“أتخلّى عن مشاعري؟!” قالتها فيليا بلهجة حاسمة، وكأن الفكرة نفسها كانت إهانة لم تُخطر لها قط.
“لا، لم أفكر في ذلك حتى. كل ما في الأمر أنني، لوهلة فقط، تساءلت إن كان من الصواب أن أُظهر نفسي كما أنا، إذا كان الدوق لا يحب هذا النوع من الفتيات. لكن بعد أن فكرت مجددًا… يا لي من غبية! إن لم أكن أنا نفسي، فما فائدة أن يحبني كما يظن؟”
“فهمت، إذن تنوين الاستمرار في الاقتراب منه كما أنتِ؟”
“إذا قال إنه لا يريدني، فعندها، نعم، سأحترم حدوده. آه… حتى مجرد التفكير بذلك مؤلم. لكن، من سيفرض تلك الحدود؟ أنا؟ لا، لا يمكنني ذلك أبدًا!”
كانت تعرف جيدًا أن الخيال الحزين لا حدود له. حين كانت في العاشرة، وسقطت من غصن شجرة الحور أثناء لعبة الغميضة مع إيفان، بكت بحرقة، وتخيلت أسوأ السيناريوهات. ماذا لو تمزق فستاني الجديد؟ ماذا لو فاتتني فطيرة الكرز و”بودنغ” الحليب؟ ماذا لو تدحرجت على التل وسقطت في المستنقع؟
لكن الحقيقة لم تكن بهذا السوء. ذراعها اليمنى كُسرت، صحيح، لكنها عولجت. والفستان تم إصلاحه. والبودنغ والفطيرة؟ أكلتهما حتى آخر لقمة. والمستنقع؟ لم تقترب منه حتى.
لذا، قررت: لا ينبغي الغرق في أوهام الكوارث التي لم تحدث بعد. لا تعرف إن كان كل شيء سينجح، لكنها أزاحت الأفكار الكئيبة عن رأسها وهزّت رأسها بقوة.
“أعرف أن الأمر صعب عليكِ، فيليا. هل تودين أن أرسم أنا الخط الفاصل الآن؟ بدلًا من دوق أرجين؟ إن وضعتِ الحد الآن، فربما يكون الألم أهون حين يأتي الرفض.”
نظرت إليه فيليا نظرة حادة، رافضة “لطفه المزعج”. ثم… انطلقت من خارج غرفة الجلوس ضحكة مكتومة.
في اللحظة نفسها، استدارت فيليا بسرعة نحو الباب، الذي فُتح ليظهر منه ديون، وهو يزفر زفرة طويلة وهو يدخل، وجهه لا يزال يحمل آثار ضحكه المكبوت.
“عذرًا، لم أكن أنوي التلصص… لكن على الأقل، من حسن الحظ أن الذي وصل قبلي ليس هيليوس، أليس كذلك؟”
اجتاز الغرفة دون خجل، وجلس على الأريكة المقابلة.
“آنسة فيليا، هل تحبين هيليوس لهذه الدرجة؟”
سألها وقد شبك ذراعيه بفضول صادق. فجاء ردها كما هو متوقع، مفعمًا بالحيوية:
“نعم! عندما أكون معه… لا أعلم كيف أشرح، لكن الأمر يشبه أنني أحمل في حضني باقة ضخمة من زهور الهليوتروب. فقط هذا الشعور… يجعلني سعيدة جدًا.”
“هاه…” أصدر ديون صوتًا لا يُعرف أهو إعجاب أم أسف، وأخذ يمرر أصابعه على طرف حاجبه.
“ياللأسف. أعرف هذا النوع من القصص… إنها لعبة خاسرة يا آنسة فيليا.”
لعبة خاسرة… تمتمت فيليا الكلمات في ذهنها، تفكر في معناها، ثم… أشرقت عيناها كسماء انقشعت عنها الغيوم.
