أمسكت ديانا بيد زوجها، التي بردت من الصدمة، بإحكام. أما فيليا، التي انفجرت حماسة، فقد قفزت من مقعدها قبل أن يتمكن الكونت درفيير من فتح فمه للرد، وأخذت تقفز في مكانها بفرح طفولي.
كادت الكرسي التي جلست عليها أن تنقلب بفعل حركتها المفاجئة، لكن إيفان، الذي شهد مثل هذه المشاهد مرارًا، مدّ يده بهدوء وأمسك بمسندها ليمنعها من السقوط.
في تلك اللحظة، كانت عينا فيليا المتألقتان، اللتان تعكسان السعادة الصافية، تشعّان أكثر من المعتاد.
“بصراحة، كنت أظن أنكما ستعارضان كما فعل إيفان! كنت أتصرف كالمعتاد، لكنني كنت مستعدة نفسيًا للإحباط قبل أن أخبركما. الآن فقط فهمت لماذا يميل البعض إلى تخيّل أسوأ السيناريوهات أولًا! فحين تأتي النتيجة مغايرة لما توقعته، يكون الفرح مضاعفًا!”
راحت فيليا تثرثر دون توقف، وعندما انتهت من قول ما يدور في خاطرها، طبعت قبلة سريعة على وجنتي والديها، ثم خرجت مسرعة من غرفة الطعام كما لو كان لديها أمر بالغ الأهمية لتنجزه.
لم يكن هناك وقت حتى لإيقافها.
وصل إلى مسامعهم صوت خطواتها النشيطة وهي تصعد الدرج المصنوع من خشب الجوز بسرعة.
على طاولة الإفطار، ظلّ نصف قطعة التوست وكوب الكاكاو الساخن الذي برد بالفعل، مهجورَين.
“ديانا! كيف تقولين لها أن تفعل ما يحلو لها؟!”
رفع الكونت صوته بقلق، لكن ديانا لم تظهر أي تردد في موقفها.
“ألا تعرف ابنتنا جيدًا بعد؟ حتى لو عارضنا، فلن يجدي ذلك نفعًا. فيليا تفعل دومًا ما تضعه في رأسها. ثم إن الحب، يا عزيزي، كلما حاول أحدهم منعه، ازداد اشتعالًا.”
“ولكن ماذا لو… ماذا لو تبادلا المشاعر حقًا؟!”
انعكست في عيني ديانا البنفسجيتين لمعة ذكية، وارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة. رغم أن شعرها كان مشابهًا لشعر فيليا من حيث اللون البني، إلا أن لون عينيها منحها هالة مختلفة تمامًا عن ابنتها.
“لحسن الحظ، دوق أرجين يختار النساء بعينيه وليس بقلبه.”
كان لكلماتها معانٍ عديدة، وفهم الكونت درفيير مغزاها على الفور.
استعاد في ذاكرته صور النساء اللواتي ارتبطت بهن شائعات مع الدوق، والتي نشرت في الصحف الاجتماعية.
مستحيل.
لم تكن فيليا من النوع الذي يلفت انتباهه.
إذن، ربما لم يكن رفض الدوق المفاجئ لعرض الزواج مجرد ردة فعل على الصدمة.
بل لأنه ببساطة، لم يكن يرى فيليا ضمن ذوقه.
رغم أن الفكرة أزعجته قليلًا، إلا أنها في الوقت ذاته طمأنته.
بينما كان الكونت درفيير يتأمل هذا المزيج المتناقض من المشاعر، اعتدلت ديانا في جلستها، وأخذت تقطع قطعة اللحم الموضوعة أمامها بهدوء.
كلما لامس السكين سطح الطبق، صدر صوت خفيف متقطع.
مع أن شخصًا واحدًا فقط غادر الغرفة، إلا أن أجواء الإفطار أصبحت صامتة تمامًا.
—
توقف الثلج عن السقوط، وكشفت السماء عن صفائها.
انعكست أشعة الشمس المتسللة من النافذة على يدين تعملان بتركيز.
وفي هذا الجو الدافئ، لم يكن يُسمع سوى خشخشة الريشة وهي تحتك بالورق، وصوت طقطقة الحطب المشتعل في المدفأة، الذي ملأ الغرفة بدفء مريح.
“انتهيت!”
بعد ساعات من الجلوس على الكرسي، دوّى صوت فيليا المبتهج في الأرجاء.
كانت تمسك بورقة الرسالة بفخر، عيناها تتأملان السطور المكتوبة بعناية.
