‘سأمنحه بعض الوقت ليبقى وحيدًا.’
إذا دخلتُ عنوةً، فقد أحصل على نتائج عكسية.
و مع ذلك، كان لا بدّ لي من إعطائه الطّعام، ففتحتُ الباب بهدوء بالمفتاح. رأيتُ الرّئيس وهو يجلس القرفصاء في الظّلام.
كان يبعث بهالة واضحة مفادها “لا تقتربي”، لذا دفعتُ الطّعام إلى الدّاخل فحسب.
كانت أمنيتي أن يأكل و لو قليلًا لعدم قدرته على مقاومة رائحة الطّعام.
“تناول طعامكَ إذا كنتَ جائعًا. لا تقم بتجويع نفسك! سأعود في وقت الغداء.”
لم يرفع الرّئيس رأسه حتّى أغلقتُ الباب.
عندما أعددتُ وجبة الغداء و صعدتُ، رأيتُ شخصيّة سوداء عند باب الرّئيس.
لقد كان السّيد بيلت.
كان السّيد بيلت ملتصقًا بالباب الذي كنتُ ملتصقةً به قبل قليل كالعلكة و هو يشهق.
“أيّها الرّئيس… افتح الباب قبل أن أفتحه عنوةً. أريد رؤيتك.”
“…..”
‘لقد رأيتُ شيئًا لا يجب رؤيته.’
‘أريد أن أفقع عينيّ.’
تلاقت نظراتي مع نظرات السّيد بيلت الذي كان يبكي بهدوء.
نظر إليّ ببرود بينما يلصق خـدّه بالباب، و لم تعد لديه أيّ نيّة للحفاظ على ماء وجهه أمامي.
“أعتقد أنّني لن أتوسّل إليه مرّة أخرى.”
“هل هذا مُهين؟”
“نعم.”
“الرّئيس يحبّ الأمر عندما تتصرف هكذا.”
“ألن ينزعج؟”
“مُستحيل.”
‘بل مُحتمل جدًا.’
‘تقبّل الواقع.’
“على الرّغم من أنّك أظهرتَ لي جانبًا غير جيّد، إلّا أنّك أتيتَ في الوقت المناسب يا سيّد بيلت.”
“حتّى لو انتقدتِني بصراحة، فلن أشعر بالخجل على الإطلاق.”
‘نعم. وجهكَ الوقح يثبت ذلك حقًّا.’
“هل من الأفضل ترك الرّئيس و شأنه في مثل هذا الوقت؟”
“جوشوا سيعلم أكثر منّي عن هذا الأمر.”
“سأذهب لمقابلة جوشوا، لذا يرجى التّحقّق ممّا إذا كان قد تناول إفطاره. هذا هو غداؤه.”
بمجرد أن أتيحتْ للسّيد بيلت ذريعة للدّخول، أخرج المفتاح من جيبه و فتح الباب على الفور.
انتابني قلق عابر بشأن ما إذا كان من الجيّد تركه هو و الرّئيس وحدهما، و لكن بما أنّهما قضيا معا سنوات أكثر منّي، فلا بدّ أنّ الأمر سيكون جيّدًا.
تركتُ الرّئيس مع السّيد بيلت و ذهبتُ إلى التّلّ لمقابلة جوشوا.
كان جوشوا يقف في وسط السّاحة المفتوحة و ينظر إلى السّماء بذهول.
تكلّم جوشوا بصوت عالٍ، ربّما علـمَ بقدومي.
“يبدو أنّها ستمطر.”
المطر؟
عندما نظرتُ إلى السّماء متتبعةً نظرة جوشوا، رأيتُ غيومًا داكنة تقترب بسرعة من بعيد.
“يبدو أنّها ستمطر بغزارة.”
“حقًّا؟”
عندما أجبتُ بهدوء، هرع جوشوا نحوي وأمسك يدي بإحكام و كأنّه يطارده دبّور.
“ليس هذا وقت الهدوء! المشاعر السّلبيّة تنتشر بشكلٍ خاص في اليوم الممطر. هذا ليس جيّدًا لجير!”
“الرّئيس شخص بائس لا يخرج من الغرفة، لذلك قد يشعر بمزيد من الكآبة أكثر من المعتاد إذا أصبحت الغرفة رطبة و مُتعفّنة بسبب المطر.”
“ليس هذا ما أقصده!”
تنفّس بشدّة و ضرب صدره و كأنّه مُحبط، لكنّه لم يستطع أن يقول لي شيئًا.
“على أيّ حال، يجب أن تبقي معـه حتّى يتوقّف المطر.”
” هل علي فعل ذلكَ حتّى في وقت النّوم؟ ماذا لو لم يتمكّن الرّئيس من النّوم لأنّه قلق من أنني قد أهجم عليه؟”
“…يبدو أنّـكِ قد تفعلين ذلك حقًّا، لكنّني أثـق بكِ!”
‘الرّئيس لن يثـق بي.’
“آه، لهذا السّبب كان الرّئيس مكتئبًا. لقد شعر بقدوم المطر بشكلٍ حدسي. لقد أغلق الباب و رفض التحدّث.”
“هل شعرتِ أن مشاعره تغيّرت فجأة في يوم واحد؟”
“نعم. من المؤكّد أنّ علاقتنا كانت جيّدة بالأمس. لكنّه لم يجب على ندائي الحزين اليوم. السّيد بيلت أيضًا تذلّل له، لكنّه لم يفتح له الباب.”
“جير لا يفتح الباب لبيلت عادةً. لأنّ بيلت أحمق.”
‘كما هو متوقّع، حبّ السّيد بيلت للرّئيس حقيقة معروفة على نطاق واسع.’
فكّر جوشوا لبرهة ثمّ أسدل كتفيه.
“في الواقع، لا ينبغي ترك جير وحيدًا. خاصّة إذا كان يتأمل أو كان لديه شيء مُبهج، فمن المرجّح أنّه سيتعمّق في الأسوأ عندما يواجه الواقع.”
امتلأت عينا جوشوا بالدّموع.
‘هل الشّياطين كائنات تبكي كثيرًا؟’
هدفي هو إخراج الرّئيس البائس من الغرفة، و لكن بناءً على قصّة جوشوا، يبدو الأمر و كأنّه يتضمّن سرًّا مُعقّدًا للغاية.
شيء مثل سبب عدم قدرته على الخروج من الغرفة.
الرّئيس نفسه قال إنّه لن يتمكّن من الخروج أبدًا.
نظر إليّ جوشوا و أنهى كلامه فجأةً بإيجاز.
“ابقـي في غرفة جير حتّى يتوقّف المطر.”
“حتّى لو طردني الرّئيس؟”
“نعم. كان من المفترض أن أبقى أنا، لكنّني أعتقد أنّك ستكونين أفضل منّي. قد لا يطردكِ جير.”
‘كيف عرف أنني ضعيفة أمام المديح؟’
شعرتُ بالإطراء عندما قال إنّني الوحيدة التي قد يكون وجودها جيّدًا.
* * *
جلستُ بهدوء بجوار الرّئيس الذي كان يُغطّي وجهه برأسه مدفونًا بين ركبتيه و يديه ملفوفتين حول رأسه.
علمتُ من السّيد بيلت أنّه لم يتناول الإفطار أو الغداء. لقد رفض حتّى عندما عُرض عليه.
قال السّيد بيلت إنّه خرج بمفرده عندما لم يغضب الرّئيس حتّى حين تصرّف بتهريج.
ابتعد السّيد بيلت بوجه مُحبط وهو يقول: “اعتني به جيّدًا”.
“ستمطر اليوم، أيّها الرّئيس.”
“…..”
“سأبقى معكَ حتّى يتوقّف المطر. سأنام هنا أيضًا.”
“…اذهبي، إلى غرفتكِ.”
لقد فتح فمـه عندما هدّدته.
“هل حدثَ شيء ما اللّيلة الماضية؟”
التّحدّث حول الموضوع مباشرةً لا يناسبني.
لكن بما أنّني لستُ خبيرة، لم أكن أعرف كيف أتعامل مع مثل هذه المواقف.
مع ذلك، كنتُ جيّدة حقًّا في الاستماع.
“هل يمكنني لمس رأسـكَ؟”
“…لا.”
“أنتَ تجيب فقط في مثل هذه اللّحظات.”
اقتربتُ منه أكثر، فارتعش كتفـه.
“هل فكّرتَ أنّه يمكنكَ التّغيير في يوم واحد فقط بناءً على محادثة الأمس؟”
“…..”
“هل تعلم أنّ هذا تفكير خطير للغاية؟”
“…لماذا؟ لأنّني لا أستطيع أن أتغيّـر؟”
كنتُ قد خمّنت فقط، و يبدو أنّ هذا هو الشّيء الذي كان يقلق بشأنه.
“المشكلة هي أنّكَ مُتسرّع أكثر من أيّ شيء آخر.”
“…لا بدّ أن أكون مُتسرّعًا.”
أملتُ أذني لأسمع صوته الذي كان يزداد انخفاضًا، و أجبتُ.
“لقد كنتَ تنهار و تتألّم لمدّة عامين. لا يمكن إزالة الخوف المُتراكم دفعة واحدة. عندما كنتُ طفلة، كنتُ أنام دون أن أتمكّن من إغلاق الباب حتّى لمدّة عام أو عامين.”
“…..”
“الاستعجال قد يكون ضارًّا. افعل ذلك ببطء ، سوف نستمرّ في المثابرة معًا دونَ الاستسلام. لهذا سأبقى بجوار الرّئيس طوال الوقت.”
“هل تفعلين هذا بسبب المال؟”
“نعم.”
استدار الرّئيس بعيدًا عنّي فجأةً.
“…لم أتوقّع ذلك حتّى.”
“أنتَ كذب. هل تأذّيت ؟”
ضحكتُ و داعبته، فرفع رأسه قليلًا و حدّق بي.
“أشعر بالخوف. هذه النّظرة، تجعلني أشعر بالخوف الشّديد.”
“…..”
ارتعشت زاوية شفتيه. أدار رأسه عنّي و غطّى فمه بيده و تمتم.
“مزعج. مثل هذا الشيء السخيف…”
“أيّها الرّئيس! لدينا الكثير من الوقت! لنأخذ الأمور ببطء، حسنًا؟ لا تتعمّق في التّفكير بـ ‘لماذا لم أتغيّر بعد!’ في يوم واحد. هذا لا يناسبكَ.”
في النّهاية، لم يستطع الرّئيس أن يتحمّل ذلك و فـكّ جسده المتكوّر و نفـى بشدّة.
“متى قلتُ شيئًا كهذا؟”
“كنتَ مكتئبًا و شهقتَ.”
“لم أبكِ.”
“كنتَ مكتئبًا و تقول: ‘أنا، لا أستطيع…’.”
“لم أفعل.”
في اللّحظة التي قرص فيها خدّي بغضب.
قعقعة!
“آه!”
صرختُ فجأةً بسببِ صوت الرّعد، و فوجئ الرّئيس المكتئب الذي كان يقرص خدّي و سحب يـده.
“لماذا تصرخين فجأة؟”
“الـ..الرعد!”
“و ماذا في ذلك؟”
“البرق و الرّعد مخيفان.”
عبس و كأنّه لا يفهم ما الأمر.
“قلتِ إنّكِ ستحمينني من المطر.”
“سأحميكَ من المطر. و أنتَ عليكَ أن تحميني من الرّعد و البرق.”
“يا لكِ من وقحة…”
غرغرة.
“…هل تتمـرّد؟”
هل يمكن أن يكون تجويع نفسه نوعًا من التمرّد؟
“لا يمكنني الأكل لأنّكَ لم تتناول الإفطار و الغداء.”
“كُـلي. مَـنْ قال لكِ ألا تأكلي؟”
“إذًا سآكل قليلًا من هذا.”
“لماذا تأكلين طعامي؟”
“أنتَ مَـنْ قال إنّه يجب أن آكل.”
“تناولي طعامكِ ، و ليس طعامي.”
لا أريد.
لا أريد الذّهاب إلى المطبخ بمفردي.
“لا أريد الخروج في يوم كهذا. سأبقى ملتصقة بالرّئيس هنا.”
“أنتِ مَـنْ يريد ذلك.”
“صحيح. أنا خائفـة. سأستخدم سريركَ اليوم. أنتَ تنام على الأرض على أي حال.”
“…أصبحتُ أريد استخدام السّرّير من شدّة الانزعاج.”
لحسن الحظّ، تحسّن مزاج الرّئيس مرّةً أخرى. سحبتُ الحبل المُتدلّي بعد أن رأيت الطّعام البارد.
سألتُه و أنا أسحبه.
“قمتُ بسحبه لأنّه كان موجودًا، لكن هل سيأتون؟”
“لا أعلم. لم أسحبه من قبل.”
“يجب أن أطلب منهم تسخين الطّعام…”
“اخرجي و افعلي ذلك بنفسكِ.”
وحدي؟ لا أريد ذلك!
أمسكتُ بذراعه بإحكام.
“من فضلك لا تتركني لوحدي!”
“…أليس من المفترض أن تعتني بي؟”
“اعتنِي بي أنتَ أيضًا.”
‘بِي أنا.’
عندئذٍ، قام بفرك وجهي بيديه الكبيرتين و كأنّه معجون. بدا لي أنّه ضحك بصوتٍ خافت و هو ينظر إلى وجهي، لكنّ هذا الصّوت اختفى بسرعة مع صوت النّقر على الباب.
“أيّها الرّئيس، هل ضحكتَ للتوّ؟”
حدّق بي و كأنّني أتفوّه بالهراء.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 14"