وأعادت ترديد ذلك.
حين تصبح مُستَحضِرة، ستغدو بالتأكيد ابنةً يفتخر بها والدها.
حينها سيأتي ليرى وجهها، ويُثني عليها قائلًا: “أحسنتِ.”
ثمّ…
وفيما هي تتجوّل في أرجاء القصر حتّى وقتٍ متأخّر، متأمّلة أن تُصادف والدها ولو صدفة، توقّفت قدماها فجأة.
‘تلك الغرفة…’
“أليست هذه هي الغرفة التي يقال إنّ الأشباح تظهر فيها؟”
لقد سمعت ذلك مرارًا أثناء استكشافها القصر.
حين كان الخدم يُشيرون إلى إحدى الغرف وهم يتهامسون.
“هناك شبحٌ في تلك الغرفة.”
“أيّ شبح؟”
“حقًا، صوفي تعرفينها؟ تلك التي خدمت السيّدة في هذا القصر. هي التي قالت ذلك. إنّ شبحًا يعيش في تلك الغرفة، لذا لا يجوز دخولها أبدًا.”
بسبب تلك الشائعات، ظلّت الغرفة مُقفلة دومًا.
لكن لسببٍ ما، كان قفلها مفتوحًا في هذا اليوم تحديدًا.
ولم يكن ما استولى على عقل تيا حينها هو الحديث عن الأشباح.
بل الكلمات التي همست بها الخادمة “إيرين” ليلة أمس، وكأنّها تُفشي سرًّا.
“آنستي، أتعلَمين؟ في الغرفة التي يقال إنّها مسكونة، يُقال إنّ شيئًا نفيسًا مخبوء.”
“شيء نفيس؟”
“أجل، يسمّونه بيضة الأرواح.”
بيضة الأرواح.
الكنز الذي طالما تاقت إليه، إذ يُقال إنّ من يمتلكها يصير مُستَحْضِرَ أرواح.
أمضت أربع سنواتٍ كاملة تبحث عنها في غابات الشمال، ولم تعثر عليها ولو مرّة.
‘أودّ فقط أن أرى كيف تبدو.’
رغم علمها أنّ ذلك خطأ، أخذت تيا تخطو على مهل داخل الغرفة.
وحين وصلت إلى منتصف الغرفة المظلمة على أطراف قدميها، وقعت عيناها على بيضة الأرواح المحفوظة داخل حاجزٍ سحريّ شفّاف، بين الأثاث المكدّس والمغطّى بقطع قماش بيضاء.
حدّقت تيا في البيضة التي كانت تُشِعّ ضوءًا خافتًا باهتًا، وكأنّها مسحورة.
شعرت أنّها تستطيع البقاء طوال الليل هكذا، تُمعن النظر فيها.
“واااه…”
أرادت تيا أن تلمس البيضة، لكنّها شدّت قبضتيها بقوّة لتكبح نفسها.
“السبب في وضع بيضة الأرواح هناك؟ همم… قيل إنّها تُستَخدم كعُشبة دوائيّة.”
ذلك ما سمعته أنّها ستُستَخدم يومًا ما كدواء.
لكن تيا لم تستطع أن تبقى ساكنة، فكوّنت بيديها بوقًا وهمست نحو بيضة الأرواح.
“يا روح… ألن تُعرّفيني بصديقٍ واحد فقط؟ أنا حقًّا فتاةٌ جيّدة.”
وفجأة.
-طَقّ، تشلَك.
أُغلق الباب خلفها، وتبع ذلك صوت القفل وهو يُحكَم.
“أه… أهه؟ أنا بالداخل! تيا هنا!”
ركضت وهي تصرخ، لكن الباب كان قد أُوصِد تمامًا.
كان الليل قد تأخّر، والخدم لا يقتربون من هذا المكان خوفًا من الشائعات.
بكلمة واحدة لقد حُبست.
في الغرفة التي يقال إنّ الأشباح تسكنها.
في ليلةٍ مظلمة.
وحيدة.
“هاها! أيّ أشباح؟ لا وجود لها أصلًا.”
سخرت تيا بأنفاسٍ متوتّرة، ثم رمقت المكان حولها وجلست منكمشة في زاوية.
متى سيلحظ الناس أنّها اختفت؟
الأرجح أنّ إيرين، التي تُرتّب لها سريرها، ستكون أوّل من يكتشف ذلك.
‘إذن عليّ الانتظار فقط إلى حينها.’
ومرّ وقتٌ لا تدري كم طالت ساعاته.
بدأت جفونها تثقُل، كأنّ وقت النوم قد حلّ.
دفنت تيا جبينها في ركبتيها وهمست بتدلّلٍ يشبه تذمّر الأطفال.
“إيرين… تأخّرت كثيرًا…”
<…إيرين… قلتِ؟>
“نعم… إنّني بانتظار إيرين…”
في اللحظة التالية، فتحت تيا عينيها نصف المغمضتين فجأة.
‘إيرين جاءت تبحث عني!’
رفعت رأسها بسرعة.
أمامها مباشرةً كان حذاءٌ شتويّ عسكريّ.
ومع فرك عينيها المتثاقلتين، رفعت بصرها إلى أعلى الساقين الطويلتين، لتقع عيناها على الوجه.
“……!”
-برَد.
وقفزت القشعريرة على طول جسدها.
وجهٌ غُطِّي نصفه بغطاءٍ أسود كالذي رأته في جنازة أمّها.
جسدٌ طويل شامخ بملابس سوداء قاتمة، كهيئة ملاك الموت.
لكنّ الأفظع…
‘إنّه… شفاف!’
تحت ضوء القمر الباهت، بدت معالم الغرفة خلفه واضحة بعض الشيء.
تمامًا كما في الحكايات…
<تُرى، لماذا في هذا التوقيت بالذات… الأمور تسير على نحوٍ معقّد جدًّا.>
كالأشباح في الشائعات.
“كككآآآه! ششبح!”
صرخت تيا وهي تزحف إلى الوراء على مؤخّرتها.
راقبها “الشبح” بهدوء، ثم نقر بلسانه وتكلّم.
<…لا وقت لديّ، سأشرح باختصار. لقد وقعتِ في فخّ.>
“كككآآآه! فففخّ!”
<الليلة… سيقتحم لصّ هذه الغرفة ليسرق بيضة الأرواح.>
“كككآآآه! لصّ! … لحظة، قلتَ لصًّا؟”
توقّف صراخها فجأة، إذ استجابت غريزتها لكلمةٍ غير عادلة.
التفتت بسرعة إلى بيضة الأرواح.
ولحسن الحظ، كانت لا تزال في مكانها.
<لكن ليس لوقتٍ طويل.>
وكأنّه قرأ ما يدور في قلبها، أضاف “الشبح”.
<لو لم أُوقظكِ الآن، لكان ما سيجده الناس صباح الغد هو بيضة الأرواح مسروقة، وأنتِ نائمة بجانبها. كانوا سيظنّون أنّكِ اللصّة.>
شبح، فخّ، ثمّ تُهمة سرقة.
بدأت تيا تشكّ أنّها تحلم. فقرصت خدّها.
“آي!”
كان الألم شديدًا.
فركت خدّها المحمرّ وسألت.
“وكـ… وكيف تعرف ذلك؟”
لكن لم يكن هناك داعٍ لجوابٍ منه.
-دَرج، كِريك…
خلف الباب المُغلق، بدأ يصدر صوتٌ خافت، كقوارضٍ تنخر، أو كأنّ أحدًا يُحاول سرقة القفل خلسة.
لقد كان كلام “الشبح” حقيقة!
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 2"