غير قادرٍ على البقاء ساكنًا لفترةٍ أطول، أصرّ آريس على العودة إلى المنزل كلّما زارته كيرين. أخيرًا، استجابةً لطلباته، وافقت كيرين على السماح له بقضاء وقتٍ مميّزٍ مع ساشا في القصر، بشرط أن تبقى بجانبه لرعايته.
ومع ذلك، ظهرت مشكلةٌ صغيرة.
“ساشا…”
على الرغم من أن آريس نظر إلى ساشا بتعبيرٍ حزين، إلّا أنها لم تترك خصره، بل تمسّكت به بشدّة. بل إنها زادت من تشبّثها أكثر.
“بابا لم يعد يتألّم.”
“أعلم.”
“بابا بخيرٍ الآن.”
“نعم، أعلم.”
حتى عندما ربّت آريس برفقٍ على كتفها مقترحًا أن تتركه، تظاهرت ساشا بعدم الملاحظة واستمرّت في التمسّك به.
وجد آريس سلوكها مثيرًا للقلق ولطيفًا في نفس الوقت، وحاول رفعها لكنه أطلق صوت ألمٍ قصيرًا. كانت كتفه لا تزال تؤلمه.
جعل هذا ساشا تضغط على خصره أكثر.
“قلتَ أنكَ لا تتألّم بعد الآن.”
“أنا لا أتألّم.”
“قلتَ أنكَ بخير.”
“أنا كذلك.”
“إذًا لماذا أصدرتَ صوت ألم؟”
“…”
أُخِذ آريس على حين غرّةٍ بأسئلتها المُباشِرة، وتوقّف قبل أن يجيب بهدوء.
“لم يعد الأمر سيئًا بعد الآن.”
“بابا كاذب.”
“أنا لا أكذب.”
نظر آريس إلى كيرين طالبًا المساعدة، لكنها تجاهلته عمدًا.
حتى هي كانت ترى أن حالة آريس قد تحسّنت بشكلٍ كبيرٍ منذ البداية. ومع ذلك، شعرت أنه من الأفضل أن يرتاح ويتم مراقبة تقدّمه لمدّة أسبوعٍ آخر على الأقل، لذا استمرّت في مراقبته.
‘هل يمكن أن يكون الأمر مرتبطًا بتلك المرأة؟’
على الرغم من أنها لم تسمع التفاصيل الدقيقة عن حادثة الحريق الأخيرة، إلّا أن شيئًا ما بدا غير طبيعي. بدا الأمر وكأنه صدفةٌ كبيرةٌ أن الحريق حدث في نفس اليوم الذي هرب فيه آريس من القصر الأبيض في طفولته.
‘ربما أنا أبالغ في التفكير.’
قد يقول البعض إنها تربط بين أحداثٍ غير مرتبطة.
مع ذلك، استمرّ الشعور بعدم الارتياح، وقرّرت التحقيق بنفسها، حتى لو كان ذلك سيسبّب لها المتاعب.
في ذلك الوقت، كانت هناك طرقاتٌ قويّةٌ على مقبض الباب المعدني من الخارج. قبل أن تتمكّن كيرين المذهولة من الوقوف تمامًا، كان آريس قد أخفى ساشا خلفه وفتح الباب.
قبل أن يُفتَح الباب بالكامل، كانت ساشا التي تطلّ من خلف آريس هي أول مَن تعرّف على الزائر.
“عمتي!”
“كيف حال طفلتي العزيزة؟”
على الرغم من أن تعبير ريلي أصبح قاسيًا عند مقابلة عيني آريس، إلّا أنه تحوّل فورًا إلى ابتسامةٍ لطيفةٍ عند رؤية ساشا.
عندما اقتربت كيرين، بعد أن تعرّفت أخيرًا على ريلي، أظهرت الأخيرة ابتسامة.
“كيف حالكِ أختي؟ هل أنتِ بخير؟”
كانت عيناها تتحرّكان حولها، تبحث عن أيّ علاماتٍ لإصابة. في البداية، كانت كيرين مرتبكةٌ من هذا السلوك، لكنها فهمت أخيرًا وأجابت بحذر.
“أنا بخير، لكن آريس…”
(استخدمت لغة رسمية)
“أنا؟”
“آه، أعني، أنا بخير، لكن آريس مصابٌ قليلاً.”
يبدو أن ريلي قد أتت بعد سماعها عن الحريق.
عندما نظرت كيرين إلى آريس، تتبّعت ريلي نظرتها وفحصته بصراحة قبل أن تعبس.
“مصاب؟ يبدو لي أنه بخيرٍ تمامًا.”
“هل هكذا تتحدّثين عن أخيكِ؟”
تكلّم آريس بلا تصديقٍ تجاه عدم اكتراثها التام، لكن ريلي تجاهلته تمامًا.
“أنا سعيدةٌ لأن أختي وصغيرتي في أمان.”
“أخوكِ لا يهم على الإطلاق، أليس كذلك؟”
“ماذا في ذلك؟”
لوّحت رايلي بيدها باستخفافٍ وأمرت آريس بإحضار الشاي. على الرغم من أن آريس حدّق فيها بغضب، إلّا أنه امتثل دون اعتراض. بينما تبعته ساشا وراءه، بقيت كيرين ورايلي فقط.
في الجو الهادئ، لاحظت كيرين تعبير ريلي بعنايةٍ قبل أن تتحدّث.
“آريس أخبرني.”
“عن ماذا؟”
“عن…”
تردّدت كما لو كان الموضوع صعبًا، ثم تنهّدت قبل أن تكمل.
“عن اختطافه في طفولته.”
“…”
أُخِذت رايلي على حين غرّةٍ من الموضوع غير المتوقّع، وتوقّفت قبل أن تغلق فمها. ومع ذلك، سرعان ما استعادت رباطة جأشها.
“هل أخبركِ بنفسه؟”
“اكتشفتُ ذلك بطريقةٍ ما. لذا أردتُ أن أسأل…”
نظرت كيرين لتتأكّد من أن آريس لم يعد قبل أن تُكمِل.
“هل تعرفين أيّ شيءٍ عن تلك المرأة؟”
أيّ شخصٍ آخر قد يسأل ‘أيّ امرأة؟’ لكن رايلي فهمت على الفور. بدلاً من الإجابة، ابتسمت بمرارة. ذكرى ذلك اليوم بقيت كابوسًا لا يمكنها نسيانه.
على الرغم من أنه كان أخاها، إلّا أن آريس في طفولته كان أكثر لطافةً وجمالاً منه كصبي. كان يفضّل البقاء في الداخل مع والدته، والاستمتاع بترتيب الزهور والتطريز، بدلاً من اللعب في الخارج.
بسبب هذا، كان يواجه صعوبةً في الانسجام مع الأولاد في سنّه، لكنه كان دائمًا يجذب انتباه الفتيات.
أحيانًا كانت والدتهم تقول إن آريس كان يجب أن يولد بنتًا بدلاً من ابن.
ثم في يومٍ من الأيام، اختفى آريس.
على الرغم من أنه كانت هناك تقاريرٌ عن اختطاف الأطفال في ذلك الوقت، إلّا أن أحدًا لم يتصوّر أن شخصًا ما سيجرؤ على اختطاف طفلٍ من عائلةٍ نبيلة.
كان الأمر صادمًا، لكنهم اعتقدوا أنهم سيجدونه بسرعة. افترضوا أن الخاطف سيتّصل بهم للحصول على المال، لكن لم تأتِ أيّ رسالة.
هذا عندما فكّرت رايلي في احتمالٍ أكثر شرًّا.
ماذا لو لم يكن الهدف هو المال، بل آريس نفسه؟
بعد ستة أشهر، عاد آريس بأعجوبة. نصف واعٍ، ذكر أنه تم اختطافه من قِبَل امرأةٍ واحتُجز في قصرٍ أبيض في الريف قبل أن يفقد الوعي لعدّة أيام.
