“مَن هو ذلك الشخص؟”
على الرغم من رغبتها في الوقوف جانبًا ومشاهدته يعاني، إلّا أن هناك شيئًا بدا غير طبيعيٍّ في شحوب وجه آريس غير المعتاد اليوم، مما جعل من الصعب عليها أن تظلّ مجرّد متفرجة.
“ما زلتُ أعتقد أن آريس يجب أن يرتدي ملابس امرأة.”
“ستختار آريس بدلاً مني، أنا المرأة؟”
بمجرّد أن أعرب القائد عن تردّده، اعترضت كيرين.
لم تعلم إلّا لاحقًا أن القائد كان يخطّط لاستخدام هذه الفرصة لتعليم آريس درسًا حول سلوكه، وأنها قد تدخّلت دون قصدٍ في تلك الخطة.
علاوةً على ذلك.
“يا للأسف. كنتُ أعتقد أنني سأشهد شيئًا مثيرًا للاهتمام.”
لم يحاول رئيس السحرة إخفاء خيبة أمله. ظلّ نظره مثبّتًا على آريس دون انقطاع.
تجعّدت حاجبي القائد لدى سماع ذلك.
‘آه، هل يمكن أن يكون…؟’
تناوبت كيرين نظرها بين آريس الواقف بصمت، ورئيس السحرة الذي كان يُلقي نظراتٍ خاطفةٍ عليه، والقائد الذي بدا مستاءً.
ضغطت على جبينها، وهي تشعر بصداعٍ بسبب هذا الإدراك.
‘مثلّث حبٍّ غير مرغوب فيه.’
كانت تتمنّى أن يفصلوا بين الأمور الشخصية والمهنية، لكن القائد ظلّ يتذمّر.
“على أيّ حال، سأفعلها.”
بما أنها قد تطوّعت بالفعل، سيكون من المُحرِج التراجع الآن، لذا تمسّكت كيرين بقرارها. تبادل القائد ورئيس السحرة نظراتٍ ثم أومآ برؤوسهما.
عندها فقط غادرت كيرين، وهي تتنفّس الصعداء داخليًا.
لكن آريس تبعها.
في البداية، اعتقدت أنهما يتّجهان إلى نفس الاتجاه. ومع ذلك، أسرع آريس فجأةً في خطواته وحجب طريقها.
“….؟”
نظرت كيرين إلى آريس، متجاهلةً عمدًا محاولته، وحاولت الالتفاف حوله.
لكن آريس استمرّ في حجب طريقها.
“ما الأمر؟”
أخيرًا، لم تعد قادرةً على التحمّل، فتوقّفت وسألت. فتح آريس فمه ببطء.
“لماذا فعلتِ ذلك؟”
“فعلتُ ماذا؟”
“لماذا فعلتِها؟”
حدّقت فيه بحيرةٍ بسبب سؤاله المفاجئ، لكن آريس فقط نظر إليها بهدوء.
“عمّا تتحدّث فجأة؟”
“لقد ساعدتِني بينما كان بإمكانكِ ترك الأمر لي.”
“….؟”
ما زالت لا تفهم قصده، فأمالت رأسها قبل أن تخرج أخيرًا بصوت ‘آه’.
يبدو أنه كان يتحدّث عن تطوّعها لتكون الطُعم.
“لا يهمّ مَن سيفعلها.”
“إذا كان لا يهمّ مَن سيفعلها، فلماذا تطوّعتِ؟”
“….”
بدأ أسلوبه في الاستجواب يبدو غريبًا. لكن بما أنه لن يتراجع حتى تجيب، أطلقت كيرين تنهيدةً عميقة.
“لأنكَ بدوتَ وكأنكَ تكره الفكرة. هل أنتَ سعيدٌ الآن؟”
كانت تأمل أن تنتهي المحادثة عند هذا الحد، لكن آريس أصرّ.
“إذا كنتُ أكرهها، ألا يجب أن تستمتعي بذلك أكثر؟”
جعلتها نبرة صوته الواقعية عاجزةٌ عن الكلام.
لم يكن مخطئًا تمامًا. لكن الأمر بدا سخيفًا بطريقةٍ ما.
“نعم، أنا لا أحبك، لكني لا أستمتع بمشاهدة شخصٍ أكرهه يعاني بسبب شيءٍ يمقته.”
“….”
