المقدّمة :
نقطة على الشفـاه
ضغطت أطراف أصابع جيرفانت على النقطة الموجودة أسفل شفتي تيتيا مباشرة.
ارتجفت شفتاها الممتلئتان عند هذه اللّمسة. لم يرفع جيرفانت عينيه عن تلكَ الحركة الصغيرة.
تحرّكت أطراف أصابعه ببطء لتضغط على شفتها السفلى. تحرّكت تفاحة آدم جيربانت بعنف وهو يرى شفتيها الناعمتين تتباعدان.
في اللّحظة التي كاد فيها يتسلّل بين شفتيها المفتوحتين قليلًا دونَ وعي، ارتفعت أجفان تيتيا، كاشفة عن عينين زرقاوين صافيتين كالسماء.
عبسَ جيرفانت بنظرةٍ تحمل شيئًا من الإحباط، لكن تيتيا رحّبت به.
“رئيس!”
“…هل أنتِ سعيدة برؤيتي؟”
“بالطّبع!”
نهضت تيتيا فجأة، أمسكت بيده و هزّتها لأعلى و أسفل. ذابت بقايا الإحباط في قلب جيرفانت كالثلج تحتَ الشمس.
“لماذا أنـتَ هنا؟ ألم أترك رسالة تقول انني سأنتهي و أعود بسرعة؟ ألم ترَ الرسالة؟”
تقلّص حاجبا جيرفانت فجأة.
“رأيتها. تركتِ مجرّد ورقة واحدة و ذهبتِ.”
خرجَ صوته مكبوحًا بالكاد، متدفّقًا من حلقه.
“فعلتِ ذلكَ عمدًا، أليس كذلك؟ لكي لا أتمكّن من ملاحقتكِ.”
لم تجـد تيتيا ما تقوله، فأدارت عينيها الكبيرتين بحركة دائريّة. أمسكَ جيرفانت بذقنها و أدار وجهها نحوه.
“انظري إليّ، تيتي. يجبُ أن تنظري إليّ.”
“ستوبّخني، أليس كذلك؟”
عبسَ جيرفانت كما لو أنّه سمع شيئًا لم يكن يجب أن يسمعه.
“لماذا و كيف سأوبّخكِ؟”
مـرّر يده على وجهه و همس بهدوء.
“قلتِ إنّنا سنكون معًا أينما ذهبتِ، ولم يكن ذلك كذبًا.”
“لكن الآن يمكنكَ الخروج وحدكَ من دوني.”
لم يكن هذا ما يقصده.
قبّـل جيرفانت كـفّ يدها بشكلٍ واضح. عندما انتشر عبير بشرتها الفريد في حواسه، أطلقَ جيرفانت نفسًا.
“…إذا عدتُ إلى ذلكَ الشّخص الأحمق السابق، هل سأتمكّن من البقاء بجانبكِ دون الانفصال للحظة؟”
“لماذا تقول هذا!”
صاحت تيتيا مذهولة و قرصت خدّه بكلّ قوتها.
“آه.”
“كم تعبت للوصول إلى هذه النتيجة، و ها أنتَ تقول إنّك تريد العودة إلى تلكَ الأيام؟”
كما لو كان يهدّئ تيتيا الغاضبة، مـرّر يده الكبيرة على ظهرها مرّة واحدة. كانت لمسته مليئة بالنوايا الخفيّة.
ارتجفت تيتيا و تصلّبت عندما تحرّكت أصابعه على ظهرها. عندما أفلتت يدها التي كانت تقرص خدّه، اقترب جيربانت فجأة.
“إذن، لا تذهبي إلى أيّ مكانٍ من دوني بعد الآن.”
“….”.
“إذا أخرجتِني من مخبئي بعد أن تخلّيتُ عن كلّ شيء و وضعتِني تحتَ سيطرتكِ.”
دونَ إخفاء مشاعره المتأجّجة، ألصق عينيه الملتهبتين بها و قبّـل ظهر يدها بعمق.
“يجبُ أن تتحمّلي المسؤوليّة بشكلٍ صحيح.”
تحوّلت الذراع التي امتدّت نحو تيتيا إلى فخّ لا يمكن فكّـه بسهولة.
* * *
الفصل 1
سـؤال غريب
في أحد الأيام، جـاء رجل يرتدي رداءً بغطاء رأس يغطي وجهه، و سألني فجأة:
“هل أنتِ مضحكة؟”
فأغلقتُ الباب.
يا لهذه الشخصيات الغريبة التي أراها.
بمجرّد أن أغلقتُ الباب بقوّة، بدأ يطرق الباب بعنف:
طق طق طق!
“أنا لستُ شخصًا غريبًا! حسنًا، لا يمكنني القول إنني لستُ غريبًا تمامًا.”
ما الذي يفعله هذا الرجل؟
بينما كنتُ حذرة من هذا الشخص المشبوه، تذكّرتُ فجأةً أنّني سمعتُ عن وصول فرقة سيرك إلى مدينة مورين الصغيرة أسفل القرية.
“هل أنـتَ من فرقة السيرك؟ لا أعرف ما الذي سمعته، لكنني لستُ من الذين يُضحكون الناس بأجسادهم. و بالطبع، ليس لديّ أيّ نيـة لكشف وجهي أمام الآخرين.”
ألمحتُ إلى رغبتي في أن يغادر، لكن الرجل صفّق و كأنّه معجب.
“إجابة رائعة حقًا.”
ما الذي يعنيـه؟
شعرتُ بعدم ارتياح من التورّط أكثر، فأغلقتُ الباب جيدًا و بدأتُ بإكمال تحضير الشّطائر.
عمدًا، جعلتُ أصوات تحضير الطعام عالية لأوضّح أنّني لستُ مهتمّـة بالحديث معه، لكن الضيف غير المرغوب فيه لم يستسلم و رفعَ صوته:
“أنا آسف إذا أربككِ سؤالي المفاجئ. أنا لستُ مشبوهًا… حسنًا، قد أبدو كذلك، لكنني لستُ كذلك.”
بسبب ثرثرته، توقّفتُ عن تقطيع الطعام و تنهّدتُ.
“ما مغزى سؤالك؟”
كان البيت متداعيًا، لذا حتّى لو رفعتُ صوتي قليلًا، يمكن سماعه من الخارج.
تسلّل صوت الرجل الجاد عبر شقوق الباب:
“أريد توظيفكِ.”
توقّعتُ شيئًا كبيرًا بسببِ إصراره، لكن هذا العرض كان عاديًا، فاستأنفتُ تقطيع الطعام.
“أنا لستُ مضحكة حتّى لو أُتيحت لي الفرصة… ابحث عن شخصٍ آخر.”
كانت هذه المرة الأولى التي يأتي فيها أحدهم لتجنيدي. كان هناك مَنٔ جاء بسببِ إعجابه بمظهري، لكن ليس هكذا.
“هل تعرفين عائلة دوق ديستين؟ إذا كنتِ تعرفين، اشرحي لي.”
هل يتحدّاني؟
قبلتُ التحدّي بكلّ سرور و شرحتُ بالتّفصيل:
“كيف لا أعرف؟ إنّه اللّقب الذي منحه الإمبراطور مباشرةً إلى جيرفانت دي ديستين، أحد الأبطال الثلاثة الذين ساهموا في ختم ‘شيطان سيرايل’.”
لا يوجد مواطن في الإمبراطورية لا يعرف ذلك.
كان بطلًا أنقـذ العالم من الدمار. كان من الطبيعيّ منحه لقب دوق، و لم يعترض أحد على هذا القرار.
“إذن، تعرفين نقابة إكليبـس أيضًا.”
فكّرتُ في تجاهله، لكنّه بدا كأنّه سيلتصق بي أكثر إذا فعلتُ، فأجبتُ بطاعة:
“بالطبع. إنّها النقابة التي يديرها الدوق ديستين حتّى قبل حصوله على اللقب.”
بينما كنتُ أستمع إلى الاسم و النقابة، تذكّرتُ قصّة لم أفكّر فيها منذُ زمن. رواية رومانسية تدور أحداثها في هذا العالم.
‘جيرفانت دي ديستين.’
مالك نقابة إكليبس و دوق ديستين كان الشّرير في الرواية التي قرأتها، لكنّه طُهّـر بفضل البطلة و أصبح شخصية ثانوية محبوبة.
شعرتُ بالغرابة عند التّفكير في هذا الاسم بعد وقتٍ طويل.
“بما أنّكِ تعرفين، سيكون الحديث أسرع.”
“لا أفهم ما الذي تعنيه.”
“لقد تحدّثتُ عن عائلة ديستين و نقابة إكليبس لأنّني أحد رجال جيرفانت دي ديستين.”
“عضو من نقابة إكليبس في قرية جبلية كهذه؟ أنتَ بالتأكيد أعظم مخادع في العالم. لقد أضحكتني، فارجع الآن.”
أجبتُ باستخفاف، لكنني كنتُ أؤمن أنّه حقًا عضو في إكليبس.
لا يوجد أحد جريء بما يكفي لانتحال شخصية عضو في نقابة إكليبس.
‘حتّى لو تجسّدتُ في عالم الرواية، لم أتورّط مع شخصيات القصّة الأصلية و لو لمرّة واحدة، لذا نسيتُ الأمر.’
لماذا جاء إليّ؟
فجأة، شعرتُ بإحساس سيء يجتاحني.
‘هل… هل كلّف ويليام نقابة إكليبس؟’
هززتُ رأسي.
لا، ليس لدى ويليام هذا القدر من المال.
حاولتُ التّركيز على الطعام بينما اجتاحت رأسي كلّ أنواع التخمينات المقلقة.
وضعتُ لحمًا مقدّدًا مشويًا، خضارًا، طماطم، و بيضًا مقليًا بعناية على خبز القمح الكامل، ثمّ غطّيته بالخبز.
بينما كنتُ أقطّعه إلى نصفين لتسهيل الأكل، قيّمني الرّجل بجديّة من الخارج:
“من محادثتنا القصيرة، أستطيع القول إنّكِ، يا آنسة تيتيا، شخصية مرحة جدًا. أنـتِ بالضبط مَنْ كنتُ أبحث عنه.”
“أنا بحاجةٍ إلى تناول الإفطار. إذا شعرتُ بالجوع، قد أصاب بفقر الدم… و إذا أزعجتني في هذا الوقت المهم…”
للدلالة على أنّني لا أعرف كيف سأتصرّف، غرزتُ السكين بقوّة في لوح التقطيع.
طينغ!
تردّد صوت اهتزاز السكين في المطبخ.
“لا يمكن توقّع تصرّفاتي.”
أردتُ أن أظهر أنّني لن أخضع حتّى لو كان من إكليبس، و تمنّيتُ أن يستسلم و يغادر بهدوء.
هـدأ المكان في الخارج، و فكّرتُ أنّه ربّما غادر، لكن وجه الرجل ظهرَ فجأة عند نافذة المطبخ.
“يجب أن تكوني أنـتِ!”
“آه!”
صرختُ من المفاجأة، و أمسكتُ بالسكين بيدٍ مرتجفة.
“مهلاً! كيف تظهر فجأة هكذا؟ لقد كـدتُ أجرح يدي… لا، أعني، أنا أمسك بالسكين!”
إذا رميتُ السكين من الذعر، ستموتَ أنتَ و سأذهب أنا إلى السجن!
“يمكنني تفادي سكين بسهولة حتّى وأنا مغمض العينين. لا تستهيني بإكليبس.”
لم أستهن بهم أبدًا.
أنزلتُ السكين بهدوء على لوح التقطيع.
“بما أنّكِ ترفضين باستمرار، ليس أمامي خيار آخر.”
اقتربَ الرجل من النافذة حتّى كـاد وجهه يلامسها، و بدأ يسرد معلوماتي الشخصية:
“اسمكِ تيتيا أنجيلا. عمركِ واحد و عشرون عامًا. طُردتِ عندما ورث أخوكِ غير الشقيق عائلة الفيكونت أنجيلا. أو بالأحرى، هربتِ لأنّكِ لم ترغبي في الزّواج.”
“ذلكَ الرجل قال إنّ لديه ابنة في مثل سنّـي. هل تعتقد أنّه من الصواب الزّواج من رجلٍ كهذا؟”
“و أعرف أيضًا أنّكِ تمارسين تمارين غريبة تحتَ ضوء القمر قبل النوم.”
كيف عرفتَ ذلك؟!
“إنّه تمرين وطنيّ، أفعله ليلًا لأنّه يساعدني على النوم… مهلاً، هذا انتهاك للخصوصية!”
“نحن نعرف حتّى ما يقوله الإمبراطور في نومـه!”
“هذا رائع حقًا.”
“إذا أردتِ أن أسرد المزيد من أسراركِ و نقاط ضعفكِ…”
“حسنًا!”
حسنًا، فهمتُ!
فتحتُ الباب المغلق بإحكام بنزق. دخلَ الرجل بثقة.
“لم أطلب منكَ الدخول.”
“آه، هذا صحيح. إذن هنا…”
على عكسٌ دخوله الواثق، طوى كتفيه العريضين قليلًا و خرج بخطواتٍ خفيفة كالرقص.
وقفتُ وجهًا لوجه معه خارج الباب.
“دعيني أقدّم نفسي أوّلًا.”
خلع الرجل غطاء رأسه العميق.
أوّل ما رأيته كان عينين زرقاوين خلف نظارة مربّعة شفافة. كان له وجه ناعم و شعر أخضر طويل يصل إلى صدره، مربوط في ضفيرة، و كان وجهه الجميل مألوفًا بطريقةٍ ما، فنظرتُ إليه بدهشة.
فتح شفتيه المغلقتين وقال اسمه:
“أنا بيلت وارد.”
عند سماع هذا الاسم، انتفض حاجباي دونَ وعي. لاحظت عيناه الحادّتان ذلك على الفور.
“يبدو أنّكِ تعرفين مَنٔ أنا. أنا مشهور جدًا.”
كان هذا الرّجل الوقح بنفس شهرة جيرفانت. كان أحد الأعضاء المؤسسين لنقابة إكليبس و صديق الدوق المقرّب، و نائب رئيس النقابة أيضًا.
لم أتوقّع أبدًا أن تأتي شخصية بهذا الحجم لزيارتي بنفسه.
“حسنًا، إذن بيلت. ما الذي تريد قوله؟”
“تعرفينني، و مع ذلك تجرّأتِ على مناداتي باللقب الذي أكرهه… كيف عرفتِ أنّ القوّة ضرورية لخدمة الرئيس…”
لا، لم أكن أعرف!
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات