كان الصندوق ضيقًا جدًا. لم أستطع مـدّ ساقيّ أو رفع وجهي. لم أتمكن من تحريك إصبع واحد حتّى.
كان الجو خانقًا و مخيفًا. كان الرعب في ذلك اليوم شديدًا لدرجة أنّني أتصبّب عرقًا باردًا عندما أتذكره.
“كنتُ متكورة بشدة. بقيتُ محبوسة لبضع ساعات. اكتشفني أحد الخدم بالصدفة و أنقذني، لكن منذُ ذلك الوقت، إذا لم أستطع مـدّ جسدي في مكان مغلق، أشعر بالخوف فورًا.”
و حتّى بعد حدوث ذلك، كنتُ أُحبس أحيانًا. عندما أدرك ويليام أنني أخاف ذلك أكثر من العنف، أصبح أكثر قسوة.
“الصدمات هكذا. الجروح تتحوّل إلى ندوب لا تُمحى. كل الحواس لا تزال حية، حتى الآن.”
نظر إليّ بهدوء، و تحدثتُ دونَ أن أتجنب عينيه:
“لذا، أتمنى ألا يعتبر الرئيس هذا المكان صندوقًا صغيرًا بالنّسبةِ له.”
“…..”
“هنا يمكنكَ مـدّ ذراعيكَ و ساقيكَ، و حتى ركوب الدراجة. إنه مكان واسع جدًا.”
نظر إليّ و أنا أبتسم. بدا و كأنه يحدّق برقبتي تحديدًا.
مـدّ يده نحوي دون أن يرفع عينيه. لمست أطراف أصابعه رقبتي ثم ابتعدت. كانت قطرة ماء صغيرة تترقرق على إصبعه.
يبدو أن جسدي تفاعل مع الحديث عن تلك الذكريات.
مسحتُ العرق البارد على رقبتي بإحراج.
نظر إليه للحظة، ثم سألني:
“إذن، كيف تغلبتِ عليه؟”
“لم أتغلب عليه.”
‘ألا ترى العرق يتصبّب مني؟’
“أنا أعيش فقط. لا يوجد شيء كبير. أخاف فقط في تلكَ المواقف، لكنها لا تؤثر على حياتي اليومية. ليست شديدة لدرجة تعيق فيها حياتي.”
“لكن مجرّد الحديث عن ذلكَ يجعلكِ شاحبة…”
تمتم باندهاش و سأل مجددًا:
“هل تحملتِ ذلك فقط؟”
“ويليام يكره الحشرات كثيرًا.”
“أنا أيضًا.”
“……”
نظر إليّ كأنه يقول: ‘ و ماذا في ذلك؟’
‘ربما يمكنني التحدث مع الرئيس بعيوني فقط.’
“عندما كنتُ صغيرة، لم أكـن أخاف. كنتُ أجمع الحشرات و الزواحف و أضعها على جسده وهو نائـم.”
“……”
“كان يصرخ و يبكي، و عندها أشعر بالرضا.”
مـدّ ظهره المنحني و كأنه يرى ذلك مثيرًا للشفقة. جلس بوضعية مريحة، مرتكزًا على ساق واحدة، و سأل بنبرةٍ متعجرفة:
“هذا فقط؟ كان يجب أن تحبسيه في مكانٍ أضيق.”
“كنتُ أخسر من حيث القوة و الحجم.”
نظر إليّ من الأعلى إلى الأسفل و نقر بلسانه:
“هل يمكنكِ الوقوف على تلكَ الساقين النحيفتين؟”
بدت نبرته أكثر راحة، لكنني لم أشر إلى ذلك.
إذا أدرك ذلك، سيغير نبرته و وضعيته المتعجرفة أولاً.
عندما يرتاح الشخص، تحدث أكبر التغييرات في سلوكه و نبرته و تعبيراته.
لذا، مهمتي هي الاستمرار في هذا الحديث المريح.
“ليس الوقوف فقط، بل إنني أتيتُ إليك بنفسي بكل فخر.”
“ههه.”
ضحك بسخرية، ثم عض شفتيه بقوّة.
“إذن، لماذا تخبرينني بهذا؟ لأشفق عليكِ؟ أم لأكشف عن مشاعري؟”
“ماذا؟ ألم تسمع ما قلته للتو؟ لقد قلتُ شيئًا رائعًا!”
أخفضتُ صوتي بجدية و قلت بشكلٍ قاطع:
“أتمنى ألا يعتبر الرئيس هذا المكان صندوقًا صغيرًا.”
“…..”
“قلتُ ذلك! لقد كان رائعًا! لكن تكراره مرتين يجعله أقل روعة. لقد أصبحتُ أقل روعة الآن.”
“اخرسي.”
“أم أن فهمكَ ضعيف… آه، هكذا إذن.”
أصبحت نظرته الغاضبة أكثر حدّة.
” تلكَ النظرة ممنوعة.”
“أنا خائف.”
“ماذا؟”
عندما شعرتُ بالحيرة من كلامه المفاجئ، أدار رأسه كأن شيئًا لم يكن و بدأ:
“حتى لو تمكنتُ من الخروج، أنا خائف و مرعوب. لقد تحطمتُ بالفعل، و لا أعرف كيف تغير العالم الخارجي.”
هل كان يفكر في ذلك؟
تشوه وجهه بشكلٍ فظيع. ارتفع صدره بعنف ثم هدأ، كأنه لا يستطيع السيطرة على مشاعره.
