“شخص آخر غيركِ …”
“مَـنْ تقصد ؟ آه، السيد بيلت؟ ذلك الشخص مزعج حقًّا.”
‘أتّفق تمامًا. لقد كـدتُ أفقد أعصابي بسببه أنا أيضًا قبل قليل.’
“…لا، ليس هو أيضًا.”
“آه، إذن القديسة؟! سأقول هذا للرئيس فقط، لكن بصراحة لقد شعرت ببعض الانزعاج. رغمَ أن الرئيس محتجز هكذا إلا أنها كانت تبتسم بسعادة…”
على الرّغم من أنّني كنتُ على استعداد للمشاركة في النميمة ضد القديسة نفسها بكل إخلاص من أجله، إلّا أنّه تمتم بصوتٍ خافت.
“…ليست هي أيضًا.”
“مَـنْ تقصد إذن؟”
“لماذا تستثنين شخصًا واحدًا؟”
“الرئيس؟”
نظر إليّ بصمت، و بعد أن فكّرتُ قليلًا، أملتُ رأسي.
“الرئيس ليس شخصًا مزعجًا أو مثيرًا للشفقة، أليس كذلك؟”
‘قد يكون الأمر كذلك مع السيد بيلت، لكن.’
أغلق فمه للحظة بسببِ كلامي غير المتوقّع. بالنّسبة لرجل ضخم و وسيم الملامح ، كان يبدو لطيفًا جدًا عندما يتصرّف بهذه الطّريقة .
و ربّما بسببِ ارتدائه لنظّارات مستديرة أيضًا؛ كانت شدّة لطافته تتضاعف.
تنهّد بخجل و هو يعبث بخصلات شعره الطويلة التي تغطي عينيه.
“…لا يمكنني قول كلمة واحدة للقديسة.”
“هل كان لديكَ شيء تريد قوله؟ إذا كان الكلام صعبًا، فلماذا لم تكتبه في ورقة و تقدّمه لها؟”
عبس.
“هذه ليست المشكلة الآن.”
“إذًا ما هي المشكلة؟”
“مدى إثارتي للشفقة لعدم قدرتي على قول كلمة واحدة على نحو صحيح.”
“في الأصل، هناك الكثير من الأشخاص الذين لا يستطيعون قول كلمة واحدة للقديسة.”
“…..”
“من الصّعب التّحدّث، خاصّة إذا كان كان ذلكَ الشّخص هو الشخص الذي تحبّه. هذا شيء طبيعي.”
ظلّ صامتًا لبرهة ثمّ قفز واقفًا. أنا، التي كنت أجلس أمامه قرفصاء، رفعتُ ذقني بقوة لأَنظر إليه.
على الرّغمِ من أنّني كنت أنظر إليه من وضع مهين، إلّا أن وسامته لم تختفِ.
عبس الرّئيس بسببِ كلامي.
“أنا لا أحب القديسة.”
رمشتُ بعينيّ و سألتُ مجدّدًا بسببِ هذا الاعتراف غير المتوقّع.
“ماذا؟ لا تحبّها؟ لماذا؟”
“ماذا تقصدين بـ “لماذا”؟ كنت معجبًا بها، لكن الأمر لم يتطوّر إلى حبّ.”
نهضتُ فجأةً و صرختُ بسبب الإجابات غير المتوقّعة التي تلت ذلك.
“لا يمكن أن يكون ذلكَ صحيحًا!”
“و لماذا أنتِ تصرخين؟”
‘هذا لأنّ لديّ توجّهًا متحيّزا جدًا بأنّ البطل الثّانوي يجب أن يحب البطلة حتّى الموت.’
أجبتُ بهدوء في نفسي و رفعتُ كتفيّ.
“ربّما كنتُ مقتنعةً بأنّه من الطّبيعي أن يحبّ الرّئيس القديسة، و كأنّني تعرّضتُ لغسيل دماغ بـ ‘حب من طرف واحد يخلّده التّاريخ’.”
أرخى الرّئيس كتفيه وعاد إلى مكانه الذي كان يجلس فيه دائمًا قرفصاء.
“هؤلاء الأشخاص يفسّرون الأمور كما يحلو لهم…”
شعرْتُ بالحيرة و أنا أرى الرّجل الذي جلس فجأةً.
“أنتَ لا تحبّها، فما الذي يجعلكَ غير قادر على قول كلمة واحدة أمام القديسة؟ أنتَ تتحدّث معي الآن بشكلٍ طبيعي جدًا.”
عضّ شفتيه و كأنّه يعاني من شيءٍ ما. بدت نظراته المتلاشية و هو يفتح و يغلق قبضتيه و كأنّ هناك شيئًا بينهما لا أعرفه.
هل هذا البطل الثّانوي الذي كان واثقًا من نفسه إلى حدّ التّعجرف، يشعر بالضغط النفسي إلى درجة أنّه لا يستطيع التّحدّث مع القديسة؟
لو أنّ شخصًا انغلق على نفسه في غرفة ولم يخرج، و عزل نفسه، لكانت راودته أفكار كثيرة.
كان سيفكّر لوحده و يستنتج ما يحلو له.
عرفتُ أيضًا أنّه إذا عاش وحيدًا و مكتئبًا لفترة طويلة و لم يكن يخرج من الغرفة، لذا سيكون من الصّعب عليه جدًا الخروج منها بنفسه.
و إذا مالت أفكاره إلى الجانب السّيئ، فقد يؤدّي ذلك إلى احتقار الذّات.
هذا ما حدث لهانا.
“إذًا أنا مثير للشفقة…”
يبدو أنّ هذه الأعراض تظهر على الرّئيس أيضًا.
“لكنّك تتحدّث بشكلٍ جيّد معي، و مع السّيد بيلت، و مع جوشوا أيضًا.”
“هؤلاء استثناء.”
“إذًا…”
“هم فقط المستثنون.”
“ألا تتحدّث مع الموظّفين العاديّين؟”
“أتحدّث، لكن…”
“لكن ماذا؟”
“إنه صعب.”
‘هو مثل هانا تمامًا.’
هي أيضًا عزلت نفسها، و في النّهاية، تضخّمت لديها جميع أنواع التّخيّلات لوحدها و تجنّبت التّحدّث مع النّاس.
لقد تجنّبتهم بنفسها خوفًا من أن تتأذّى مهما قالت.
“حسنًا، لم تكن محادثتنا تسير على ما يرام عندما التقينا لأوّل مرّة.”
بالنّظر إلى أنّه طلب منّي أن “أختفي” دون أن أبتسم منذُ لقائنا الأوّل، فقد كان الأمر جيّدًا جدًا بالنّسبة لشخصٍ يجد صعوبة في التّحدّث، لكنّني قرّرت تجاوز الأمور البسيطة.
“و ما الشيء المهم في الماضي؟ أنتَ تتحدّث معي جيدًا الآن!”
“هذا لأنّـكِ شخص سهل.”
‘هذا الرّجل.’
تراجعتْ زاوية فمـه بعد أن رأى تعابير وجهي، و أنزل رأسه. أمسك رأسه و كأنّه يتألّم.
“هل أنا مضحك؟”
“عفوا؟ هذا دوري أنا.”
“…..”
وجّه إليّ الرّئيس نظرة محتارة. تجنّبتُ نظراته و رفعتُ كتفيّ بخفّة.
“من الطّبيعي أن تجد صعوبة في التّحدّث مع النّاس. أليس هذا طبيعيًّا بعد أن عشتَ دون تواصل لمدّة عامين تقريبًا؟ لم يكن هناك سوى عدد قليل من الأشخاص الذين التقيتَ بهم، بما في ذلك السّيد بيلت و جوشوا.”
بالتّأكيد، لم يكن هناك سبب للتّحدّث مع أشخاص آخرين، خاصّة و أنّ كونه محتجزًا هو أمر سرّي.
من الطّبيعي أن يجد أنّ المحادثة مع الآخرين أمر صعب.
“بصراحة، ما زلتُ أجـد صعوبة في التّحدّث مع النّاس الآن.”
‘معظم النّاس يشعرون بهذا الشّيء.’
على الرّغمِ من ذلك، فإنّ حقيقة أن الرّئيس يتحدّث معي كثيرًا تعني أنّنا كنّا معًا طوال ذلك الوقت، و أنّني بذلتُ جهدي لجعله لا يشعر بعدم الرّاحة، لذلك لا بدّ أنّه قد فتح قلبه قليلًا.
“هل أنتِ لا تجدين الأمر غريبًا؟”
“لا. السّيد بيلت هو الأكثر غرابة. هل تعرف ما قاله لي عندما التقينا لأوّل مرّة؟ قال: ‘هل أنـتِ مضحكة؟’. هل سيطرح شخص لديه مهارات اجتماعيّة ضعيفة مثل هذا السّؤال في لقائه الأوّل؟”
بدأتُ قصّة بموضوع خفيف حتّى لا يلوم نفسه. فضّلتُ الحديث عن صديقه المقرّب حتّى يتمكّن من التّحدّث معي بأريحيّة أكبر.
“نعم، إنّـه غريب.”
“سيكون الأمر غريبًا لو قلتُ له: ‘نعم، أنا مضحكة بعض الشّيء’.”
“أنـتِ امرأة غريبـة أصلاً.”
“أنا لست مضحكة.”
“أنا لا أمزح أبدًا.”
‘ما يزعجني أكثر هو أنّه جادّ في الأمر.’
تذمّرتُ و جلسْتُ مقابلَهُ و سألتُ.
“لديكَ شيء تريد قوله للقديسة، أليس كذلك؟ عندما تلتقي بها لاحقًا.”
‘لهذا السّبب أنتَ تعتبر نفسكَ مثيرًا للشفقة لعدم قدرتكَ على قول كلمة واحدة للقديسة.’
“أجل.”
“ماذا تريد أن تقول؟”
“أن تختفي.”
“…آه، سمعي ليس جيدًا هذه الأيّام.”
وقفتُ من مكاني و اتّجهتُ نحو الدّرّاجة.
“ما رأيكَ أن نفكّر في الأمر أثناء ركوب الدّرّاجة؟”
فتح الباب المغلق و اقترب منّي. سحبني و أنا على الدّرّاجة، ثمّ دفعني إلى الخارج و قال:
“أغلقي الباب و اختفي.”
“حاول أن تقول هذا للقديسة أيضًا.”
كانت عيناه خلف النّظّارات تلمع بنية قاتلة للغاية لدرجة أنّني أغلقتُ الباب بأدب.
عندما ركبتُ الدّرّاجة و خرجتُ من المدخل، رأيتُ السّيد بيلت.
“بفضلكَ، تـمّ طردي بسرعة.”
نزلتُ من الدّرّاجة و أنا أحدّق به.
“هل ستتحمّل المسؤوليّة إذا كرهني الرّئيس؟ على الرّغم من أنني عشتُ منعزلة في قرية جبليّة، إلّا أنّني أعرف الشّائعات التي تدور عن القديسة و الرّئيس جيّدًا.”
“لا بأس. في الواقع، الرّئيس قد رحّب بـكِ.”
“و ماذا في ذلك؟”
“لو كان الأمر كما في السّابق، لكان قد طردكِ على الفور.”
“ألم تكن بحاجة إليّ؟”
‘ماذا لو كان الأمر كما في السّابق و تمّ طردي حقًّا؟ ألم تفكّر في العواقب؟’
أجاب بوقاحة.
“نعم، أحتاج إليكِ. و الآن أصبحت الحاجة إليكِ أكبر. يبدو أنّ الرّئيس بدأ يعتاد عليكِ أكثر فأكثر.”
“هل تحقّقتَ من ذلك بهذه الطّريقة؟”
“أنا مشغول.”
“أجبني قبل أن تذهب!”
“أنا مشغول!”
اختفى بخطواتٍ سريعة متظاهرًا بأنّه ليس كذلك. لا يمكنني الإمساك به.
في النّهاية، كل ما يمكنني فعله الآن هو إعادة الدّرّاجة إلى مكانها الأصلي.
* * *
جلست مع جوشوا القرفصاء على الأرض و أيدينا على وجوهنا، و نظرنا إلى السّماء بذهول.
كانت السّماء زرقاء صافية بدون غيوم. كان النّسيم منعشًا، و رائحة الزّهور البرّيّة المنتشرة في التّلّ تملأ الأجواء بهدوء، ممّا جعل مزاجي هادئًا.
“هل سيحبّ الرّئيس هذا المكان أيضًا؟”
“لا أعلم. كان مشغولًا كلّ يوم، و لم يكن لديه الوقت للاستمتاع برؤية مثل هذه الأشياء.”
“عندما يتوقّف عن عيش حياة البائسين، سأطلب من الرّئيس أن يستمتع ببعض الرّاحة.”
“هل تعتقدين أنّ جير سيتمكّن من الخروج من الغرفة؟”
“ماذا؟ نعم.”
“أنتِ لا تفكّرين في أيّ شيء، لذا تعتقدين أنّ الأمر سهل!”
لا أعرف ما الذي جعله ينفجر بالغضب، لكن جوشوا وقف و ضرب ذراعي بقوّة بكلتا يديه.
“إنّه مؤلم.”
“توقّف عن ضربي من فضلك.”
“أنتِ لا تعرفين أيّ شيء!”
‘لأنّك لم تخبرني بأيّ شيء.’
نظرًا لأنّه لم يكن لديه مكان لتفريغ غضبه، تركتُه يضربني بهدوء. لم يكن الأمر مؤلمًا جدًا.
كنتُ أشعر و كأنّني أتلقّى تدليكًا.
بعد أن ضربني لفترة، تعب و انهار. استلقى على ظهره و دفع فخذي بقدمه.
“أنا أضربكِ هكذا، فلماذا تقفين صامتة؟ يجب أن تطلبي منّي التّوقّف!”
“توقّف.”
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 11"