“هل يبدو غريبًا إلى هذا الحد؟”
بدون أن يكلّف نفسه عناء النظر في المرآة، أمال آريس رأسه وقام بتعديل الشريط المربوط في شعره بخفة. ثم نظر إلى الخادمات المحيطات به.
على الرغم من أنه لم يقلها بصوتٍ عالٍ، إلّا أن نظره كان يسأل بوضوحٍ إذا كان يبدو غريبًا.
بقراءة تعبيره، تبادلت الخادمات نظراتٍ غير مرتاحةٍ قبل أن يلتمسن المساعدة من كيرين. بفهمها لطلبهم الصامت على الفور، أطلقت كيرين تنهيدةً خفيفةً ونقرت بلسانها.
“تعال هنا.”
غير قادرةٍ على تحمّل المنظر لفترةٍ أطول، أشارت له بالقدوم. وبشكلٍ مفاجئ، وقف آريس أمام كيرين بطاعة.
“هل يبدو غريبًا جدًا؟”
“نعم.”
عند ردّها الحازم والواضح، خدش آريس ذقنه بخجلٍ وتمتم.
“هذا مزعج.”
“ما المزعج في ذلك؟”
“ساشا طلبت مني أن أضعه في شعري.”
لهذا السبب جاء بشكلٍ سخيفٍ بشريطٍ في شعره.
بينما كانت تستمع بصمت، لم تستطع كيرين إلّا أن تضحك ب بصدمة .
“فقط بسبب ذلك؟”
“ماذا تعنين بـ ‘فقط’؟ إنه طلب ساشا.”
كان سلوكه يوحي بأن الأمر أكثر أهمية من مرسومٍ إمبراطوري. بينما وجدت كيرين سلوكه سخيفًا، إلّا أنه لم يكن غير مفهوم.
“ضعه على معصمكَ بدلاً من ذلك.”
قامت كيرين بإزالة الشريط الكبير من شعره وأمسكت بمعصم آريس. عندما لامست أصابعها جلده بدلاً من كمه، تردّدت للحظة. ومع ذلك، نظر آريس إليها فقط كما لو كان يتساءل لماذا توقفت.
“ما الخطب؟”
“لا شيء.”
هزّت كيرين رأسها بسرعةٍ وربطت الشريط حول معصم آريس.
‘يبدو أنه حقًا لا يمانع لمستي الآن.’
على الرغم من شعورها بدفئه حيث التقت أيديهما، لم يُظهِر آريس أيّ علامةٍ على عدم الراحة. وجدت كيرين نفسها تشعر بالراحة دون وعي.
“ها، انتهينا.”
بمجرّد أن انتهت من ربطه، أطلقت كيرين معصمه. اختفى الدفء على الفور.
‘أفتقد—’
قبل أن تتشكّل الفكرة حتى بشكلٍ كاملٍ في ذهنها، صفعت كيرين خدّها بقوّة.
جعل الصوت العالي للصفعة الخادمات يصرخن من الدهشة. الأكثر ذهولاً كان آريس، الذي وقف أمامها مباشرة.
“ما هذا؟ ما الخطب؟”
“لا شيء.”
“لا شيء؟ دعيني أرى.”
عندما أبقَت كيرين رأسها منخفضًا، رافضةً النظر لأعلى، أمسك آريس وجهها بكلتا يديه.
“لقد قمتِ للتوّ بوضع المكياج، ماذا تفعلين؟”
على الرغم من أن كلماته كانت توبيخية، إلّا أن آريس كان يركّز على فحص خدّها. كانت عيونه، الصافية كبحيرةٍ زرقاء، مليئةً بالقلق.
“ظننتُ أنني شعرتُ بحشرةٍ على وجهي…”
شعرت بعدم الارتياح عند مواجهة نظراته، وحاولت أن تبتعد، لكن آريس لم يترك وجهها.
استمر توبيخه.
“كيف يمكنكِ أن تضربي نفسكِ بهذه القوة؟ إنه بالفعل أحمر اللون.”
“سيكون على ما يرام قريبًا.”
“بجدية.”
على الرغم من أنه نقر لسانه استنكارًا، إلّا أن لمسته ظلّت دافئةً ولطيفةً بينما كان يداعب خدّها، مما جعل كيرين تصرّ على أسنانها وتدفع ذراعيه بعيدًا.
“نحن لسنا وحدنا هنا، كما تعلم.”
بإشارةٍ واضحةٍ إلى الخادمات، بدا أن آريس لاحظ أخيرًا وخفض يديه بحذر.
“آه، صحيح.”
بعد إلقاء نظرةٍ سريعةٍ على محيطه، عاد آريس إلى كيرين وتمتم بهدوء.
“يا للأسف.”
“…؟”
رفعت رأسها فجأة، متسائلةً إذا كانت قد أساءت السماع. التقت نظراتهما، لكن آريس ابتسم فقط بصمتٍ قبل أن يغادر.
‘هل أنا أجنّ حقًا؟’
أدركت شيئًا متأخّرًا، وسرعان ما غطّت كيرين وجهها بظهر يدها.
شعرت بوجهها وهو يسخن أكثر من عندما صفعت نفسها.
***
‘مَن هو الماكر حقًا هنا؟’
بمجرّد أن ركبوا العربة، نظرت كيرين إلى آريس.
الرجل الذي كان دائمًا يصف فينسنت بالماكر أصبح أكثر إغراءً بنفسه بعد استعادة بعض الذكريات.
مع ذلك، أمام ساشا، تحوّل إلى أبٍ حنونٍ بلا حدود.
“ساشا، شعركِ غير مرتب.”
“بابا، رتّبه لي.”