“إذًا، لقد أكملتِ أخيرًا رسالة الحب الموجهة إلى دوق أرجين؟”
وضع إيفان الكتاب الذي كان يقرؤه بملل، ونظر إليها.
وسط كومة من الأوراق المتناثرة فوق المكتب، كانت فيليا تبتسم بانتصار.
بذلت مجهودًا هائلًا في كتابة تلك الرسالة الواحدة، لدرجة أن بقع الحبر لطّخت خدّها دون أن تنتبه.
“هل حقًا تنوين إرسالها؟”
عندما التقت نظراتهما، أومأت برأسها بإصرار.
“بالطبع! لماذا كنت سأكتبها إن لم أرسلها؟”
“أيعني هذا أنكِ جادة بشأن محاولة الارتباط بالدوق؟”
“نعم. تمامًا كما قلت. وهذه حياتي، لذا لا تحاول إقناعي بخلاف ذلك، إيفان.”
تنهد إيفان بعمق.
بالأمس فقط، كان يسرد أمامها قائمة طويلة بعيوب الدوق، والآن…
“لا أدري ما الذي تفكرين فيه، حقًا. على الأقل امسحي وجهك أولًا.”
أخرج منديله ورماه نحوها.
تطاير المنديل في الهواء قبل أن يستقر مباشرة على رأسها.
سحبت فيليا المنديل، ومسحت خدها كيفما اتفق، ثم تفحصت يديها لتتأكد من عدم وجود بقايا حبر.
بعدها، طوت الرسالة بعناية، وأدخلتها في ظرف فاخر، وألصقت عليها طابعها المفضل.
لقد اختارت أفضل ورقة، وأفضل ظرف، وأجمل طابع تمتلكه، لتصنع بذلك رسالة متكاملة.
إلى دوق أرجين
ما إن وقع نظرها على ذلك الاسم المكتوب على الظرف، حتى ارتسمت على وجهها ابتسامة لم تستطع كبحها.
منذ البداية، كان الأمر كذلك.
حتى عندما أُرهقت أصابعها من إعادة الكتابة مرارًا، فإن مجرد التفكير بأن هيليوس سيقرأ هذه الكلمات، ويدرك وجودها، جعل قلبها يخفق بقوة.
على الأشجار النائمة التي تستعد لاستقبال الربيع، أزهرت زهور الثلج، وقفز أرنب أبيض في الحقل المتلألئ بلمعان الجليد.
وفي وسط تلك اللوحة الشتوية، رأت صورة هيليوس أرجين في مخيلتها.
خلال اللحظة التي سُلب فيها وعيها، لم ترَ سوى عينَيه.
ذلك السواد العميق، الذي تلألأ وسط العتمة كضوء خافت، كان جميلًا بدرجة لا يمكن لصاحبه أن يدركها.
وحدها، فيليا، كانت تحفظ هذا الجمال.
لم يكن هناك بطل روائي واحد قرأت عنه سابقًا يشبهه.
ولكن لم يكن أحدٌ منهم، مهما بلغت روعته، أكثر إشراقًا منه.
“هيليوس أرجين.”
بسبب الطريقة الناعمة التي نطقت بها اسمه، شعرت فيليا بدغدغة في قلبها، فعضّت شفتها السفلى دون وعي.
رغم أن النافذة كانت مغلقة بإحكام، إلا أنها شعرت بنسيم بارد ونقي يلامس أطراف أصابعها.
تأملت الرسالة التي كانت تمسكها بحذر.
ترى، هل ستصلها إجابة قبل أن يذوب الثلج؟
راودها أمل غامض، لكنها قررت هذه المرة ألا تبوح به.
بدلًا من ذلك، وضعت قبلة قصيرة على الطابع البريدي وكأنها تودعه، ثم استدارت.
“إيفان، لنخرج!”
“إلى أين؟”
“سأرسل هذه الرسالة بنفسي!”
“ولماذا عليّ أن أذهب معكِ؟”
“لأننا صديقان! بل أقرب صديقين على الإطلاق!”
أخذت فيليا معطفها وشالها وقفازاتها. بالطبع، لم تنسَ الرسالة.
في منتصف الطابع، جلست الملكة بوقار، مبتسمة برقة، تمامًا كما رأتها لأول مرة خلال حفل تقديمها إلى المجتمع الراقي.
—
رسالة صاخبة.
قد يكون من الصعب تصديق ذلك، لكن معظم الرسائل التي تلقاها هيليوس أرجين خلال الشتاء كانت كذلك.
بسبب إحدى السيدات التي ملأت كل صفحة بأحاديث غير ضرورية، أصبحت الرسائل—التي يُفترض بها أن تكون صامتة—الأكثر صخبًا من بين كل ما قرأه.
وكعادته، كان يمسك اليوم أيضًا برسالة استلمها من خادمه.
لم تتضمن تلك الرسائل عبارات مملة مثل: “ماذا تناولت اليوم؟” أو “كيف حال الطقس؟” أو مجرد تحية اعتيادية.
كانت رسائل فيليا درفيير… غريبة، تمامًا مثلها.
بدءًا من حديثها عن شجرة الكرز الملكية التي تنمو بالقرب من نافذتها، وكيف أنها ردّت عليها بتحريك أغصانها، إلى تصميمها نمط تطريز على شكل ضفدع من خيوط الصوف، وانتهاءً بقصتها حول مشاهدتها سباق القوارب الصيف الماضي، عندما لاحظت أن سروال أحد المتسابقين الأبيض، الذي يحمل شارة فريق “فيلسي”، قد تمزق، فأخبرته سرًّا حتى لا يشعر بالإحراج.
كانت حياتها اليومية غير متوقعة على الإطلاق، وما إن تبدأ الرسالة حتى تنتهي فجأة، تاركة القارئ في حيرة.
واليوم لم يكن استثناءً.
ابتسم هيليوس ابتسامة خفيفة، ووضع الرسالة جانبًا، ثم أمسك بفنجان الشاي الساخن برفق.
عندما تذوّق الشاي، ملأ فمه عبير الأعشاب المنعش، تاركًا إحساسًا منعشًا في حلقه.
لم يعد يجد الأمر محرجًا كما في السابق، أن يبدأ يومه بقراءة رسالة فيليا درفيير قبل حتى أن يقرأ الصحيفة الصباحية.
ورغم أنه لم يكن يشعر بالملل من رسائلها، إلا أنه لم يستطع منع نفسه من التساؤل: إلى متى ستستمر؟
إنها لا تتلقى أي ردّ، ومع ذلك تستمر في إرسال هذه الرسائل بحماسة لا تصدق.
لكن… لماذا؟
وضع فنجانه برفق فوق الصحن، فصدر صوت نقي عند تلامس الخزف.
بينما كان يتأمل تموّجات الشاي، تذكر هيليوس الليلة التي التقى فيها بفيليا درفيير لأول مرة، ليلة عيد الميلاد.
—
“لأنني وقعت في حبك من النظرة الأولى، دوقي العزيز.”
تذكر بوضوح تلك الفتاة الصغيرة ذات العيون المتألقة، وهي تلقي بتلك الكلمات الغريبة بحماس شديد.
رفع يده إلى شعره الأسود وسرحه إلى الخلف بأصابعه.
تسللت خصال شعره الحريري بين أنامله، بينما عاد إلى تفكير عميق.
—
“إذًا، إنها رسالة أخرى من الآنسة فيليا؟ تبدو هذه السيدة عنيدة للغاية. هيليوس، أعتقد أنك وقعت في مشكلة حقيقية.”
كانت تلك كلمات ديون قبل أيام قليلة.
وبالفعل، بدا وكأنه قد وقع في فخ لعبتها الطائشة.
—
“هيليوس، هل يمكنني الدخول؟”
بينما كان يتأمل الخطوط السوداء الممتلئة التي زينت الرسالة بين يديه، جاءه صوت ناعم من خلف الباب.
“تفضل بالدخول.”
بمجرد أن تعرّف على صاحب الصوت، وضع الرسالة في درج مكتبه الأول برفق.
قبل عيد الميلاد، كان ذلك الدرج فارغًا تمامًا. أما الآن، فقد امتلأ عن آخره برسائل فيليا درفيير.
—
“لم أكن أزعجك، أليس كذلك؟”
“بالطبع لا.”
ردّ بإجابة هادئة، مصحوبة بابتسامة مناسبة.
جلست كلونيت أرجين، الجدة ذات الشعر الأبيض، على الكرسي المقابل للنافذة، حيث أشرقت الشمس فوق نظارتها الرقيقة، مما جعل إطارها الذهبي يتلألأ.
يدها العظمية، وتجاعيد وجهها البارزة، كانت تشهد على السنوات التي عاشتها.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات