بالرغم من سماعها الكلام بأذنيها، ظّلت كيرين صامتة وكأنها لم تفهم شيئًا.
“إذن أنتِ تقولين إنني مخطوبة لآريس؟”
“ألستِ كذلك؟”
“…”
عندما سألت مرة أخرى غير قادرة على تصديق الأمر، اكتفت زميلتها بإمالة رأسها بحيرة.
أثار هذا المنظر غضب كيرين حتى الغليان.
“هل تمزحين معي؟ لماذا قد أواعد لذلك الوغد من الأساس؟!”
كان كيرين وآريس معروفين في القصر الإمبراطوري كعدوين لدودين. كان الاثنان يتشاجران بمجرد التقائهما، وحتى إذا رأى أحدهما الآخر من بعيد، كانا ينتهيان بالخصام.
كثيرًا ما كان المحيطون بهما يدفعونهما إلى ساحة التدريب قائلين ‘ من الأفضل أن تتقاتلا هناك بشكل لائق’.
والآن تنتشر مثل هذه الشائعات الغريبة. إنه أمرٌ لا يصدق.
“أنتِ لا تصدقين ذلك حقًا، أليس كذلك؟”
عندما سألت كيرين بحذر، نظرت إليها زميلتها بقلق.
في مواجهة هذا رد الفعل غير المتوقع، ألقت عليها كيرين نظرة ملحة.
“حسنًا… لقد كنتما تتصرفان بغرابة مؤخرًا.”
“…؟”
كانت طريقة ترددها مزعجة.
“بعض الناس لا يصدقون، لكن هناك مَن يصدق.”
“في أيّ فريقٍ أنتِ؟”
“…”
عندما عبست كيرين وحدقت بها كما لو أنها تتحداها للإجابة، تجنبت نظرها. رغم أنها لم تنطق بكلمة، إلّا أن صمتها كان معبّرًا.
“هاي، أنتِ …!”
في اللحظة التي رفعت فيها صوتها غاضبةً، أخرجت كيرين نفسًا قصيرًا وأمسكت رأسها.
كان صادمًا أن هناك أناسًا يصدقون إشاعة خطبة بين شخصين عداوتهما معروفة في أنحاء الإمبراطورية.
“حسنًا، اللورد آريس لم ينكر الخبر.”
“آريس يعلم بالإشاعة؟”
كيرين، التي كانت تحاول جاهدةً إيجاد حل لهذا الموقف، رفعت رأسها فجأة. بينما كانت تتساءل عن مغزى ذلك، حدقت في زميلتها التي بدأت تشرح باعتذار.
“هذا ما يقال. أعني، إذا كان الشخص المعني لا ينكر، فبالطبع سيقوم بعض الناس بتصديقه.”
“هل فقد عقله؟”
على ما يبدو، عندما سُئل عما إذا كانت إشاعة خطبته لكيرين صحيحة، ابتسم آريس فقط بدلًا من النفي.
عندما سمعت هذا الخبر، شعرت كيرين بتصلبٍ في رقبتها من شدة التوتر.
“رائع، لقد فقد صوابه تمامًا.”
ظنّت أنها قد تموت من ارتفاع ضغط الدم، فقفزت على قدميها.
“عليّ الذهاب.”
“هل ستقابلين اللورد آريس؟”
عندما سألت بحذر وهي تلاحظ هيئتها المشؤومة، أومأت كيرين كما لو كان الأمر بديهيًا.
“سأوضّح له الأمور.”
“انتظري، تمهلي!”
على الرغم من مناداتها لها كي تنتظر، إلّا أن كيرين كانت قد غادرت بالفعل.
بينما كانت تشاهدها تبتعد، أطلقت زميلتها تنهيدة مستسلمة.
كان هذا بمثابة إضافة الوقود إلى نار الإشاعات المشتعلة بالفعل.