لم تستطع أن تفهم كيف يمكن لشخصٍ أن يقول مثل هذه الأشياء بهذه البساطة.
عندما نظرت إليه وكأنها تسأل إذا كان راضيًا الآن، وقف آريس هناك بصمتٍ دون أن يقول أيّ شيء.
بينما كانت تشاهده، اعتقدت أن الأمر انتهى عند هذا الحد، فمشت بجانبه، مُحافِظةً على مسافة ذراعٍ بينهما. في تلك اللحظة، شعرت بنظره على ظهرها.
‘ما خطبه؟’
نقرت بلسانها وهزّت رأسها.
حقًا، من الصعب جدًا العثور على شخصٍ عاقلٍ في القصر الإمبراطوري.
***
على الرغم من نجاحها في لعب دور الطُعم، إلّا أنهم فشلوا في النهاية في القبض على الجاني، وانتهت القضية دون نتيجة.
شعرت أن هناك شيئًا غير طبيعي، لكن دون أيّ خياراتٍ أخرى، قرّرت كيرين التركيز على تطوير جرعاتٍ جديدة. ومع ذلك، استمرّ آريس في إزعاجها.
“مَن تحاولين قتله بالسم هذه المرّة؟”
كان استفزازًا طفوليًا للغاية.
على الرغم من معرفتها بذلك، إلّا أنها كانت تقع في الفخ كلّ مرة، لتقاتل آريس في ساحة التدريب يوميًا تقريبًا.
لكن في ذلك اليوم، ربما لأنها لم تكن بخير، فشلت في تجنّب ضربة آريس تمامًا، وأُصِيبت ذراعها بجُرحٍ طفيف.
وكأنه لم يتوقّع أن تُجرح، اتسعت عينا آريس الزرقاء.
“….؟”
بينما كانت كيرين منزعجةً من تمزّق كمّها، لم تستطع إخفاء تعبيرها المحتار. زاد تعبيره المصدوم المفاجئ من غضبها.
‘لماذا يتصرّف هكذا؟’
لم تكن هذه أوّل أو ثاني مبارزةٍ بينهما، والإصابات أمرٌ طبيعي. في الواقع، كانت هذه إصابةً طفيفةً للغاية.
ومع ذلك، أصبح وجه آريس شاحبًا كما لو كان قد شهد شيئًا صادمًا. لسببٍ ما، كرهت مظهره، فأشارت بسيفها نحوه.
“أتجرؤ على الشرود عندما تواجهني؟”
بعد أن ضمّدت جرحها بقطعة قماشٍ ممزّقة، عادت لتتقاطع سيوفها مع آريس مرّةً أخرى.
كما هو متوقّعٌ من شخصٍ انضم إلى الفرسان بتفوّق، لم تكن هزيمة آريس بالسيف أمرًا سهلاً.
ومع ذلك، كان الأمر ممتعًا. شعرت بالانتعاش لأنها تستطيع تحريك جسدها بحريّةٍ دون تردّد.
لكن الفرسان الذين أُعجِبوا بآريس لم ينظروا إلى كيرين بعين الإعجاب.
“هل تعرف كيرين روزينتيان؟ سمعتُ أن هناك الكثير من الكلام عنها في قسم السحر أيضًا.”
بينما كانت تمرّ بالصدفة عندما ذُكِر اسمها، اختبأت كيرين خلف شجرةٍ غريزيًا. عندما كانت تسترق النظر بسرعة، رأت آريس واقفًا مع فارس معجبٍ به بشكلٍ خاص.
“المال، المال، المال. هذا كلّ ما يشغل بالها على ما يبدو. إنها مهووسةٌ بالمال.”
بينما كان الفارس ينقر بلسانه باستياء، قبضت كيرين على يديها. لم تتوقّع أن يسمع آريس مثل هذا الكلام عنها. هذا ما أزعجها أكثر.
فكّرت في الخروج في الحال لإسكاته، لكن آريس، الواقف بجانب الفارس، ظلّ صامتًا.
كان هذا هو الجزء الأكثر صدمة.
‘حسنًا…’
بدأت القوّة في يديها المشدودتين تتلاشى ببطء.
‘إلى أيّ درجةٍ يكرهني؟’
عليها أن تكون ممتنةً لأنه لم ينضمّ إليه في انتقادها.
عندما كانت على وشك الابتعاد، وهي تشعر ببعض المرارة.
“إذًا ماذا؟”
“هاه؟”
عندما سأل آريس في حيرة، أطلق فجأةً ضحكةً باردةً ومرّر يده بخشونةٍ عبر شعره.
“بالتفكير في الأمر، هذا مضحك.”
تحدّث بصوتٍ مخيف، يضحك مع نفسه دون سببٍ واضح.
“إذًا هل يمكنكَ أن تخدم وتضحّي بنفسكَ من أجل الإمبراطورية دون أجر، بروحكَ النبيلة كفارسٍ فقط؟”
“لا، ليس هذا ما أعنيه…”
“هل من الخطأ أن تحبّ المال؟”
أوحت نبرة صوته بفضولٍ حقيقيٍّ بدلاً من النقد.
حاول الفارس، الذي لم يتوقّع ردًّا حادًّا كهذا، أن يلوّح بيديه موضّحًا أنه لم يقصد ذلك، لكن آريس لم يكلّف نفسه حتى عناء التظاهر بالاستماع.
“لدي الكثير من المال أيضًا، وأحبّ ذلك.”
بهذه الكلمات، قدّم نصيحةً له بأن يفكّر قبل التحدّث في المرّة القادمة.
شعرت كيرين، التي كانت تستمع سرًّا إلى هذه المحادثة من خلف الشجرة، بخفقانٍ في قلبها بشكلٍ غير متوقع.
لم تتخيّل أبدًا أن آريس، الذي كان يتشاجر معها باستمرارٍ ويفقدها صوابها، سيدافع عنها في النهاية.
كانت تأمل قليلاً، لكنها حقًا لم تتوقّع أن يدافع عنها.
‘غريب الأطوار…’
بعد أن تأكّدت من مغادرة آريس والفارس، تحرّكت كيرين من مكانها. على الرغم من أن لديها الكثير من العمل اليوم ويجب أن تركّز دون تشتيت، إلّا أن كلمات آريس استمرّت في التردّد في ذهنها، وسرعان ما غادرت المختبر.
بمجرّد خروجها، اصطدمت بزميلتها من قسم السحر.
“روزينتيان، ها أنتِ.”
“هل حدث شيء؟”
“لا شيء مهم. فقط هذا.”
“….؟”
أخذت كيرين الحقيبة التي مُدَّت إليها كردّ فعل، وعندما نظرت إليها باستغراب، ابتسمت زميلتها ببهجة.
“خبزتُ هذه. إنها لكِ.”
كانت حقيبةً مليئةً ببسكويتٍ منزلي الصنع.
“شكرًا.”
“لا ترهقي نفسكِ كثيرًا، خُذي استراحةً أحيانًا.”
ربّتت زميلتها على كتف كيرين بخفّةٍ قبل أن تتابع توزيع المزيد على الآخرين.
عندما كانت على وشك العودة إلى المختبر، رأت شخصيةً مألوفة.
“مـ ماذا؟ متى وصلتَ إلى هنا؟”
بينما تراجعت كيرين المنزعجة، حدّق فيها آريس بحاجبين متجعّدين قليلاً.
“الآن فقط. ما هذا؟”
“آه، حصلتُ عليها من صديقة.”
على الرغم من تقديرها للهدية اللطيفة، إلّا أن كيرين لم تكن مولعةً بالحلويات.
“هل تحبّ الحلويات؟”
“نعم.”
“إذًا خُذها.”
على الرغم من أنها مدّتها له بسرعة، إلّا أن آريس حدّق بصمتٍ في حقيبة البسكويت في كفّها.
“لا تقلق. إنها غير مسمومة.”
عندما لم يُظهِر أيّ ردّ فعل، بدأت كيرين في سحب يدها.
“أنت… ماذا تفعل؟”
لكن فجأة، أمسك آريس بيدها.
بينما كانت ترمش مذهولةً من فعلته، سألت، وهمس آريس بهدوء، أو بالأحرى بنبرةٍ تبدو وكأنها مزيجٌ من الاستسلام والابتهاج.
“كنتُ محقًّا.”
“ماذا؟”
عندما نظرت إليه في حيرة، غير قادرةٍ على فهم قصده، ابتسم آريس ابتسامةً ضعيفة.
“لا بأس معكِ في النهاية.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
آخر جملة كان يقصد فيها إنه هي الوحيدة الي بقدر يلمسها بدون ما يتفاعل معها باشمئزاز
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "84"