انحنى مدير البنك بانحناءة مهذبة تجاه الدوق الشاب. وردّ هيليوس آرجين على تلك المجاملة بإيماءة خفيفة برأسه.
“أشكركم على تخصيص وقتكم.”
وعندما رفع مدير البنك رأسه مجددًا، كانت الابتسامة تعلو وجهه كزهور متفتحة.
لقد جنى الدوق أرباحًا ضخمة من خلال بيع سندات شهدت تقلبًا في أسعارها. ولم يكن البنك بمنأى عن تلك الأرباح أيضًا، لذا لم يكن من المستغرب أن تظهر البهجة على وجهه.
فبصيرة هيليوس آرجين كانت دومًا صائبة. ومدير البنك لم يكن يملك إلا الاعتراف بذلك.
وهذه المرة، كان قد استحوذ على أسهم وسندات شركة ملاحة بحرية، لذا من المرجّح أن تنتشر الشائعات في شوارع ديرفيانا قريبًا: “الدوق زار أحد المصارف الاستثمارية.”
وبهذه الحقيقة وحدها، ترتفع سمعة البنك. هكذا، ومن غير قصد، قدم هيليوس آرجين مساعدة كبيرة للمؤسسة.
كان الدوق آرجين الذي تتناقل الصحف الصفراء أخباره، مختلفًا تمامًا عن ذلك الرجل الذي يدخل البنوك بهدوء. كان هادئًا ومسترخيًا، لكنه لم يكن يغفل عن أي لحظة دون تحليل عقلاني بارد. قد تكون الشائعات التي تحيط به والمتعلقة بالنساء سيئة السمعة، لكن بعيدًا عن ذلك، فإن المدير كان يحترم حكمته وهيبته.
“أرجو أن تزورنا مرة أخرى في أي وقت. سنكون في انتظاركم.”
“بالطبع.”
ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي هيليوس بينما استدار. أخرج ساعة جيبه ليتفقد الوقت، وسار بخطى ثابتة باتجاه السيارة التي كانت تنتظره.
رغم أن لديه موعدًا قادمًا، إلا أن ملامحه لم تكن توحي بأي استعجال.
الأشجار المزروعة على جانب الطريق شكلت نفقًا أخضر يبعث على الراحة. وهيليوس كان يسير بتؤدة تحت النسيم اللطيف، مستمتعًا بتلك اللحظة.
وقد اختفت الابتسامة عن وجهه، ليحل محلها جوّ مختلف عن المعتاد. وعندما هبّت نسمة رقيقة، وبهت الظل للحظة، انعكست أشعة الشمس على بشرته البيضاء وعلى سواد عينيه الهادئتين بوميض عابر يشبه النور المتلألئ.
كان كل شيء من حوله صامتًا.
مرافقه لم يُصدر سوى وقع خطوات بالكاد تُسمع وهو يتبعه، والناس الذين مرّوا بقربه، رغم عدم معرفتهم به تحديدًا، تهيّبوا من هالته وسكتوا تلقائيًا.
لم يكن مختلفًا عن وينستل في شيء: الهدوء والفراغ ذاتهما.
ومنذ الصيف الماضي، رغم الشائعات التي لا تُعدّ ولا تُحصى، كان الناس دومًا يصمتون أمامه. لذا، فإن هذا النوع من السكون كان بالنسبة له أمرًا معتادًا طوال حياته. هذا هو عالمه. ومع ذلك، خلال الشتاء الماضي، وبسبب شخصٍ ما، بدت له هذه الحياة اليومية غريبة بعض الشيء لبضعة أيام.
“يا له من فراغ…”
عندما تذكّر هيليوس تلك الكلمات التي همست بها كلونيت آرجين في أحد الموائد الرسمية مؤخرًا، أدرك فجأة أنه فكّر مجددًا في فيليا دو فيير.
كان يتذكّرها يوميًا، لكنها كانت تختفي من ذهنه بسهولة… أو هكذا اعتقد. أما الآن، فلم تعد كذلك.
الذكريات التي كانت تطفو عن فيليا ديفير، باتت تدوم لفترة أطول. لم يكن قد قرأ الرسالة التي وصلته منها، ولكن بدا أن ذلك لم يعد مهمًا.
لكن… هل يغيّر ذلك شيئًا؟
خرج من تحت الظل، فإذا بأشعة الشمس تتدفق عليه كالموج المتلألئ، دافئة ومتلونة.
كانت دبوس رابطة العنق وسلسلة ساعة الجيب الذهبية تتلألأان تحت تلك الشمس.
ولم يلحظ الشجرة الضخمة إلا عندما اقترب من السيارة المنتظرة أمامه.
وحين لمح مقهى التيراس المألوف، التفت لا إراديًا برأسه، فوقع نظره على امرأة تجلس عند إحدى الطاولات الخارجية تحتسي الشاي. كانت خصلات شعرها البني الفاتح تتراقص برقة مع النسيم.
لم يكن هناك أدنى شك: إنها فيليا ديفير.
ورغم بعد المسافة، كان هيليوس واثقًا تمامًا. بل وقد استنتج بسهولة أن الشاب الجالس أمامها لا بد أنه ابن الكونت كارفان.
إذن، لم يكن ديون قد التقط تلك الشائعة من فراغ.
ثبت هيليوس نظره على فيليا ديفير، التي كانت تبتسم تحت ظل الشجرة الضخمة المتمايلة ببطء. ولم يدرك كم من الوقت مرّ، إلا عندما سمع صوت مرافقه.
“هل تودون المرور بمكان آخر؟”
“لا. لنذهب الآن.”
أجاب هيليوس بإيجاز، ثم صرف نظره وركب السيارة المتوقفة.
***
“لقد أقمت في وينستل لفترة قصيرة خلال الشتاء الماضي… التلّ المُطل على الغابة هناك، أظن أنني لن أنساه ما حييت.”
“ولِمَ ذلك؟”
“لأنه كان المكان الوحيد في قلب الشتاء الذي ظلّ أخضرًا… كانت أشجار الصنوبر مزروعة بكثافة هناك. آه، وعلى فكرة، صادفت صدفةً الدوق وهو يمتطي جواده هناك…”
بعد أن أنهيا الشاي وغادرا مقهى التيراس، اجتاز الاثنان متجر إنديز المزدحم، واتخذا طريقًا نحو حديقة هادئة يتنزهان فيها.
كانت فيليا تسرد ما رأته وشعرت به في وينستل وكأنها ترسمه أمام عينيها. ووسط حديثها، لم يغب اسم الدوق آرجين لحظة.
سواءً أثناء لعبة الورق، أو في أثناء نزهة، أو حتى خلال مشاهدة لوحات فنية في صالة الاستقبال… كان اسمه حاضرًا دومًا.
وفي كل مرة تذكره، كانت عيناها تتلألأان بشكل خاص. وابتسامتها كانت تزداد إشراقًا.
نوح كان يمشي ببطء ليتماشى مع خطواتها، ناظرًا إليها.
لم تكن فيليا تعرف كيف تضحك أو تتكلم كـ”سيدة محترفة” بحسب الأعراف، لكنها كانت تعرف كيف تضحك بعفوية، وتتحدث بطريقة ممتعة من دون أي تصنع.
كانت من أولئك الذين لا يملكون إلا أن يكونوا محبوبين.
هيليوس آرجين… اسم بات يبعث على الضجر
كان اسم هيليوس آرجين، الذي بدأ يبعث على الضجر، يتردّد مرة أخرى على شفتيها، ومع ذلك، لم يتوقف نوح عن الابتسام بين الحين والآخر، وأحيانًا بدا عليه الشرود.
الشرود كان دائمًا يأتيه في نفس اللحظات: حين تلتقي عينيه بسماواتٍ صافية، أو بابتسامتها النقية التي لا تشوبها شائبة. كان ذلك النوع من اللحظات، التي تشعره بأنها غير واقعية، يزوره من وقت لآخر.