***
ذهبت كيرين مباشرة إلى ساحة التدريب وأدارت عينيها حولها. لكن مهما بحثت، لم تجد أي أثرٍ لآريس.
“أين آريس؟”
أخيرًا أوقفت فارسًا عابرًا لتسأله، لكنه هزّ رأسه فقط قائلًا إنه لا يعرف.
‘أين هو بحق الجحيم؟’
لقد أرادت أن تطلب منه أن ينكر الخبر بوضوح إذا سأله أحد عن خطبتهما، لكن الغريب أن آريس لم يكن موجودًا في أي مكان اليوم.
“أوه، هل أتيتِ لترس خطيبكِ؟”
في تلك اللحظة، سمعت صوتًا مألوفًا من الخلف. عندما التفتت قليلًا، رأت فارسةً تعرفها بشكل سطحي تقترب منها.
“استمري في الثرثرة وسأقطع لسانكِ.”
” كم أنت قاسية. كا الذي يغضبكِ هكذا.”
“لا يهم، أين آريس؟”
“كان في ساحة التدريب منذ حين. ألم تريه؟”
“حقًا؟”
استفسرت كيرين بعدم تصديق.
لقد ذهبت مباشرة إلى ساحة التدريب لتجد آريس، لكنها لم تره هناك.
“أرى.”
أومأت كيرين برأسها بخفة. يبدو أنها ستعود في وقت آخر.
لكنها لم تتمكن من العثور عليه في اليوم التالي، ولا الذي يليه، ولا حتى الذي يليه.
بعد مرور أسبوع تقريبًا على هذا الحال، اضطرت كيرين إلى الاعتراف بالحقيقة.
‘كيف يتجرأ على تجنبي؟’
كان آريس يتجنبها عمدًا.
في غضون ذلك، استمرت الإشاعات في الانتشار، متحولة من ادعاءات بأنهما حددا موعد الخطوبة، إلى تأكيدات على أنهما مخطوبان بالفعل، وأخيرًا إلى تكهنات حول موعد زفافهما.
نتيجة لذلك، وُضعت كيرين في موقف محرج وحدها.
بالطبع، كلما سُئلت كيرين عن هذه الإشاعات، كانت تنكرها بحزم، لكن لا يبدو أن احدًا يصدق إنكارها.
‘لماذا لا يصدقونني عندما أخبرهم أن الأمر غير صحيح؟!’
كان السبب واضحًا.
لأن آريس لم ينكر حتى عندما سُئل عن الزواج.
“لن أتغاضى عن هذا.”
أخيرًا، ولم تعد قادرة على التحمل، قفزت كيرين من مختبر تجاربها وخرجت للعثور على آريس.
كانت مصممة على إنهاء هذا الأمر اليوم.
لكن قبل أن تتمكن من العثور على آريس، واجهت عقبة غير متوقعة.
“كيرين.”
“آه…”
عندما رأت مَن كان، لم تستطع إخفاء حيرتها.
كانت هذه أول مرة يلتقيان فيها منذ أن علمت بمشاعر فينسنت. لسببٍ ما، وجدت صعوبة في النظر إليه مباشرة، فأبعدت نظرها قليلًا.
“مر وقتٌ طويل.”
“نعم.”
“….”
“….”
لم يكن الحديث يتدفق بشكلٍ طبيعي كما كان معتادًا. بدلاً من ذلك، توقف فجأة، مما خلق صمتًا محرجًا. شعرت وكأنها تريد الهرب من المكان لو استطاعت.
“هل هذا بسبب ما قلتُه ذلك اليوم؟”
“….!”
عندما سأل فينسنت مباشرة، رفعت كيرين رأسها بدهشة، فابتسم لها ابتسامة خفيفة.
“لا داعي للقلق كثيرًا.”
“….”
عندما رأت وجهه يبتسم وكأنه لا بأس حقًا، عضت شفتها.
“كيف لا أقلق؟ خاصة عندما يتعلق الأمر بك.”
لم تكن لتهتم بمعظم الناس بأيّ حال، لكن كان هذا فينسنت هولي.
الصديق الحقيقي الوحيد الذي كان بجانبها خلال طفولتها الصعبة. كان يؤلمها ويحزنها ألّا تستطيع مبادلة مشاعره.
أرادت رفضه دون إيذائه كثيرًا، لكنها كانت تعرف جيدًا أنه لا يوجد شيء اسمه رفض لطيف.
“أنا آسفة.”
“….”
“أنا آسفة حقًا.”
شعرت بالأسف الشديد لدرجة أنها بالكاد تستطيع رفع رأسها.
فينسنت، الذي كان يراقبها بصمت، سألها بهدوء.
“على ماذا تعتذرين؟”
“….”
نبرة صوته كانت تحمل إصرارًا على سماع إجابة واضحة حتى النهاية.
أخيرًا، أطلقت كيرين تنهيدة ثقيلة وأجابت.
“لأنني لا أشعر بنفس الشعور.”
“….”
“أنتَ ثمينٌ جدًا بالنسبة لي، لكن ليس بهذه الطريقة.”
“….”
بينما كانت تُنهي كلامها، التفتت كيرين قليلًا وفجأة لاحظت شخصًا ما، فتوسعت عيناها.
كان آريس.
“آسفة، لدي أمرٌ عاجلٌ يجب أن أهتم به، عليّ الذهاب.”
“كيرين.”
“أنا آسفة حقًا.”
ولأنها لا تعرف متى ستجد فرصة أخرى للقبض على آريس، غادرت كيرين بسرعة وهي تعتذر مرارًا لفينسنت. سمعته يناديها من الخلف، لكنها لم تلتفت.
“آريس!”
عندما نادته بصوتٍ عالٍ، التفت آريس قليلًا لينظر إليها. بينما شعرت بالارتياح لأنه لاحظها، بدأ فجأة بالركض في الاتجاه المعاكس.
“مهلاً!”
عندما رأته يتجنبها بهذا الوضوح، شعرت كيرين بغضبها يغلي للمرة الأولى منذ فترة.
قبل أن تعرف، اختفى آريس، تاركًا كيرين واقفة في الحديقة وحدها.
“هل تتجنبني عمدًا؟”
“….”
“هل فقدتَ عقلكَ حقًا؟”
بمجرد أن أدركت أن صمته يعني تأكيدًا، مرّرت كيرين أصابعها بخشونة في شعرها.
كان لديها فكرةٌ بعض الشيء عن سبب قيامه بذلك، وكان الأمر سخيفًا ومثيرًا للغضب.
“هل هذا لأنني تجنبتُكَ من قبل؟ هل هذا سبب ما تفعله الآن؟”
“….”
عندما استمر صمته، انفجرت كيرين في الضحك كالمجنونة.
“الآن ليس وقت هذا. على الأقل أنهِ هذه الإشاعات بيننا قبل أن تبدأ بتجنبي!”
“….”
“استسلمت. سأتجاهل أي إشاعات عن مواعدتنا، أو كوننا متزوجين بالفعل، أو حتى إنجابنا أطفالًا.”
لم تعد قادرة على التحمل، فاستدارت كيرين بعصبية.
في تلك اللحظة، سمعت حفيفًا خلفها، وعندما التفتت، كان آريس قد ظهر.
وقف أمام كيرين بوقاحة، كما لو أنه لم يهرب للتو.
“ليس شعورًا جيدًا، أليس كذلك؟ أن يتم تجنبك، أن تتساءل لماذا يتصرف أحدهم بهذه الطريقة.”
“أ- أنت…”
بينما كانت كيرين واقفة في مكانها، مصدومة لدرجة أنها لم تستطع الكلام بشكل صحيح، أطلق آريس ابتسامة مثالية.
“أردتُ فقط أن تشعري بما شعرتُ به.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "89"