بعد أيّام ، في صباح مبكّر ، انتهت الاستعدادات للذهاب إلى الدير.
احتضنت سكارليت فيكتور ، الذي خرج لتوديعها ، بحرارة.
“سأشتاق إليك ، فيكتور”
مدّ يده و أزاح خصلات شعر سكارليت خلف أذنها و هي تنظر إليه بلهفة و هي في أحضانه.
“عندما تعودين ، ربّما يهدأ غضب والدي”
أومأت سكارليت برأسها ، ثمّ أسندت رأسها إلى صدره و قالت: “و هل ستغفر لي أنت أيضًا؟”
“لا”
عند هذا الردّ القاطع ، تلاشت ابتسامة سكارليت.
“حتّى بعد شهر؟”
“لقد خنتِ ثقتي”
ما الذي يفكّر فيه زوجها؟
في أيّام زواجهما الأولى ، كانت تظلّ مستيقظة طوال الليل تحاول فهم ما يدور في ذهن هذا الرجل الذي أحبّته منذ النظرة الأولى.
كانت تقوم بأعمال طفوليّة مثل نزع بتلات الزهور قائلة: “يحبني ، لا يحبني” ، أو تبحث في العشب عن نبتة نادرة يُقال إنّها تجلب الحبّ. ضحكت ، و غضبت ، و بكت ، لكنّ فيكتور ظلّ كما هو دائمًا.
لم يشتعل قلبه أبدًا. كان دائمًا هادئًا ، باردًا ، و بجواره شعرت دائمًا و كأنّها تحترق وحدَها.
كيف أحبّت رجلًا كهذا لمدّة عامين؟ لكنّها فكّرت أنّ الحبّ من طرف واحد هو هكذا دائمًا. أن تحبّ شخصًا لا يحبّك.
في النهاية ، قرّرت أنّ الوقت هو الحلّ الوحيد. عندما تنطفئ هذه النار يومًا ما ، سيزول هذا الحبّ أيضًا.
ابتسمت سكارليت و تراجعت خطوة إلى الوراء ، ثمّ سألت بنبرة ودودة: “ماذا عن ثلاثة أشهر؟ هل ستغفر لي بعد ثلاثة أشهر؟”
“…”
“إذًا مئة يوم. بعد مئة يوم … ستغفر لي ، أليس كذلك؟ لا أريد أن تستمرّ أكثر من ذلك ، لأنّني أخشى أن تنساني”
“حسنًا ، فليكن”
عندما أجاب فيكتور ، ابتهجت سكارليت ، عانقته بحماس ، ثمّ لوّحت بيدها و قالت: “أراك بعد مئة يوم ، يا حبي”
“حسنًا”
هل سيهدأ غضبه بعد مئة يوم؟ و هل ستخمد النار في قلبها إذا بقيت بعيدة عنه لمئة يوم؟
تاقت سكارليت إلى تحقّق الأمرين معًا و هي تصعد إلى العربة.
* * *
كان دير ميلين بعيدًا جدًّا عن العاصمة.
عندما دخلت سكارليت الدير المنعزل ، الذي لا يحيط به شيء ، أظلمت تعابير وجوه خدمها.
كانت الغرفة المخصّصة لها مبنيّة من الحجارة ، و كأنّها زنزانة خالية من كلّ شيء.
عبست الخادمة كانديس وهي تضع حقيبة سكارليت ، و قالت: “يا إلهي ، حتّى لو كان ديرًا ، أليس من المفترض أن يكون هناك سرير على الأقل؟ هذا ليس مكانًا للمتعبّدين ، بل للمتقشّفين”
ابتسمت سكارليت بهدوء ، فقد كانت تتوقّع ذلك إلى حدّ ما ، و نظرت إلى النافذة الصغيرة. كانت قلقة بعض الشيء لأنّ الشمس لا تدخل الغرفة بما فيه الكفاية.
كان الخدم ينشغلون بترتيب الغرفة ، حاملين أغطية الشتاء و مدفأة. بالنسبة لعائلة ثريّة مثل عائلة دومفيلت ، كان من الطبيعيّ أن تحمل هذا القدر من الأمتعة عند السفر.
في تلك اللحظة ، دخل الكاهن دلفيو ، الذي كلّفه غريغوري برعاية سكارليت ، إلى الغرفة.
نظر إلى الخدم و هم يضعون الأغطية ، ثمّ قال بنبرة صلبة: “ما هذا التصرّف؟ لماذا تحتاج امرأة جاءت للتوبة إلى كلّ هذه الأمتعة؟”
توقّف الخدم عن الحركة.
أضاف دلفيو: “أخرجوا الأمتعة فورًا. إنّ الحاكم ليسكيا سيسخط”
“مهما قلتَ ، كيف يمكننا أن نترك سيّدتنا …”
حاولت كانديس الاعتراض ، لكنّ دلفيو قاطعها برفع صوته: “هذا أمر من السيد غريغوري أيضًا”
“…”
لم يكن أمام كانديس خيار سوى التراجع عند ذِكر اسم غريغوري.
جمع الخدم الأمتعة التي وضعوها في الغرفة ، و هم ينظرون إلى الوراء مرّات عديدة و يغادرون بقلق.
بعد أن غادروا ، وقف دلفيو أمام سكارليت ممسكًا بالكتاب المقدّس.
اقتربت راهبة و همست لها: “اركعي على ركبتيك”
ثمّ غادرت الراهبة ، فجثت سكارليت على ركبتيها أمام أقدام الكاهن بوجه متوتّر قليلًا.
قلّب دلفيو صفحات الكتاب المقدّس و قال: “قال الحاكم ليسكيا: كلّ شيطان يكمن في التقنيات التي صُنعت لتتفوّق على الآخرين. لذا ، فإنّ ابنة صانع الساعات ، السيّدة التي وُلدت من عائلة كريمسون ، وُلدت تحمل خطيئة أصليّة”
تصلّبت ملامح سكارليت عند سماع كلامه.
كان ليسكيا حاكم الطبيعة ، و الديانة الإيدلرودية ، و هي الديانة الرسميّة في سالانتير ، تؤمن بهذا الحاكم.
قبل مئات السنين ، استقرّ أسلاف سالانتير ، و هم بدوٌ ، في هذه الأرض باتّباع نجم صغير. و بدأوا يعبدون ليسكيا ، حاكم الطبيعة الذي خلق هذا النجم و الطبيعة نفسها.
كان صحيحًا أنّ أتباع ليسكيا يسعون إلى حياة قريبة من الطبيعة. لكنّ ادعاء دلفيو بأنّ سكارليت تحمل خطيئة أصليّة بسبب هذه الديانة كان مجرّد زعم متعسّف.
قالت سكارليت: “لم يصنع والداي الساعات للتفوّق على الآخرين”
“الزمن شيء تخبرنا به الطبيعة. جعل الناس يقرؤون الزمن بشكل اصطناعيّ و يجعل قلوبهم مشغولة هو فعل شيطانيّ”
“هذا هراء …”
“و لهذا السبب خنتِ زوجكِ ، أليس كذلك؟”
سرعان ما أمر دلفيو الرهبان بجعلها تركع على الأرض. ثمّ قال بزهو: “ربّما لا تفهمين خطيئتكِ الآن ، لكنّكِ ستدركينها قريبًا. ستحصلين هنا على التوبة و التطهير معًا”
***
كانت المئة يوم فترة طويلة أكثر ممّا تصوّرت.
خلال تلك الفترة ، مرّت أيّام البرد القارس ، و حلّت رياح الربيع الباردة القويّة.
في سالانتير ، كان الثلج يتساقط بغزارة في ديسمبر و يناير. أمّا في فبراير و مارس ، فكانت العاصمة تمطر كثيرًا و تعصف بها رياح قويّة تجعل الجوّ مخيفًا.
بينما كانت زوجته في الدير ، كان فيكتور يجيب على مقابلات مع صحفيّين لا يرتاح لهم.
نظر إلى المطر ينهمر خارج العربة.
كان بلايت ، الذي رتّب أوسمة فيكتور العديدة على زيّه العسكريّ بدقّة متناهية ، يتفحّصها بعينين متيقّظتين ، ثمّ عبس و كأنّ شيئًا ما لم يعجبه.
كان فيكتور هو من وظّف بلايت بسبب هوسه القريب من الوسواس بالترتيب. و بما أنّه اختاره بنفسه ، لم يعلّق فيكتور على هذا السلوك رغم شعوره بالضيق.
أنهى بلايت ترتيب ملابس فيكتور بعد تفكير عميق ، ثمّ نزع بتلات ذابلة من باقة الزهور التي أحضرها بعناية.
بينما كان يُسلّم الباقة لفيكتور بحركة دقيقة ، سأل: “هل ستكون بخير؟ حتّى عند مقابلة الدوقة مارينا؟”
“أزورها كثيرًا”
“لكن هذه المرّة مع الصحفيّين”
“لا خيار آخر”
كان فيكتور يحاول تجنّب هذا الخيار حتّى النهاية ، لكنّ هجمات الشرطة الملكيّة و الصحافة المستمرّة على سلوكه جعلته مضطرًا.
فتح بلايت باب العربة و نزل ليفتح مظلّة.
بينما تجمّع الصحفيّون ، خرج فيكتور من العربة ممسكًا بباقة الزهور.
توقّف الصحفيّون ، الذين كانوا يجهّزون أسئلة هجوميّة ، لحظة ظهور وجهه الوسيم المتصلّب تحت المطر.
كان هذا الضابط الشاب ، الذي لم يتجاوز السادسة و العشرين ، ينضح بهيبة لا تُصدّق.
دخل فيكتور دير أوسليت ، و هو الدير الأكثر ثراءً في العاصمة ، حيث تقيم والدته مارينا دومفيلت.
كان دير أوسليت يشتهر بكنيسته المليئة بالزجاج الملوّن ، و كان جميلًا لكنّ القليلين فقط كانوا يُسمح لهم بالدخول.
كانت مارينا دومفيلت جالسة على كرسيّ مريح في شرفة تطلّ على الحديقة ، مزيّنة بتبرّعات فيكتور الهائلة.
عندما اقترب فيكتور ، نظرت إليه مارينا.
“فيكتور”
“أمّي”
ابتسم فيكتور و اقترب ، ثمّ جثا على ركبتيه على الأرضية الخشبيّة الجميلة بجانب كرسيها ، و نظر إليها.
مدّت مارينا يدها تلامس شعره ، ثمّ نهضت فجأة ، و تغيّرت نظرتها و هي تمسك بعنقه.
“لو لم تكن موجودًا …”
“كنتِ ستعيشين كأميرة. نعم ، أعلم”
“كان يجب ألّا تُولد! أنت من دمّر حياتي!”
“قلتِ هذا مرّات عديدة”
تركها تخدش كتفيه و عنقه بيديها النحيفتين دون مقاومة.
كان هذا أمرًا معتادًا.
بعد أن أرهقت نفسها و هي تضربه و تخدشه كمن يريد قتله ، بدأت مارينا تتنفّس بصعوبة.
ثمّ ، و كأنّها استعادت بعض وعيها ، سألته: “كيف حال زوجتك؟”
“بخير”
“لا تزال تحبّك هكذا؟”
ابتسم فيكتور بصمت.
“بالطبع ، بشكل يثقل كاهلي”
أومأت مارينا ، ثمّ عادت لتتحدّث: “هل أخبرتك عن الزلاقة التي كانت في القصر عندما كنتُ صغيرة؟”
“… لا”
كانت قصّة سمعها ألف مرّة. قصّة الزلاقة ذات المقبض الذهبيّ ، و قصّة المهد المزيّن بالياقوت الذي يرثه كلّ أفراد العائلة المالكة.
تحدّثت طويلًا عن طفولتها في القصر ، ثمّ عادت لتلوم فيكتور مرّة أخرى. كانت باقة الزهور التي أحضرها قد أثارت غضبها ، فمزّقتها و ألقتها في المطر منذ زمن.
بعد أن أصغى إليها طويلًا ، لاحظ فيكتور أنّ مارينا بدت منهكة و تستعدّ للنوم ، فقام من مكانه.
أمسكت مارينا بذراعه و قالت: “يا بني ، يومًا ما ، أعدني إلى القصر”
كان في وجهها أمل ممزوج بنوع من الجنون لا يمكن وصفه.
“ابني الحبيب ، أنت الوحيد الذي أثق به. هل تفهم؟”
“بالطبع”
رتّب فيكتور غطاءها و قال: “يومًا ما ، سآخذكِ إلى القصر”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات