* * *
كنتُ مثل مذنبة، أجمع يديّ أمامي و أخفض رأسي.
عبسَ الرئيس بغضب، مغطيًا أذنيه بشدة، وهو يتذمّر:
“لا أحبها. صوت شخيرها مزعج جدًا…”
من نبرته المرتجفة، قد يظنّ المرء أنني لم أشخر فحسب، بل عذّبتـه بشدة.
نظر إليّ السيد بيلت و سأل:
“هل نمـتِ؟”
“دعني أوضح شيئًا. هل من المعقول أن أصـل من قرية جبلية بعيدة إلى قصر الدوق في أربعة أيام فقط؟”
“و ماذا في ذلك؟”
“كان الجدول مرهقًا جدًا! كنتُ متعبة، فنمـتُ. أنا آسفة. لن أشخر مرّةً أخرى.”
لم أحصل على الراحة و تُمّ إجباري على لقاء الرئيس مباشرة.
أرجوك، سامحني هذه المرة.
“تقول إنها ستنام مجدّدًا…”
يبدو أن صوت شخيري كان مزعجًا له لدرجة أنه بدأ يمسك شعره و يدقّق في كلامي.
قمت بالإحتجاج بهدوء:
“من طباع البشر أن يناموا…”
غرغرة .
يا إلهي، أنا حقًا لا أصدّق نفسي.
“أرجوك! اخرجي! دعيني وحدي!”
في النهاية، لم يتحمل، و مثل هانا، ألقى شيئًا عليّ أصاب جبهتي بدقة.
بوم!
طق.
“……”
“……”
“……”
بقينا جميعًا صامتين. أو بالأحرى، الرئيس لم يهتم بي، بينما أخبرني السيد بيلت بحالة جبهتي:
“لقد أُصبتِ و تكوّن دم.”
كان منديلًا، لكن زاويته أصابت جبهتي بدقة.
“لا بأس. عندما ألقت هانا شيئًا عليّ، كسرت جبهتي. هذا مجرّد شيء بسيط.”
لا تزال الندبة من تلكَ الحادثة مرئية بشكلٍ خافت.
شعرت هانا بالأسف الشديد، لكنني لم أهتم كثيرًا. كانت ندبة صغيرة جدًا، لا تُرى إلا بالنظر عن قرب.
“…ماذا؟”
تجاهلتُ نبرة الرئيس الحادة وأشرتُ للسيد بيلت. اقترب منّي و أمال أذنه.
سألتُ بهدوء، محترسة من الرئيس:
“أين سأتناول طعامي؟”
“مع الرئيس، بالطبع. يجب أن تراقبيه و هو يأكل.”
“هل كان هذا دائمًا؟”
“نعم. وهو دائمًا لا يأكل.”
“لماذا برأيك؟”
“لأنه منعزل.”
هل تعتقد أن هذا سبب منطقي؟
يا سيدي الشخصية الثانوية! ألا يهمك أن ينتقصك أقرب حلفائكَ بشكلٍ عليّ هكذا؟
يبدو أن الرئيس لم يهتم، ربّما لأن هذا يحدث كثيرًا، أو لأنه أدرك منذُ زمن أن الكلام لا ينفع مع السيد بيلت.
“هل يؤذي الرئيس نفسه بأدوات المائدة؟”
“لا يفعل ذلك أبدًا.”
“إذن، حتى لو شعر بالجوع، فمن الأفضل تركه يأكل بمفرده.”
اندفع السيد بيلت نحوي:
“إذا جاع، سيتضرر جسمه المثالي!”
“سيد بيلت! الهدف هو إخراج الرئيس من الغرفة، أليس كذلك؟ توقف عن القلق بشأن أشياء غريبة!”
هل هذا هو جسدكَ؟ لماذا أنت حساسّ لهذا الحد؟
“سأجعله فيما بعد رجلاً ذو عضلات و قويًا، لذا دعـه يأكل بمفرده.”
بوم بوم!
ضرب الرئيس الأرض بقبضتيه كما لو كان يعبّر عن استيائه، كأنه يقول: “توقفي عن الثرثرة واخرجي.” لحسن الحظ، يداه بدتا بخير.
“ألم تقل انكَ ستترك الأمر لي؟ إذن، دعني أتعامل معه. من الآن فصاعدًا، وقت الطعام للرئيس يكون بمفرده. براحته.”
نظرَ السيد بيلت إلى جسد الرئيس بنظرات مترددة مليئة بالأسف.
“…حسنًا، بما أنني قلتُ إنني سأترك الأمر لكِ، فليكن.”
تراجع السيد بيلت بخطوة، و وجهه مليء بالتردد.
جهزتُ الطعام على الطاولة ليأكل الرئيس براحته وخرجتُ من الغرفة، و خلعتُ النظارة.
“يمكنكِ الاحتفاظ بها. إنها مثل النظارات العادية في الأماكن المضيئة، تحمي النظر و تتيح رؤية أبعد. إنها عنصر ثمين جدًا.”
لا داعي للتأكيد هكذا، فهمتُ.
* * *
ظننتُ أن الجميع رحّـب بي هنا، فلا توجد عداوات.
لكن ، كم كنتُ مخطئة.
تحذير: لا تطمئني بسهولة في المرة القادمة.
بينما كنتُ متّجهة إلى الحديقة لجلب زهور لغرفة الرئيس المكتئبة، تلقيتُ دلوًا من الماء على رأسي.
“كيف عرفوا أنني أبدو جميلة وأنا مبللة؟”
رفعتُ رأسي بسرعة للبحث عن الفاعل، لكن لم أجد سوى دلو فارغ. كان الفاعل قد هرب بالفعل.
يا لسرعة قدميه!
كأنه تـدرّب على الجري لهذا اليوم.
عصرتُ شعري الأسود و خلعتُ النظارة.
كنتُ متجهة إلى الغرفة لأخذ زي خادمة آخر، لكنني توقفتُ.
ربّما تكون هذه فرصة جيدة.
غيّرتُ اتجاهي و عـدتُ إلى غرفة الرئيس. لستُ خبيرة، لكنني تعلمتُ شيئًا من هانا: التحدث عن أدق التفاصيل يفتح القلب.
عندما كنتُ مع هانا، كنتُ أزورها حتى لأتفه الأسباب، أتحدّث بمفردي و أضحك بمفردي. و أحيانًا، كانت هانا تضحك معي.
لم أنسَ إعطاءها وقتًا للراحة، لكن في النهاية، أصبحت هي مَنٔ تريد البقاء معي دائمًا.
حتى أنها تبعتني إلى الحمام!
الرئيس لن يفعل ذلك، لكن بالاقتراب تدريجيًا، سيفتح قلبه يومًا ما مثل هانا.
طرق طرق.
“رئيس، سأدخل.”
دخلتُ، ارتديتُ النظارة، و وقفتُ بثقة. وجه الرئيس الشاحب، الذي بدا و كأنه عاش كل شيء بالفعل، لم يظهر أي تغيير.
“كيف أبدو؟”
أدار الرئيس رأسه، مغطيًا أنفه بهدوء.
هل أنا رائحتي سيّئة؟
شم، شم.
شممت نفسي.
لا لست كذلك!
“إذا كذبتِ، فأنتِ شخص سيء.”
ارتجف جسده.
بدا خائفًا كما لو أنني ضغطتُ على زر ما، فعضّ شفتيه.
“أعرف. لهذا أنا…”
آه، أخطأتُ.
اقتربتُ منه بينما كان يحفر في أفكاره.
“لم أقصد ذلك.”
عندما أمسكتُ يده بحذر، نفضها بسرعة و تكـوّر أكثر في الزاوية.
شعرتُ و كأنني ارتكبت جريمة شنيعة.
“…مبللة.”
حتى وهو خائف و مكتئب، لم ينسَ الرئيس الإشارة إلى ذلك.
“اسمع، رئيس. شخص ما سكبَ الماء عليّ.”
عندما اقتربتُ أكثر، دفعني بيده الكبيرة.
“اخرجي، و لا تقتربي!”
كان الرئيس شديد الحدة.
نهضتُ و وقفتُ أمامه. لم ينظر إليّ، بل أمسك كاحلي فجأة بيده الكبيرة.
ما الذي يفعله؟
“أفلتني.”
أغلق فمه بإحكام، ثم حذّرني بصوتٍ منخفض:
“قلتُ اخرجي بأدب.”
لم تكن كلماتكَ مهذّبـة أبدًا!
“يجب أن تترك كاحلي حتى أخرج.”
حدّقَ بي بعيون مليئة بالاستياء. أفلت كاحلي ببطء، فدفعته بقوة، لكنني أنا مَنٔ تراجعتُ.
و لم يكتفِ بذلك، فالماء المتساقط مني جعل الأرض زلقة، فسقطتُ للخلف.
“آه!”
“……”
أليس من الأدب أن يسقط الشخص عندما يدفعه أحد ما؟
بينما كنتُ أنهض بصعوبة، قال:
“عرضكِ ممل.”
لم يكن عرضًا!
* * *
بعد ظهر اليوم التالي
لم أجد الشخص الذي سكبَ الماء عليّ. بدلاً من ذلك، حصلتُ على إذن من البستاني و أحضرتُ باقة من الزهور إلى القصر، لكنني اصطدمتُ برجل.
كان رجلاً وسيمًا ذو بشرة داكنة، شعر أسود، و عيون ذهبية، و بنية قوية. عبسَ عندما رآني.
“وجهـكِِ غريب.”
“لأنني لُسعتُ بنحلة.”
كان ذلكَ مؤلمًا.
ما زال ينبض.
“لماذا لُسعتِ؟”
“ربّما كانت تظّن أنّني زهـر..”
هوو!
مـرّ من جانبي دون أن يستمع إلى إجابتي كاملة.
لم أره من قبل، لكن من مظهره، خمّنتُ مَنٔ يكون.
داني دوفيلد، أحد أقرب حلفاء الرئيس.
قليل الكلام، مباشر، ولا يستطيع كبح فضوله.
لهذا سألني عن عيوني المنتفخة رغمَ أننا لم نلتـقِ من قبل.
‘يبدو أن كل مَنْ حول الرئيس ينقصهم برغيّ ما.’
ربما لأنه كذلك، يجذب أشخاصًا مثله.
بعيون متورمة اتّجعت لأخذ إناء زهور، صادفتُ جيسيكا و لينيت.
كانتا توأمتين طويلتي القامة، تتجاوزان الـ180 سم، بأجسام قوية و وجوه تشبه التماثيل.
كانتا تتحدثان ببطء و بطريقةٍ محرجة، لكنهما كانتا لطيفتين جدًا عندما التقيتهما في غرفة الطعام أول مرة.
اقتربتا مني بسرعة بعيون متسعة.
“عيناكِ!”
“عيناكِ الجميلتان!”
“لسعتني نحلة.”
“كيف حدثَ ذلك؟”
تنهدتا معًا بعمق، فأجبتُ بما لم أستطع قوله لداني:
“ربّما ظنتني زهرة.”
“صحيح. إذن من الطبيعي أن تلسعي.”
“كان يمكن أن تلسعكِ عشرات المرات أيضًا.”
هذه ردة فعل طبيعية!
هكذا يجب أن تكون الروايات الرومانسية.
البطل و الشخصية الثانوية و مَنٔ حولهما لا يهتمون إلا بالبطلة، هذا هو قانون الرومانسية.
“لكن لماذا توجد نحلة؟”
“حتى لو لم تكن خطيرة، يفترض أن البستاني يزيل النحل.”
تحدثتا بلغة الإمبراطورية بطلاقة أقل، لكنني فهمتُ بسهولة.
“كان هناك الكثير من النحل.”
“…؟”
مالتا رأسيهما بدهشة، كأنهما تقولان إن ذلك مستحيل.
إذن، هل أطلق أحدهم النحل عمدًا؟
“هل هناك مَنٔ لا يريد وجودي هنا؟”
تبادلتا النظرات و هزّتا رأسيهما.
“نحن نحبكِ.”
“نعم، بالتأكيد.”
“شكرًا.”
من تجنبهما للإجابة، يبدو أنهما تعرفان الفاعل.
لكنهما كانتا تحميانه، فلم أرغب في التحقيق أكثر. لم يكن التنمر شديدًا حتى الآن. مقارنة بما فعله ويليام، كان هذا مجرّد لعب أطفال، فقررتُ تجاهله.
“هل أخرجتِ الإبرة؟”
“نعم. لم تكن نحلة دبور، لذا لا بأس.”
كانت نوعًا من النحل الغير موجود في موطني الأصلي، تشبه النحلة الطنانة لكن إبرتها ضعيفة. رغمَ التورم الظاهر، بمجرّد إزالة الإبرة، يزول التورم بحلول اليوم التالي.
“بالمناسبة، هل تعرفان ما يحبّـه الرئيس؟”
أجابتا دون تفكير:
“الشتائم.”
“الطعن بقوة.”
“كرئيس نقابة إكليبس، ذوقه فريد حقًا.”
شكرتهما بعينيّ و أخذتُ إناء الزهور إلى غرفة الرئيس. لم يعـد يهتم بدخولي.
وضعتُ الزهور في الإناء و وضعته على الطاولة بجانبِ السرير، ثم نظرتُ حولي. وضعتُ يدي في جيبي و أخرجتُ تفاحة أمامه بهدوء.
“هذه لـكَ…”
حاول أن يضرب التفاحة، فرفعتها بسرعة.
“إنها تفاحة!”
“……”
“تفاحة لذيذة جدًا، لكننا لن نأكلها اليوم. سنفعل ما تحبّـه.”
أعطيته شوكة أحضرتها سرًا و وضعتُ التفاحة أمامه.
“ألا تحبّ الطعن؟ اطعن التفاحة لتخفّف عن توترك.”
أعطيته الشوكة لأنني أعلم أنه لا يؤذي نفسه.
“……”
نظرَ إليّ ثم إلى التفاحة بالتناوب، ثم أمسكها دون أن يخفف حذره. رفعَ الشوكة عاليًا و طعنَ التفاحة بقوة.
انقسمت التفاحة إلى نصفين، و ألقاها على الأرض دون تردد. لم يكتفِ بذلك، فواصل طعن التفاحة الممزقة و هو ينظر إليّ.
“لماذا تفعل هذا؟”
“لماذا عيناكِ هكذا؟”
“لُسعتُ بنحلة.”
“.. لا يعجبني.”
كنتُ سأشعر بالامتنان لأنه لم يهاجمني بكلامه الحاد، لكن…
كراك!
بينما كان يسحب الشوكة التي طعن بها التفاحة وصولاً إلى الأرض الرخامية، نظر إليّ مباشرة و قال:
“أنتِ حقًا ***.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات