كان الشارع السابع يقع في الجزء الجنوبي الشرقي من العاصمة.
كانت معظم متاجر الشارع السابع أعمالًا عائليّة موروثة ، ممّا جعل العلاقات بين التجّار متينة.
كلّما افتُتح متجر جديد ، كان أكبر مخاوفهم أن يأتي شخص غريب الأطوار كجار و يعكّر السلام. لذا ، عندما بدأ الأثاث يدخل إلى متجر الساعات الذي انتهت أعمال بنائه ، تجمّع تجّار الشارع السابع أمام المبنى للتعرّف على صاحب المتجر.
طوال الصيف ، كان الناس يدخلون و يخرجون من هناك ، و بعد قرابة عام ، بدا أنّهم أنهوا أخيرًا استعدادات فتح المتجر.
كانت العائلة التي تدير مخبزًا في المبنى المجاور هي الأكثر اهتمامًا.
و كانت ليف ، ابنتهم ، مهتمّة بشكل خاص بامرأة في سنّها تبدو صاحبة متجر الساعات.
تحدّثت ليف مع أصدقائها من بعيد: “أليسَت تلك من عائلة كريمسون؟”
“لا يمكن أن تكون هي ، أليس كذلك؟ المرأة التي طلّقت القائد”
كان معروفًا في الشارع السابع أنّ ابنة عائلة كريمسون القريبة ، طلّقت قائد سفينة روبيد. لفترة ، كانت سالانتير مليئة بالحديث عن قائد دومفيلت الذي أودع والدته في مصحّة عقليّة.
سكارليت كريمسون.
في العاصمة ، اشتهرت ببيعها معلومات عن زوجها و الطلاق منه. لكن ، بما أنّه لم يكن هناك المزيد لإثارتها ، خفت الاهتمام بعد حوالي عام.
“هل هي حقًّا؟”
“آه ، لا يمكننا التأكّد ، الصحف لم تنشر صورها”
كان هناك قراصنة في العاصمة يعتبرون فيكتور دومفيلت عدوًّا لدودًا ، و خوفًا من الأذى ، لم تُنشر صور عائلته في الصحف.
بسبب كونها في نفس العمر تقريبًا ، دفعها والداها و تجّار الحيّ لزيارة المتجر حاملة سلّة خبز. دخلت ليف ، و هناك رأت وجه صاحبة المتجر بوضوح لأوّل مرّة.
‘يا إلهي ، جميلة جدًّا …’
كان هذا انطباعها الأوّل.
كانت صاحبة متجر الساعات تملك جمالًا ساحرًا.
شعرها الأشقر الفاتح مضفور و مُسدل على كتفها ، عيناها تبدوان حلوَتين ، و شفتاها المزمومتان قليلًا جعلتا ليف ، كامرأة ، تشعر بالإعجاب.
كانت تقف بيدين متشابكتين ، بوجه لا يُزعج أحدًا ولا يبدو مضحكًا. ربّما في الأوساط الاجتماعيّة كان هذا مقبولًا ، لكن كجارة في الحيّ ، بدا متعجرفًا بعض الشيء.
اقتربت ليف منها.
“مرحبًا”
التفتت صاحبة المتجر ، فقدّمت ليف سلّة الخبز.
“أنا جارتكِ. هذه هديّة ترحيب ، أنا ليف أليك”
“آه … أنا سكارليت دومفيـ- … كريمسون”
“هل أنتِ حقًّا تلك المرأة؟ زوجة القائد؟”
سألت ليف بدهشة ، فأومأت سكارليت برأسها.
أخذت سلّة الخبز بيدها.
تساءلت ليف إن كان من المناسب إعطاء خبز عاديّ لشخص عاش في عائلة دومفيلت البارزة ، لكن سكارليت ابتسمت بحرارة.
“شكرًا”
‘واو ، جميلة جدًّا …’
صُدمت ليف مرّة أخرى بابتسامتها. لم ترَ امرأة بهذا الجمال في حياتها.
كما يُقال عن السيدات الراقيات ، كانت دائمًا ترتدي قبّعة واسعة الحواف مزيّنة بشبكة ، لذا كانت ليف أوّل من رأى وجهها بوضوح.
عبثت سكارليت بمقبض سلّة الخبز بفرح واضح ، و كأنّها كانت قلقة بشأن كيفيّة تحيّة أهل الحيّ.
سألت ليف: “كنتِ هنا طوال الصيف ، أليس كذلك؟ ماذا كنتِ تفعلين؟”
“كيف عرفتِ؟”
“لا تسألي ، هذا الحيّ صغير جدًّا ، كلّ شيء يصبح إشاعة”
“هكذا إذًا … آه ، كنتُ أصنع الساعات. أنا من عائلة كريمسون”
“حقًّا؟ هل تستطيعين صنع الساعات؟”
“فقط ناديني باسمي”
عندما قالت سكارليت ذلك بدهشة ، أجابت ليف بسرعة: “حسنًا ، سكارليت”
ابتسمت سكارليت بخجل و قالت بأسف: “كنتُ أتمنّى لو نتناول القهوة معًا ، لكن الأمور لا تزال فوضويّة. قريبًا … هل تأتين لتناول القهوة؟”
“بالتأكيد. عندما تنتهين ، افتحي النافذة في الطابق الثاني و ناديني. غرفتي تطلّ مباشرة هناك”
“حقًّا؟”
بدت سكارليت أكثر فرحًا. بدت باردة في البداية ، لكنّها كانت تضحك أكثر ممّا توقّعت ليف.