“…لذا أكره ذلك. لا، بل يجب أن أكرهه و أخاف منه. إذا كنتُ لن أخرج أبدًا، يجب أن أكرهه على الأقل حتى لا أشعر بالتعلق.”
لم أستطع فهم مغزى كلامه.
لن يخرج أبدًا؟ لهذا سيكره العالم الخارجي أولاً؟
‘ما هذا الكلام؟’
لم أستطع سؤاله ببساطة بسبب مظهره المنهار.
كان يبدو كأن صوت زئير وحش خشن يتسرب من بين أسنانه المشدودة.
“مثير للشفقة، حقًا… كيف أصبحتُ هكذا…”
كان رأسه ينخفض أكثر، و وضعيته و تعبيراته تزداد سوءًا، كأنه يغرق في الهاوية. رأيتُ ظهره ينحني مجددًا، فأمسكتُ ذراعه بسرعة.
توقّف عن الحركة و نظر إليّ.
بدأ للتو يشعر بالراحة معي، ولم أكن لأدعه يعود إلى حالته القديمة.
لكن لم أستطع سؤاله “ماذا يعني أنك لن تخرج أبدًا؟” لأنني أعلم أنه لن يجيب.
لذا سألتُ شيئًا آخر:
“رئيس، قد لا يكون هذا مناسبًا الآن، لكن ألم تعتقد من قبل أنك مثير للشفقة؟”
“أبدًا…”
‘هذا مثير للإعجاب بطريقةٍ ما.’
أوقفتُ يده التي كانت تفرك وجهه و تابعتُ:
“أنا دائمًا أعتقد أنني مثيرة للشفقة. لا، بل أعتقد أن الجميع فكّـروا في ذلك لمرّةٍ واحدة على الأقل.”
“…..”
“و مع ذلك، نحن نعيش. أحيانًا أشعر أنني مثيرة للشفقة، و أحيانًا أشعر بالفخر بنفسي.”
“تقولين ذلك…”
“نعم. أشعر اليوم بالفخر بنفسي بشكلٍ خاص لأنكَ أكلتَ بشهية بفضلي.”
ضحكتُ ، فنظر إليّ بصمت.
طق.
لمست أطراف أصابع قدمينا بعضها.
* * *
نهض جيرفانت من مكانه المتكور و اتجه نحو الجدار المتصل بغرفة تيتيا.
لم يكن هناك صوت من الجانب الآخر. وضع يده ببطء على الجدار.
شعر ببرودة الجدار تحيط بكفه.
‘لذا، أتمنى ألا يعتبر الرئيس هذا المكان صندوقًا صغيرًا.’
نظر جيرفانت حول غرفته ببطء.
بدت هذه الغرفة، التي كان يراها دائمًا خانقة و ضيقة، واسعة لأوّل مرة.
عندما يكون مع تيتيا، حتى الظلام الذي يتربص على الحدود ليبتلعه يختفي.
أزال يـده من الجدار ببطء و عاد إلى مكانه، لكنه توقف و جلس على الأريكة. نظر إلى المكان الصغير الذي كان يجلس فيه دائمًا.
كان ينام متكورًا هناك كل يوم.
لمدّة عامين دون انقطاع.
لأنه شعر أن هذا الدفء القليل لن يختفي إذا فعل ذلك. كان التمسك بهذا الدفء يخفف قلقه قليلاً.
ربّما لهذا لم يستطع التوقف عن التكور في ذلك المكان، معانقًا ركبتيه بشدة.
كان يعانق نفسه لأن لا أحد يفعل ذلك، في محاولة يائسة لتحمل هذا الوضع.
لكن الآن، لم يعـد القلق يهاجمه كما في السابق، حتى دونَ التكور.
شعر بقليل من الراحة في مشاعره ، قلبـه ، و جسده.
كان تغييرًا واضحًا، لكنه كان يخاف منه.
في النهاية، عاد إلى المساحة الضيقة بجانب السرير، غير قادر على التخلص من قلقه.
بدأت المشاعر السلبية تلتهمه كأنها كانت تنتظر.
‘لن أتغير مهما فعلت.’
‘وضعي سيظل كما هو.’
‘التغيير لا فائدة منه.’
‘سأظل دائمًا هكذا.’
غرق جيرفانت في كراهية ذاتية شديدة، و هو يعاني من الألم.
* * *
في الصباح الباكر، مع صينية الطعام بجانبي، ضغطتُ خدي على الباب و تحدثتُ بحماس:
“رئيس، بالأمس كان وقتنا رائعًا، أليس كذلك؟”
“…..”
“افتح الباب. على الرّغمِ من أنني أملك مفتاح الغرفة، إلا أنه لا يمكنني فتح باب رجل بالغ دون إذن.”
“…..”
“رئيييييس!”
‘آه، لماذا تفعل هذا؟’
هل حلمتَ بكابوس الليلة الماضية، يا قطي المنعزل الكبير؟
أم أنها النوبة التي تحدّث عنها جوشوا؟
قال إنه يعاني كثيرًا أثناء النوبات، لذا ربّما ليست هي.
هل يجب أن أبقى معه حتى في الليل؟
كنتُ أبقى مع هانا لأنها فتاة، لكن ماذا لو خاف الرئيس من أن ألتهمه؟
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 13"