يبدو أنه لم يكن صوت ضحك، بل بدا كما لو أنه صوت يخرج بقوة فقط ليثني ملامحي.
“هل ناديتَني؟”
لم يكن هناك أيّ أثر للاحترام في الصّوت المليء بالدّعابة. فتحتُ الباب بتوتّر على صوت لم أسمعه من قبل، و وجدتُ أمامي خادمة لم أرها من قبل أيضًا.
كانت امرأة جميلة بشعر أحمر و ملامح حادّة، و المختلف فيها أنّها كانت بتصفيفة شعر رجوليّة قصيرة رائعة.
اعتقدتُ أنّني قد قمتُ بتحية جميع الخدم لأنّ عددهم كان قليلًا في القصر…
هي أيضًا لم ترني من قبل، فبقيت متجمّدة لبرهة ولم تُبعد عينيها عنّي. عندما رمشتُ بعينيّ، عادتْ إلى رشدها و قامت بتحيتي.
“آه، فهمتُ. أنـتِ تميمة حظّ الدّوق الجديدة، أليس كذلك؟”
ابتسمتْ و ربّتتْ على قمّـة رأسي. لم أشعر بالاستياء لأنّها لم تكن تقصد أيّ سوء.
“لا، لستُ كذلك، أنا خادمة. اسمي تيتيا.”
“مرحبًا بكِ. أنا إيلا سكيلان، أنا مصدر المشاكل في نقابة إكليبس.”
بدتْ فخورة جدًا بذلك.
أمسكتْ الصّينيّة التي أحضرتُها و سألتْ:
“هل هذا للتّسخين؟”
“نعم، من فضلكِ.”
“حسنًا. في المرّة القادمة، إذا كانت لديكِ أيّ مهام صغيرة كهذه، اطلبي من الرّئيس أن يفعلها.”
اعتقدتُ لوهلة أنّني سمعتُ خطأً و أملتُ رأسي.
“…اخرجي و توقّفي عن الثّرثرة.”
“هاهاهاها!”
ضحكتْ إيلا بصوت عالٍ و خرجتْ و كأنّها سمعتْ نكتة مضحكة للغاية.
“يبدو أنّ جميع الخدم هنا مميزون و غريبو الأطوار، لكنّهم طيّبون.”
“بل وقحون.”
“إنّهم أقرب إلى أن يكونوا مُبتهجين…”
بووم! بوم!
عدتُ إلى الدّاخل مبتسمةً، و لكنني سُمعتْ سلسلة من الانفجارات المُدوّية، فهرعتُ إلى الرّئيس و مددتُ يديّ و صِحـتُ:
“أمسك يدي من فضلك!”
“…..”
كتّـف ذراعيه عند كلامي.
‘يا لهذا الرّجل اللّامبالي.’
في النّهاية، كلّ ما تمكّنتُ من الإمساك به هو طرف كمّـه.
“كان يجب أن تخبريه أنّكِ خائفة.”
“مَـنْ تقصد؟”
“بيلت.”
“الشّخص الذي قد يذهب لإحضار الرّعد و البرق ليُلقي بهما أمامي؟”
“…..”
شّششش-.
بدأ المطر يتساقط بغزارة. كان صوت المطر منعشًا.
عندما ارتعش، انتهزتُ الفرصة لوضع يدي على يـده، لكنّه شـدّ على قبضته بإحكام قبل أن أتمكن من فعل ذلك.
“يا له من دفاع صارم.”
“لماذا أنـتِ خائفة من الرّعد و البرق؟”
“عندما كنتُ محتجزة في ذلك الصّندوق، كان الرّعد و البرق قويّين جدًا. يمكنني القول إنّ الجوّ كان مُتصاعدًا.”
كان الصّوت مرتفعًا لدرجة أنّ الصّندوق اهتـزّ. كان الأمر مخيفًا جدًا لدرجة أنّني تمنّيتُ بصدق أن ينهار العالم بسببِ الرّعد و البرق.
‘اعتقدتُ بشكلٍ غامض أنّه إذا انهار العالم، فلن ينجو أحد، و سأموت معهم، و سأتمكّن من الهروب من هذا الرّعب.’
“…على عكس تعابير وجهـكِ، تتحدّثين عن الأمر و كأنّه لا شيء.”
“أنا أحاول أن أفعل ذلك. و لهذا السّبب، يحتاج الرّئيس أيضًا إلى الكثير من الوقت مثلي. لا تتصرّف بتهوّر. أنا لن أذهب إلى أيّ مكان.”
“…ألن تذهبي حقا؟”
“نعم.”
“إلى أيّ مكان؟”
“نعم ، إلى أيّ مكان.”
“……”
ظلّ صامتًا، و بقينا ملتصقين ببعضنا البعض نستمع إلى صوت المطر بهدوء.