بعد تحيّة سكارليت ، خرجت ليف من المتجر.
كان والداها و تجّار الشارع السابع ينتظرونها خارجًا و يتساءلون: “ليف ، كيف كانت؟”
“هل هي متعجرفة؟ هل أخذت الخبز؟”
ردّت ليف على الأسئلة المتتالية: “أوّلًا ، إنّها بالفعل سكارليت كريمسون ، التي طلّقت القائد”
“ماذا؟ لماذا شخص مشهور كهذا في حيّنا؟”
بينما كان الجميع متعجّبين ، أضافت ليف: “و ليست سيدة راقية كما يُقال. تقول إنّها صنعت الساعات بنفسها. و هي حقًّا ، حقًّا جميلة. أجمل امرأة رأيتها في حياتي”
قبل أن تنتهي ليف من كلامها ، اندفع التجّار الذين استسلموا لفضولهم إلى متجر الساعات. ثمّ خرجوا بعدها بوجوه راضية.
“يا إلهي ، لم أرَ فتاة بهذا الجمال من قبل”
“تبدو لطيفة ، أليس كذلك؟”
“قلقنا طوال الصيف عبثًا. لو كنت أعلم أنّها فتاة هادئة كهذه ، لكنت تحدّثت إليها منذ البداية”
بدت وجوه التجّار ، الذين كانوا قلقين من قدوم شخص غريب إلى الحيّ ، مطمئنّة.
نظرت ليف إلى المتجر بخوف من أنّ كلامها تسبّب في إزعاج سكارليت بسبب تدفّق الناس. لكنّ سكارليت خرجت للحظة ، رفعت يدها بحذر ، و لوّحت لليف.
اطمأنت ليف و لوّحت لها بحماس ، فضحكت سكارليت ببراءة.
***
بينما كانت سكارليت منغمسة في فتح متجر الساعات ، حلّ الشتاء بسرعة.
في صباح أربعاء ديسمبر البارد ، نزلت سكارليت إلى الطابق الأوّل مرتدية عباءة صوفيّة سميكة.
انتشرت ابتسامة عريضة على وجهها و هي تتجوّل في متجر الساعات الجميل المغمور بضوء الشمس الصباحيّ.
أشعلت أوّلًا نار الموقد لأندري ، الذي يكره البرد. عندما بدأت النار الدافئة تحترق ، بدأت ساعاتها تعكس ضوءًا ساحرًا.
على الحائط ، كانت هناك ساعة جداريّة كبيرة ، و في واجهة زجاجيّة ، عُرضت ساعات يد.
كانت الوسائد المربّعة المغطّاة بالحرير الأرجوانيّ ، التي وضعت عليها الساعات ، من اختيار أندري.
هذه الوسائد الصغيرة التي صنعاها معًا أصبحت ، كما زعم أندري ، رمزًا لـ”متجر ساعات سكارليت كريمسون”.
كنست سكارليت الأرضية بمكنسة ، و نفضت الغبار خارج الباب ، ثمّ وضعت سجادة مكتوب عليها “مرحبًا” أمام الباب ، لتنتهي مهامها.
في العاشرة صباحًا بالضبط ، ظهر أندري ، الموظّف الوحيد.
أعطى حقيبته لسكارليت ، التي حملتها بينما كان يرفع الستارة العالية جدًّا بالنسبة لها.
وضعت سكارليت الحقيبة خلف واجهة العرض في مكان أندري ، ثمّ صعدت على درّاجتها و قالت: “سأعود لاحقًا”
“عودي مبكرًا و اعملي”
كان أندري يعلم أنّ الأربعاء هو يوم زيارتها لإيساك كريمسون ، فقال نفس الكلام الذي قاله الأربعاء الماضي ، و دخل المتجر ليعدّ القهوة للزبائن.
تساءلت سكارليت ، و هي تدوس على دوّاسات الدرّاجة متّجهة إلى منزل كريمسون ، هل من الجيّد أن يكون لدى الموظّف طموح أكبر من صاحب العمل.
بينما كانت تمرّ بالشارع السابع كلّ أربعاء في نفس الوقت ، كان التجّار الذين تعرّفت عليهم يلوّحون لها ، فتلوّح لهم بيد واحدة مردّدة تحيّتهم.
بعد اجتياز الشارع السابع و السير على طريق الترام ، وصلت إلى منزل عائلة كريمسون.
نزلت سكارليت من درّاجتها ، أخذت حقيبة يد صغيرة ، و دخلت. على الشرفة ، رأت ابنة عمّها ماريلين و أرنولد ، مع أصدقاء الأخوين يقضون وقت غداء هادئ.
قالت ماريلين بنبرة لوم: “لو كنتُ أنا من ذهبت إلى عائلة دومفيلت ، لما عدتُ هكذا”
تجاهلت سكارليت كلامها و حاولت الدخول ، لكنّ قطعة خبز طارت و أصابت رأسها.
توقّفت للحظة ، فقام أرنولد و سدّ الباب.
نظر إليها بنزعاج دون أن يلتفت إليها و قال: “امرأة مطلّقة تتجوّل بحريّة هكذا؟ لا أفهم كيف يدور العالم”
اعتادت سكارليت على مضايقات أرنولد غير المبرّرة ، فحاولت الدخول دون ردّ. لكنّه أمسك بشعرها مع وشاح الرأس و جذبها بقوّة إلى الخلف.
“إلى أين؟ تتجاهلين الناس؟”
“توقّف”
“توقّف؟ توقّف عن ماذا؟ ماذا ستفعلين؟”
ضحك أرنولد بسخرية و هزّ شعرها.
“هل أنا مخطئ؟ لو تخلّيتِ عن أخيكِ و هربتِ ، كان يجب أن تحتفظي بقلب زوجكِ على الأقل”
خوفًا من أن يسمع إيساك ، أغمضت سكارليت عينيها بقوّة دون أن تصرخ.
سمعت خطوات بطيئة ، و نزل إيساك من الدرج المركزيّ متّكئًا على درابزين و عصا ، عيناه مغطّيتان بقماش نظيف يغيّره الممرّض دائمًا.
نظر أرنولد إلى إيساك ، ثمّ أطلق سكارليت و قال: “أترككِ فقط لأنّني أشفق على هذا المسكين. حتّى مع أخت مثلكِ ، لا يستطيع فعل شيء”
ابتسم إيساك ، الذي كان وجهه شاحبًا جدًّا لقلّة خروجه ، و قال موجّهًا كلامه نحو صوت سكارليت: “سكارليت ، هيّا نصعد”
ردّت سكارليت و هي تلتقط وشاح رأسها المتساقط و تركض: “لمَ نزلت؟ كنت سأصعد إليك”
“جئت لأستقبلكِ”
لم يرَ إيساك الموقف ، فابتسم بهدوء.
ساعدته سكارليت بحذر و أوصلته إلى غرفة العلّيّة حيث يقيم.
“الجوّ بارد جدًّا”
تمتمت سكارليت و هي تضع حقيبتها ، و أشعلت الموقد.
عاد إيساك إلى سريره ، و استلقى موجّهًا رأسه نحو صوتها.
منذ حادث العربة الذي أفقده بصره ، اعتمد إيساك ، الذي كان أصغر منها بعام ، على رعاية أخته. حتّى بعد زواجها ، استمرّ الأمر.
أغلقت سكارليت الباب بالقفل ، و أخرجت من حقيبتها دواء اشترته بأكثر من نصف المال الذي تلقّته من غريغوري.
في اليوم الذي استفاقت فيه بعد التحقيق ، وجدت هذا الدواء في غرفتها بالفندق ، مع ورقة في محفظتها توضّح كيفيّة الحصول عليه.
كان دواءً اشترته سكارليت من سوق تُجرى فيه صفقات خلفيّة مع أغراض القراصنة ، متحدّية الخطر.
استلقى إيساك بهدوء بينما كانت تقطّر الدواء على القماش فوق عينيه ، دون أن يتحرّك.
قالت سكارليت: “هل سيجعلك ترى حقًّا؟”
عندما بدأت الحديث ، ابتسم إيساك كما لو أنّه استفاق من شلل.
“أتمنّى ذلك. و إلّا ، سيكون مالكِ قد ضاع هباءً”
“قلتُ لك لا تقلق بشأن ذلك”
بمبلغ مشابه لهذا الدواء ، فتحت سكارليت متجر الساعات و اشترت درّاجة.
كان الثمن باهظًا.
حتّى لو تمّ القضاء على معظم القراصنة ، فإنّ الذهاب إلى جزيرتهم لشراء دواء مشبع بالسحر لم يكن شيئًا يقبل به أحد دون هذا المبلغ. لكن سكارليت لم تندم على هذا الاستثمار أبدًا.
مهما استولى عمّها على الثروة ، كان إيساك هو الوريث الشرعيّ لعائلة كريمسون و كونت كريمسون. لكن في طفولته ، كان صغيرًا جدًّا ، و الآن ، بسبب عماه ، ادّعى عمّه إيفيل كريمسون الوصاية ، ممّا منع إيساك من التصرّف بأيّ ممتلكات.
إذا استعاد إيساك بصره بهذا الدواء ، لن يستطيع عمّه الاستمرار في ادّعاء الوصاية. لكن هذا كان أملًا فقط ، إذ لا ضمانات أنّ الدواء سيردّ بصره.
على مدى نصف عام ، حصلت على الدواء بصعوبة ، و استمرّت في إعطائه له لنصف عام آخر ، لكن لا علامات على تحسّن بصره. ربّما خُدعا ، لكنّهما لم يعبّرا عن ذلك حفاظًا على مشاعر بعضهما.
التعليقات لهذا الفصل " 8"