“لا بأس. أنا أعلم أنها لعبة خاسرة. لذلك لا يمكنني أن أحسب الأرباح والخسائر في هذا الحب.”
ربما لم يكن هناك في العالم من يستطيع أن يبتسم بهذه الطريقة، وهو يحمل أسوأ ورقة في اللعبة، سوى فيليا دوفير.
نعم… من المؤكد أن هيليوس علِق في ورطة.
قال ديون وهو يضحك بهدوء، مستندًا بذقنه على كفه الموضوعة على مسند الأريكة:
“حسنًا، في هذه الحالة، سأشجعكِ أنا. فاللعبة المتوقعة النتائج تكون أكثر إثارة عندما تنقلب موازينها فجأة.”
“هل لك أن تبتعد قليلًا؟”
قالها إيفان وهو يعبس، وجذب فيليا قليلًا إلى جانبه.
“هل أنت والدها؟”
ضحك ديون بخفة وهو يلقي النكتة، ثم غيّر الجميع موضوع الحديث.
في الوقت الذي كانت فيه فيليا دوفير تتحدث بمرح كطفلة، استغرق ديون لحظة يراقبها فيها بصمت، يفكر في سؤال ظلّ عالقًا في ذهنه منذ العشاء.
“لكنني لا أفهم شيئًا. لماذا ردّ هيليوس بتلك الطريقة؟ إنه يعرف كيف يراوغ بالكلمات، لكنه لم يفعل هذه المرة.”
تمتمها وكأنه يكلم نفسه، وفي تلك اللحظة، بدأ صوت خطوات يقترب من الرواق المؤدي إلى غرفة الجلوس.
خطى ثابتة، دون استعجال، تقطع المسافة واحدة تلو الأخرى.
استدارت فيليا برأسها نحو الباب.
***
“يبدو أنكِ فزتِ هذه المرة، آنسة فيليا.”
قالها هيليوس أرجين وهو يضع أوراق لعبه على الطاولة أمامه.
كانت فيليا تراقبه طوال الوقت، تترقب ردّ فعله، فتفحصت أوراقها وورق الطاولة، وكان ما قاله صحيحًا: لقد ربحت.
قفزت، وعانقت إيفان حول عنقه وهي تصرخ من الفرح:
“إيفان! فزنا! هذه المرة فعلًا فزنا!”
صفق إيفان بضعف، كأنه مرهق من اللعبة التي استمرت أكثر من اللازم.
أما ديون، الذي كان متأكدًا من فوز هيليوس، فعبس وهو يحدق به.
كان واضحًا للجميع أن هيليوس كان سيفوز… لو لم يقرر هو خلاف ذلك.
“ما شأني؟”
فكّر بها هيليوس وهو يتكئ على الأريكة، ساقه الطويلة ممدودة، ثم حرّك شفتيه بلا صوت، وهو يبادل ديون نظرة تملؤها البراءة المصطنعة.
هل لعب حتى تفوز فيليا دوفير؟ لا شك أن هذا أسوأ كوابيسه. لكنها كانت الحقيقة وهي الرسالة الصامتة التي نطقت بها عينا هيليوس بينما يرفع فنجان الشاي إلى شفتيه. رغم خسارته، كانت حركته تنضح بهدوء ووقار لا يليق بمن خسر لتوه.
“أول انتصار لك، مبارك.” كانت كلونيت أرجين، الجالسة قرب المدفأة تقرأ بهدوء، الوحيدة التي هنأت فيليا بصدق على فوزها. وميض لهب الحطب المتراقص انعكس بدفء على إطار نظاراتها الذهبية.
“وآخر انتصار أيضًا، يا للأسف!” قالتها فيليا بنبرة خفيفة، لكنها لم تكن تخفي الحسرة.
“يا للأسف؟” هل هي حزينة لانها غلبته مرة واحدة؟ تدخل ديون، الذي كان يستمع للحوار، ورفع حاجبيه وهو يرمق هيليوس بنظرة متفحصة. ” أشعر بالأسف أنا أيضًا. لكن، من كان أول من اقترح أن نستمر في اللعب حتى تفوز آنسة فيليا؟ أعتقد أنه… ربما…”
“رجاءً، انتهِ من هذا الحديث.”
قاطع هيليوس كلامه بضحكة قصيرة وابتسامة هادئة، لكنها كانت قاطعة.
مجنون بحق.
وصلت الرسالة مجددًا دون أن تُقال. صفّر ديون بلا مبالاة وأدار وجهه بعيدًا، متظاهرًا بعدم الفهم.
“هل ترغبون في تجهيز العربة؟”
سأل كبير الخدم بعد أن انتهى ترتيب طاولة الورق، وكأنه يذكرهم بلطافة أن وقت العودة إلى بريتشين قد حان.
“نعم، رجاءً.”
أجاب إيفان نيابة عن فيليا، التي كانت قد أغلقت شفتيها بصمت. واكتفى هيليوس بإيماءة خفيفة نحو الخادم.
“آنسة فيليا، عودي لزيارتنا قريبًا، حسناً؟ أنا شخصيًا أرحب بك في أي وقت.”
قالتها ليفييل أرجين، التي لم تشارك في اللعب بل كانت تطرّز طوال الوقت، وهي تضع إبرتها جانبًا. كانت كلماتها صادقة وعفوية، بعيدة كل البعد عن البرودة التي استقبلت بها روزين في الماضي.
وضع هيليوس فنجانه جانبًا بعد أن رشفت منه رشفة. اهتزت بضع قطرات من شاي الأعشاب في قاع الفنجان.
“بالطبع! سأعود حتمًا. حتمًا!”
أجابت فيليا بحماس، مما جعل ليفييل تبتسم برضا، ثم سألت بنبرة رقيقة تفيض بالأناقة:
“وماذا عن انطباعك عن وينستل اليوم؟ هل راق لكِ المكان؟”
نظرت فيليا حولها بعينين تشعان بالدهشة كمن يعيش في حلم.
“لم أرَ قط قصرًا كهذا! إنه جميل… لا، الجمال لا يكفي لوصفه. أشعر بالحزن لأنني لا أملك كلمات تليق بوصف شعوري!”
“هل تحبين العيش هنا؟”
كحّة. لم تكن تلك الكحة المفاجئة ناتجة عن الحرج من سؤال ليفييل المباشر، بل عن شيء في حلق فيليا حقاً. قالت بأسف وهي تمسح أنفها:
“عذرًا…!”
“هل أنتِ مريضة، فيليا؟”
سألتها كلونيت بقلق، لكنها أجابت فورًا:
“لا، لا! أنا بخير تمامًا!”
لكن إيفان لم يقتنع، ومد يده إلى جبهتها ليتأكد. وفور أن فعل، تقطبت ملامحه:
“أنتِ مصابة بالحمى! متى بدأتِ تشعرين بهذا؟”
“لا أشعر أنني مريضة، حقًا! وجهي احمرّ فقط لأنني سعيدة بالفوز، لا أكثر.”
لكن وجنتيها كانتا متوردتين قبل انتصارها بكثير. هيليوس، الذي لاحظ ذلك منذ البداية، راقب هذا التوتر بهدوء. في ساعة متأخرة كهذه، والمرض في طريقه للظهور، بات من السهل توقّع ما سيحدث لاحقًا.
“لنعد فورًا إلى بريتشين ونحضر الطبيب.”
قال إيفان بلهجة أبوية، وتسلّم معطفها من الخادم، ومعه الوشاح الأحمر—نفسه الذي ألبسها إياه في المرة السابقة.
“أعتذر، لكن علينا العودة فورًا.”
قالها إيفان بأدب. لكن صوت ليفييل جاء هادئًا ومخالفًا:
“هل ستتمكن من الوصول إلى بريتشين بهذا الجسد المتعب؟”
“صحيح… من غير اللائق أن نتركها ترحل وهي على هذه الحال.”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات