تاب. تاب
نقرت كيرين بأطراف أصابعها على المكتب وأطلقت تنهيدةً طويلة.
كانت تعلم أنها بحاجةٍ للرّد على رسالة فينسنت، لكنها لم تستطع أن تقرّر ما الذي ستكتبه. على الرغم من أنها كانت تعلم أنه يجب عليها أن تطمئنه وأن تخبره أن كلّ شيءٍ على ما يرام، إلّا أن القلم في يدها رفض أن يتحرّك.
“هاا…”
كانت تكره هذا.
هذا الموقف الذي يجبرها على الاختيار بين خيارين. والأسوأ من ذلك، أنها شعرت بالخزي لأنها كانت تتذبذب على الرغم من أنها كانت قد اتّخذت قرارها بالفعل.
أخيرًا، صرّت كيرين على أسنانها وحرّكت القلم.
عادةً، كانت ستكتب ردًّا طويلًا كما فعل فينسنت، ولكن بسبب افتقارها للدافع، كتبت باختصارٍ أنه لا داعي للقلق قبل أن تضع الرسالة في الظرف.
‘رأسي يؤلمني.’
لم يكن أيّ شيءٍ قد حُسم بشكلٍ صحيح.
ذكرياتها، العثور على الشخص الذي جعلها بهذا الشكل، ومسبّب حادثة الحريق — لم يتم حلّ أيٍّ من هذه الأمور، وكان ذلك مُحبِطًا.
‘لو كان لديّ على الأقل المواد، كنتُ سأُجري بعض التجارب.’
وبينما كانت تفكّر في أنه سيكون من الجيد أن يكون لديها شيءٌ لتركّز عليه —
“أيّتها الرئيسة، أنا هنا.”
جاء صوت سيسيل من الخارج مصحوبًا بطرقٍ على الباب. عندما فتحت كيرين الباب، مدّت سيسيل شيئًا لها.
“وصل هذا من برج السحر.”
“برج السحر؟”
“نعم، شخصٌ اسمه رايلي أرسلته. لقد أرسلت موادًّ سحرية — كانت كثيرة، لذا نقلتُها إلى المختبر البحثي. وهذا.”
“…؟”
عندما استلمتها بنظرة استفهام، شرحت سيسيل بهدوء.
“لقد طلبت بشكلٍ خاصٍّ أن يتم تسليم هذا إليكِ شخصيًا.”
“هل هذا صحيح؟”
بإمالة رأسها بفضول، فحصت كيرين محتويات الحقيبة المخملية وابتسمت على الفور لسيسيل.
“شكرًا لكِ.”
“على الرحب والسعة. سأذهب الآن.”
بعد أن غادرت سيسيل وأُغلِق الباب، فحصت كيرين العنصر مرّةً أخرى.
لم تكن تتوقّع أن تحصل رايلي على العنصر بهذه السهولة عندما قدّمت الطلب بتوقّعاتٍ متواضعةٍ فقط.
“…”
بينما كانت تمسك بالعنصر في الحقيبة بإحكام، نظرت كيرين إلى الرسالة التي كتبتها لفينسنت.
لقد حان الوقت أخيرًا لتتحقّق بنفسها مَن كان يكذب.
***
في ذلك المساء، بعد الانتهاء من عشاءٍ بسيطٍ والحلوى، كانت ساشا تغفو، متعبةً بشكلٍ غير معتاد. بعد أن جعلتها تستحم وأضجعتها في السرير، قدّمت كيرين فجأةً شيئًا لآريس.
سأل آريس، متفاجئًا بتقديم حقيبةٍ مخمليةٍ بشكلٍ غير متوقع.
“ما هذا؟”
“ماءٌ مقدّس.”
“ماءٌ مقدّس؟ لماذا فجأة… آه، لا تخبريني…”
بدا آريس، الذي كان يميل برأسه في حيرة، أنه أدرك شيئًا ما وعقد حاجبيه بعمق.
شرحت كيرين، وكأنها تعتذر.
“ليس أنني لا أثق بك. أنا فقط أريد أن أتأكّد.”
بفضل رايلي، التي حصلت على الماء المقدّس من كاهنٍ تعرفه، كانت لديهم فرصةٌ أخرى لإجراء اختبار الأبوّة.
ومع ذلك، بدا آريس متردّدًا. على الرغم من أنه شعر أن هذا قد يكون غير ضروري، إلّا أنه فهم إلى حدٍّ ما أنه على عكسه، الذي استعاد بعض الذكريات، فإن كيرين ما زالت لا تستطيع تذكّر أيّ شيء.
“حسنًا، ولكن بعد هذا التأكيد، لا مزيد من الاختبارات مثل هذه.”
“اتفقنا.”
بمجرّد أن أعطى آريس موافقته، أضافت كيرين بلهفةٍ قطرةً من دمها، دم آريس، ودم ساشا إلى الماء المقدّس.
كانت النتيجة صادمة.
‘تطابق …’
عندما أجروا الفحص بالماء المقدّس الخاص بفينسنت، لم يظهر أيّ تطابق، ولكن هذه المرةّ أظهر أنهم مرتبطون.
للحظة، ظنّت أنها ربما رأت خطأ، فحصت كيرين الماء المقدّس بعنايةٍ مرّةً أخرى. ولكن النتيجة بقيت كما هي.
‘ساشا… كانت حقًا ابنتنا.’
بشعورٍ عميق بالراحة، أطلقت كيرين تنهيدةً طويلة.
حتى عندما أظهر الاختبار السابق عدم وجود تطابق، كانت واثقةً من قدرتها على حبّ ساشا واعتبارها ابنتها. ولكن الآن، بعد أن تأكّدت بنفسها أنها بالفعل ابنتها البيولوجية، شعرت بموجةٍ أقوى من الحنان.
ومع ذلك، سيطر سؤالٌ مفاجئٌ على أفكارها.
‘لماذا بحق السماء؟’
تساءلت إذا كان فينسنت قد أعطاها عن طريق الخطأ شيئًا غير الماء المقدّس، ولكن معرفتها أنه ليس من النوع الذي يرتكب مثل هذه الأخطاء جعل من الصعب فهم الأمر.
‘إذن هذا يعني أنه كان متعمّدًا…’
خفضت كيرين عينيها في تأمّلٍ عميقٍ غير قادرة على العثور على إجابةٍ حتى لهذا.
وبينما كان صدرها يضيق بالارتباك وكانت تعضّ شفتها، ظهر وجهٌ شاحبٌ أمامها. قبل أن تتمكّن من التراجع في دهشة، وخز آريس خدّها بخفّة.
“لا تفكّري كثيرًا. نحن نعرف الآن أن ساشا ابنتنا.”
“نعم …”
“هذا كلّ ما يهم.”
لاحظ ارتباكها، فظهر على وجه آريس ابتسامةٌ شقيّةٌ أكثر من المعتاد.
“بدلًا من أن تعذّبي نفسكِ بالتفكير في الأمر، لنذهب إلى النوم.”
وضع آريس الماء المقدّس من يدي كيرين على طاولة السرير وربّت على الفراش. بعد أن فهمت إشارته للاستلقاء، تردّدت كيرين قليلًا قبل أن تطيعه وتستلقي.
لم تكن تعتقد أنها ستستطيع النوم، مصدومةً من حقيقة أن فينسنت، من بين كلّ الناس، كان قد خدعها. ولكن تحت التربيت اللطيف على كتفها، بدأت عيناها تُغلَقان بنعاس.
***
“ماما، أريد كعكة.”
في اليوم التالي، وبسبب شعورها بالذنب لعدم قضاء وقتٍ كافٍ مع ساشا مؤخّرًا، قرّروا الخروج معًا لأوّل مرّةٍ منذ فترة. ولكن بما أن آريس كان مشغولًا في محاولة العثور على مسبّب حادثة الحريق، انتهى الأمر بأن تكون ساشا وكيرين فقط في موعدهما.
في البداية، شعرت ساشا بخيبة أملٍ بسبب غياب آريس، ولكن عينيها أشرقتا على الفور عند اكتشاف محلّ للحلويات.
“ألم يقل بابا إن الكثير من الحلويات ليس جيدًا لكِ؟”
“واحدةٌ فقط. هيّا؟ واحدةٌ ليست كثيرة.”
بينما كانت ساشا تتشبّث بذراعها وتهزّها بلطفٍ ببراءة، تظاهرت كيرين بالاستسلام ودخلت محل الحلويات.
“حسنًا. ولكن هذا سرٌّ بيننا عن بابا.”
“ماما هي الأفضل!”
لم تستطع كيرين إلّا أن تبتسم لوجه ساشا المشرق، وكأنها حصلت على العالم كلّه فقط من أجل حلوى واحدة.
بمجرّد دخولهم المحل، طلبت كيرين كعكة الفراولة التي أرادتها ساشا، مع الحليب والشاي الساخن، ثم قادتها إلى مقعدٍ بجانب النافذة. ابتسمت ساشا، سعيدةً بالجلوس بجانب أمها، بإشراقٍ وبدأت على الفور في التهام الكعكة.
“كُلي ببطء.”
“حسنًا. هل تريدين بعضًا، ماما؟”
“لا، لا بأس.”
ضحكت كيرين، وهي تفكّر كيف يمكنها أن تأخذ الطعام الذي يتم تناوله بهذا الاستمتاع، وشاهدت ساشا وهي تأكل.
في تلك اللحظة، شعرت بوجودٍ مألوفٍ قريب. عندما استدارت في دهشة، تجمّدت.
“كيف أتيتَ إلى هنا؟”
سألت كيرين بعيونٍ واسعة، مصدومةً من مواجهة فينسنت، الذي جلس أمامهم بابتسامةٍ وديّة، وكأنه كان يتوقّع هذا.
“لم تردّي على رسائلي. عادةً ما تردّين على الفور، ولكنكِ تأخّرت هذه المرّة.”
بدا صوته وكأنه يعاتبها. عادةً، كانت ستُظهِر تعبيرًا نادمًا، ولكن هذه المرّة لم تشعر بأيّ رغبةٍ في ذلك.
“كنتُ مشغولة.”
“هل كنتِ كذلك؟”
نظر فينسنت إلى كيرين وساشا بابتسامةٍ غامضة. بدا أنه يجد صعوبةً في فهم كيف كان لديها وقتٌ لموعدٍ هادئٍ مع ابنتها بينما تدّعي أنها مشغولة.
لاحظت ذلك على الفور، فتجنّبت كيرين نظراته بعدم ارتياحٍ وغيّرت الموضوع.
“إذن ما الذي أتى بكَ هنا؟”
“قلتُ لكِ سابقًا. لم تردّي علي، لذا جئت. كما أن لديّ بعض الأعمال في إمبراطورية أرتيوم.”
بينما كان يتحدّث ببساطة، مدّ فينسنت يده ليمسح بعض الكريمة عن خد ساشا.
في أيّ يومٍ آخر، كانت لتفكّر كم هو لطيفٌ مع الأطفال، سواء الآن أو في الماضي، ولكن اليوم شعرت بعدم الارتياح. قبل أن تلمس يد فينسنت خد ساشا، مسحت كيرين خدها بنفسها.
بقيَت يده مُعلَّقةً في الهواء قبل أن تنخفض ببطء.
“أنتِ تتصرفين بشكلٍ غريبٍ اليوم.”
“غريب؟ كيف ذلك؟”
بينما كانت تحاول التصرّف بشكلٍ طبيعي، سألت كيرين.
“أليس لديكَ شيءٌ لتخبرني به؟”
“همم؟ آه”
رمش فينسنت للحظة، مشوّشًا، قبل أن يُظهِر ابتسامةً لطيفة.
“كيف تشعرين؟”
“ليس هذا.”
“إذًا كيف كان حالك؟”
“…”
أصبح وجه كيرين أكثر حدّةً عند سماع صوته السلس الذي لم يُظهِر أيّ تغييرٍ في تعابيره.
أطلق فينسنت تنهيدةً خفيفةً وقام بتجعيد حاجبه قليلاً.
“همم… لستُ متأكّدًا ممّا تريدينني أن أقوله.”
وبينما استمر في التظاهر بالحيرة، قالت كيرين أخيرًا النقطة الرئيسية.
“ما أعطيتَه لي لم يكن ماءً مقدّسًا.”
لم تعد تستطيع كتم الأمر في داخلها. كانت بحاجةٍ إلى معرفة السبب.
لماذا، من بين كلّ الناس، فعلتَ هذا بي؟
لم تكن بحاجةٍ إلى السؤال عن هدفه — فقد كانت تستطيع التخمين. لقد أراد منعها ومنع آريس من معرفة أن ساشا كانت ابنتهم البيولوجية.
‘انتظر، إذن…’
الفكرة التي خطرت ببالها خرجت فجأة من شفتيها.
“هل كنتَ تعلم؟”
“أعلم ماذا؟”
كادت أن تسأل عما إذا كان يعلم بذاكرتها المفقودة.
بالكاد تماسكت، عضّت كيرين شفتها قبل أن تسأل.
“لماذا فعلتَ ذلك؟”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "72"