“…لو كنتِ قد أخبرتِ جوشوا أنّـكِ تخافين من الرّعد و البرق، لما طلبَ منكِ أن تأتِ إليّ”
بالنّظر إلى حقيقة أنّه يعرف هذا دون أن أخبره بذلك، فيبدو أنّ جوشوا هو الوحيد الذي يعرف أنّ مشاعر الرّئيس تصبح حسّاسة في الأيام الممطرة.
“أردتُ أن آتي إلى الرّئيس حقا.”
“…..”
صمت مرّةً أخرى، و كان دوري أن أسأل.
“أيّها الرّئيس، إذا لم تنـم في الليل، فستراودكَ الكثير من الأفكار المزعجة.”
“…لا أستطيع النّوم.”
“هل أخبركَ بالسّرّ الذي يساعد على النّوم الجيّد؟”
بما أنّ السّيد بيلت يعرفه بالفعل، فلا بأس من إخبار الرّئيس به.
“لا تفعلي.”
“لم أبدأ حتّى. ماذا تقصد بألا أفعل؟”
‘أليست الإجابة الصحيحة عادةً هي “حسنًا”، أو “لا تخبرني” ؟’
“أشعر بالقلق. هل حصلتِ على نوم كافٍ؟….اجلسي.”
“إذا عرف الرّئيس هذا، فلن يتمكّن من العودة إلى ما كان عليه قبل أن يعرفه.”
حاول الرّئيس أن يستدير، فأمسكتُ بكتفه.
‘إلى أين تدير ظهـركَ! أنا هنا!’
“انظر إليّ أيّها الرّئيس!”
“اتركيني.”
لم يتحرّك جسـد الرّئيس على الرّغم من محاولتي تدويره بكلتا يديّ.
“لماذا أنتَ قويّ جدًا!”
“لن أنظر.”
“هذا ليس شيئًا سيّئًـا. ألستَ تبدو لطيفًا؟”
“أنا لستُ لطيفًا.”
“حسنا، لستَ لطيفا! انظر إليّ فقط.”
“…..”
في النّهاية، لم يستطع مقاومة إلحاحي و نظر إليّ.
لكن… لا أرى عينيه جيدًا. هل هو ينظر إليّ فعلًا؟
“إذا فعلتَ كلّ هذا، سيتمكّن الرّئيس أيضًا من…”
طرق طرق.
“اتّبع خطواتي. هيا…”
طرق طرق.
“اذهبي و افتحي الباب.”
“لماذا في لحظة مهمّة كهذه؟ حسنا ، سنفعل ذلك بعد الأكل.”
لا أريد…
ضحكتُ لتعابيره الصّادقة الغامضة.
فتحتُ الباب مبتسمةً، فرأت إيلا الرّئيس الذي يجلس القرفصاء و ابتسمتْ بسخرية.
“آه، أيّها الرّئيس. هل ما زلتَ تتظاهر بأنّـكَ منعزل بائس في الزّاوية؟”
أشار الرّئيس لإيلا بإصبعه الأوسط.
“تبدو تيتيا ضعيفة القلب، فما الذي تفعله بإظهار إشارة كهذه لها؟”
“لم يظهرها لي، بل أشار بها إليكِ إيلا.”
“هل تعلمين ذلك؟”
‘هل تعتقد أنّني غبيّـة؟’
حاولت إيلا كتم ضحكتها لكنها انفجرتْ في النهاية.
“علمتُ أنّ هناك شخصًا مُزعجًا ملتصقًا بالرّئيس. الآن أفهم سبب تفاخر جوشوا و التوأم بشيءٍ هكذا.”
“هل تفاخروا بي؟”
“كثيرًا. تعالي و تفاخري أمامي لاحقًا.”
‘بمَـنْ؟ هل أتفاخر أنا بنفسي أمامكِ؟’
فركتْ خدّي بقوّة، ثمّ حيّتني و خرجتْ.
أثناء تجهيز الطّاولة، وضعتُ عن قصد مجموعة أدوات مائدة الرّئيس مقلوبة، و ناديتُه.
“أيّها الرّئيس، تعال و… آه ، هذا مكاني.”
“أعلم.”
قام بقلب مجموعة أدوات المائدة الخاصّة بي كلّها رأسًا على عقب، ثمّ عاد إلى مكانه الأصلي.
“…..”
“…..”
“ههههه. هذا ممتع، أليس كذلك؟”
“لا يبدو ممتعًا على الإطلاق.”
لقد كان الأمر ممتعًا، لكن لم يعد كذلك عندما أصبح الرّئيس جادًا.
* * *
“لنبدأ التّمارين!”
كراانغ!
“أمسك يدي من فضلك!”
“…آه.”
كلما دوى الرعد و البرق، كنتُ أركض نحوه متوسلة أن يمسك يدي، و قد استسلم الآن نصف استسلام وهو يشبك ذراعَيه كعادته.
لم يمسك بيدي و لا مرّة.
‘أنا خائفة!’
