بعد تهدئة ساشا الخائفة ووضعها في الفراش والتي ظنت أن شيئًا فظيعًا قد حدث، أطلقت كيرين وآريس تنهيدةً في نفس الوقت.
لم يتمكّنوا من فهم كيف حدث هذا.
“ألم تقولي أن هذه الجرعة تحتاج إلى التخمير لفترةٍ طويلة؟”
كان آريس هو أول مَن ذكر هذه الحادثة. نظرت كيرين، التي كانت جالسة بجوار السرير وتغطي ساشا ببطانية، إلى آريس.
“هذا صحيح.”
“ثم أليس من الممكن ألّا يكون له أيّ تأثير؟”
سأل آريس بتعبيرٍ متفائلٍ إلى حدٍّ ما.
لكن ردّ فعل كيرين الأول كان ابتسامةً مريرة. كانت تعرف الإجابة التي يريدها آريس، لكن في هذه المرحلة، لم تكن متأكدةً من أيّ شيء.
“سيكون من الجيد ألّا يكون هناك أيّ تأثير. ولكن قد يكون هناك تأثير.”
“فما هو تأثير الجرعة؟”
“لا أعلم، لقد أخبرتُكَ أنه لا يزال في مرحلةٍ تجريبية.”
“….”
“….”
وفي الصمت الثقيل، صدى صوت تنهداتهما مرّةً أخرى.
“ثم أعتقد أن كلّ ما يمكننا فعله هو أن نأمل أن تكون جرعة استعادة الذاكرة.”
لم يتمكّن آريس من احتواء إحباطه، فمرّر يده بعنفٍ في شعره.
في الوقت الحالي، كلّ ما يمكنهم فعله هو الدعاء للسماء بأن لا يكون هناك أيّ تأثير وأن كلّ شيءٍ سيكون على ما يرام.
“في الوقت الحالي، لا تنسَ أن تستمر في فحص حالتكَ الجسدية. إذا شعرتَ بأيّ شيءٍ غير طبيعي، فأخبرني.”
كلّ ما يمكنهم فعله الآن هو مراقبة حالتهم باستمرار، بالنظر إلى ما حدث بالفعل.
يبدو أن آريس كان له نفس الرأي، حيث أومأ برأسه بتعبيرٍ مضطربٍ قبل أن يعود إلى غرفته.
***
وفي صباح اليوم التالي، وعلى الرغم من توترهم، بدت حالتهم الجسدية أفضل بكثيرٍ من المتوقع.
ويبدو أن هذا كان الحال بالنسبة لآريس أيضًا، إذ بدا لون بشرته أكثر استرخاءً.
“يبدو أنه لن يحدث شيء؟”
“نأمل ذلك.”
يبدو أنه نظرًا لأنه تم تخميره لمدّة يومٍ واحدٍ فقط، لم يكن هناك أيّ تأثيرٍ معين.
‘الآن يمكنني الاسترخاء قليلا.’
وبينما كانا يشعران بالارتياح، بدا لون بشرة ساشا سيئًا بشكلٍ غير عاديٍّ اليوم.
“ساشا، هل أنتِ بخير؟”
كيرين، التي كانت تحزم أمتعتهم حيث كانوا يخطّطون للعودة إلى إمبراطورية أرتيوم بعد ظهر اليوم، قامت بفحص ساشا من أعلى إلى أسفل عندما سألت.
كان خديها الشاحبتين عادةً محمرّتين قليلاً، وكانت حركاتها وأفعالها بطيئة.
“نعم، أنا بخير.”
“دعيني أرى.”
عندما أشارت كيرين لها بالاقتراب، أصرّت ساشا على أنها بخيرٍ وتراجعت متردّدة. في النهاية، نهضت كيرين واقتربت من ساشا، وتحسّست جبهتها.
“لديكِ حمّى. كيف تكونين بخير؟”
“أنا بخيرٍ حقًا…”
لا تزال ساشا تصرّ على أنها بخيرٍ وتتذمّر بشأن رغبتها في العودة إلى المنزل.
ولكن لم يكن هناك أيّ طريقةٍ تمكّنهم من السماح لها بالصعود على متن سفينةٍ في هذه الحالة.
“أريد أن أعود إلى المنزل، ماما …”
“دعينا ننتظر حتى تنخفض حرارتكِ قليلاً أولاً، حسنًا؟”
“لكن …”
عادةً لا تكون ساشا من النوع الذي يثير نوبات غضب، لكنها اليوم أصرّت بعنادٍ على العودة إلى المنزل.
وجدت كيرين هذا السلوك غريبًا بعض الشيء، ومع ذلك وضعت ساشا في السرير.
“دعينا ننام اليوم ونعود إلى المنزل غدًا، ساشا.”
“أنا آسفة …”
“هممم؟”
“لأن ساشا مريضة …”
سحبت ساشا البطانية إلى ذقنها، ونظرت إلى كيرين بتعبيرٍ دامعٍ قبل أن تخفض بصرها.
“لا يمكننا العودة إلى المنزل لأنني مريضة.”
لقد كانت منزعجةً بشكلٍ واضحٍ وتعتذر أثناء حديثها.
عند رؤية هذا، شعرت كيرين بأن قلبها ينكسر، وقد غلب عليها التعاطف.
“لا داعي للاعتذار عن مرضكِ.”
ربّتت كيرين بلطفٍ على خدّ ساشا، متسائلةً عما إذا كان تركها بمفردها عندما وقع الحادث لها ولآريس قد أثّر عليها بهذه الطريقة.
‘هل كانت تعتقد أنه قد تمّ التخلّي عنها؟’
لقد بدا الأمر كما لو أنها كانت تحمل أفكارًا سلبية، بعد أن تُرِكت بمفردها لمدّة شهرٍ كامل، ليس من قِبَل شخصٍ واحد، بل من قِبَل شخصين.
شعرت كيرين بالأسف، معتقدةً أن هذا قد يكون السبب في أن ساشا نادراً ما تثير نوبات غضب على الرغم من صغر سنها.
“لكن والدتكِ منزعجةٌ قليلاً لأنكِ لم تخبرينا بأنكِ مريضة.”
“لم أُرِد أن أُشعِر أمي وأبي بالقلق …”
لقد كان كما توقعت تمامًا.
حاولت كيرين قمع مشاعرها المعقدة، فقامت بتنعيم شعر ساشا بلطفٍ وقالت،
“أمكِ وأبيكِ يحبّان القلق بشأن ساشا. أنتِ ابنتنا، بعد كلّ شيء.”
“ما زال …”
ولكن ساشا لا تزال غير قادرةٍ على إخفاء مشاعر الاعتذار لديها.
نظرت إليها كيرين بهدوء، وأعطت مثالاً قد يكون من الأسهل على ساشا فهمه.
“هل سيكون من المقبول أن تخفي أمكِ وأبيكِ الأمر عن ساشا عندما نمرض؟”
“لا، لن يكون الأمر مقبولاً.”
للمرّة الأولى، تحدّثت ساشا بوضوحٍ وحزم، بدلاً من التوقّف عن الكلام.
سعدت كيرين لأن ساشا فهمت أخيرًا، وابتسمت بلطف.
“إنه نفس الشيء تمامًا. لذا في المرّة القادمة التي تمرضين فيها، تأكّدي من إخبار أمكِ أو أبيكِ، حسنًا؟”
“حسنًا، إذن يجب على ماما وبابا أن يخبرا ساشا عندما يكونون مريضين أيضًا.”
“هل ستعتنين بنا إذا مرضنا؟”
“نعم، سأعتني بكما.”
كادت كيرين أن تنفجر ضاحكةً عند سماع هذا.
“ماما.”
“نعم؟”
“أحبّكِ.”
“….”
فوجئت كيرين بهذا الاعتراف غير المتوقع، أصبحت عاجزةً عن الكلام للحظة.
لقد وجدت صعوبةً في النظر بعيدًا عن العيون البنفسجية التي كانت تحدّق فيها بحنان.
“ماما تحبّ ساشا أيضًا.”
“نعم …”
“احصلي على قسطٍ جيدٍ من الراحة الآن، وسنعود إلى المنزل غدًا.”
وبينما كانت كيرين تربٌت على كتفها برفق، أغمضت ساشا عينيها ببطءٍ ونامت. لا بد أنها كانت متعبةً لبعض الوقت.
“هاه …”
بعد أن تأكّدت من أن ساشا كانت نائمة، أطلقت كيرين تنهيدةً صغيرة.
كم كان الأمر مؤسفًا ومحزنًا أن الطفلة لم تستطع أن تقول بصدق أنها كانت مريضة عندما كانت كذلك.
الشيء الوحيد المؤسف هو أنها لم تكن ابنتها البيولوجية.
‘إنها جميلةٌ جدًا، ولكنها ليست طفلتي.’
على الرغم من أنها لم تكن ابنتها البيولوجية، إلّا أن كيرين ستحبّها بنفس القدر، لكنها لم تستطع أن تمنع نفسها من الشعور ببعض الندم.
وفي تلك اللحظة، سمعت صوتًا خلفها.
“لماذا تستغرقين وقتًا طويلاً؟”
اقترب آريس، الذي كان ينتظر خارج الغرفة، من كيرين وسأل، ثم عندما رأى ساشا مستلقيةً على السرير، سأل بفضول.
“هل ساشا مريضة؟”
“نعم، إنها تعاني من بعض الحمّى، لذا أعتقد أنه من الأفضل أن نغادر غدًا. لقد ذهب فينسنت إلى اجتماع الصلاة على أيّ حال، لذا سيكون من الجيد أن نبقى يومًا آخر. لن يقول أحدٌ شيئًا عن بقائنا يومًا إضافيًا.”
“هذا جيد، ولكن هل يومٌ واحدٌ سيكون كافيًا؟”
“الحمّى ليست مرتفعةً جدًا، لذا يجب أن تكون بخيرٍ بعد أن تنام.”
“حسنًا، دعينا نعطيها بعض أدوية الحمّى أولًا.”
كان دواء الحمّى في غرفة آريس، لذلك ذهبوا إلى هناك معًا.
دخلت كيرين غرفة آريس أولاً وكانت على وشك الوقوف بعد الحصول على دواء الحمّى من الحقيبة عندما حدث ذلك.
فجأة، بدأت الغرفة تدور، وشعرت وكأنها في حالة سُكرٍ بعد شرب كمياتٍ زائدةٍ من الكحول.
‘ماذا يحدث؟’
كلّما حاولت التركيز، أصبحت رؤيتها أكثر ضبابية، لذا هزّت كيرين رأسها بقوّة. لكن عقلها بدأ يشعر بالضبابية بالفعل.
“آريس، أشعر بغرابة …”
مدّت يدها طالبةً المساعدة للوصول إلى الكرسي، لكن لم يكن هناك أيّ ردٍ من آريس.
‘أحمقٌ غير مراعٍ.’
وبينما كانت على وشك توبيخه لعدم مساعدتها، سمعت فجأةً صوتًا قويًا. ذعرت ونظرت إلى أعلى لتجد آريس مُلقًى على السرير، ممسكًا برأسه من الألم.
‘مستحيل …’
كان آريس يعاني من نفس الأعراض التي تعاني منها.
عندما التقت أعينهما، خطرت نفس الفكرة في ذهنيهما في نفس الوقت. ولكن قبل أن يتمكّنا من قول أيّ شيء، فقدا الوعي.
***
‘أوه، رأسي …’
في صباح اليوم التالي، عندما استعادت كيرين أخيرًا بعض وعيها، رفعت نصف جسدها، ممسكةً برأسها.
لقد شعرت وكأنها تعاني من صداع الكحول، على الرغم من أنها لم تشرب.
عندما تمكّنت كيرين بالكاد من النهوض، أدركت متأخرًا أن هناك شيئًا غير طبيعي. ومن الغريب أن مجال رؤيتها بدا أعلى.
ظنّت أنها قد يكون خيالها، فحاولت البحث عن آريس، ولكن بدلًا من آريس، رأت امرأةً تقف هناك.
“مَن أنتِ؟”
“….”
“لماذا تشبهينني؟”
من غير المعقول أن تكون هناك نسخةٌ أخرى منها واقفةً هناك. ظنّت أنها ربما لم تكن مستيقظةً تمامًا، ففركت عينيها ونظرت مرّةً أخرى، لكن الشكل كان لا يزال هناك، واقفًا في نفس المكان.
“إذا كنتِ تحاولين القيام بشيءٍ غريب، فقد قُضِي عليكِ.”
“هذا أنا.”
“ماذا؟”
“قلت، إنه أنا.”
نظرت إليها كيرين بغرابةٍ عند سماع هذا التصريح المفاجئ، وأطلقت المرأة التي تشبه كيرين تنهيدةً عميقةً وأشارت بصمتٍ إلى المرآة.
متسائلةً عما كان يدور حوله هذا، نظرت كيرين في المرآة وتجمّدت.
“ماذا؟ لماذا أنا …”
لم تعكس المرآة شكلها، بل شكل آريس. حتى الطريقة التي انفتح بها فم الشكب المنعكس من المفاجأة كانت هي نفسها تمامًا.
“ثم هل من المحتمل أن تكون آريس؟”
مع تعبيرٍ عن عدم التصديق، شاهدت كيرين المرأة التي تشبهها وهي تهزّ رأسها.
“لقد قمنا بتبديل الأجساد هذه المرّة؟”
ظنّت أنه من حسن الحظ أن الجرعة لم يكن لها أيّ تأثير، ولكن الآن هذا فاجأهم.
“لا تجرؤ على الاستحمام. أقسم، إذا فعلتَ ذلك …”
كانت مصممةً على عدم السماح له برؤية جسدها. ولكن لسببٍ ما، تجنّب آريس النظر إليها، وبدا عليه الانزعاج. وبينما كانت كيرين تنظر إلى آريس بريبة، لاحظت الأزرار غير المتوافقة على الملابس وأطلقت ضحكةً غير مصدّقة.
“لا تخبرني أنكَ رأيتَ ذلك بالفعل؟”
⋄────∘ ° ❃ ° ∘────⋄
ترجمة: مها
انستا: le.yona.1
التعليقات لهذا الفصل "50"