“بالطبع بحثنا. حتى أننا زُرنا القصر الذي أقام فيه آريس.”
أصدروا إشعارات بحثٍ بناءً على وصف آريس لمنع وقوع ضحايا آخرين، لكنهم لم يعثروا عليها في أيّ مكان.
“هل كانت هناك أيّ أدلّةٍ في القصر؟”
“كانت هناك.”
تنهّدت رايلي وهي تتذكّر ذلك اليوم.
“كان واضحًا أن هذا لم يكن مُختطِفًا عاديًا.”
“ماذا تعنين؟”
ضغطت كيرين يديها بقوّة لتبقى هادئة وهي تسأل. عند رؤية نظرة الإلحاح في عينيها، كشفت رايلي على مضض.
“وجدنا آثار طقوس سحرٍ أسود في جميع أنحاء المكان.”
“ماذا…؟”
بينما كرّرت كيرين بلا تصديق، واصلت ريلي بنبرةٍ غير معتادةٍ من اللطف.
“من بينها دائرةٌ سحريةٌ لإحياء الموتى.”
“…”
“يبدو أنها كانت تختطف الأطفال عدّة مرّاتٍ من قبل.”
على الرغم من أن رايلي تحدّثت ببرودٍ إلى كيرين الصامتة، إلّا أنها كانت تغلي من الغضب في الداخل. ذكرى ذلك اليوم بقيت حية.
“عندما أفكّر في كم عانى هناك وحده…”
منذ ذلك اليوم، أصبح آريس يكره تمامًا الاتصال الجسدي مع النساء. في أفضل الأحوال كان يتجنّبه؛ في أسوأ الأحوال، كان يُغمى عليه. عند رؤيته يعاني حتى من لمسةٍ خفيفةٍ من والدتهم، كانت رايلي تضطرٌ إلى النظر بعيدًا، مُدمَّرةً بسبب فشلها في حماية أخيها.
“لهذا انضممتُ إلى برج السحر. اعتقدتُ أنه قد يكون لديهم طريقةٌ لعلاج الجروح النفسية التي لم يستطع محوها.”
كأخته، شاعرةً بالعجز عن فعل أيّ شيءٍ آخر، تخلّت عن أفكار الزواج والرومانسية، وعزلت نفسها في برج السحر على أمل مساعدته بطريقةٍ ما.
بينما كانت تستمع بهدوءٍ إلى كلمات رايلي، لم تستطع كيرين إلّا أن تبتسم.
“أنتِ حقًا تهتمين بأخيكِ كثيرًا.”
“هذا مهينٌ بعض الشيء، حتى منكِ.”
على الرغم من أن رايلي عبست بشكلٍ مَرِح، إلّا أنها بدت وكأنها تذكّرت شيئًا وسألت.
“بالمناسبة، هل لم تعُد ذكرياتكِ بعد؟”
“ليس بعد.”
“إذًا لم تسمعي شُكري.”
قبل أن تسأل كيرين عما تعنيه، واصلت رايلي.
“شكرًا لإنقاذكِ آريس في ذلك الوقت. لولاكِ، لكان قد مات.”
تفاجأت كيرين بهذه الكلمات غير المتوقعة، واتسعت عيناها قبل أن تبتسم بصمت. يبدو أنه قبل أن يفقدوا ذكرياتهم، كانوا يعرفون بعضهم البعض، وكانت رايلي على علمٍ بصلتها بآريس.
بينما تردّدت كيرين بشكلٍ مُحرَج، أمسكت رايلي يديها بحرارة. عند رؤية الإخلاص في عينيها، أدارت كيرين وجهها قليلاً.
ربما لأن ذكرياتها لم تعد بعد، شعرت بفراغٍ غريبٍ في قلبها.
‘قريبًا…’
كانت لحظة تمنّت فيها بشدّة أن تستعيد ذكرياتها.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "69"