“تصرّفاتكِ لا توحي أنكِ خائفة على الإطلاق…”
“لكنّني خائفة حقًّا…”
“أعلم. وجهكِ يشحب و كأنّكِ على وشكِ الإغماء.”
نظر إليّ و كأنّني شيء مثير للدّهشة لأنّ كلامي لا يتطابق مع أفعالي، ثمّ أدار رأسه عنّي على عجل.
“يمكنكَ الاستمرار في النّظر إليّ.”
“…..”
بمجرد أن هدأتْ العاصفة الرّعديّة و شعرتُ أنّ لون بشرتي عاد، وقفتُ من جديد.
“إذا فعلتَ هذا، ستنام جيّدًا حقًّا.”
“ألا تفعلين ذلك لأنّكِ أنتِ مَـنْ تريدين النوم؟”
“هذا صحيح أيضًا.”
فقد حلّ اللّيل و حان وقت النّوم، لكنّ الرّئيس لم يُظهر أيّ علامات على النّوم على الرّغم من عينيه المنتفختين.
‘هذه الهالات السّوداء كلّها بسبب عدم النّوم. آمل ألّا تختفي حتّى لو نام نومًا عميقًا، لأنها جميلة جدا’
‘إنّها إحدى النّقاط التي تبرز جاذبيته الغامضة.’
“افعل هذا قبل النوم، و ستنام نومًا عميقًا. إلا لو كنتُ أنا حالة خاصة. فالبعض يقول إن الرياضة قبل النوم تُبقي الجسم مستيقظًا لأنها تنشّطه بدلا من أن تجعله يسترخي”
“و لماذا تفعلينها إذًا؟”
“لأنّني أنام بشكلٍ أفضل، و هذا غريب. ألا يمكن أن يكون الرّئيس كذلك؟ جرّب أن تتّبعني!”
واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة.
اثنان، اثنان، ثلاثة، أربعة.
كانت التّمارين الرّياضيّة بسيطة ولم تُسبّب التّعرّق.
شعرتُ بالنّعاس بعد الانتهاء منها.
“يجب أن أنام الآن.”
“أنتِ تنامين جيّدًا حتّى بدونها.”
“الرّئيس منوّم طبيعي الحيّ…”
كراانغ!
“أمسك بيدي…!”
“حسنا، حسنا!”
يبدو أن الرّئيس لم يعـد يستطيع أن يتحمّل أكثر، لهذا التقط يدي الممدودة بعصبيّة و جذبني نحوه. على الرّغم من تعابيره و كلماته الخشنة، إلّا أنّ لمسته كانت ناعمة.
جلستُ ملتصقةً بكتفه و أمسكتُ بيده الكبيرة بكلتا يديّ.
“آه ، كم أنتَ لطيف.”
“إذا فركتِ وجهكِ على يدي، سأترككِ فورًا.”
آه. كـدتُ أفعلها حقا.
رفعتُ وجهي الذي كنتُ على وشكِ إخفاضه بسبب تحذيره.
تدو تدوك…
كان صوت المطر يبدو كأنه تهويدة، فجلسنا نستمع له بصمت.
* * *
على الرّغمِ من أنّ جوشوا أوكل جيرفانت إلى تيتيا بكلّ ثقـة، إلّا أنّه كان قلقًا بعض الشّيء. مع حلول اللّيل، أصبح المطر أكثر غزارة، و ضرب الرّعد و البرق من حينٍ لآخر.
لم تكن ليلة مخيفة على الإطلاق للشّيطان، لكنّ جيرفانت كان يتألّم دائمًا في هذه اللّيلة.
على الرّغمِ من أنّ تيتيا كانت تعتني به جيّدًا، إلّا أنّ القلق ظلّ موجودًا، فنزل جوشوا في النّهاية من التّلّ و توجّه إلى غرفة جيرفانت.
خلال ذلكَ الوقت، استمرّ المطر في الهطول و ضرب النّوافذ.
عبر الممرّ الذي أصبح أكثر كآبة بسببِ المطر، وصل إلى غرفة جيرفانت.
عادةً، لم يكن جوشوا يطرق الباب عند دخول غرفته، فأمسك مقبض الباب و فتحـه بهدوء.
في الظّلام، اتّسعت عينا جوشوا من الصدمة.
رأى شخصين جالسين في زاوية بجوار السّرير.
كانا تيتيا و جيرفانت.
كانت تيتيا تتكئ على كتف جيرفانت، و جيرفانت يتكئ برأسه على رأس تيتيا، و كانا نائمين و هما يمسكان بأيدي بعضهما البعض بإحكام.
“…آه.”
خرج تنهّد خافت من أجل جوشوا من شدّة المفاجأة.
غطّى جوشوا فمـه على عجل من الدّهشة، لكنّ جيرفانت استيقظ على ذلك الصّوت الصّغير و رفع رأسه.
عندما فتح جوشوا شفتيه، رفع جيرفانت إصبعه السّبّابة و وضعه على منتصف شفتيه بوجه مُغطّى بالنّعاس.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 15"