على الرغم من أنه كان مجرّد خصلاتٍ عالقةٍ على خدها، قام آريس بتمشيطها بعنايةٍ شديدةٍ قبل أن يبتسم بفخر. وكأن لا شيء يمكن أن يجعله أكثر سعادة.
‘يبدو أكثر تفانيًا الآن.’
فقط من طريقة نظره إلى ساشا ولمسته الحذرة، كان من السهل رؤية كم يعتزّ بها.
بالتأكيد أظهر عاطفةً أكثر بكثيرٍ مما كان عليه عندما لم يكن لديه ذكريات.
‘أتساءل…’
فجأة تساءلت كيف ستكون إذا استعادت بعض الذكريات أيضًا.
“بماذا تفكرين؟”
ربما كانت قد حدّقت لفترةٍ طويلة. عندما سأل آريس بفضول، تفاجأت كيرين وهزّت رأسها.
“لا شيء.”
في البداية، كانت تريد يائسةً استعادة ذكرياتها.
حتى تتمكّن من طلاق هذا الرجل الملعون بمجرّد عودتها والعيش بمفردها مع ساشا.
ولكن الآن الأمور مختلفة.
“لا يبدو وكأنه لا شيء.”
ابتسم آريس بسلاسةٍ وفحص خدّها.
“هل خدّكِ بخير؟”
“إنه بخيرٍ الآن.”
بإعطاء ردٍّ عابرٍ متعمّد، التفتت كيرين لتنظر من النافذة.
‘كنتُ أكرهه بشدّة.’
ولكن مع قضاء الوقت معًا، أدركت أنه ليس شخصًا سيئًا، وعلمت لاحقًا أنه كان آريا التي كانت تبحث عنها. العداء الحاد الذي شعرت به ذاب بسهولة.
في تلك اللحظة، توقفت العربة، بعد أن وصلت إلى قاعة الحفلات في القصر الإمبراطوري.
نزل آريس أولاً وساعد كيرين وساشا على النزول بالإمساك بأيديهما. وبينما كانوا على وشك دخول قاعة الحفلات، توقٌف آريس فجأة.
“آه…”
بدا مرتبكًا.
بتتبّع نظراته، لاحظت كيرين أن القفازات التي كان يرتديها عادةً كانت مفقودة.
“هل ستكون بخير؟”
“…”
على الرغم من أن كيرين سألت، وفهمت على الفور سبب قلقه، إلّا أن آريس بقي صامتًا للحظة قبل أن يبتسم دون كلمات.
“سأكون بخير.”
ابتسم آريس كما لو كان يقول لها ألّا تقلق وكان على وشك الدخول مع ساشا، لكن كيرين حجبت طريقه.
“لا، لن تكون بخير.”
شخصٌ ينكمش عند أقلّ لمسةٍ لملابسه سيكون بالتأكيد منزعجًا من ملامسة الجلد.
أطلقت كيرين تنهيدةً صغيرةً وسحبت شيئًا من كمها.
“كُن أكثر حذرًا في المرّة القادمة.”
كانت القفازات البيضاء التي كان آريس يرتديها غالبًا.
بينما وقف آريس متفاجئًا، غير قادرٍ على الكلام ويحدّق فقط في القفازات، ساعدته كيرين بفارغ الصبر على ارتدائها بنفسها.
“هل أحضرتِ هذه عمدًا من أجلي؟”
“…”
عند سؤاله من الأعلى، واصلت كيرين وضع القفازات على يديه بصمتٍ قبل أن تنظر إليه بفخر.
“لم أكن أرغب في التعامل مع تذمّرك فقط.”
على الرغم من أنها قصدت منع أيّ سوء فهم، بدا آريس سعيدًا بشكلٍ واضح.
“شكرًا لكِ.”
“…”
عند سماع شكره غير المتوقع مصحوبًا بابتسامةٍ لطيفة، تجمّدت كيرين.
في هذه الأثناء، مدّ آريس يده نحوها ببساطة.
“هل نذهب؟”
شعره الفضي المرتّب بدقّة، عيونه الزرقاء المنحنية قليلاً، ويده الكبيرة الممدودة نحوها.
لم تستطع أن ترفضها.
“نعم.”
أخذت كيرين يد آريس بسهولةٍ وابتسمت قليلاً.
حتى ذلك الحين، كانت تعتقد أن اليوم سيمرّ بشكلٍ طبيعي، أو على الأقل بأمان.
***
“آريس، استيقظ! آريس!”
بالكاد مرّت ساعة، ولكن قاعة الحفلات كانت قد تحوّلت إلى أنقاض. كانت الستائر الحريرية تحترق بشكلٍ بشع، وامتلأ الهواء بصرخاتٍ متألّمة. انهار جزءٌ من المبنى، مما تسبّب في إصابات.
في وسط كلّ ذلك، ركعت كيرين أمام آريس، الذي كان محاصرًا تحت عمود، وتناديه بيأس. لكن آريس، الذي كان قد فقد الوعي بالفعل، لم يُظهِر أيّ علامةٍ على الاستيقاظ. أرادت أن تهزّ كتفيه، ولكن خوفًا من جعل حالته أسوأ، لم تستطع إلّا أن تصرخ بإحباط.
“أرجوك استيقظ! استيقظ!”
كان الدخان الناتج عن الحريق يزداد كثافة، مما جعل التنفّس أكثر صعوبة.
لم تكن تريد أن تموت. كان هناك الكثير من الأشياء التي تريد وتحتاج إلى القيام بها.
“أرجوك، استيقظ، أيها الأحمق!”
لكنها لم تستطع ترك آريس وراءها.
حتى لو كان ذلك يعني الموت معًا.
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "65"
شكرا على الفصول💗💗