‘كما توقعت، إنه ليس هنا.’
ذهبت إلى المنزل الذي يُشتَبه في أن تلك المرأة عاشت فيه، ولكن كما هو متوقع، لم تجد آريس. رغم أنها بحثت عن أيّ آثارٍ لزيارته، لم تجد سوى خيوط العنكبوت والغبار.
لقد بحثت شخصيًا في جميع الأماكن الأخرى التي قد يكون آريس ذهب إليها. لكنها لم تجد أيّ أثرٍ لوجوده في أيٍّ منها.
باستثناء مكانٍ واحد.
‘ربما …’
فكّرت فجأةً في ذلك القصر الذي سُجِن فيه آريس عندما كان طفلاً، المكان الذي أنقذته منه.
رغم أنها شكّكت في أنه قد يذهب إلى هناك، إلّا أنه كان المكان الوحيد المتبقي الذي قد يكون آريس قد ذهب إليه.
‘هل سيبذل عناء الذهاب إلى هناك حقًا؟’
بما أنه قد يكون من المفيد التحقّق من تحرّكات تلك المرأة، تحرّكت كيرين بسرعة. رغم أن المكان بعيدٌ جدًا، كونه خارج العاصمة الإمبراطورية، إلّا أنها تمكّنت من الوصول إلى المنطقة بسهولة عن طريق الانتقال الآني.
‘لقد مرّ وقتٌ طويل.’
عند وصولها إلى الريف الذي بالكاد يظهر على الخرائط، أخذت كيرين نَفَسًا عميقًا وتقدّمت للأمام. وراء الغابة الكثيفة، ظهرت قريةٌ صغيرة. رغم أنها لم تأتِ إلى هنا منذ وقتٍ طويل، إلّا أن المشهد كان مألوفًا لها.
‘آمل أن يكون هنا على الأقل.’
عند دخولها القرية بقلبٍ ثقيل، شعرت بإحساسٍ غريب.
‘هذا المكان حقًا لم يتغيّر.’
رغم أنه لا بد أن أكثر من عشر سنواتٍ قد مرّت، إلّا أنها لم تستطع أن ترفع عينيها عن المحلات التي بقيت كما كانت تمامًا، ووجدت الأمر مدهشًا.
‘لقد مرّ الوقت بسرعةٍ كبيرة.’
كان المساء قد حلّ بالفعل، وبدأ الظلام ينتشر.
رغم أن كيرين كانت تنوي الذهاب مباشرةً إلى القصر الأبيض، إلّا أنه لم يكن أمامها خيارٌ سوى تأجيل ذلك حتى الغد والبحث عن مكانٍ للإقامة.
لحسن الحظ، كان النُزُل الذي تعرفه لا يزال موجودًا، وتمكّنت من البقاء لليلةٍ واحدة.
“يمكنكِ استخدام هذه الغرفة.”
بعد أن اتّبعت إرشادات موظّف النُزُل إلى الغرفة، انهارت كيرين على الكرسي كما لو كانت على وشك السقوط.
“انتظر فقط حتى أعثر عليك. سأحاضركَ جيدًا.”
لكن على عكس هذه الأفكار، كانت قلقةً للغاية من أن يكون قد حدث شيءٌ خطير.
‘لم يكن بإمكانه فعل أيّ شيءٍ أمام تلك المرأة.’
تذكّرت فجأةً كيف تجمّد آريس عند رؤية تلك المرأة عندما جاء لإنقاذها بعد اختطافها. في البداية، لم تفهم رد فعله، لكنها الآن تستطيع.
بعد أن تم اختطافه وسجنه وتعذيبه باسم التعليم عندما كان طفلاً، مجرّد مواجهة تلك المرأة كان كافيًا لإثارة خوفٍ شديد. وكان ذلك المكان هو القصر الأبيض.
‘لن يذهب إلى هناك بمحض إرادته…’
لكن للعثور على تلك المرأة، كان عليه أن يزور ذلك المكان في النهاية.
“أرجوكَ كُن هناك على الأقل.”
استلقت على السرير، أغلقت كيرين عينيها وأخرجت زفيرًا.
كلّ ما أرادته هو إعادة آريس والعودة إلى ساشا.
***
في اليوم التالي عند الفجر، استيقظت كيرين قبل شروق الشمس وخرجت بسرعةٍ بمجرّد أن خفّ الظلام قليلاً. لم يكن هناك وقتٌ لإضاعته.
توجّهت مباشرةً إلى القصر الأبيض، لكن كيرين توقّفت فجأةً عند رؤية المشهد أمامها.
‘إنه مُدمَّر …’
رمادٌ أسودٌ يتطاير في الهواء مع كلّ خطوة، حيث التهمت النيران الشرسة القصر والحديقة معًا.
ببطء، اقتربت كيرين من القصر وفتحت الباب بحذر. لكن قبل أن تتمكّن من فتحه بالكامل، انهار الباب المحترق جزئيًا بصوت تكسيرٍ وسقط داخل القصر.
“….”
في نفس اللحظة، انتشر الغبار الرمادي والرماد الأسود في كلّ مكان.
عابسةً قليلاً عند رؤية المشهد، أخرجت كيرين زفيرًا قصيرًا ودخلت.
“آريس.”
نادت اسم آريس على أمل أن يكون هناك، بينما تفحص غرفة المعيشة والمطبخ والغرف، لكن لم يكن هناك أيّ رد.
“أين أنتَ بحق الجحيم …”
إذا لم يكن هنا أيضًا، فلم يكن لديها أدنى فكرةٍ عن مكانه الآخر.
بينما كانت تمرّر يديها على وجهها بتعبير مُدمَّر، لاحظت نمطًا غريبًا.
‘دائرة سحرية؟’
عند رؤيتها، تحرّكت كيرين بسرعةٍ إلى المنطقة المرسوم عليها النمط.
‘هذه …’
كانت بالتأكيد دائرة سحرية، لكنها لم تبدُ عاديةً على الإطلاق.
‘هل يمكن أن يكون سحرًا أسود؟’
كان النمط مليئًا برموزٍ مشابهةٍ لتلك التي رأتها في الكتب المحرّمة. بينما كانت تفحص منطقة الدائرة السحرية، لاحظت بقعةً واحدةً فوضويةً بشكلٍ خاص. كانت الكراسي والطاولات مبعثرة، مما يظهر بوضوحٍ أن شخصًا ما كان هناك.
‘ماذا حدث هنا؟’
ربما كان آريس قد واجه تلك المرأة هنا.
لكن بدون دليل، كان الأمر مُحبِطًا فحسب.
‘آه، صحيح.’
بينما كانت تمرّر يديها في شعرها بغضب، تذكّرت كيرين متأخّرةً سوار الحماية. بما أنها أضافت وظيفة تتبّع الموقع في السوار، إذا كان آريس يرتديه، فسيكون العثور عليه مسألة وقتٍ فقط.
كان هناك شرطٌ واحدٌ فقط.
‘عليه أن يقول عبارة التنشيط لمعرفة مكانه.’
غير قادرةٍ على تحمّل الشعور الساحق، فركت كيرين وجهها وأخرجت زفيرًا.
تساءلت عما إذا كان آريس قد ارتدى السوار، وإذا كان قد فعل ذلك، تساءلت ما إذا كان سيتذكّر عبارة التنشيط.
***
“هيّا الآن، آريا. حان وقت الاستيقاظ.”
من خلال وعيٍ ضبابي، سمع صوتًا مألوفًا. صوتٌ لم يُرِد سماعه أبدًا، لكنه لن يتمكّن من نسيانه.
عندما أبقى عينيه مغلقتين، راغبًا في إنكار الواقع، شعر بيدٍ باردةٍ تلامس عنقه.
“آريا لم تكن بهذا النوم سابقًا.”
بينما بقي ذلك الحضور حول عنقه كما لو كان يهدّد بخنقه إذا لم يستيقظ، فتح آريس عينيه ببطءٍ في النهاية.
“نعم، الآن أنتِ مستيقظة.”
عند سماع الصوت المليء بالنشوة، شعر آريس وكأنه يريد أن يعضّ لسانه ويموت هناك.
بينما كان يهبط ضحكٌ خفيفٌ من فوق رأسه، أبقى رأسه منخفضًا، رافضًا النظر للأعلى، حتى أمسكت اليد التي كانت تلامس عنقه ذقنه بقوّةٍ ورفعته.
“عليكِ أن تحيّي والدتكِ في الصباح، آريا.”
“….”
عندما أُجبِر على مواجهتها، شعر أن أحشاءه بدأت تغلي.
“هراء.”
“ويحي، لقد أصبحت لهجتكِ وقحةً جدًا.”
“اغربي عن وجهي.”
“كم أنتِ وقحةٌ مع والدتكِ.”
“مَن التي تنادينها والدتي؟”
رغم أن نصف وجهها كان مغطًّى بسبب الحروق، إلّا أن ملامح المرأة ومظهرها بقيا كما هما. كما لو كانت تحرص على ألّا يتمكّن من النسيان حتى لو أراد.
“لا بد أنكِ تألّمتِ لأن والدتكِ تأخّرت كثيرًا.”
بدت أكثر اضطرابًا من قبل، وهي تستمر في همس أشياء غريبة.
بدت وكأنها تعتقد أن آريس يدفعها بعيدًا لأنه غاضبٌ منها.
“لماذا لم تموتي؟”
“ممم؟”
“كان عليكِ أن تموتي حينها. لا، بل يجب أن أقتلكِ بنفـ —”
قبل أن يتمكّن من إنهاء جملته، جذبت رأسه بقوّةٍ من شعره، مما جعل أنينًا يخرج من شفتيه.
نظرت المرأة إليه بصمتٍ وعضّت شفتها بقوّة.
“لمجرد أنكِ كبرتِ قليلاً، تقولين أشياء فظيعة. لا يمكنكِ التحدّث مع والدتكِ هكذا، آريا.”
بينما كانت تهمس عن ضرورة إعادة تعليمه، ضحك آريس ضحكةً باردة.
“ما زلتِ لم تعي الواقع بعد. هل ما زلتِ ترينني كآريا؟”
“…”
“أنا رجلٌ بالغٌ بوضوح، ومع ذلك ما زلتِ ترينني كابنتك؟”
كان الأمر مروّعًا ومخيفًا.
في ذلك اليوم، عندما تحوّل كلّ شيءٍ إلى رمادٍ في النيران المشتعلة، لو تخلّت عن هوسها أيضًا، لما حدث هذا.
لكنها ما زالت تلاحقه بشراسةٍ بينما تنكر الواقع. تنكر أن آريس ليس طفلها، ليس ابنتها.
رغم أنه علم أنها مهووسةٌ به لأنها لم تستطع الهروب من حزن فقدان ابنتها، إلّا أنه لم يشعر بأيّ شفقةٍ أو تعاطف.
كان متعبًا فحسب. يتساءل كم من الوقت ستستمر في هذا معه.
“تقبّلي الأمر بالفعل. أنا لستُ طفلكِ، لستُ ابنتكِ.”
“أغلقي فمكِ.”
“اسمي ليس آريا. إنه آريس.”
“قلتُ لكَ أغلِق فمك.”
“ابنتكِ ميتةٌ بالفعل—”
“اخرس!”
فجأةً أمسكت بياقته، مما جعل آريس يتوقّف مع صوت اختناق.
كانت تحدّق فيه بعينين حادّتين كفايةً لتمزيقه.
“لماذا لا تسمع الكلام؟”
عندما كان على وشك أن يضحك ضحكةً مريرةً عند صوتها الحانق، رأى فجأةً شخصيةً مألوفةً خلفها.
بينما كان يرمش عدّة مرّات، متسائلًا إذا كان يرى أشياء—
“قلتُ لكَ من قبل. عبارة التنشيط هي …”
كيرين، التي اقتربت بصمت، ألقت المرأة على الأرض ونظرت إلى آريس باستياءٍ بينما قالت.
” عزيزتي، ساعديني.”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "81"