“لكن، لماذا أردتَ مقابلتي؟ لا تقل لي أن قدمك التي دهستها قد أصيبت بشيء… هذا ليس صحيحًا، أليس كذلك؟”
لقد انتهت الرحلة الطويلة التي خاضاها في وينستل، وفيليا، التي كانت تلاحظه بوجه قلق، ألقت نظرة خاطفة على مشط قدمه قبل أن تغيّر الموضوع وتسأله.
“نوح ؟”
“عذرًا… ماذا قلتِ؟”
“كنت أتساءل لماذا رغبتَ في مقابلتي.”
ابتسم نوح بخفة، وأجاب من دون تردّد:
“لأنك لم تغادري تفكيري حتى بعد أن انقضى عيد الميلاد. لم يسبق أن دُهست قدمي أثناء رقصة في حفلة قبلها… لذا بالنسبة لي، كانت لحظة يصعب نسيانها.”
“آه، هكذا إذًا! كنت أظن… ربما، أن السيد نوح مهتم بي…”
“في الواقع، هذا صحيح أيضًا.”
“آه، أنت مهتم بـ… بي؟ ها؟”
توقفت فيليا فجأة، واستدارت نحوه بسرعة. كانت تنورتها بطبقاتها المتعددة تتراقص بهدوء مع نسيم الربيع.
اتّسعت عيناها بدهشة، وما لبثت وجنتاها أن اكتسبتا لونًا ورديًا خجولًا حين أدركت ما قيل.
“أنت… مهتم بي؟”
“نعم.”
نظر إلى فيليا ديفير. لم يتبادلا سوى كلمات قليلة، لكنها كانت تملك روحًا عفوية محببة، وعالمها الذي ارتسم في عينيها الكبيرتين بدا له بالغ الجاذبية. كان يرغب في الاقتراب منها أكثر.
لقد اعترف نوح بصراحة بالمشاعر التي احتفظ بها منذ ليلة عيد الميلاد.
لم تكن مشاعره عاصفةً هوجاء، بل كانت تشبه بحيرة هادئة. وهذا ما جعله قادرًا على الحفاظ على هدوئه.
“لكن… لماذا؟ لماذا أعجبتَ بي؟”
توقّفت فيليا في مكانها، ورفّت بعينيها، ثم سألت فجأة. لم يتوقّع هذا السؤال، لكنه أجاب بلطف:
“لأنك أنتِ… فيليا. ولهذا أحببتك.”
لم يكن هناك تعبير أصدق من هذا ليصف مشاعره. لأنها هي، فيليا ديفير.
رفعت فيليا نظراتها إليه، وقد تخلّلتها لمعة صدقٍ مدهشة.
“شكرًا لك… أردتُ حقًا أن أقول هذا. أنا أعلم تمامًا كم هو ثمين وبراق أن يُحبّ الإنسان أحدًا. لكن، لا أستطيع أن أبادلك الشعور ذاته يا سيد نوح . في الحقيقة… هناك شخص أحبه.”
“أعرف. أنتِ تحملين مشاعر للدوق آرجين، أليس كذلك؟”
في وسط الحديقة، أمام نافورة المياه، نظرت فيليا بدهشة إلى نوح ، الذي بدا وكأنه قرأ ما في قلبها.
“هل قلتُ لك ذلك من قبل؟”
“لا. لكن… كان واضحًا لي من خلال مراقبتي لك.”
ربما، أن لا يعرف أحدهم تلك الحقيقة، هو ما يُعدّ غريبًا.
كان نوح يعتقد أن أي شخص يقضي وقتًا مع فيليا سيفهم ذلك بسهولة.
فكلما تحدّثت عن الدوق آرجين، أصبح صوتها أكثر إشراقًا، ونظراتها أدفأ، كما لو أنها اغتسلت في ضوء شمس الربيع. ولهذا، أدرك مشاعرها قبل أن تعترف بها.
ومع ذلك، لم يشعر باليأس.
فهما ليسا عاشقين. لم يكن هناك ما يدفعه إلى التراجع، ولا ما يمنعه من الاقتراب.
وما إن همّ بالكلام مجددًا، حتى دوّت أصوات ضحك الأطفال من الجوار. كان بعضهم يركض وفي أيديهم طائرات ورقية مصنوعة من الورق، متجّهين نحوهم.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات